ميديابارت: كيف تلاعب منظمو الأولمبياد بالأهداف البيئية؟
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
اتهم موقع التحقيقات الشهير ميدياربات منظمي الألعاب الأولمبية التي اختتمت في باريس مساء الأحد بالتحايل على الالتزامات البيئية التي قدموها، عبر إطلاق مشاريع إيكولوجية بلا قيمة أساسها إعادة التشجير، وتخضع أساسا لمنطق اقتصادي تشجعه الحكومة وشركات صناعة الخشب.
وكانت اللجنة المنظمة وعدت نهاية يونيو / حزيران الماضي بأن يكون أولمبياد باريس الأكثر حفاظا على المناخ في التاريخ، وأعلنت لتحقيق ذلك أنها ستعوض 1.
ويتعلق الأمر في فرنسا بأربعة مشاريع تشمل إعادة تشجير غابات مهددة في مناطق "فال دواز" و"آسن" و"لي فوسج" و"إيستومبيي"، بما يسمح -حسب المنظمين- باحتجاز 14500 طن من ثاني أوكسيد الكربون تمثل 1% من الانبعاثات التي سببتها النشاطات المرتبطة بالألعاب منذ 2018، فيما تُعوَّض الـ 99% الباقية، نظريا، بتسعة مشاريع في عدد من بلدان الجنوب، علما أن إعادة التشجير هو المعيار الوحيد المعتمد في فرنسا لتعويض الانبعاثات وأن الكلفة في هذا البلد تفوق ستا إلى سبع مرات المعدل الدولي حسب اللجنة المنظمة.
وفي تحقيقها بعنوان "منظمو الأولمبياد يمولون مشاريع بلا قيمة لتعويض الانبعاثات"، كتبت ميديابارت أن الفكرة على الورق تبدو بسيطة للغاية: زراعة أشجار في فرنسا تمتص مستقبلا جزءا من انبعاثات الكربون التي تسببها البطولة، لكن العلماء الذين تواصل معهم موقع التحقيقات ذكّروا بإشكالات رئيسية في المشاريع: اختيار أصناف شجرية غير معروفة جيدا، ومساحاتُ تشجير ضئيلة للغاية، ناهيك عن غياب العائد الإيكولوجي وأيضا أي ضمان بإلزامية النتيجة.
وردت اللجنة المنظمة على الاتهام بالقول إن المشاريع تتحقق فيها معايير تعويض الكربون التي تحددها الوكالة الفرنسية للانتقال البيئي.
وكانت جمعية "كانوبي" الفرنسية للدفاع عن الغابات نشرت دراسة في 2023 تنتقد اعتماد التشجير أسلوبا لاحتباس غازات الانبعاث، وتحدثت حينها عن "فرق زمني بين الكربون المنبعث في لحظة معينة وبين ذلك الذي يُحتمل امتصاصُه على يد الأشجار خلال 30 عاما".
وجاء في الدراسة: "بين هاتين اللحظتين، قد تضمر الشجرة بسبب القوارض أو تتعرض للحرائق أو تنمو بشكل أبطأ بسبب الجفاف، وجميعها عوامل يفاقمها أكثر فأكثر التغير المناخي".
وحسب سيدني فينين وهي خبيرة في منظمة غير حكومية لحماية الغابات على مستوى الاتحاد الأوربي، فإن متوسط إخفاق زراعة الأشجار في فرنسا بلغ في 2022 مستوى قياسيا هو 38% وباعتراف وزارة الزراعة.
ويقول المسؤول في الجمعية الفرنسية للنباتات جون ماري دوبون إن ما يزعجه في مشاريع اللجنة المنظمة أن "الغابات ليست هي ما يحتجز النسبة الأكبر من الكربون وإنما المناطقُ الرطبة والمستنقعات"، وأضاف أن الأمر يتعلق بسياسة تشجير أكثرَ منه باستراتيجية لتعويض الكربون.
وقدرت كلفة هذا البرنامج الذي أطلقته اللجنة المنظمة بـ 600 ألف يورو، ويستهدف مشروعين للتعويض الكربوني تنفذهما الوكالة الفرنسية للغابات، ناهيك عن آخرين تنفذهما الجمعية الغابية لصندوق الإيداعات في فرنسا، والتي سيكون عليها زراعة 52 هكتارا في غابة جديدة في منطقة "فال دواز" تمتد على 1340 هكتارا، وتشمل 14 صنفا شجريا بينها البلوط، ناهيك عن أصناف متوسطية مثل الزان، بهدف استباق التغير المناخي.
فشل متوقعلكن جوناثان لونوار من المركز الفرنسي للبحث العلمي والمختص في دراسة آثار التغير المناخي على توزع الأنواع يرى أن "التشجير باستخدام هذه الأصناف الشجرية، تحسبا للاحتباس الحراري، قد ينتهي بالفشل، خاصة أن فصول الشتاء قد تكون أكثر قسوة في منطقة إيل دو فرانس (منطقه إدارية شمال وسط فرنسا عاصمتها باريس) بالنسبة لبعض الأصناف التي موطنها الجنوب".
وما يثير شكوك العلماء أكثر هو المشروع الثاني الذي يديره الصندوق الوطني للإيداعات (وهو بمثابة الذراع الاستثماري للدولة الفرنسية)، حيث يُفترض تشجير إحدى الغابات الشهيرة في منطقة في "لي فوسج"، وتشمل 13 هكتارا من أشجار التنوب التي أضرت بها الحشرات القارضة، لكن الأصناف الثلاثة المستخدمة جميعها من تلك التي تفضلها شركات صناعة الخشب، وبينها تنوب دوغلاس والصنوبر الأوروبي بنسبتيْ 43% و50% على التوالي.
يقول جان ماري دوبون من الجمعية الفرنسية للنباتات: "الأمر عبثي من الناحية البيئية، فتحت غطاء زراعة أصناف تقاوم أفضلَ التغيرات المناخية، تُزرع أنواع صمغية خارج بيئتها الطبيعية. يمكننا أن نرى كيف تغلب المنطق الاقتصادي على المنطق البيئي في هذا المشروع".
المنطق ذاته يحكم -حسب ميديابارت- مشروعين آخرين تشرف عليهما الوكالة الوطنية للغابات في غابة "ريتز" في منطقة "آسن"، حيث يفترض إعادة تشجير مساحات دمرت، بحيث يُعتمَد بنسبة 45% الصنوبرُ البحري (وهو فصيلة تزرع لأغراض صناعة الخشب في منطقة "لوند" جنوب غرب فرنسا) والبلوط اللاطئ بـ 33%.
لكن جوناثان لونوار من المركز الفرنسي للبحث العلمي يصف زراعة أشجار صنوبر بحري في غابة "ريتز" بالمجازفة، فـ "التغير المناخي يسفر فعلا عن فصول شتاء أكثر دفئا، لكن الاحترار لا يمنع حلول فترات صقيع متأخرة في المناطق القارية قد تقضي على الصنوبر البحري الذي يتحكم في توزّعه في فرنسا مدى خضوعه للتأثيرات المحيطية".
احتيال بيئيويصف البروفيسور غويوم دوكوك مدير وحدة الإيكولوجيا وديناميكية النظم البيئية المصطنعة في جامعة "بيكاردي جول" مشروع غابة "ريتز" بنوع من الاحتيال، فـ "هم يعوّضون الكربون في منطقة صخرية كانت ستستعيد غطاءها الشجري في كل الحالات، بفضل الألعاب الأولمبية أو بدونها، لأن غابة ريتز سريعة النمو".
وتدافع الجمعية الغابية للصندوق الوطني للإيداعات عن مشروعها لاستخدام تنوب دوغلاس والصنوبر الأوروبي لإعادة تشجير جزء من غابة "فوسج" بالقول إن هذين الصنفين أثبتا نجاعتهما في حماية التنوع البيئي والحفاظ على أحد المجاري المائية لأن المشروع ينجز على بعد عشرة أمتار من النهر.
يسخّف غويوم لوكوك المختص في الإيكولوجيا وديناميكية النظم البيئية هذا الزعم قائلا إن "الأشجار الصمغية تصنع بفضل إبرها فروشا حرجية (طبقة فوق التربة من بقايا النباتات أو جثث الحيوانات) توفر نظما بيئية غير عملية لا تلائم إلا عددا قليلا من الأنواع. أما التشجير على مقربة من المجاري المائية للحفاظ عليها، فتقليد معمول به أصلا" في فرنسا.
وتقول الجمعية الغابية لصندوق الإيداعات إن مشروعيْها في غابة "فوسج" وفي منطقة "فال دواز" سيسمحان باحتباس نحو17600 طن من الانبعاثات على مدى 30 عاما، على أن يجري تقييم كل 5 سنوات.
بلا ضماناتورغم أن تقييما كل خمس سنوات يسمح فعلا بتقدير نجاح تجذر الأشجار، فإنه لا يحمل إطلاقا أي ضمان بتعويض الانبعاثات كما يزعم المشروع حسب عالم البيئة جوناثان لونوار الذي يحذر من أن "هذا النوع من الإعلانات قد ينزلق بنا سريعا نحو التضليل البيئي إذ لا ضمانة إطلاقا بإلزامية تحقيق النتيجة، فالأشجار التي زرعت قد تموت أو قد تُحطَب لاحقا للحصول على خشبها".
الجمعية الغابية لصندوق الإيداعات أكدت في ردها على ميديابارت بأن كل مالك سيُطلَب منه التزام بالحفاظ على أشجاره لثلاثين عاما عبر استصدر وثيقة إدارة مستدامة تدققها سلطات الدولة.
اللجنة المنظمة للأولمبياد أكدت هي الأخرى أن المشاريع ستخضع لعمليات تقييم على طول المدة، وليس كل خمس سنوات فحسب.
أما المشروع الثاني للتعويض الكربوني الذي تشرف عليه الوكالة الوطنية للغابات فموقعه غابة "مونمورينسي" في منطقة "فال دواز"، وهي غابة فتك بها مرض فتاك، بحيث تُزرع على مساحة 80 هكتارا ثلاثة إلى أربع أصناف شجرية أهمها البلوط اللاطئ، "لكن منطقة مونمورينسي تعرف ميلا لمكننة أساليب الإدارة الغابية بحيث حُجمت مساحة الأرض بمرور السنوات حتى بات صعبا حصول الأشجار على نصيبها من الماء" كما يشرح جوناثان لونوار الباحث في المركز الفرنسي للبحث العلمي.
ورغم أن لونوار يصف اختيار الأصناف الشجرية في هذه المنطقة بالمثير للاهتمام، فإنه يذكّر بأن من الصعب للغاية نموها في أرض ضيقة.
ويقول جون ماري دوبون من الجمعية الفرنسية للنباتات إن المشاريع الأربعة بلا معنى، وإن "التعويض الكربوني بهذا الشكل مسيئ إلى سمعة الألعاب الأولمبية".
لوبيات الخشبويرى خبراء الغابات أن ما يتحكم في المشاريع منطق تريد تغليبه الحكومة وشركات صناعة الخشب ومفاده أن الأشجار لا تستطيع التأقلم مع التغير المناخي، ويجب بالتالي اعتماد سياسة التشجير، "فنزيل الأراضي المتدهورة ونزرع أصنافا موطنها الجنوب وسريعة النمو، بما يستجيب لمتطلبات الشعارات الزائفة التي يرفعها القطاع الخاص باسم الدفاع عن البيئة ويحقق مصالح أرباب صناعة الخشب"، كما يقول رافائيل كيفير المسؤول النقابي في الوكالة الوطنية للغابات.
ويذكر كيفير بأن هذا الزعم يتجاهل أن الأشجار تملك قدرة تأقلم كبيرة بسبب تنوعها الجيني، ويتجاهل أن من الضروري المراهنة على قدرة هذه الكائنات على إعادة بعث نفسها طبيعيا".
ويدعو جان ماري دوبون المسؤول في الجمعية الفرنسية للنباتات للتركيز على حماية الغابات القديمة، لأن ذلك أجدى في احتباس انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، "لكنها ليست القصة المثيرة التي تليق بجمهور الألعاب الأولمبية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الألعاب الأولمبیة اللجنة المنظمة التغیر المناخی صناعة الخشب فی منطقة فی فرنسا فی غابة
إقرأ أيضاً:
بأكثر من نصف مليار ريال.. أمير تبوك يطّلع على المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة
تبوك – واس
اطَّلع صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالله بن فيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة تبوك، على عددٍ من المشاريع البلدية والإسكانية التي تنفذها وزارة البلديات والإسكان بالمنطقة، وتنوعت ما بين مشاريع البُنى التحتية، وسفلتة الطرق، وتطوير الميادين، وأنسنة المدن، وتصريف مياه الأمطار، ودرء أخطار السيول، إضافةً إلى مشاريع إسكانية، واستثمارية وبيئية، وبُنى تحتية مستقبلية تقدر تكلفتها الإجمالية بـ 4.335 مليارات ريال.
جاء ذلك خلال لقاء سموه مساء أمس، بالقصر الحكومي، المواطنين ورؤساء المحاكم والقضاة ومشايخ القبائل ومديري الإدارات الحكومية بالمنطقة، حيث بدأ اللقاء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم استُعرضت أبرز المشاريع البلدية والإسكانية والاستثمارية والخدمية، التي قدَّم أمين منطقة تبوك المهندس حسام بن موفق اليوسف عنها عرضًا مرئيًا موجزًا لسموه والحضور، تضمّنت أكثر من 43 مشروعًا يجري تنفيذ البعض منها وترسية الأخرى، بقيمة إجمالية تصل لـ674 مليون ريال، في مجالات متعددة شملت النقل العام بالحافلات، وسفلتة مخططات المنح، وتطوير الطرق الرئيسة بالمنطقة، إضافة إلى رفع كفاءة الطرق بإنشاء جسرين على تقاطع طريق الملك فيصل مع طريق الأمير فهد بن سلطان (دوار صحاري) وتقاطع طريق الأمير محمد بن سلمان مع طريق الملك فهد، وأنسنة المنطقة من خلال تطوير ساحات عدد من الجوامع، وتنفيذ شبكات تصريف مياه الأمطار، والتي ستسهم في معالجة 32 نقطة تجمع صغيرة، و3 أخرى كبيرة؛ ليصل مجموع ما تم معالجته من نقاط التجمع الكبيرة لـ 20 نقطة من أصل 24، وتنفيذ مشاريع لدرء أخطار السيول، ومشاريع مستقبلية تتجاوز تكلفتها التقديرية مليارين وست مئة مليون ريال.
وفي جانب الاستثمارات، استعرض المهندس اليوسف المشاريع الاستثمارية الجاري تنفيذها، والتي تجاوز عددها 48 مشروعًا بتكلفة إنشاء تقديرية تتخطى المليار ومئتي مليون ريال، تشمل قطاعات طبية وتعليمية ورياضية وترفيهية ولوجستية، بما يلبي احتياجات السكان والزوار، ويفتح آفاقًا جديدة لفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ومن بين هذه المشاريع: مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بسعة 200 سرير و100 عيادة طبية، ومركز ألفا الطبي الذي يضم أربع عيادات متخصصة، وصيدلية وشققًا فندقية (90 غرفة)، ومركز رؤية الطبي الذي يحتوي على 18 قسمًا، ومركز غسيل كلى مجاني، إضافة إلى مشروع فندق المريديان الذي يضم 150 غرفة وجناحًا فندقيًا، ومركزًا لإيواء أكثر من ألفي معدة ثقيلة لضمان عدم تعطّلها داخل الأحياء السكنية.
وفي الشأن البيئي، تناول العرض مشروع المردم البيئي الجديد، الذي يمثل نقلة نوعية في إدارة النفايات بالمنطقة، حيث تم إنشاؤه بأكثر من 35 مليون ريال شرق مدينة تبوك، وبعكس اتجاه الرياح، وبمعدات أوروبية حديثة تضمن معالجة النفايات الصلبة بطريقة علمية متطورة، ويتضمن المشروع محطة طاقة استيعابية تصل إلى 80 طنًا في الساعة، وخلايا هندسية عازلة لمنع تسرب العصارات، إلى جانب منظومة متكاملة لفرز النفايات وإعادة تدوير المواد القابلة للاستفادة، وتحويل المخلفات العضوية مستقبلًا إلى طاقة بديلة وسماد عضوي.
كما اطلع سموه والحضور على مجسم لواجهة فالي تبوك والتي تقع على مساحة إجمالية تقدر بـ 778 ألف متر مربع، تتضمن 874 وحدة سكنية، و4 مساجد وجوامع، و5 حدائق ومتنزهات، وعدد 5 مراكز تجارية ومجمعات تعليمية تحتوي على 5 مدارس.
وفي ختام اللقاء، ثمّن سمو أمير منطقة تبوك جهود أمانة تبوك في تنفيذ هذه المشاريع الحيوية، مؤكدًا أهمية استكمالها بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق تطلعات سكان منطقة تبوك ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وقال سموه في تصريح صحفي: “بأن هذه المشاريع و-لله الحمد- مشاريع مبشرة بالخير وتصب في خدمة المواطن والمواطنة، وتوفر الخدمات اللازمة لهم”, منوهًا بما توليه القيادة الحكيمة -أيدها الله- من اهتمام وعناية بكل ما يخدم الوطن والمواطن من المشروعات التنموية، وتسهم في رفع مستوى جودة الحياة، وتعزز النقلة الحضارية الكبيرة التي تعيشها المنطقة، داعيًا المستثمرين ورجال الأعمال للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة التي تطرحها أمانة المنطقة والبلديات التابعة لها بالمحافظات.