يعدّ كتاب الأدغال The Jungle Book لروديارد كيبلنج (1894) وحى بن يقظان لابن طفيل (ت. 1185) من الأعمال الأدبية التى تستعرض تجارب الإنسان فى سعيه للتعلُّم الذاتى والنمو الشخصى، غير أن كلا منهما يعالج هذا الموضوع بطرق مميزة تعكس خلفية مؤلفه اللغوية والفلسفية.

فيما يلى حوار مُتَخَيَّل بين ماوكلى، الشخصية الشهيرة فى كتاب الأدغال وحيّ بن يقظان:

ماوكلي: كما تعرف، لقد تعلمت الكثير من الغابة–من الذئاب والدببة، ومن بالو وباجيرا.

لقد علمونى كيف أعيش، وكيف أبقى على قيد الحياة. لكن أكثر من ذلك، علمونى طرق الغابة، كيف أحترم قوانينها ومخلوقاتها. ماذا عنك؟ كيف فهمت عالمك؟

حيّ بن يقظان: مثلك، نشأت فى الطبيعة، لكننى كنت وحيدًا فى جزيرتى، بدون مرشدين من البشر: لا ذئاب لتربينى ولادببة ترشدنى. لقد جاء تعليمى من مراقبة العالم من حولى، من النجوم فى السماء إلى أصغر المخلوقات تحت قدمى. لقد تعلمت من خلال التفكير، من خلال سؤالى لنفسى عن سبب شروق الشمس وغروبها، ولماذا تتصرف الحيوانات كما تفعل. لاغرو أنّ الغرب أطلق عليّ الاسم اللاتيني: Philosophicus Autodidactus” «يعنى الفيلسوف الذى علّم نفسه».

ماوكلي: إذًا، علّمت نفسك كل شيء؟ الغابة علّمتنى من خلال التجربة، لكننى تلقيت المساعدة–بالو بدروسه، وباجيرا بحكمته. ألم تشعر بالوحدة، بدون أى شخص ليرشدك؟

حيّ بن يقظان: فى البداية، نعم، ولكننى وجدت الصحبة فى العالم نفسه. كانت الجزيرة معلمى. كل عنصر من عناصر الطبيعة يحمل درسًا–كيف يرتفع المد والجزر، وكيف تهاجر الطيور مع الفصول. ومن خلال هذه الملاحظات بدأت أفهم وحدة العالم، الانسجام بين كل الأشياء. فى ذلك الانسجام وجدت إحساسًا بالارتباط، رغم أننى كنت وحيدًا.

ماوكلي: الغابة لديها نظامها وقانونها الخاص أيضًا. لكن فى بعض الأحيان، يمكن أن تكون الحيوانات قاسية، والبقاء على قيد الحياة يعنى القتال، والصيد.. ليس العيش دائمًا سلميًا.

حيّ بن يقظان: بالفعل. قادنى تفكيرى إلى التأمل فى وجود شىء أكبر منى، شىء يتجاوز العالم المادى. فهمت أن كل الأشياء، بما فى ذلك نفسى، مرتبطة بواقع أعلى. هذا الفهم جلب لى السلام الداخلى، حتى فى العزلة.

ماوكلي: أستطيع أن أرى كيف يمكن أن يجلب ذلك السلام الداخلى.. ولكن فى الغابة، الأمر كله يتعلق بالبقاء.

حيّ بن يقظان: ومع ذلك، الحيوانات التى تعيش معها تعيش وفقًا لطبيعتها، وأنت كذلك. من خلال فهمها، تفهم جزءًا من نفسك.

بينما يجلسان معًا تحت ظلال الأشجار، ماوكلى الذى نشأ فى الأدغال وحيّ الفيلسوف الوحيد من الجزيرة، يتشاركان لحظة من الفهم. أفكارهما تتشابك مثل أغصان الأشجار فوقهما، وعقولهما تلامس الحقائق العميقة نفسها.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

وسط تحديات أخلاقية.. باحثون: إنتاج الحيوانات المنوية والبويضات في المختبر بات وشيكًا

تعتمد التقنية على إعادة برمجة خلايا الجلد أو الدم البالغة لتصبح خلايا جذعية، ثم تحفيزها لتتحول إلى خلايا جنسية بدائية. اعلان

أكّد باحثون في مجال الطب الحيوي أنّ إنتاج خلايا جنسية بشرية (بويضات وحيوانات منوية) في المختبر قد يصبح ممكنًا خلال بضع سنوات، في خطوة قد تفتح الباب أمام إمكانيات غير مسبوقة في عالم التكاثر، وتمكّن من تجاوز قيود بيولوجية تقليدية تتعلق بالعقم، والعمر، وحتى النوع.

وقال البروفيسور كاتسوهـيكو هاياشي، أستاذ علم الوراثة التطورية في جامعة أوساكا، في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، إنّ التقدم في تقنية تُعرف بـ"التكوين الخارجي للخلايا الجنسية" يُحرز بوتيرة متسارعة، متوقعًا أن يتمكّن مختبره من إنتاج خلايا جنسية بشرية قابلة للاستخدام خلال سبع سنوات تقريبًا.

تحويل الجلد والدم إلى بويضات ونطاف

تعتمد التقنية على إعادة برمجة خلايا الجلد أو الدم البالغة لتصبح خلايا جذعية، ثم تحفيزها لتتحول إلى خلايا جنسية بدائية (نطف أولية أو بويضات غير ناضجة)، قبل تطويرها داخل هياكل عضوية مخبرية تُحاكي بيئة الخصيتين أو المبيضين.

وقدّم هاياشي، خلال مشاركته هذا الأسبوع في مؤتمر الجمعية الأوروبية للإنجاب البشري وعلم الأجنة في باريس، عرضًا لتجارب مخبرية نجح فيها فريقه في إنتاج خلايا نطفية أولية داخل "خصية عضوية" من فئران بُنيت بالكامل في المختبر، إضافة إلى تطوير بنية أولية لمبيض بشري.

آفاق واعدة وتحديات أخلاقية

رغم أن التقنية تُعدّ واعدة في علاج العقم وتوسيع فرص الإنجاب، خصوصًا للنساء المتقدمات في السن أو الأزواج من نفس الجنس، إلا أن هاياشي حذّر من التسرّع، مؤكدًا أن "السلامة تمثل أولوية قصوى"، وأن استخدام هذه الخلايا لتكوين أجنة بشرية يجب أن يخضع لمراجعة صارمة.

وقال: "نحن بحاجة إلى إثبات أن هذه التكنولوجيا آمنة تمامًا. هذه مسؤولية كبيرة".

وأفاد بأن فريقه يتلقى أسبوعيًا رسائل من مرضى يعانون من العقم، بينهم من أعرب عن استعداده للسفر إلى اليابان فورًا، ما يعكس الطلب الكبير المحتمل على هذه التقنية في المستقبل.

Relatedدراسة: الحمض النووي يكشف صلة جينية بين قدماء المصريين وسكان بلاد ما بين النهرينمشروع طبي ثوري في فرنسا... خنازير معدّلة وراثياً قد تنقذ حياة آلاف المرضى مايكروسوفت تكشف عن نظام ذكاء اصطناعي "يتفوق على الأطباء" في تشخيص الحالات المعقدة

سباق علمي عالمي ومشاركة شركات ناشئة

من بين المؤسسات التي تُسابق الزمن لتطوير هذه التقنية، جامعة كيوتو وشركة "Conception Biosciences" الناشئة في كاليفورنيا، المدعومة من مستثمرين كبار بينهم مؤسس OpenAI، سام ألتمان. وقد أكّد الرئيس التنفيذي للشركة، مات كريسيلوف، أن "البويضات المخبرية قد تكون وسيلتنا الأهم لعكس تراجع معدلات الولادة عالميًا"، مضيفًا أن التقنية قد تكون جاهزة للتطبيق السريري خلال خمس سنوات في أفضل السيناريوهات.

ورغم التقدم في إنتاج فئران باستخدام بويضات مخبرية، فإن إنتاج بويضات بشرية لا يزال أكثر تعقيدًا تقنيًا. لكن اكتشافًا حديثًا في كيفية بقاء البويضات البشرية في حالة سُبات داخل المبيض قد يساعد في تجاوز هذه العقبة.

ما بين الممكن والمثير للجدل

من الناحية النظرية، يمكن أن تتيح هذه التكنولوجيا أيضًا تكوين أطفال باستخدام خلايا من شخص واحد (Unibabies)، أو أطفال يحملون المادة الوراثية من أكثر من والدين (Multiplex babies)، وهي أفكار يصفها بعض العلماء بأنها "ممكنة تقنيًا ولكن مثيرة للجدل بشدة".

وقال البروفيسور هانك غريلي، المتخصص في أخلاقيات علم الأحياء بجامعة ستانفورد: "هل يرغب أحد فعلًا في تجربة هذه السيناريوهات؟ لا أرى سببًا مقنعًا، لكن العالم مليء بأناس أغنياء لديهم أفكار غريبة".

وفيما يخص إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا لتعديل الجينات الوراثية أو إجراء فحوص جماعية للأجنة، أكد كريسيلوف أن هذه الاستخدامات "حقيقية ولكن تتطلب تنظيمًا أخلاقيًا صارمًا". وأضاف: "أنا شخصيًا أؤمن بأن الحدّ من الأمراض الوراثية عبر هذه التقنية سيكون أمرًا إيجابيًا، طالما لم ننجرّ خلف خيال غير محسوب العواقب".

تشريعات صارمة وتحفّظات قانونية

في بريطانيا، يُعد استخدام خلايا جنسية مخبرية في علاجات الخصوبة غير قانوني بموجب القوانين الحالية، فيما بدأت "هيئة التخصيب البشري والأجنة" مناقشة المعايير المطلوبة لضمان سلامة هذه التقنية قبل إجازتها للاستخدام السريري.

من جهته، علّق البروفيسور رود ميتشل من جامعة إدنبرة قائلًا: "الفكرة بأننا قادرون على إنتاج نطاف أو بويضات من خلايا لم تُخلق لهذا الغرض هي فكرة مذهلة، لكنها تطرح إشكاليات سلامة جوهرية يجب أن تُحسم قبل استخدامها في تكوين أجنة بشرية".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • قراءة في كتاب: “من أسرار الذِّئب”
  • التعبئة والاحصاء: مصر بذلت جهودا كبيرة للحد من الزيادة السكانية
  • الإحصائي الخليجي: ارتفاع معدل هطول الأمطار ومتوسط الحرارة 48.2 درجة
  • وسط تحديات أخلاقية.. باحثون: إنتاج الحيوانات المنوية والبويضات في المختبر بات وشيكًا
  • أرقام صادمة لحوادث السير بالمغرب: أزيد من 143 ألف حادثة و4024 قتيلاً في سنة
  • الفاشر تقتات على علف الحيوانات ولحاء الأشجار
  • زين تبدأ تطبيق نظام التوثيق الإلكتروني الذاتي للخطوط المدفوعة مُسبقاً (eKYC)
  • الفاو: ارتفاع طفيف في أسعار الغذاء العالمية خلال يونيو
  • ارتفاع كبير في تكلفة المعيشة في إسطنبول خلال يونيو 2025
  • المقاصد بين النبوة والخلافة.. قراءة في العقل الاستراتيجي المؤسس.. كتاب جديد