تصورات برنامج ما بعد الحرب: طريق المانيا للتطور (٣-٣)
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
في المقال التاسع من زيارة اخرى للتاريخ اشرت الى قضايا السودان العاجلة التي سوف تعالجها دولة "اعادة تأسيس الدولة وبناء سلطة الشعب" بعد الحرب: قضايا التشريع وتكوين منظومة سلطة الشعب؛ قضايا الامن واعادة بناء الجيش والاصلاح والتحديث؛ سيادة سلطة القانون؛اعادة بناء جهاز الخدمة المدنية واخيرا اعادة بناء السلطة القضائية القائم على العدل والعلم والاستقامة والنزاهة.
كما طبقت الثورة اول ايامها "ازالة التمكين"بدأت المانيا بما اسمي "اجتثاث النازية" للتخلص وتحرير المجتمع من الأيديولوجية النازية الاشتراكية الوطنية في السياسة والاقتصاد والقضاء والثقافة والاعلام. وتم تنفيذها عن طريق إزالة أولئك الذين كانوا أعضاء في الحزب النازي ومؤسساته من مناصب السلطة والنفوذ ومن خلال تفكيكها. المنظمات المرتبطة بالنازية عاجزة.
ستواجه الدولة بعد الحرب بلداً ممزق البنية التحتية واشكالات الفقر والتشتت وفقدان الرؤية كما وجدت المانيا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية، بل أسوأ. لقد اثبتت التجربة الالمانية نجاحاً باهراً في اعادة البناء وبل في تطورها اللاحق حتى الان. تعود نشأة هذا النظام إلى ألمانيا، بعد أن أصدر عالم الاقتصاد ألفريد مولر أرماك كتابه بعنوان "إدارة الاقتصاد واقتصاد السوق" العام 1946، الذي دعا فيه إلى الربط ما بين نظام الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية، وكان وزير الاقتصاد الألماني لودفیك إيرهارد، وهو أستاذ في علم الاقتصاد، المطبق الأول لنظرية اقتصاد السوق الاجتماعي.
يقدم مفهوم السوق الاجتماعي حلاً تطبيقياً ملائماً، اذ هناك تجربة لها اكثر من ٧٠ عاماً وحققت وتحقق نجاحات مستمرة يمكن الاستفادة منها. وتعني في التطبيق العملي في السودان ان تتبنى الحكومة نظام السوق الحر وفي نفس الوقت تتولى الحكومة توفير الصحة والتعليم الجيد والكهرباء والمياه للسكان وباي اشكال شراكات مناسبة سواء محلية او خارجية وان تتولى، وبطريقة مرنة وعلى احدث نظم الادارة والحوكمة، ادارة المشاريع الزراعية والصناعية القومية الكبرى والسدود والمواصلات الحديدية والنهرية ومواصلات المدن الكبرى.
في تجارب منطقتنا من مصر الناصرية، عراق صدام، سوريا الاسدين وليبيا القذافي وجميعها كانت نماذج ديكتاتورية غاشمة. قايضت العيش الكريم بالحرية. وعلى مستوى العالم فقد تفكك الاتحاد السوفيتي وباقي دول شرق اوربا واورثت الشعوب اجيالاً من القمع في الحريات ثم افرزت بقايا الطبقة البيرقراطية الحزبية والامنية منظمات المافيا والعصابات والمجرمين والاوليجارك الذين يحكمون روسيا الان. وفي السودان جعلت احزاب اليسار، العدالة الاجتماعية ملكيتها الفكرية ولكن بدون ربطها بالديمقراطية. بعد تجارب محلية فاشلة وتجارب عالمية مفزعة، بدات التراجع وربطها بالديمقراطية ومحاولة ايجاد خطوط عمل لاتناقض بينهما.
العدالة الاجتماعية هي جزء من بناء الدولة الوطنية واحد اسس تقويتها وترتبط بكافة مواطني الوطن. انها ليست ملكية فكرية لاي تيار بعينه، ويتواجد مؤيدوها في كل التيارات. العدالة الاجتماعية الحقيقية تتبلور من خلال انتزاعها عبر الديمقراطية الانتخابية التعددية. لذلك لابد من اعادة الجمع بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية عبر نظام انتخابي ليبرالي تعددي، ومساندة احزابنا الجديدة والقديمة ان تتحول من الشعارات الى البرنامجية والرؤى الاستراتيجية.
اذا تم التزام الدولة بمفهوم السوق الاجتماعي وضمنت في الدستور الحقوق المكتسبة تنتهي ثنائية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتي تصبح صراعاً سياسياً ديمقراطياً اذا اردنا توسيعها وشموليتها. وسوف تصبح النقابات شريكة في المؤسسات وممثلة في مركز اتخاذ القرار وتمثيل مصالح العاملين من جهة ومن جهةٍ اداة ضغط لتنفيذها وبالتالي تنتفي اهمية السيطرة عليها وتوجيهها حزبياً.
كان السوق الاجتماعي جزء من المعجزة الالمانية والتي سميت مشروع مارشال ودفعت امريكا ١٠ مليار دولار =١٠٠ مليار حاليا. لكن التجربة السودانية سوف تكون خطة محلية لان المعونات الخارجية لها اثمان غالية ولخصها الفكر الاقتصادي الجماعي السوداني في مفهوم: حشد الموارد واستعادة الاموال المنهوبة من الكيزان والفاسدين والجنجويد وغيرها.
وتكونت خطة تطور المانيا من خمس نقاط احداها تتعلق ببراءات الاختراع لاتعنينا حالياً: ١) تغيير العملة وهو مطلب طرح منذ بداية الثورة لتجفيف منابع الدولة القديمة القائمة على الفساد والاستبداد؛ ٢) مفهوم السوق الاجتماعي مع تأكيد دور الدولة في القطاعات الاساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه ومواصلات وسكن. ٣) بناء النقابات المهنية والعمالية والزراعية واشراكهم كاصحاب اسهم في المؤسسات الكبري وفي الادارة؛ ٤) الزام المؤسسات العامة والخاصة في قبول الطلاب في العمل الصيفي في برامج تدريبية باجور زهيدة لبناء بنية الكفاءات المدربة.
اذا حشدت الدولة مواردها واستعادت المال المسروق من الانقاذ ومنظومة الجنجويد وتعويضات من الدول التي شاركت في تخريب الوطن واقنعت السودانيين في الخارج بتحويل مدخراتهم وتوجيهها للاستثمار الاقتصادي الحقيقي سوف نتمكن من توفير المائة مليار دولار لتحقيق رؤية سودانية وطنية نتفق عليها جميعاً.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بعد الحرب
إقرأ أيضاً:
ارتفاع قياسي جديد لأسعار الدولار في إيران وسط تقلبات في السوق قبل موسم الأعياد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهدت الأسواق الإيرانية تقلبات حادة في أسعار العملات الأجنبية، حيث وصل الدولار الأمريكي إلى مستوى غير مسبوق بلغ 787،500 ريال في السوق غير الرسمية، وذلك بتاريخ 24 ديسمبر، ما يعكس ضغوطًا متزايدة على العملة المحلية بالتزامن مع أجواء الاحتفالات العالمية.
في سياق متصل، أظهرت التقارير المالية أن اليورو شهد زيادة طفيفة بلغت 500 ريال، ليصل إلى 815،700 ريال.
أما الجنيه الإسترليني، فقد ارتفع بمقدار 600 ريال، ليصل إلى 981،700 ريال، مسجلًا أيضًا تحركًا طفيفًا في السوق.
في المقابل، استقر الدرهم الإماراتي عند 215،700 ريال دون تغيّر ملحوظ، ما يعكس هدوءًا نسبيًا مقارنة بالتقلبات التي شهدتها العملات الأخرى.
هذه التحركات تأتي وسط توقعات بتأثيرات اقتصادية أكبر نتيجة استمرار التحديات المالية التي تواجه البلاد.
شدّد وزير الاقتصاد الإيراني، عبد الناصر همتي، على أهمية إصلاح السياسة النقدية للبلاد من خلال اعتماد نظام سعر صرف مرن يخضع للرقابة، مشيرًا إلى أن المحافظة على قيمة العملة المحلية ثابتة في ظل التضخم المرتفع الذي يقترب من 40% وزيادة الكتلة النقدية يُعتبر أمرًا غير قابل للتنفيذ.
وأوضح أن الفجوة الكبيرة بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق السوداء تؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد وتشجيع الممارسات غير القانونية.
في سياق اجتماع جمعه بعدد من المشرعين ومسؤولي البنك المركزي، أفادت بعض التقارير المحلية بأن الوزير قدّم تقديرًا يقارب 730،000 ريال كسعر منطقي للدولار في المرحلة الراهنة.
ومع ذلك، نفى الوزير بشكل قاطع هذه المزاعم لاحقًا، مؤكدًا أن السياسات الجديدة تهدف إلى كبح ارتفاع الأسعار بدلًا من تأجيج الزيادات الأخيرة.
وأكد همتي أن الخطط الإصلاحية للسوق النقدية ستسهم في تقليل تقلبات أسعار الصرف تدريجيًا، مشيرًا إلى أن التنفيذ السليم لهذه السياسات هو مفتاح استعادة الاستقرار المالي والحد من تأثير المضاربات على الاقتصاد المحلي.