أبو راس يحذر من اقتطاع أجزاء من اليمن في ظل الصراع الدائر.

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (3)

الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (3)
صراع فكري ... صراع شخصي

أي صراع فكري لا تتم معالجته بطريقة صحيحة ولم يتوفر له المناخ المناسب ولا التربة الصالحة كي يثري ويغني حياة الحزب، ويسهم في تطوره، فإنه يتحور كالفيروسات إلى صراع شخصي.
الصراع الفكري جذوره قديمة، ربما صاحبت الحزب منذ نشأته. وقد بلغت أوجها بعد انهيار الكتلة الاشتراكية ذلك الانهيار المفاجئ الذي لم يخطر على عقل بشر! حيث قبل بضعة أيام من إعدام تشاوشيسكو كان الاتحاد السوفيتي قد منحه وسام نجمة لينين. وحينما سأل "إيريش هونيكر" الأمين العام لحزب الوحدة الاشتراكية بألمانيا الشرقية، عن الجدار الذي يفصل بين الألمانيتين، قال إنه سيظل صامدا طوال المئة عام القادمة. لكنه بعد تسعة أيام من حديثه ذاك، كان يمسك بمعوله ليهدم مع الجماهير ذلك السور الذي شيد لمنع سكان الجنة الاشتراكية من الهروب لنير الرأسمالية. وهو شبيه بالأسوار الكهربائية وحقول الألغام التي تحيط بكوريا الشمالية الاشتراكية الديكتاتورية لمنع شعبها من الهجرة نحو الجنوب الرأسمالي الديمقراطي المتحرر.
رغم توفر الحياة المادية من تعليم وغذاء وعلاج وعمل وسكن في دول المعسكر الاشتراكي، إلا أنه انهار لافتقاده لما هو أهم للإنسان وهو حرية الإرادة وتقرير المصير. وحينما هبت رياح االقلاسنوست والبيرسترويكا على جليد الإتحاد السوفيتي انهار كأنه كان أكذوبة أو مغرور طلعت عليه الشمس.
ذلك الانهيار فرض على الحزب الشيوعي السوداني فتح باب لمناقشة القضايا الفكرية التي تتعلق بمستقبل الحزب، بعد الإقرار بأنّ الماركسية اللينينية تمرُّ بأزمة مُستحكمة تتعلّق بوجودها وجدواها.
كانت المناقشة العامة ساحة للنزال الفكري بين تيارين رئيسين، تيار التغيير وتيار المحافظين، أو والبيروقراطيين. ولكن نسبة لعدم معالجة ذلك الصراع الفكري وسبر أغواره بطريقة علمية، على الرغم من تبلوره بصورة واضحة في المناقشة العامة، فقد أتخذ شكّل الصراع الشخصي بين رموز وأفراد التيارين. تيار التغيير الذي يمثله المثقفون الطليعيون، وهم واجهة الحزب، عملهم وَسْط الجماهير أكسبهم مرونة التفكير وتجدد الأفكار وتقبل الرأي الآخر، سلطت عليهم الأضواء بفضل الظهور في الأجهزة الإعلامية والندوات، وقد تميزوا بإسهاماتهم في مجال الفكر والسياسة والأدب. وكان على رأسهم الأستاذ الخاتم عدلان، الذي نشر ورقته في الشيوعي عدد 157 بعنوان (آن أوان التغيير) التي وجدت تأييد لا حدود له داخل كواليس الحزب خاصة وَسْط الشباب والطلاب.
التيار الثاني هو تيار البيروقراطيين التنفيذيين، ونجد أن معظمهم ممن عمل في النشاط الحزبي الداخلي، آلفوا العمل السري الذي يتطلب الانضباط، والحرص والانغلاق. يقدسون اللوائح وتنفيذ القرارات والتوجيهات التي ترد من الهيئات الأعلى أو توجه للهيئات الأدنى. لذا امتازوا بالصرامة والانضباط. ولا غرو في أن يطلق عليهم في كواليس الحزب، على سبيل المزاح (الشاويشية).ولم ينج معظمهم من السلبيات والعيوب المصاحبة للعمل السري من انكماش وإحجام، وانغلاق أمام الجديد وأمام الجماهير.
كان على رأس ذلك التيار المحافظ الأستاذ التجاني الطيب بابكر، الذي كتب عدة أوراق في المناقشة العامة يدافع فيها بضراوة عن المركزية الديمقراطية، والماركسية اللينينية. وكان السكرتير العام محمد إبراهيم نقد يميل للتغيير. لكنه ظل يسعى بتوازن بين التيارين لإيجاد أرضية مشتركة تقي الحزب شر الانقسام. وكان يدرك أن كلا التيارين لا غنى لأحدهما عن الآخر من أجل استمرار نشاط الحزب بشقية التنظيمي والجماهيري.
الصراع الفكري بين تيار الديوانيين وتيار الكادر الجماهيري، يعزيه الماركسيون الأصوليون للتركيبة الطبقية لكلا التيارين، حيث نجد أن تيار الكادر التنظيمي والإداري ينحدر معظمهم من بيئة ريفية. أما الكادر الجماهيري، جلهم إن لم يكن جميعهم، ينحدرون من طبقة البرجوازية الصغيرة التي تمتلك القدرة على الإنتاج الفكري والمادي، جميعهم مهنيون، وجامعيون، وإن كانوا قد انسلخوا عن طبقتهم ومصالحها الطبقية. إلا انهم متهمون بالتأثر بكثير من أمراض البرجوازية الصغيرة مثل حب السيطرة والفردانية والتمرد على القوانين واللوائح والنظم بحكم تأثير الأضواء المسلطة عليهم، وللنجومية والشهرة التي خلقها العمل الجماهيري والدعائي وإنتاجهم الإبداعي السياسي والأدبي والثقافي والفكري. والاتهام الموجهة لتيار البيروقراطيون بأنهم ستالينيون وشوفينيون حزبيون، أي متعصبون ومتطرفون ومغالون في حزبيتهم. فالحزب بالنسبة لهم صار غاية وليس وسيلة لتطبيق برنامج سياسي.
إلا أن هذا التصنيف، وإن كان قريبا من الواقع، إلا أنه قد جانبته الدِّقَّة. فالتحليل الماركسي للطبقات لا يعمل بهذه الطريقة الميكانيكية. المجتمع السوداني متداخل الطبقات تسيطر عليه القبلية والجهوية. والكادر الجماهيري، وإن كان ينحدر أغلبهم من أوساط البرجوازية الصغيرة، إلا أنهم دون شك قد إنسلخوا من طبقتهم بمجرد انتمائهم للحزب الشيوعي. وفي رأيي أن سبب الصراع بين التيارين يرجع إلى طبيعة المهام والواجبات الحزبية لكل تيار. فالتيار التنظيمي المتشدد، أو الدواويني- لو صحت التسمية - مناط به الحفاظ على جسد الحزب، خاصة في ظروف العمل السري، وتأمين الكادر الجماهيري وقادة الحزب ووثائقه وأرشيفه. لذا نجد معظمهم يميل إلى العزلة والانغلاق على الذات والعيش في وسط مغلق من الشيوعيين. وتتشكل علاقاتهم وحياتهم على نمط محدود. لذا نجد أن معظمهم لا يتقبل اختلاف الآراء وتعدد المنابر. بينما نجد الكادر الجماهيري منفتح على الغير وأكثر تقبلا لوجهة النظر المختلفة وللرأي الآخر. وهم، على الرغم من الفردانية التي تتقمصهم أحياناً، قد ظلوا على الدوام روح الحزب ويمثلون همزة الوصل بين الحزب والجماهير. وبفضلهم استطاع الحزب أن يستقطب العديد من المبدعين من شعراء ومطربين وأدباء وتشكيليين حتى كاد الحزب في حقبة ما أن يسيطر سيطرة شبه كاملة على هذا المضمار الهام.
لذا فلا عجب أن يظل علو كعب تيار الطليعيين من الكادر الجماهيري الذين ينحدرون من الطبقة الوسطى البرجوازية، في دفة قيادة الحزب. وهذا الوضع ليس حصراً على الحزب الشيوعي السوداني، بل هو لازم الأحزاب الشيوعية منذ ولادتها. فأربابها ماركس وأنجلز ولينين، أصولهم برجوازية. وحتى على المستوى الحديث نجد قيادات ومفكري الأحزاب الشيوعية جلهم من الطبقة الوسطى، مثال حسن حمدان المعروف باسم مهدي عامل (لبنان)، وذكي مراد (مصر)، وعبد الخالق ونقد (السودان)...
وكأن كلا التيارين متفقان على أن يكون منصب السكرتير العام من التيار الجماهيري، لأن منصب سكرتير الحزب - ببساطة - ليس منصبا شرفيا أو تنظيميا محصورا في العمل الإداري الحزبي. فالسكرتير العام يمثل رأس الرمح في الحزب وسط الجماهير، صقل تجاربه بفضل العمل الجماهيري ومع قادة الأحزاب الأخرى، ووسط الديمقراطيين، ويتسم دوماً باتساع علاقاته الاجتماعية. وقد ظل على الدام - منذ تأسيس الحزب - زعيم الحزب، قائده الملهم صاحب الكاريزما والشخصية القوية الواثقة الذكية، الذي يملك القوة الخفية الجاذبة لأي شخص والقادرة على التأثير على أي شخص. لذا فإنتخابه دائماً ما يتم وفق معايير عالية ومواصفات غاية في الدقة. ولنا في تجربة انتخاب محمد إبراهيم نقد السكرتير العام السابق خير مثال.
بعد استشهاد عبد الخالق محجوب ظن الجميع أن من سيخلفه في قيادة الحزب لن يخرج من ثلاثة: الأستاذ التيجاني الطيب أو قاسم أمين أو فاطمة أحمد إبراهيم. وهناك من كان يعطي الأستاذ إبراهيم زكريا أو الدكتور مصطفى خوجلي الأفضلية، إلا أن الجميع تفاجأ بصعود محمد إبراهيم نقد الشاب الذي لم يتجاوز الأربعين عاماً لقيادة الحزب. وهو، وإن كان خير خلف لخير سلف، فإنه لا يوجد شيوعي واحد، ولا حتى نقد نفسه، يزكيه على التيجاني الطيب أو قاسم أمين. إلا أن ما يتمتع به نقد من مميزات ومكونات شخصية قدمته على كليهما. وخلال حقبة تولي نقد وقبل قيام المؤتمر الخامس واستقالة الخاتم عدلان، كان الجميع على قناعة راسخة بأن الخاتم عدلان هو خليفة نقد... وقد جرى فعلًا خلال الحجر المنزلي والرقابة التي فرضت على نقد خلال سنوات الإنقاذ الأولى أن تولى عملياً الخاتم عدلان مهام وواجبات السكرتير العام.
الناس بطبعهم يحتاجون إلى رمز Icon شخصا يلتفوا حوله ليمدهم ببعض الأمل. والآن الحزب يفتقد لمثل تلك الشخصية، الرمز. لذا نجده قد انفرط عقده بهذه الصورة المروعة. والمصيبة إن القلة الذين بيدهم الأمر لا يأبهون بذلك ... وأنا هنا لا أدعو لعبادة الفرد وتأليه القيادة، إلا أن تأثير الحزب لم يكن يوماً بالكم، بل بالكيف. فعضو الحزب الشيوعي مطالب على الدوام بالتحصيل الثقافي والمعرفي. فمن البداهة أنه يجب على من يتصدى للقيادة - على كافة المستويات - أن يكون موسوعي المعرفة، خاصة في مجال العلوم الإنسانية وتفاصيل الواقع السوداني بكل تعقيداته.

وللحديث بقية ...
في اللقاء القادم (4) سمات الصراع الشخصي وأسس الصراع الفكري

عاطِف عبدالله قسم السيد

atifgassim@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • اليمن.. الأرصاد يتوقع هطول أمطار متفرقة على عدة محافظات
  • الكهرباء: قطع التيار الكهربائي عن أجزاء في بعض المناطق الغير سكنية تباعاً
  • الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (3)
  • الخارجية الروسية: روسيا ودول الخليج تدعو إلى تجنب الصراع المسلح في اليمن
  • أثار نينوى تقاضي مؤسسة حكومية هدمت أجزاء من سور عمره آلاف السنين
  • الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على عدة محافظات
  • هطول أمطار على أجزاء من محافظات الباحة
  • الأرصاد يحذر من أمطار رعدية على عدة محافظات يمنية في الساعات القادمة
  • بالفيديو.. انهيار أجزاء من مبنى في بيروت
  • فصائل فلسطينية تبث تسجيلًا يحذر من مصير باقي المحتجزين الإسرائيليين