لجريدة عمان:
2025-01-03@15:33:18 GMT

ثغرات الديمقراطية منافذ للإرهاب

تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT

الوعي المعرفي قوة تُتيح للجميع تقبّل المُختلف وتحصّن الفكر ضد أي هجمات موجّهة، كما أن القانون ودوره في تقنين المسموح والمحظور قوة كذلك حفاظا على النظام والتواصل الاجتماعي بين البشر، وتوفيرا للبيئة المحفّزة على التبادل الثقافي واستثمار طاقات الإنسان والموارد، ولا بدّ من القوتين معا لتحقيق الأمان وحفظ الأمن.

مع تعاظم التنظير للعولمة والقرية الصغيرة التي هي العالم، وضرورة تجاوز العرقيات والأديان والجغرافيا لوحدة إنسانية تشمل الجميع دون تمييز أو تحيّز ما زلنا نتعجّب من قواعد البيانات الرسمية في الدول الغربية التي تقتضي التصريح بكل ذلك، بل وتؤكّد تحديدا على الانتماء الديني والعرقي، لكن هذا العجب يتلاشى تدريجيا حينما نستوعب أننا ما زلنا نعيش في عالم يوظّف ورقة العنصرية وفقا للحاجة خدمة لأغراض سياسية أو اجتماعية لا تمتّ للإنسانية بصلة.

أقول ذلك وأنا أستغرب إصرار الكثير من وسائل الإعلام الغربية (وقد تتبعها بعض قنوات الإعلام العربية دون وعي) على تعزيز العنصرية والتمييز ضد العرب والمسلمين خصوصا، وهو أمر صار أوضح من أن يدلّل عليه لكثرة الأدلة، فالمشتبه به في جريمة القتل يكون إرهابيا إن كان مسلما وتحدد ديانته لتتصدر الخبر وكأن منطلق القتل والجريمة هو دينه، في حين يسمى مجرما عندما لا يكون القاتل مسلما، دون أي إشارة إلى دينه أو عرقه، ناهيك عن إمكانية التعاطف مع المجرم بدعوى المرض النفسي والاضطراب العقلي، ومع تأكيد هذه المعرفة عبر التكرار وصمت المؤسسات المعنية بنبذ التمييز والتحريض على فئة دون أخرى صارت هذه هي الورقة التي يستخدمها بعض الساسة للتحريض ضد المسلمين أو نهب ثرواتهم بحجة حمايتهم من الغضبة الجماعية للعالم، بينما يتم التأكيد على فكرة أن الجريمة لا تنتمي لأي دين هي الوسيلة الأسهل والأجدى لمجابهة العنصرية.

هذه هي الورقة الذهبية التي استخدمها أعضاء اليمين المتطرف في بريطانيا بعد حادثة فردية قبل أيام لمجرد انطلاق خبر جريمة كان الجاني فيها صبيا أسمر، فنشروا إشاعة بأنه مسلم يستهدف غير المسلمين جميعا، وبدأت أبواق الشحن والتحريض ضد المسلمين حتى بعد نفي خبر إسلامه، لكن لا أهمية لذلك حينها إذ كانت الإشاعة الأولى هي شرارة الموقد، واشتعلت فلِمَ يحرص الموقدون على إثبات أو نفي الإشاعة؟ وتحت دعوى الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير انطلقت دعاوى التحريض والتأجيج ضد جماعات المسلمين خصوصا والمهاجرين عموما، ودخلت إلى حلبة الصراع عوامل ساعدت على تأجيج التصادمات الرقمية على منصة إكس خصوصا التي تدخل مالكها ذاته بنشر ما اعتبره البعض تحريضا ضد المسلمين والمهاجرين ببريطانيا، بل إنه تجاوز ذلك بوصف ما قد يحدث بالحرب الأهلية.

وتكبر فقاعات العنف الموجّه وتنظيمات صنع الرأي لتشمل عنفا مضاعفا ضد مساجد المسلمين، ومشروعاتهم التجارية من محلات وبنوك وحتى أماكن سكناهم وشوارع المدن بسكانها ومرتاديها، فلم يعد هناك مجال للشك في أن الأمر تجاوز حرية الرأي والتعبير لمحاولة الإخلال بالأمن والنظام؛ مما دفع الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن على ميداني الصراع القائم؛ الواقع والعالم الافتراضي، وبعد أيام من أعمال التخريب والشغب، وإصابة 22 ضابط شرطة بريطانيا ضمنها إصابات بليغة خلال الاحتجاجات، والتصعيد للتهديد بما هو أقسى، والطريف أن بين هؤلاء من كان يهدد الشرطة افتراضيا في استحالة الوصول إليه؛ لأنه شاهد وقرأ الكثير من الأفلام البوليسية وروايات الجريمة، هذا الشاب تم اعتقاله بعد ثلاثة أيام من تهديده الرقمي وحوكم مع بقية المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكاما سريعة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، لتبدأ حملة الحكومة في حفظ الأمن وسلامة البلاد.

ضمن حملة الحكومة لحفظ الأمن أكّد رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر نفسه (الذي عمل مدعيا عاما في إنجلترا وويلز) توقيع أحكام «قاسية» على مثيري الشغب، مؤكداً أنّ أولويته هي ضمان سلامة السكان، بينما أعلنت الحكومة تشكيل «جيش» احتياطي يضمّ حوالي 6 آلاف عنصر شرطة متخصّصين في المحافظة على النظام، كما سيتمّ توفير561 مكاناً للسجن لاحتجاز مثيري الشغب، كما تبحث الحكومة البريطانية إدخال تعديلات على قانون الأمن على الإنترنت المعني كذلك بتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي بعد الأحداث التي تسبب فيها انتشار معلومات مضللة على الإنترنت، لا يمكن إنكار تداخل قطاعات التنمية التي تتكئ على الأمن؛ فأعمال الشغب البريطانية كانت كافية ليتأثر موسمها السياحي بتحذيرات أربع دول على الأقل لرعاياها بتجنب التصادم وضرورة الابتعاد عن مراكز المظاهرات أثناء السفر لبريطانيا خلال الفترة الحالية متضمنة: أستراليا ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا، ولعله من الجيد الختام بتأكيد أولويات أي حكومة في حماية الأمن قبل التركيز على أي انتصار حزبي أو فردي أو ادعاءات ديمقراطية قد تستغل للنيل من سلامة الناس، وكما أكّد رئيس الوزراء البريطاني «هذا ليس الوقت المناسب للسياسة، إنه وقت التركيز على العائلات» وهو «مصمم» على مكافحة العنف بالسكاكين، كظاهرة تزايدت في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة وغالبا ما ينفذها شبان. أما الملك تشارلز الثالث -في أول رد له يوم الجمعة الماضي على المظاهرات- شكر الشرطة على تحركها في مواجهة أعمال الشغب الأخيرة لليمين المتطرف في المملكة المتحدة، ناسبا هذا العنف إلى «جنوح عدد محدود» وداعيا إلى «الاحترام والتفهم المتبادلين».

ختاما: لا بدّ من التأكيد على أن الوعي المعرفي قوة تتيح للجميع تقبّل المختلف وتحصّن الفكر ضد أي هجمات موجهة للنيل من أمان الإنسان وأمن البلاد، كما أن القانون ودوره في تقنين المسموح والمحظور قوة كذلك، حفاظا على النظام والتواصل الاجتماعي بين البشر وتوفيرا للبيئة المحفزة للتبادل الثقافي واستثمار طاقات الإنسان وموارد البلاد، ولا بد من القوتين معا لتحقيق الأمان وحفظ الأمن.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم

انتشرت أقاويل تحرم تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم، ولكن حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل، وأوضحت حكم الشرع في تهنئة المسيحيين في عيد الميلاد المجيد.

حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

وقالت دار الإفتاء المصرية: «لا مانع شرعًا من تهنئة غير المسلمين في أعيادهم ومناسباتهم، وليس في ذلك خروج عن الدين فالمولى عز وجل لم يفرق بين المسلم وغير المسلم في المجاملة وإلقاء التحية وردها، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، فالتهنئة في الأعياد والمناسبات ما هي إلا نوع من التحية.

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

الجدير بالذكر أن دار الإفتاء المصرية أوضحت أن الاحتفال ببداية السنة الميلادية من مظاهر الاحتفال والفرح «جائزٌ شرعًا»، ولا حرمة فيه.

وقالت دار الإفتاء إن الاحتفال برأس السنة الميلادية، صار مناسبة اجتماعية ومشاركة وطنية، وما دامَ أنَّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات تخالف عقائد الإسلام أو يشتمل على شيء محرم فليس هناك ما يمنعه من جهة الشرع.

الاحتفال برأس السنة الميلادية

وأضافت دار الإفتاء أن الاحتفال برأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد اجتماعية، دينية، ووطنية، فإنَّ الناس يودِّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا حسب التقويم الميلادي الـمُؤَرَّخ بميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا يُنَافي صحَّة الاحتفال به.

وأكدت الإفتاء أن الاحتفال برأس السنة الميلادية، المقصود به إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام، وإحياء ذكرى مولد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلُّها غيرُ بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.

اقرأ أيضاًدار الإفتاء تنشر أدعية أول ليلة من شهر رجب

استقبلت 3400 حالة.. دار الإفتاء المصرية تحقِّق نقلةً نوعية في الإرشاد الزواجي خلال 2024

حصاد دار الإفتاء 2024.. 50 إصدارا متنوعا بين الدراسات الموسعة والخطط الاستراتيجية

مقالات مشابهة

  • اسعار اللحوم اليوم الخميس 2-1-2025 في الدقهلية
  • أجهزة الأمن الإسرائيلية تدعو الحكومة لاتخاذ قرار عاجل بشأن العمال الفلسطينيين
  • الكونغو الديمقراطية تعدم 13 جندياً لـتعزيز الانضباط العسكري
  • بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ شحن الهواتف في السعودية
  • ثغرات حدودية وتحديات كبيرة: كيف تواجه جنوب إفريقيا خطر الإرهاب والاتجار بالبشر؟
  • دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم
  • الصلابي: مواقف الحكومة التركية نبيلة في نصرة ودعم إخوانهم المسلمين المستضعفين
  • محادثات إيجابية بين الشرع وقوات سوريا الديمقراطية
  • الجولاني يلتقي وفداً من قوات سوريا الديمقراطية
  • أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 31-12-2024 في الدقهلية