لجريدة عمان:
2024-09-10@14:14:50 GMT

ثغرات الديمقراطية منافذ للإرهاب

تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT

مع تعاظم التنظير للعولمة والقرية الصغيرة التي هي العالم، وضرورة تجاوز العرقيات والأديان والجغرافيا لوحدة إنسانية تشمل الجميع دون تمييز أو تحيّز ما زلنا نتعجّب من قواعد البيانات الرسمية في الدول الغربية التي تقتضي التصريح بكل ذلك، بل وتؤكّد تحديدا على الانتماء الديني والعرقي، لكن هذا العجب يتلاشى تدريجيا حينما نستوعب أننا ما زلنا نعيش في عالم يوظّف ورقة العنصرية وفقا للحاجة خدمة لأغراض سياسية أو اجتماعية لا تمتّ للإنسانية بصلة.

أقول ذلك وأنا أستغرب إصرار الكثير من وسائل الإعلام الغربية (وقد تتبعها بعض قنوات الإعلام العربية دون وعي) على تعزيز العنصرية والتمييز ضد العرب والمسلمين خصوصا، وهو أمر صار أوضح من أن يدلّل عليه لكثرة الأدلة، فالمشتبه به في جريمة القتل يكون إرهابيا إن كان مسلما وتحدد ديانته لتتصدر الخبر وكأن منطلق القتل والجريمة هو دينه، في حين يسمى مجرما عندما لا يكون القاتل مسلما، دون أي إشارة إلى دينه أو عرقه، ناهيك عن إمكانية التعاطف مع المجرم بدعوى المرض النفسي والاضطراب العقلي، ومع تأكيد هذه المعرفة عبر التكرار وصمت المؤسسات المعنية بنبذ التمييز والتحريض على فئة دون أخرى صارت هذه هي الورقة التي يستخدمها بعض الساسة للتحريض ضد المسلمين أو نهب ثرواتهم بحجة حمايتهم من الغضبة الجماعية للعالم، بينما يتم التأكيد على فكرة أن الجريمة لا تنتمي لأي دين هي الوسيلة الأسهل والأجدى لمجابهة العنصرية.

هذه هي الورقة الذهبية التي استخدمها أعضاء اليمين المتطرف في بريطانيا بعد حادثة فردية قبل أيام لمجرد انطلاق خبر جريمة كان الجاني فيها صبيا أسمر، فنشروا إشاعة بأنه مسلم يستهدف غير المسلمين جميعا، وبدأت أبواق الشحن والتحريض ضد المسلمين حتى بعد نفي خبر إسلامه، لكن لا أهمية لذلك حينها إذ كانت الإشاعة الأولى هي شرارة الموقد، واشتعلت فلِمَ يحرص الموقدون على إثبات أو نفي الإشاعة؟ وتحت دعوى الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير انطلقت دعاوى التحريض والتأجيج ضد جماعات المسلمين خصوصا والمهاجرين عموما، ودخلت إلى حلبة الصراع عوامل ساعدت على تأجيج التصادمات الرقمية على منصة إكس خصوصا التي تدخل مالكها ذاته بنشر ما اعتبره البعض تحريضا ضد المسلمين والمهاجرين ببريطانيا، بل إنه تجاوز ذلك بوصف ما قد يحدث بالحرب الأهلية.

وتكبر فقاعات العنف الموجّه وتنظيمات صنع الرأي لتشمل عنفا مضاعفا ضد مساجد المسلمين، ومشروعاتهم التجارية من محلات وبنوك وحتى أماكن سكناهم وشوارع المدن بسكانها ومرتاديها، فلم يعد هناك مجال للشك في أن الأمر تجاوز حرية الرأي والتعبير لمحاولة الإخلال بالأمن والنظام؛ مما دفع الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن على ميداني الصراع القائم؛ الواقع والعالم الافتراضي، وبعد أيام من أعمال التخريب والشغب، وإصابة 22 ضابط شرطة بريطانيا ضمنها إصابات بليغة خلال الاحتجاجات، والتصعيد للتهديد بما هو أقسى، والطريف أن بين هؤلاء من كان يهدد الشرطة افتراضيا في استحالة الوصول إليه؛ لأنه شاهد وقرأ الكثير من الأفلام البوليسية وروايات الجريمة، هذا الشاب تم اعتقاله بعد ثلاثة أيام من تهديده الرقمي وحوكم مع بقية المعتقلين الذين صدرت ضدهم أحكاما سريعة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، لتبدأ حملة الحكومة في حفظ الأمن وسلامة البلاد.

ضمن حملة الحكومة لحفظ الأمن أكّد رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر نفسه (الذي عمل مدعيا عاما في إنجلترا وويلز) توقيع أحكام «قاسية» على مثيري الشغب، مؤكداً أنّ أولويته هي ضمان سلامة السكان، بينما أعلنت الحكومة تشكيل «جيش» احتياطي يضمّ حوالي 6 آلاف عنصر شرطة متخصّصين في المحافظة على النظام، كما سيتمّ توفير561 مكاناً للسجن لاحتجاز مثيري الشغب، كما تبحث الحكومة البريطانية إدخال تعديلات على قانون الأمن على الإنترنت المعني كذلك بتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي بعد الأحداث التي تسبب فيها انتشار معلومات مضللة على الإنترنت، لا يمكن إنكار تداخل قطاعات التنمية التي تتكئ على الأمن؛ فأعمال الشغب البريطانية كانت كافية ليتأثر موسمها السياحي بتحذيرات أربع دول على الأقل لرعاياها بتجنب التصادم وضرورة الابتعاد عن مراكز المظاهرات أثناء السفر لبريطانيا خلال الفترة الحالية متضمنة: أستراليا ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا، ولعله من الجيد الختام بتأكيد أولويات أي حكومة في حماية الأمن قبل التركيز على أي انتصار حزبي أو فردي أو ادعاءات ديمقراطية قد تستغل للنيل من سلامة الناس، وكما أكّد رئيس الوزراء البريطاني «هذا ليس الوقت المناسب للسياسة، إنه وقت التركيز على العائلات» وهو «مصمم» على مكافحة العنف بالسكاكين، كظاهرة تزايدت في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة وغالبا ما ينفذها شبان. أما الملك تشارلز الثالث -في أول رد له يوم الجمعة الماضي على المظاهرات- شكر الشرطة على تحركها في مواجهة أعمال الشغب الأخيرة لليمين المتطرف في المملكة المتحدة، ناسبا هذا العنف إلى «جنوح عدد محدود» وداعيا إلى «الاحترام والتفهم المتبادلين».

ختاما: لا بدّ من التأكيد على أن الوعي المعرفي قوة تتيح للجميع تقبّل المختلف وتحصّن الفكر ضد أي هجمات موجهة للنيل من أمان الإنسان وأمن البلاد، كما أن القانون ودوره في تقنين المسموح والمحظور قوة كذلك، حفاظا على النظام والتواصل الاجتماعي بين البشر وتوفيرا للبيئة المحفزة للتبادل الثقافي واستثمار طاقات الإنسان وموارد البلاد، ولا بد من القوتين معا لتحقيق الأمان وحفظ الأمن.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

علماء المسلمين يدعو إلى تضامن عربي وإسلامي لوقف الحرب في السودان

دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدول والشعوب العربية والإسلامية والمنظمات الإنسانية حول العالم إلى التحرك من أجل وقف الحرب في السودان ومواجهة ما خلفته من تداعيات كارثية.

وأكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي محمد الصلابي في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن السودان يدفع ثمن مواقفه المنتصرة للثوابت والهوية العربية والإسلامية، وأنه يستحق من العرب والمسلمين قبل غيرهم، الإسناد في وقف هذه الحرب أولا، ثم معالجة تداعياتها ثانيا، وفق التوجيه القرآني الرباني: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

وأشار الصلابي إلى تصريحات مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، التي أكد فيها، أن النظام الصحي المتداعي في السودان وصل إلى مرحلة الانهيار، وأن ما بين 70 إلى 80 في المائة من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل تماماً.

وقال: "كل العرب والمسلمين والمنشغلين بأوضاع العالمين العربي والإسلامي يعلمون أن ما يجري في السودان من اقتتال داخلي ليس صراعا حول السلطة فقط، وأنه ما كان له أن يتطور إلى هذه الحرب الطاحنة التي تأكل الأخضر واليابس لولا وجود أيادي خارجية لا تريد خير السودان ولا إفريقيا ولا العرب ولا المسلمين".

ورأى الصلابي أن محنة السودان لا تقل عن محنة غزة وفلسطين من حيث طبيعة الاستهداف والأطراف الفاعلة فيها، وأشار إلى أن عشرات الآلاف من السودانيين قضوا نحبهم في هذه الحرب وملايين السودانيين فروا من ديارهم بعضهم نازح في خيام لجوء لا تلبي الحاجات الضرورية للحياة، وآخرون توزعوا في بلاد اللجوء في ظروف إنسانية مأساوية.

وأضاف: "لقد انشغل العالم بحرب الإبادة التي ينفذها الاحتلال الصهيوني بحق غزة منذ ما يقارب العام، وأهل فلسطين عموما لثمانية عقود خلت، بينما يدفع السودانيون في صمت ثمن انحيازهم لهويتهم العربية والإسلامية، وكعادة أهل السودان فإنهم يكافحون بعزة وإباء تحديات الحياة التي أصبحت جحيما دائما وفق كافة التقارير الدولية".

ودعا الصلابي منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى التحرك من أجل إنقاذ أهل السودان، وقال: "لقد تجاوز عدد ضحايا الحرب في السودان، الـ20 ألفاً وفق مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وذكر أن 25 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، منهم 14 مليوناً في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ومن حق السودان الذي ناصر قضايا الأمة، وهو قبل ذلك جزء أصيل منها، على الأمتين العربية والإسلامية أن تناصره وتقف معه لتحقيق أمنه واستقراره، لا أن يتم الاكتفاء بموقع المتفرج الصامت، أو الطرف المتدخل في إذكاء نار الفتنة".

كما طالب الصلابي الشعوب العربية والإسلامية إلى إعلاء صوتها من أجل مناصرة قضاياها الرئيسية، وفي مقدمتها فلسطين والأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشرفين، ثم السودان الذي أمست حاجة أهله للسلم والاستقرار شرط حياة، وفق تعبيره.

وبهدف تسليط الضوء على الوضع بالسودان، قال برنامج الأغذية العالمي، أول أمس السبت عبر منصة إكس، إن استمرار الحرب لأكثر من 500 يوم يُعرض نصف السكان للجوع الشديد، في أول مجاعة مؤكدة بالعالم منذ 2017، في إشارة إلى مجاعة جنوب السودان.

وفي 20 فبراير/ شباط 2017، أعلنت دولة جنوب السودان والأمم المتحدة "المجاعة"، وذلك في أجزاء من ولاية الوحدة (شمال).

ويبلغ عدد سكان السودان نحو 49.5 مليون نسمة، وفق أحدث التقديرات غير الرسمية.

ومنتصف أبريل/ نيسان 2023 اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما خلّف نحو 18 ألفا و800 قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء هذه الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

مقالات مشابهة

  • “التعاون الإسلامي” تُدين بشدة المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة
  • علماء المسلمين يدعو دول العالم لوقف الحرب في السودان ومواجهة تحديات النزاع
  • ياسمين فؤاد: الحكومة المصرية وضعت محور البيئة تحت قضية الأمن القومى
  • حراس البقر يعززون العنف الديني ضد المسلمين بالهند في عهد مودي
  • جماعة الإخوان المسلمين: دم الشهيد الجازي انتصار لغزة وفلسطين
  • علماء المسلمين يدعو إلى تضامن عربي وإسلامي لوقف الحرب في السودان
  • مدير شرطة ولاية القضارف يشهد تخريج الدورة التنشيطية لدورتى فض الشغب وحرب المدن
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • قبل انطلاق الدراسة.. تعرف على أسعار مصنعات اللحوم في منافذ الزراعة
  • الشيخ الجوزو: هناك من يعتدي على هوية المسلمين وأوقافهم