دور المجتمع الإسرائيلي في الحفاظ على مستقبل دولته ومقاربة ذلك مع الحالة السودانية الراهنة
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
نتابع منذ فترة الحراك الذي ينتظم المجتمع الإسرائيلي كرد فعل لإقرار الحكومة الاسرائيلية مشروع تعديلات قانونية مست مكانة الجهاز القضائي وقادت لاحداث استقطاب و انقسام حاد في أواساط المجتمع الاسرائيلي تخوفت على اثره النخب السياسية وحلفاء إسرائيل من تأثير ذلك على مستقبل الدولة الصهيونية. و قد ارتكز مشروع تغيير السلطة القضائية المقدم من وزير القضاء الإسرائيلي على إحداث تغيير جوهري في مكانة و وظيفة السلطة القضائية في إسرائيل وذلك بغرض افساح المجال وازاحة العقبات التي تواجه المشروع السياسي للأحزاب اليمينية في الكنيست و الحكومة معًا.
و لكي تتضح صورة أثر هذه التعديلات على شكل و مستقبل الدولة في إسرائيل فقد اشارت رئيسة المحكمة العليا الى ان خطورة هذا المشروع لا تكمن في تقويضه لاستقلالية السلطة القضائية فقط و أنما تكمن في ان المشروع المقترح لا يهدف لإصلاح السلطة القضائية وانما هدفه الأساس هو القضاء عليها ( في إشارة الى ان وزير القضاء الإسرائيلي الحالي يعتبر من النخب السياسية التي تتبنى من سنوات سابقة مشروع اخضاع السلطة القضائية للسلطة التشريعية ) وأن الخطة المقترحة للتعديلات ستحول القضاة إلى تابعين للسلطة السياسية والذي يعني تغيير هوية إسرائيل الديمقراطية بشكل جوهري وتمهيد الطريق للفساد الحكومي.
والناظر الى التخوفات التي تنتاب النخب والشريحة الواعية في المجتمع الإسرائيلي من تأثير هذه التغيرات على مستقبل الدولة يجد ان كل تلك المخاوف التي طرحت مشروعة وقد عانت منها الدولة السودانية وعاشتها واقعا خلال فترة حكم الإسلاميين في الثلاثين عاما الماضية التي حدثت فيها تغييرات و تعديلات تشريعية بصورة درامية تم معظمها بطرق سرية وغير معلنةادت الى احداث اثر بالغ على مصداقية النظام القضائي و القانوني في الدولة السودانية . وتجلت خطورة تلك التغييرات في تمكين الفاعليين السياسيين في القدرة على تحديد عمل السلطة القضائية وأحكامها و التأثير على شروط الاستيعاب و التعيين والترقي و تحديد أعضاء المحاكم الدستورية والعليا وأحكام السيطرة على السلطة القضائية بواسطة الجهاز التشريعي ( المجلس الوطني والذي كان الإسلاميين يمثلون الغالبية العظمى والمريحة فيه ) والجهاز التنفيذي ( الحكومة والتي مثل الإسلاميين فيها نسبة 100% ) مما أدى الى افرغ الدولة من مفهومها التنفيذي و تحويلها الى دكتاتورية مطلقة تقوم على حكم الفرد و الحزب الواحد الذي اختطف الدولة في عهد الإنقاذ.
ان الوعي الذي شاهدناه في المجتمع الإسرائيلي برفضه لهذه التغييرات وخروج عشرات الالاف من الإسرائيليين الى الشوارع في مسيرات تهدف الى الضغط على الحكومة لإلغاء هذه التعديلات و التهديدات بتنفيذ إضرابات تشل عمل الدولة من قبل اغلب الشرائح المدنية واستقالة الالاف من ضباط وجنود الاحتياط في الجيش احتجاجا على استمرار الحكومة في مشروعها هو دلالة عافية واشارة واضحة لان هذا المجتمع يختلف تماما عن الصورة الذهنية المرسومة في ادمغتنا والتي انتجتها ادبيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وهذا يجعلنا نقوم بعمل مقاربة و طرح سؤال بديهي وهو لماذا لا يتمكن السياسيين و المثقفين السودانيين والنخب الواعية في صراعهم مع السلطة من ممارسة هذا النوع من السلوك الا عند نقطة الانقلاب و قمة القهر فقط حين يخرج المجتمع ليفجر ثورة سرعان ما تنسف بانقلاب عسكري صادم .
لماذا لا نتعلم هذا السلوك ونجعله نهج اصيلا نمارسه لتحصين مستقبل الدولة السودانية ضد الاختطاف والانحراف والردة عن مرتكزات تطور الدولة في الاتجاه الصحيح والتي يمكن ان نقوم بتعريفها و الاتفاق عليها في دستور يحدد اساسيات الامن القومي السوداني.
و كتطبيق عملي لهذا السلوك دعونا ندعم مبادرة الرايات البيضاء الداعية لإيقاف هذه الحرب الملعونة دون أي شروط مسبقة حقنا لدماء السودانيين جميعا من كل الأطراف مدنيين وعسكريين.
yousufeissa79@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المجتمع الإسرائیلی السلطة القضائیة مستقبل الدولة
إقرأ أيضاً:
مدير مكتبة الإسكندرية: الهجرة غير الشرعية أبرز التحديَّات الشائكة التي تواجه المجتمع الدولي
قال الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، إن قضية الهجرة غير الشرعية تعد أحد أبرز التحديَّات الشائكة التي تواجه المجتمع الدولي، وقد اكتسبت أهمية كبرى في الآونة الأخيرة نظرًا لارتباطها بأبعاد تنموية واقتصادية.
جاء ذلك في افتتاح ندوة "الهجرة غير الشرعية: التنمية والاستثمار في البشر"، التي نظمها مشروع "مصر الغد" بمكتبة الإسكندرية، وتحدث فيها كل من السفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر، والدكتورة عادلة رجب أستاذ الاقتصاد ورئيس وحدة دراسات الهجرة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور أيمن زهري الخبير في دراسات الهجرة والسكان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأدار النقاش الدكتور رامي جلال عضو مجلس الشيوخ.
وأكد الدكتور أحمد زايد أن مصر ظلت لسنوات ممرًا لهذا النوع من الهجرات، لكنها استطاعت أن تمنع نهائيًّا انطلاق المهاجرين غير الشرعيين من سواحلها، وهو الأمر الذي تشيد به العديد من المؤسسات الدولية التي تصنف مصر من أوائل دول المنطقة التي وضعت أطرًا وسياسات واضحة لمنع الهجرة غير الشرعية.
وقال إنه خلال المؤتمر الوطني الأول للشباب عام 2016، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، وبالفعل منذ ذلك العام وحتى الآن لم تخرج مركب غير شرعية واحدة من السواحل المصرية.
وأشار إلى أن حق الهجرة مكفول للمواطنين بموجب الدستور المصري في مادته رقم (62)، والتي فتحت الباب أمام العديد من التعديلات الجذرية في التشريعات الخاصة بأوضاع الهجرة وشئون المصريين بالخارج، كما أوضح الدستور اهتمام الدولة بالمصريين المقيمين بالخارج، وبأهمية تقنين أوضاعهم وشمولهم بالحماية الاجتماعية والتأمينية، وتقدير مساهمتهم في الاقتصاد والتنمية.
وشدد على أن اهتمام مكتبة الإسكندرية بقضية الهجرة غير الشرعية ينبع من عدة اعتبارات؛ الأول أن هذا الموضوع يمس بالإضافة إلى الابعاد الأمنية والسياسية الثقافة أيضًا، ويُقصد بالجانب الثقافي هنا أسلوب الحياة الذي يضمن للمرء حياة كريمة، والاعتبار الثاني هو ارتباط موضوع الهجرة غير الشرعية بمنطقة حوض البحر المتوسط، التي تطل عليها مدينة الإسكندرية بمكتبتها، ولديها علاقات تاريخية ووشائج ثقافية وحضارية تربطها بهذه البقعة الهامة من العالم. أما الاعتبار الثالث فهو ارتباط التصدي للهجرة غير الشرعية بتقديم يد العون للفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة وفي داخل مكتبة الإسكندرية، هناك اهتمام بهذه الفئات الاجتماعية: الطفل، الشاب، المرأة عبر برامج متخصصة في عدد من القطاعات.
وأكد مدير مكتبة الإسكندرية أن مكافحة الهجرة غير الشرعية ترتبط في أحد أبعادها بالتنمية، والاستثمار في البشر، وسبل الإفادة من الطاقات البشرية الشابة في تنمية المجتمع، من خلال مشروعات، ومبادرات تنموية، وتمكين المجتمعات المحلية، لافتًا إلى أن هذه الندوة تلقي نظرة مختلفة على قضية الهجرة غير الشرعية من زاوية التنمية والاستثمار في رأس المال البشري.
من جانبه، قال الدكتور سامح فوزي؛ كبير باحثين بمكتبة الإسكندرية، والمشرف على مشروع مصر الغد، إن المكتبة عقدت مؤتمرًا موسعًا حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية في يوليو 2021، وقد ناقش هذا المؤتمر الاستطلاعي الظاهرة من الناحيتين السياسية والقانونية، واليوم يتم تنظيم هذه الندوة للحديث عن الموضوع بشكل أعمق وأكثر تطورًا. ولفت إلى أن الندوة ستناقش الظاهرة من خلال قضية التنمية، فالتنمية تعد محورًا أساسيًا للحد من الهجرة غير الشرعية من خلال الاستثمار في البشر والمساهمة في تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية.
وأضاف أن الندوة تأتي في إطار مشروع مصر الغد الذي أطلقه الدكتور أحمد زايد عقب توليه مسئولية مدير مكتبة الإسكندرية بهدف دراسة مشروعات التنمية، ودور المجتمع المدني، وتعزيز الحوار المجتمعي حول قضايا مصر المستقبل.
وفي كلمتها، قالت السفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر إن اللجنة هي لجنة وزارية تابعة لرئيس مجلس الوزراء، مشيرة إلى أن اللجنة لها مهام تنسيقية فهي تهتم بوضع التشريعات، حيث وضعت أول قانون في الشرق الأوسط يعرف جريمة الإتجار بالبشر ويضع عقوبة على المهربين، كما أن اللجنة تعمل على التنسيق بين الجهات الوطنية وإصدار الدراسات حول الهجرة غير الشرعية، حيث قدمت عددا من الدراسات لرصد حركة الهجرة، ووضع خريطة توضح المحافظات الأكثر تصديرًا للمهاجرين.
وأضافت أن اللجنة قامت بتأسيس صندوق للمهاجرين يهتم بالعائدين الذين تم ترحيلهم، أو من يعودوا طواعية، وتقدم لهم الدعم وتساندهم في ظروفهم الصحية والنفسية والتعامل مع المجتمع. ولفتت إلى وجود شراكات بين اللجنة والمنظمات الأهلية وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حيث يتم التعاون في فعاليات توعوية والتنقل في المحافظات للتوعية والحديث مع الشباب.
وقالت السفيرة نائلة جبر إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفرص العمل، فقلة فرص العمل وضيق سبل العيش تؤدي إلى ارتفاع معدلات الهجرة. ولفتت إلى أن بعض المهاجرين حققوا نجاحات في فترات معينة إلا أن الأوضاع الحالية التي تلت تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية كان لها أثر سلبي كبير على المهاجرين في أوروبا.
وأكدت أن الهجرة غير الشرعية هي ظاهرة ذات طابع ذكوري، مع وجود استثناءات قليلة جدًا. ولفتت إلى أن المرأة لها دور كبير وأساسي في قضية الهجرة غير الشرعية، ولها قوة تأثير كبيرة على الأسرة، مؤكدة أن التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة يمكن أن يساهم بشكل كبير في الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وتحدثت السفيرة نائلة جبر عن أهمية تشجيع الشباب ودعم التعليم الفني ودعم الصناعات الحرفية، مؤكدة على أهمية التنمية في الحد من الهجرة غير الشرعية، وضرورة تضافر جهود الدولة مع المجتمع المدني ومجتمع الأعمال للاستثمار في البشر.
من جانبها، قالت الدكتورة عادلة رجب أستاذ الاقتصاد ورئيس وحدة بحوث ودراسات الهجرة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إن الوحدة انشئت بفكرة من وزارة الخارجية عام ٢٠١٩، لعدم وجود وحدة متخصصة في قضايا الهجرة في أي جامعة حكومية.
وأشارت إلى أن الوحدة تنظم ندوات وورش عمل توعوية حول مخاطر الهجرة غير الشرعية والتعريف بمزايا الهجرة النظامية.
وأضافت أن الوحدة تعمل على توعية الشباب بأهمية التعليم والتدريب والحث على القيام بدراسات لمشروعات بالتعاون مع جهاز المشروعات الصغيرة، ويتم التواصل مع رجال الأعمال لتبني المشروعات. كما أن الوحدة تقوم بأعمال ومشروعات بحثية للخريجين وأعضاء هيئة التدريس لطرح الأفكار ومعالجتها والترويج لها.
أكد الدكتور أيمن زهري الخبير في دراسات الهجرة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن الهجرة غير الشرعية لم تكن الخيار الأول لأي شخص. ولفت إلى أن عدد المهاجرين حول العالم ارتفع إلى ٣٠٤ مليون مهاجر، أي ٣.٧٪ من إجمالي سكان العالم، وبالرغم من أنه رقم قليل إلا أن توزيع المهاجرين حول العالم ليس توزيع متوازن، لذا فإن ما يجعل هذا الرقم ظاهرة هو تركز الهجرة في مسارات محددة منها مسار البحر المتوسط.
وأضاف أن نسبة المهاجرين غير الشرعيين حول العالم هي ١٠%-١٥٪ من اجمالي عدد المهاجرين، أي حوالي ٤٥ مليون مهاجر غير شرعي من جملة المهاجرين على مستوى العالم، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر بلد في العالم مستضيف لمهاجرين غير شرعيين حيث تضم حوالي ١٠ ملايين مهاجر غير شرعي، وفي ظل الإدارة الجديدة من المتوقع أن تنخفض الأرقام بشكل سريع.
وأكد أن مصر بلد غير مهاجر لأن ارتباط المصري بالوطن ارتباطا عميقا، وهو إنسان قدري لا يميل للتحرك، ولفت إلى أن الهجرة المصرية بشكل عام هي هجرة سعيًا وراء الرزق، لكن الهجرة الكثيفة كانت مؤقتة، ومصر هي دولة استقبال للمهاجرين وليست دولة إرسال.
وأضاف أن أعداد المصريين الحاصلين على تصاريح للعمل في الخارج وصلت مليون و٤٠٠ ألف وفقًا لإحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء.
وأضاف الدكتور أيمن زهري أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين في مصر يتراوح بين ٢٠ ألف إلى ٣٠ ألف شخص كل عام، وهذا لا يقلل من أهمية مكافحة هذه الظاهرة، لكننا أمام ظاهرة أصبحت محدودة بجهود الدولة. وشدد على أهمية دور المجتمع المدني ومراكز البحث والجامعات والأحزاب والمحليات في مكافحة ظاهرة الهجرية غير الشرعية.
يذكر أن الدكتور رامي جلال عضو مجلس الشيوخ أدار النقاش، ونوه إلى أهمية الحلول المبتكرة في التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية، والاهتمام بتغيير الصور النمطية الخاطئة عن أفضلية تعليم على آخر، لافتًا إلى أهمية التعليم الفني.
يذكر أن الندوة شهدت حضورًا مكثفًا من الشباب، ومبادرة تشجيع التعليم الفني، والجمعيات الاهلية، وصندوق المشروعات الصغيرة، وجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية.