أكد تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية، أن الهجمات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة ضد ميليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، لتأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر لم تعد تجد نفعاً، وأن على الإدارة الأميركية اتخاذ سبل جديدة لإدارة المعركة ومواجهة هذه الميليشيات التي تستخدم العنف والدعاية الإعلامية لأجل تعزيز شرعيتها في الداخل والخارج.

ويرى التحليل الأميركي أن الحوثيين المدعومين من إيران باتوا مشكلة عنيدة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها. حيث تستخدم هذه الجماعة موقعهم على البحر الأحمر لتعطيل الأعمال المعتادة. لافتاً إلى أن التحالف الذي تقوده أميركا لكبح جماح الحوثيين فشلت في الردع الكلي، وهذا ما تؤكده وتيرة الهجمات على السفن التجارية خلال الشهرين الماضيين. 

التحليل أعدته الباحثة السياسية، ألكسندرا ستارك، وحمل عنوان "شن الحرب الخطأ في اليمن.. لماذا لا يمكن قصف الحوثيين حتى يخضعوا؟" وركز على أهمية أن انتهاج الولايات المتحدة استراتيجية مغايرة لإدارة المعركة وتأمين الملاحة الدولية. 

وأشارت الباحثة أن الحوثيين تمكنوا من استخدام العنف بنجاح لتصوير أنفسهم باعتبارهم المدافعين عن الفلسطينيين، وتعزيز شرعيتهم في الداخل والخارج، وإظهار أهميتهم كعضو رئيسي في "محور المقاومة" الإيراني ــوهي شبكة من المنظمات العسكرية الشيعية وغير الشيعية التي تمتد من العراق إلى لبنان والتي تستخدمها طهران لنشر نفوذها في المنطقة.

ويوضح التحليل أن الحوثيين يعتقدون أنهم سيكسبون المزيد من الثناء والدعم في المنطقة من خلال شن هذه الهجمات ضد إسرائيل والسفن التجارية مقارنة بما سيخسرونه من جراء الاضطرار إلى تحمل القصف. وهم ينظرون إلى حربهم باعتبارها مبادرة للعلاقات العامة، وحتى الآن، في نظرهم، كانت تستحق كل ذرة من الدماء والثروات.

تداعيات كبيرة

منذ نوفمبر 2023، استهدف الحوثيون أكثر من 70 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن في هجمات أسفرت عن مقتل أربعة بحارة وإغراق سفينتين واختطاف سفينة ثالثة. وقد أدى هذا التصعيد في العنف إلى تلميع صورة الحوثيين باعتبارهم أبطال الفلسطينيين وخصمًا شجاعًا للغرب. ولم تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من وقف موجة الهجمات أو كبح الحملة الدعائية التي تشنها الجماعة.

ويزعم الحوثيون أن هجماتهم تأتي ردا على غزو إسرائيل لغزة ووعدوا بالاستمرار حتى توافق إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية بحرية إلى المنطقة المدمرة. وكانت للهجمات تداعيات كبيرة على التجارة الدولية في البحر الأحمر -ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، انخفضت حركة الشحن عبر المنطقة بمقدار النصف. وتعاملت السفن التجارية المارة عبر قناة السويس والبحر الأحمر مع ما يقدر بنحو 15 في المائة من التجارة العالمية في عام 2023، بما في ذلك 25 إلى 30 في المائة من إجمالي شحن الحاويات. وسعى تحالف متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة إلى حماية السفن في البحر الأحمر بإسقاط صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار وضرب الأصول العسكرية الحوثية في اليمن. لكن من الواضح أن هذه الجهود كانت غير كافية لحماية التجارة العالمية.

يؤكد تحليل مجلة فورين أفيرز الأميركية أن المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة هي أنها ركزت بشكل مفرط على الأبعاد العسكرية للصراع. فقبل السابع من أكتوبر 2023، كان الحوثيون يكافحون من أجل تعزيز سلطتهم على الأراضي التي يسيطرون عليها في اليمن، وصرف الانتباه عن سجلهم السيئ في الحكم. إلا أن الضربات التي ينفذونها في البحر الأحمر وصوب إسرائيل مؤخراً هدفها تعزيز شرعيتهم بشكل كبير داخل اليمن وفي المنطقة، وكذا الادعاء أنهم حاملو لواء المقاومة وأنهم جندوا أكثر من 100 ألف مقاتل جديد لهذه الحرب.

الدعاية سلاح حوثي

بحسب التحليل الأميركي فإن الحوثيين سعوا إلى تعزيز قوتهم الإعلامية عبر الحملات الدعائية التي يقومون بتنسيقها لإظهار أنفسهم أنهم أبطال وشجعان ومناصرون للقضية الفلسطينية. حيث يقوم الحوثيون بالترويج لعمليات وهجمات ضد إسرائيل، إلى جانب التأكيد على علاقاتهم بإيران وأعضاء آخرين فيما يعرف باسم "محور المقاومة". زعموا أنهم نفذوا عملية عسكرية مشتركة مع ميليشيا مدعومة من إيران في العراق لاستهداف ميناء حيفا الإسرائيلي. كما سررت وسائل الإعلام الحوثية بالثناء الذي تلقته الجماعة من شركائها في طهران. في يناير، أشاد القادة الإيرانيون بالحوثيين لـ"موقفهم القوي والموثوق في دعم الشعب الفلسطيني المضطهد".

يعتقد الحوثيون أن ارتفاع مكانتهم في المنطقة يجعل تكاليف الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضدهم أسهل بكثير. والواقع أنهم تبنوا فكرة مفادها أنهم "تحت هجوم" من جانب الولايات المتحدة وأنهم يواجهون الإمبريالية، وهي رسالة مجربة وحقيقية تستخدمها الأنظمة الاستبدادية القمعية، وغالباً ما تحقق نتائج عظيمة. والواقع أن زعيمهم أصر على أن "مواجهة أميركا بشكل مباشر شرف عظيم ونعمة عظيمة".

وخلال التحليل قالت الباحثة السياسية، ألكسندرا ستارك: "لكي نكون واضحين، لا يحتاج المرء إلى التعاطف مع أهداف الحوثيين لفهم ما تحاول الجماعة تحقيقه من خلال حملتها الإعلامية. إن حكم الحوثيين عنيف وقمعي، وليس للحوثيين أي ادعاء شرعي بتمثيل الشعب اليمني. والواقع أن هجماتهم على الشحن في البحر الأحمر تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لشعب اليمن، الذي يعاني بالفعل من التداعيات الإنسانية لحرب مدمرة عصفت ببلاده لعقد من الزمان. ولكن فهم ما يحاول الحوثيون تحقيقه ــولماذا يعتقدون أنهم منتصرونــ من شأنه أن يساعد الولايات المتحدة في وضع سياسة فعّالة لمواجهتهم".

خيارات أميركية 

يؤكد التحليل: "أن الولايات المتحدة لا تملك سوى خيارات قليلة جيدة عندما يتعلق الأمر بالرد على الحوثيين. فحتى الآن، فشلت الضربات العسكرية، والعقوبات التي تستهدف قيادة الحوثيين، والجهود الرامية إلى منع تهريب الأسلحة في وقف الهجمات". ومن غير المرجح أن يؤدي تصعيد نطاق وشدة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة إلى تغيير حسابات الحوثيين أو تغيير الديناميكيات العسكرية للصراع بشكل كبير. ومن الممكن أيضا أن يؤدي توسيع نطاق العمل العسكري إلى تدهور القدرات العسكرية المتطورة للحوثيين في الأمد القريب، ولكن الحوثيين سيكونون قادرين على تجديد هذه القدرات بالصواريخ المهربة من إيران.

وتؤكد الناشطة السياسية أن وحتى الآن، لم يتمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من وقف نقل هذه الأسلحة إلى اليمن. وفي الوقت نفسه، يستطيع الحوثيون استخدام التكنولوجيا المنخفضة التكلفة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار في الجو والبحر. وبعد عقود من الحرب المتمردة، أصبحوا ماهرين في نقل وإخفاء أصولهم. 

وتوضح الناشطة: "إن أفضل فرصة للولايات المتحدة لردع هجمات الحوثيين هي إيجاد السبل اللازمة لإدارة حملة إعلامية خاصة بها لمواجهة رسائل الحوثيين. وما دام الحوثيون يعتقدون أنهم يربحون حرب المعلومات، فمن المرجح أن يستمروا في هجماتهم. إن تحييد الدعاية الحوثية هو أفضل وسيلة لردع هجمات الجماعة. والطريقة الأكثر مباشرة لإضعاف رسالتهم هي التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة. ورغم عدم وجود ضمانات بأن الحوثيين سيوقفون هجماتهم بمجرد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فإن هذا من شأنه أن يقلل إلى حد كبير من قوة رسالتهم من خلال القضاء على مصدر ضخم للمظالم والقلق الشعبي".

مكافحة التضليل

خلال الفترة الماضية، برزت جهود الكابتن كريس هيل، قائد حاملة الطائرات يو إس إس أيزنهاور، من خلال تقديم مثال مذهل يمكن أن يصبح نموذجًا لحملات أوسع نطاقًا. خلال نشر حاملة الطائرات لمدة تسعة أشهر في البحر الأحمر، أطلق هيل مبادرة على وسائل التواصل الاجتماعي كانت رسائلها متفائلة بلا هوادة، مسلطًا الضوء على الرجال والنساء الذين يخدمون على متن سفينته وإضفاء الطابع الإنساني على طاقمه. 

بحسب التحليل فإن هذه المبادرة أثبتت فعاليته بشكل خاص في مكافحة التضليل الحوثي. وفي يونيو، انتشرت مزاعم كاذبة بأن الحوثيين ضربوا أو حتى أغرقوا أيزنهاور على وسائل التواصل الاجتماعي، وتضخمت من خلال الحسابات الموالية لروسيا والصين. من خلال العمل ببساطة كصوت موثوق يصور الحياة اليومية على متن أيزنهاور، أثبت هيل أن السفينة كانت على ما يرام. على الرغم من أن رسائله لا شك أنها موجهة إلى الجمهور الأمريكي، إلا أنها لا تزال تنتشر في نفس بيئة وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر بها الكثير من الدعاية الحوثية. ومن خلال دحض الرسائل التي يرسلها الحوثيون ومناصروهم، بما في ذلك روسيا والصين، يمكن لمثل هذه المنشورات أن تلعب دوراً مهماً في مواجهة المعلومات المضللة.

كما يمكن أن تكون الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي فعالة في إظهار الضرر الذي تسببه هجمات الحوثيين، وتسليط الضوء على نمط القمع والنفاق الحوثي، وإظهار أن الجماعة لا تساعد الناس بل تؤذيهم. تُظهر صور مجموعة حاملة الطائرات أيزنهاور وهي تأتي لمساعدة طاقم السفينة تيودور متعددة الجنسيات، وهي سفينة أغرقها الحوثيون، كيف يستهدف الحوثيون ليس فقط السفن التجارية ولكن أيضًا الأشخاص العاديين من جميع أنحاء العالم الذين يعملون عليها. يمكن أن تنقل الرسائل الأمريكية أيضًا كيف اعتقل الحوثيون موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في يونيو، وفي هذه العملية جعلوا الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للعديد من الأسر اليمنية التي تعتمد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

إظهار نفاق الحوثيين

يؤكد تحليل مجلة فورين أفيرز الأميركية، أن تبادل المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الضرر الذي ألحقه الحوثيون باليمنيين العاديين من شأنه أن يساعد في إظهار نفاق الجماعة. مشيرا إلى أهمية التركيز إلى ما تخلفه الهجمات الحوثية على السفن التجارية من أضرار من ارتفاع تكلفة الشحن الذي يعكس بدوره على السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود التي تصبح أكثر تكلفة بالنسبة لليمنيين. إلى جانب الأضرار والعواقب الاقتصادية الوخيمة الناجمة عن الهجمات التي تستهدف ناقلات النفط, والتي تهدد صناعة صيد الأسماك، وهي مصدر رئيسي للعمالة والأمن الغذائي. 

ولفت التحليل إلى أن مثل هذه الهجمات سوف تستمر ما دام الحوثيون يعتقدون أن الحملة تعود عليهم بالفائدة من خلال نشر الرسائل التي يريدون إرسالها إلى دوائرهم الانتخابية المحلية، وشركائهم في محور المقاومة الإيراني، والغرب. ومن الممكن أن تؤدي حملة المعلومات المضادة التي تشنها الولايات المتحدة إلى تقليص هذه الفوائد إلى حد كبير، وتجعل من غير المجدي بالنسبة للحوثيين مواصلة الضربات الشرسة في مختلف أنحاء المنطقة.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی الولایات المتحدة فی البحر الأحمر السفن التجاریة أن الحوثیین یعتقدون أن فی المنطقة فی الیمن من خلال

إقرأ أيضاً:

قائد الحرس الثوري يخنق عنتريات سيّد الحوثيين : نحن من يستهدف السفن في البحر الأحمر ولا علاقة لها بنصرة غزة

 

أكد قائد الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي بأن بلاده وراء استهداف سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر ولا علاقة لها بنصرة غزة كما تروج له مليشيا الحوثي الإرهابية؛ بقدر ماهو صراع بحري ممتد منذ 6 سنوات بين طهران من جهة وواشنطن من جهة أخرى.

ووفق ما نشرته وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني، قال سلامي خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمقر القطاع الاقتصادي للحرس الثوري، "لقد مررنا بما يقارب من ست سنوات صعبة جدا، حيث وضعنا العدو عند مفترق العقوبات، وظاهرة كورونا، وتهديدات ترامب التي لم تكن أقل خطرا من كورونا، بالإضافة إلى التهديد بالعمليات العسكرية والضغط بغية فرض العزلة السياسية."

وواصل قائد الحرس الثوري الإيراني معترفا أن استهداف سفن الشحن التجارية سابق لحرب غزة بكثير: "استهدفوا 14 من سفننا لمنع تصدير نفطنا، وفي البداية، لم نعلم من يقوم بذلك، لأنهم كانوا يقومون بذلك بسرية تامة، فقمنا بالمقابل باستهداف 12 سفينة لهم، وعندما استهدفنا السفينة الخامسة، رفعوا أيديهم وقالوا: لنوقف حرب السفن، كما احتجز البريطانيون سفينتنا في جبل طارق، فاحتجزنا نحن السفينة "ستينا إمبيرو" الخاصة بهم واستسلموا، واحتجزوا سفينتين لنا في اليونان، فاحتجزنا سفينتين لهم، وفي النهاية استسلموا."

وتابع سلامي: "تمكّنا من إسقاط طائرتهم المتطورة بدون طيار (الأمريكية)، كنا في ظروف صعبة للغاية، حيث مقتل قاسم سليماني، وانتشار فيروس كورونا، وفرض أقسى العقوبات الاقتصادية علينا، وكانوا يحاولون وضعنا في عزلة سياسية.

وأشار إلى خطة بلاده في تسليح مليشيا الحوثي ونقل خبراء الحرس الثوري الإيراني إلى مناطق سيطرة مليشيات بلاده في اليمن لتهديد الملاحة الدولية قائلا: كان علينا أن نخلق رادعا لهذه التهديدات في مختلف المجالات. أولًا، كان علينا تأمين خطوط الملاحة البحرية، وعندما حاول الأمريكيون سرقة إحدى سفننا، لم تسمح قواتنا بذلك، فعاد الأمريكيون خائبين، وعندما حدث ذلك، تم إفشال العقوبات في المجال التنفيذي."

مقالات مشابهة

  • الحوثيون: إسقاط طائرة أمريكية مسيرة من طراز"إم .كيو -9"
  • الحوثيون يسقطون مسيّرة أميركية وواشنطن تدمر منظومتين صاروخيتين
  • هل الولايات المتحدة جادة بالانسحاب الكامل من العراق؟
  • الجيش الروسي: طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة انتهكت الأجواء السورية عشر مرات خلال اليوم الماضي
  • «المتحدة للخدمات الإعلامية» توقع اتفاقية لتبادل المحتوى الدرامي والبرامجي مع قناة «هي»
  • مجلة أمريكية: هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تكشف عن مرونة عملياتية كبيرة رغم الجهود الغربية
  • بلومبرغ: أمريكا تخسر معركة البحر الأحمر أمام الحوثيين وتكشف ضعفها العسكري
  • قائد الحرس الثوري يخنق عنتريات سيّد الحوثيين : نحن من يستهدف السفن في البحر الأحمر ولا علاقة لها بنصرة غزة
  • مجموعة متحالفون التي تضم الولايات المتحدة وسويسرا ومصر والسعودية والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تدعو لخفض تصعيد فوري بـ”مناطق حرجة” في السودان
  • الجزائر ترفع درجة اليقظة إلى المستوى الثالث في عدد من الولايات