الخرطوم – تعثرت المشاورات التي جرت في جدة بالسعودية بين الإدارة الأميركية والحكومة السودانية بشأن المفاوضات التي كانت مقررة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف الأربعاء المقبل، مما أحبط آمال السودانيين الذين كانوا ينتظرون وقفا قريبا للحرب المستمرة منذ نحو 16 شهرا في بلدهم.

وكانت الخارجية الأميركية قد دعت طرفي الحرب بالسودان إلى مفاوضات يوم 14 أغسطس/آب الحالي بمشاركة السعودية كدولة مضيفة مع سويسرا، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات بصفة مراقب، لبحث وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين، واتفقت واشنطن مع القيادة السودانية على مشاورات تحضيرية لمناقشة "شواغل الحكومة".

وقال رئيس وفد الحكومة السودانية للاجتماعات التشاورية مع الولايات المتحدة محمد بشير أبو نمو اليوم الأحد إن المشاورات، التي احتضنتها مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، انتهت دون اتفاق على مشاركة الوفد السوداني في المفاوضات.

وأوضح أن الجانب الأميركي يرغب في مشاركة الجيش السوداني في مفاوضات جنيف، في حين تريد الحكومة السودانية أن تكون هي الجهة الرسمية المقابلة للطرف الآخر (الدعم السريع) في المفاوضات، مشيرا إلى أن تفاصيل كثيرة دفعتهم لإنهاء الحوار التشاوري.

وقال أبو نمو -وفقا لما ورد في وكالة الأنباء السودانية- إن الاجتماعات انتهت من غير اتفاق على مشاركة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف، سواء كان الوفد ممثلا للجيش حسب رغبتهم، أو ممثلا للحكومة حسب قرارها من الآن فصاعدا، وأضاف أن الأمر متروك في النهاية لقرار القيادة وتقديراتها، مشيرا إلى أن هناك تفاصيل كثيرة قادت إلى قرار إنهاء الحوار التشاوري دون اتفاق.

نقاط الخلاف

وتكشف مصادر قريبة من الخلية المعنية بمفاوضات السلام -طلبت عدم الإفصاح عن هوياتها- أن هناك ثلاث نقاط جوهرية أدت إلى تعثر مشاورات جدة، موضحة أن الجانب الأميركي أقر باعترافه بعبد الفتاح البرهان رئيسا لمجلس السيادة وقائدا للجيش، لكنه تمسك بأن يقود الجيش وفد المفاوضات مع قوات الدعم السريع باعتبارهما طرفي الحرب، لكن وفد الحكومة رفض ذلك.

وفي حديث للجزيرة نت، تبيّن المصادر الرسمية أن الوفد الحكومي تمسك بتنفيذ "إعلان جدة" لحماية المدنيين الموقع يوم 11 مايو/أيار 2023، وأبرز بنوده خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية والانسحاب من المدن وتحديد آليات تنفيذ ذلك قبل الدخول في مناقشة وقف إطلاق النار، لكن الجانب الأميركي تحفظ على ذلك.

كما تمسك الوفد الحكومي بأن تقتصر رقابة المفاوضات على الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، غير أن الجانب الأميركي يرى ضرورة وجود أطراف مؤثرة في المشهد السوداني بصفة مراقب للمساهمة في تسهيل عملية التفاوض وضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، حسب المصادر ذاتها.

وينتظر الوفد الحكومي -كما تقول المصادر- عودة البرهان من العاصمة الرواندية كيغالي، التي وصل إليها للمشاركة في تنصيب الرئيس الرواندي بول كاغامي بعد فوزه بولاية جديدة، لتحديد مشاركة وفد الجيش في مفاوضات جنيف أو مقاطعتها، وترجح أن يطلب مجلس السيادة تأجيل التفاوض ومنحهم فرصة للتشاور.

من جانبه قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم برييلو إنهم وجهوا الدعوة إلى البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وفقا لصفتيهما العسكرية ودون منح أي شرعية لأي من الفريقين.

وأضاف، في تصريحات تلفزيونية، أنهم يريدون فقط أن يجتمع الطرفان للاتفاق على وقف العنف، وقال "نتمنى أن يكون هناك تمثيل على أعلى المستويات، لكن الأساس هو أن يشارك شخص لديه القدرة على اتخاذ القرارات، بمعنى شخص رفيع المستوى للوصول إلى نتائج عملية، وأن نجد حلا لكل الأزمات، ونبدأ بتطبيق الاتفاقيات السابقة".

وتابع المبعوث الأميركي "نحاول جلب الفريقين إلى جنيف، وإن لم يحضرا سنستمر في النقاش مع اللاعبين الدوليين، ونحاول أن نجد حلولاً تقنية للمشاكل المتعلقة بالمساعدات الإنسانية".

التصريح الذي أدلى به السيد محمد بشير أبو نمو عن خلاصة نقاشاتهم مع الجانب الامريكي التي انعقدت بالمملكة العربية السعودية، والذي أعلن فيه توصيتهم لقيادة القوات المسلحة بعدم المشاركة في مفاوضات جنيف، هو موقف مخيب لآمال الملايين من السودانيين/ات ممن شردتهم هذه الحرب ودمرت حياتهم.…

— Khalid Omer Yousif (@KHOYousif) August 11, 2024

ردود سياسية

من جهته، وصف خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تنسيقية تحالف القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، تصريح رئيس وفد الحكومة محمد بشير أبو نمو بانتهاء مشاورات جدة دون اتفاق بأنه موقف مخيب لآمال ملايين السودانيين ممن شردتهم هذه الحرب ودمرت حياتهم، واستغرب إعلان أبو نمو توصية عبر الإعلام بعدم المشاركة في مفاوضات جدة.

وقال يوسف في تغريدة على منصة "إكس"، إن ذلك يأتي في سياق الضغط على قيادة القوات المسلحة لعدم الذهاب للتفاوض، مضيفا "وهو أمر تزامن مع حملة ينظمها عناصر النظام البائد عبر القنوات الإعلامية ومنابر المساجد تسير في الاتجاه الداعي لاستمرار القتال ورفض الحلول السلمية التفاوضية"، متهمًا أطرافا في معسكر الجيش برفض الحل السلمي التفاوضي.

أما زعيم حزب الأمة ورئيس تحالف التراضي الوطني مبارك الفاضل المهدي فانتقد رئيس الوفد الحكومي، وقال إنه عضو في "حركة تحرير السودان" بزعامة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، "وبالتالي فإن من مصلحته ومصلحة حركته استمرار الحرب"، حسب قوله.

ويقول المهدي في منشور على منصة إكس "طبيعي أن يعلن أبو نمو توصية باسم اللجنة بعدم المشاركة في مفاوضات السلام قبل إطلاع البرهان وقبل تسليمه تقرير اللجنة حتى يحرجه ويقطع عليه الطريق باتخاذ قرار الذهاب إلى جنيف"، ودعا قائد الجيش إلى "اتخاذ قرار الشجعان" وإرسال وفده إلى جنيف.

بدوره، يرى الباحث السياسي سر الختم خيري أن تصريح رئيس وفد الحكومة بشأن مشاورات جدة ترك الباب مواربا، فإذا قرر مجلس السيادة عدم المشاركة في مفاوضات جنيف، فإن ذلك سيكون استنادا على توصية الوفد.

وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن موقف أبو نمو يوجه رسالة لتطمأنة القوى والجهات الرافضة لمفاوضات جنيف من دون حسم الموضوع بشكل نهائي، ولا يستبعد أن يكون "بالون اختبار" لقياس ردود الفعل الداخلية والخارجية، مع احتمال أن يتجاوز مجلس السيادة توصية الوفد الحكومي، وأن يستمر التواصل مع واشنطن مباشرة أو عبر وسطاء لجسر الهوة بين مواقفهما.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المشارکة فی مفاوضات الجانب الأمیرکی فی مفاوضات جنیف الوفد الحکومی الدعم السریع مشاورات جدة وفد الحکومة أبو نمو

إقرأ أيضاً:

مخاوف ومطالب السودانيين بشأن مفاوضات وقف الحرب

فرضت الحرب المستعرة في السودان أجواء قاتمة يسودها القمع والاعتقال والتخوين ومصادرة النشاط السياسي والاجتماعي، ويتقلص فيها أو ينعدم التواصل العضوي المباشر بين القيادات السياسية وقواعدها الشعبية، في حين أن هذا التواصل هو أمر ضروري وأساسي لكي تبني هذه القيادات برامجها وتتخذ مواقفها السياسية بالاستناد إلى هموم الناس ونبض الشارع حتى لا تأتي هذه البرامج والمواقف مجرد تهويمات حبيسة شعارات معلقة في الهواء ولا علاقة لها بالواقع.
وبالضرورة أن يكون موضوع التواصل الرئيسي بين القيادات السياسية وقواعدها الشعبية في ظل أجواء الحرب الحالية، هو رؤى ووجهة نظر هذه القواعد الشعبية تجاه محاولات وقف الحرب عبر عمليات التفاوض التي تمت حتى الآن، وما يشوب هذا التفاوض من تعثر وصعوبات. ولكن، رغم الظروف غير المواتية هذه، فإن التغلب على صعوبة التواصل هذه صار ممكنا باستخدام وسائط التواصل الاجتماعي، شكرا للثورة التقنية الرقمية الحديثة، شريطة أن تتبنى الأحزاب والمؤسسات السياسية مناهج عمل تتماشى مع متغيرات العصر وتطوراته العاصفة.
ومن ناحية أخرى، واستنادا إلى حقيقة أن منظمات المجتمع المدني تملك من القدرات والإمكانات ما يؤهلها للعمل المباشر والملموس وسط القواعد الشعبية، وبالإشارة إلى قناعتنا الثابتة بأهمية وحتمية التكامل بين مهام هذه المنظمات والقوى السياسية، بمعنى استفادة الأحزاب والقيادات السياسية السودانية من النشاط الذي تقوم به هذه المنظمات وسط القواعد الشعبية، مثل التشبيك والاستطلاعات وقياسات الرأي، في بلورة مواقفها السياسية حتى تأتي استجابة لمطالب هذه القواعد، نتناول اليوم نتائج الاستطلاع الذي نفذته منظمة «كونفلكت داينمكس انترناشونال» داخل السودان وسط شريحة واسعة من المدنيين السودانيين، متنوعة من حيث العمر والجنس والتعليم والوضع الوظيفي ومواقع التواجد أو السكن، للتعرف على وجهات نظرهم حول محاولات التفاوض الجارية لوقف الاقتتال في البلاد.
الاستطلاع تم تنفيذه عبر تطبيق «الواتساب» في الفترة من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2024، وكشفت نتائجه عن المخاوف الرئيسية بشأن العملية التفاوضية، وتحديدا دور الجيش بعد الحرب في الحكم والسياسة، بدءا من تشكيل الحكومة الانتقالية. كما كشفت عن تباين يتراوح بين نبرة حذرة ومحايدة غالبا إلى سلبية بعض الشيء إدراكا لتعقيدات الوضع الحالي، مع تأكيد الحاجة إلى عملية سياسية شاملة، والرغبة القوية في إيجاد طريق واضح نحو السلام والاستقرار.

من نتائج الاستطلاع، كان واضحا تبني المجموعات السكانية المختلفة في السودان لوجهات نظر متباينة حول الهيكل السياسي المطلوب في البلاد مستقبلا، ولكن كل المجموعات التي شملها الاستطلاع أعربت عن العديد من المخاوف الأساسية والقلق العميق فيما يخص الوضع الحالي والمستقبل، وتحديدا علاقة الجيش بالسياسة في سودان ما بعد الحرب، مع رغبة واسعة النطاق في إعادة تقييم وربما إعادة هيكلة موقعه داخل الحكومة. وتتزايد هذه المخاوف بشكل خاص بين حملة الشهادات العليا والعاطلين عن العمل أو العاملين لحسابهم الخاص من الذين شملهم الاستطلاع. وبينما عكست نتائج الاستطلاع تمسك الجميع بالجيش الواحد في البلاد، إلا أنها أيضا عكست تشككا وخلافا حول كيفية معالجة أوضاع القوى المسلحة الموازية للجيش، كقوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة الأخرى، من حيث حلها وتسريحها أو دمجها في المؤسسة العسكرية والكيفية التي ينبغي أن يتم بها هذا الدمج، وكيفية إصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية في ظل حكومة يقودها المدنيون. وتجلى هذا القلق بشكل خاص بين حملة الشهادات العليا ممن شملهم الاستطلاع.
ومع إفصاح الجميع عن رغبتهم القوية في انتقال واضح ومنظم من الصراع المسلح إلى السلام المستدام، فإن الفئات العمرية الأصغر والمتوسطة ركزت على ضرورة التوافق الآن حول تشكيل حكومة انتقالية بدون أي محاصصات من أي نوع، مع ضرورة أخذ العبر والدروس من تجربة الحكومة الانتقالية التي شكلت بعد الثورة. وأكد جميع من شملهم الاستطلاع، خاصة النساء والمجموعات الأصغر سنا، على أهمية شمولية عملية السلام، وإنهم يرغبون في تمثيل جميع الأحزاب والمجموعات، خاصة الفئات المهمشة، في أي عملية سياسية متوقعة، مع التشديد بأن تفضي العملية السياسية إلى خارطة طريق واضحة لإقامة نظام سياسي جديد يعالج مشاغل جميع شرائح المجتمع السوداني، وليس فقط مشاغل النخب السياسية، ويؤكد على ضرورة مشاركة الشباب والنساء في تشكيل مستقبل السودان وبناء نظام سياسي يوفر مساحات حرة لوجهات النظر المتنوعة ويضمن المشاركة العادلة في السلطة والتقسيم العادل للموارد والثروة. وأكد المشاركون في الاستطلاع من مختلف الفئات العمرية والمستويات التعليمية عن تمسكهم بالحوار والمفاوضات السلمية، وبضرورة دخول كل المجموعات السياسية والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي في مناقشات شاملة وجادة لإنهاء الحرب.
ولكن، أيضا شدد المشاركون في الاستطلاع من مختلف الفئات على أهمية آليات المساءلة والمحاسبة كمدخل لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، ويشمل ذلك إعمال العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية والمصالحات ومعالجة المظالم، خاصة تلك المتعلقة بملكية الأراضي.
وعلى صعيد آخر، شكلت ضمانات تنفيذ الاتفاقيات الناتجة من المفاوضات أمرًا بالغ الأهمية لدى جميع المشاركين في الاستطلاع، والذين عبروا جميعا عن إدراكهم بأن المفاوضات الناجحة يجب أن تؤدي إلى نتائج ملموسة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية ووقف الأعمال العدائية. ومن زاوية أخرى، طرحت المجموعت المدنية القاعدية المشاركة في الاستطلاع عدة مطالب وتوقعات رئيسية من المجتمع الدولي للمساعدة في تحقيق السلام والاستقرار في السودان، منها أن يظل الحوار والتفاوض في قمة الأولويات كوسيلة أساسية لإنهاء الصراع، مما يعكس رغبة واسعة النطاق في التوصل إلى حل سلمي، ومنها ضرورة هنددسة عملية سلام شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع، ومنها فرض العقوبات وحظر دخول الأسلحة مما يساعد في زيادة الضغط على طرفي القتال لوقف الأعمال العدائية، وضرورة وجود آليات لمحاسبة المسؤولين عن اندلاع الحرب، وبرز ذلك واضحا وسط النساء وحملة الشهادات العليا ممن شملهم الاستطلاع.

نقلا عن القدس العربي  

مقالات مشابهة

  • مباحثات سودانية في القاهرة حول الحرب ومبعوث واشنطن للسودان يزور الرياض
  • اتفاقية جنيف في السرايا...تحييد المدنيين أولوية
  • تقدم تسعي للسلام عن طريق مفاوضات تقصي الجهة التي تحارب
  • انطلاق الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • تصعيد في محاور القتال بالسودان.. ما علاقة التحركات الدولية؟
  • عاجل|قرارات جديدة من هيئة الرقابة المالية لمواجهة حالات تعثر شركات الأوراق المالية
  • افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • مخاوف ومطالب السودانيين بشأن مفاوضات وقف الحرب
  • تعثر مفاوضات الأهلي مع محمد بن رمضان.. حالة وحيدة تنقذ الصفقة| عاجل
  • تعثر مفاوضات غزة.. التحديات المعقدة في جهود السلام