عشاء السيد المسيح مع أطفال غزة
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
فى غضون ساعات قليلة كانت لوحة «العشاء الأخير» للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية فى إيران، وهى محاكاة للوحة «العشاء الأخير»، للرسام الإيطالى «ليوناردو دافنشى»، قد انتشرت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى العربى بسرعة البرق، نشرها فنانون تشكيليون ومثقفون وأساتذة جامعة ومواطنون عاديون من كل الفئات شباب وأطفال وكبار فى السن، الكل يريد ان يشارك فى تلك الصفعة المدوية التى ضربها الفنان الأيرانى محمد على الصنوبرى على وجة العالم القبيح والمتجسد فى عرض افتتاحية «أوليمبياد 2024.
هذا ولم يجد منظمو حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية، وأمام ثورة الغضب العارمة التى اجتاحت العالم، مفرا من تقديم اعتذار رسمى عن العرض المسيء، حيث أعلنت المتحدثة الرسمية باسم أوليمبياد باريس 2024 آن ديكا فى مؤتمر صحفى باهت وكاذب أنه بالتأكيد لم تكن هناك نية على الإطلاق لإظهار عدم الاحترام لأى طائفة دينية، وأن حفل الافتتاح حاول الاحتفاء بقيم التسامح، وقالت إنهم يعتقدون أن هذه الرغبة تحققت، وإذا شعر الناس بأى إساءة فهم يأسفون لذلك حقًا.
لوحة العشاء الأخير للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى تمثل السيد المسيح وهو يتوسط طاولة متواضعة يحيط به أطفال غزة يتحدثون اليه وتعبيرات وجوههم البريئة تشى اليه بالأهوال التى يعيشونها تحت القصف الصهيونى المجرم منذ السابع من أكتوبر 2023، وفى خلفية اللوحة وبدرجات اللون الرمادى الذى يقترب من السواد نجد حجم المأساة الفلسطينية، على شكل بيوت مهدمة وحطام وحجارة مبعثرة فى كل مكان وسحب داكنة، ولكن يبقى الأمل فى علم فلسطين المعلق بكبرياء وشموخ على إحدى تلك الخرابات لتلقى عليه أشعة الشمس الحثيثة قليلا من الضوء توحى بالنصر ولو بعد حين.
جمال لوحة الفنان الايرانى محمد على الصنوبرى من وجهة نظرى فى عودة اليقين مرة أخرى إلى سطوة الابداع وقدرته على التغيير فى الفكر الجمعى حينما يخرج صادقًا، تعاطف السيد المسيح عيسى عليه السلام وجلوسه حول أطفال غزة رسالة شفيفة تصل إلى قلب كل مؤمن فى أرجاء العالم بالقيم الانسانية من حب وخير وجمال، لوحة رغم محاكتها للوحة الأشهر للفنان الأيطالى «ليوناردو دافنشى»، فهى الأعمق برسالتها لعالمنا الحالى الذى يروج له الغرب بالشذوذ وازدراء الأديان وتخريب العقول بأفكار سامة كالعولمة والتجارة عبر القارات، والبعد عن العادات والتقاليد والهوية التاريخية لكل بلد ومنطقة جغرافية.
هل لوحة «العشاء الأخير» للفنان الإيرانى محمد على الصنوبرى هى الأولى التى يلجأ فيها الحس الإبداعى إلى السماء طالبًا الشفاعة والنصر؟ الاجابة بالنفى ففى شهر ديسمبر 2023 اى بعد شهرين فقط من بداية الهجوم الصهيونى الوحشى على قطاع غزة قام الفنان المصرى محمد دمراوى فى معرضه الجديد (العشاء الأخير)، الذى يرصد الأوضاع الصعبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى جراء القصف الإسرائيلى الهمجى لقطاع غزة، من خلال مشهد فنى بانورامى يجسد أطفال غزة كأنهم ملائكة تحلِّق على مائدة العشاء الأخير مع السيد المسيح عيسى عليه السلام. المعرض استضافه فى ذلك الوقت «غاليرى ديمي» فى ضاحية الزمالك بالقاهرة، ويوثق دمراوى من خلاله معاناة الفلسطينيين، خصوصًا أطفال غزة، الذين طالهم العدوان الإسرائيلي، ما أدى لاستشهاد أكثر من خمسة آلاف طفل حتى الآن. وقد أعلن الفنان تخصيص نصف عائد مبيعات لوحات المعرض للهلال الأحمر والمساعدات الموجهة لقطاع غزة. فى هذا العرض، خصص دمراوى عملًا فنيًا اختار له عنوان «ملائكة غزة»، يجسد من خلاله ويلات الحرب وتداعياتها، خصوصًا على الأطفال، وكم المأساة التى يتعرضون لها فى كل لحظة، وهذا الكم الكبير من الضحايا بينهم، وهى مأساة نالت كذلك من براءة وأحلام من نجا منهم.
يقول دمراوي: «عندما يندمج الفن التاريخى والإبداع المعاصر، فإنك ترى نفسك مُحاطًا بالأعمال الفنية المُستلهمة من لحظات تاريخية مهمة، وتعيد تفسيرها بأساليب فنية معاصرة، وهذا من شأنه أن يتيح لنا فرصة لاستكشاف أبعاد جديدة من الفن والروحانية الممتزجة بالكثير من الجمال والإلهام».
ربما ما قلته سابقًا هو محاولة مستميتة لإرضاء ضميرى الانسانى ليتوقف عن الصراخ والنحيب، والعيش ليلًا فى كوابيس وأحلام مرعبة، وهو العاجز والمشلول أمام شاشات التلفاز يشاهد ولا يشارك.
ضميرى الانسانى.. هذا الخوف الممزوج باعتياد رائحة الموت والخراب الفلسطينى اليومى كقهوة الصباح المرة، أو كما يقول الباحث الفلسطينى سامر أبو هواش: ان القتل هناك بات أمرا يوميا، ثابتا من ثوابت الحرب، عدادا تتوالى الأرقام على صفحته. الصور المرعبة باتت هى الأخرى مكرّرة، كلّ ما من شأنه أن يهزّ العالم، لم يعد يهزّ أحدا. مرة أخرى، نجحت آلة الحرب الإسرائيلية فى جعل الموت شأنا اعتياديا. لتدرك فداحة ما يجري، حقيقة أن هناك أناسا، أطفالا ونساء، يقتلون بمعدّلات يومية تتحدّى كلّ منطق، ليس عليك سوى متابعة السجال حول لوحة «العشاء الأخير» فى افتتاح أوليمبياد باريس. السجال فى حدّ ذاته، أى كونه قائما فى الأساس، درجات الاستياء، تعبيرات الغضب، الآراء المتطايرة، المزاج العام، كلّ هذا يقودك إلى شعور مرير باليأس.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ليوناردو دافنشي العشاء الأخیر السید المسیح أطفال غزة
إقرأ أيضاً:
«شجرة العجائب».. ترسخ قيم التسامح في نفوس الأطفال
محمد عبدالسميع (الشارقة) قدمت فرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، ضمن عروض الدورة الثامنة عشرة من مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، مسرحية «شجرة العجائب» للكاتب عثمان الشطي والمخرج عدنان البلوشي، وأداء نخبة متميزة من فناني المسرح الإماراتي، وهم: شعبان سبيت، محمد اسحق، إسماعيل سالم، محمد السويدي، جودي النبهان، غزلان محمد، قصايد محمد، عبدالله المنصوري، دانة سلامة، ريوف الزعابي، ويوسف عزام، وآخرون.
دارت أحداث العرض، حول شجرة ضخمة وارفة، يستظل بظلها الجميع، وتمنح المكان جواً من البهجة والراحة والطمأنينة، تتشكل من ألوان كثيرة ومتعددة، غير إن اللون الأسود والمهرج بالملابس الغريبة والرثة، يحدثان الفوضى في المكان، من خلل شعورهما بأنهما بلا أهمية تذكر، وأن الآخرين لهم المكانة والحظوة عند الشجرة أكثر منهما، فيقرران الرحيل عنها، لتصبح ألوان الشجرة منقوصة بعد مغادرة اللون الأسود منها، حينها تبدأ شجرة الشوك بنسج الخطط والمكائد بعد ضعف الشجرة، فتنقض شجرة الشوك ورفاقها على الشجرة العجيبة، وتسيطر على المكان، غير أن اللون الأسود، وكذلك المهرج يشعران في ذلك الوقت بأهمية وجودهما، وأنهما جزء من تلك الشجرة التي كانت تجمعهما، وتوفر لهما الأمان، فيقرران العودة، ويواجه الجميع متماسكين شجرة الشوك وينتصرون على الأشرار، ويطردونهم من المكان ليعود الجمال والحب والوئام إلى الشجرة.
أخبار ذات صلة مسرحية «شابو والمفتاح».. رحلة ممتعة في عوالم سحرية في «جامع الشيخ زايد الكبير».. «نور وسلام»حمل العرض عدة طروحات مهمة موجهة إلى الأطفال، على رأسها أهمية الفرد في المجموعة، وأن المجتمعات لا تقوم وتتطور وتعيش بأمن وسلام إلا بتكاتف أبنائها وتعاونهم، كذلك أكد العرض على أهمية نبذ العنف والذهاب إلى التسامح، وضرورة إرساء المحبة والوئام بين الناس، وأن الشر مهما تعاظم حجمه فهو دائماً في النهاية إلى زوال. تميز العرض بالرقصات الاستعراضية المتميزة، والتي صممها محمد السويدي، وكذلك الموسيقى لفاضل الحميدي، التي جاءت متوافقة مع الحدث، كما أن المخرج نجح في بناء لوحات بصرية أمتعت الأطفال وجعلتهم يتفاعلون معها، كذلك تميز في هذا العرض أداء الممثلين، الذين برعوا في تجسيد شخصياتهم، وكذلك مقدرتهم على تلوين أداءهم وفقاً لما تتطلبه شخصياتهم الأمر الذي رفع من إيقاع العرض، كما لعبت الأزياء لزهرة الحمادي، والإضاءة لإبراهيم الحمادي، وكذلك الديكور لفارس الجداوي، والماكياج لعلي بيشوه، أدواراً مهمة في مسرحية «شجرة العجائب»، من خلال خلق حالة عالية من الإبهار، جذبت الجمهور إليها، وأدخلت المتعة إلى نفوسهم.