لجريدة عمان:
2025-03-04@19:12:40 GMT

«الرجل الذي باع ظهره»

تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT

هل يولدُ أحدنا في الجانب الصحيح من العالم، بينما يولدُ الآخر في الجانب الخطأ منه؟ هل يولدُ أحدنا في رفاهية القوانين والحقوق، بينما يولدُ الآخر في الشقاء غير المنظور؟

أسئلة كهذه دارت بين الشاب السوري «سام علي» الذي يحمل مفردة «لاجئ» كذنب، وبين فنان مشهور يدعى جيفري غودفروي، يُحول الأشياء التي بلا قيمة إلى أشياء قيمة، في فيلم «الرجل الذي باع ظهره»، والذي كتبته وأخرجته التونسية كوثر بن هنية، ورشح لجائزة الأوسكار لعام2021، لنوع الأفلام الأجنبية في الدورة ٧٣.

فماذا عساهم يفعلون أولئك الذين لا يملكون أحصنة لعبور الحدود ولا ينتمون إلى عالم الجن ليقوموا بأعمال سحرية تنقذهم من جحيمهم؟ ربما يرضخون صاغرين لمن يقدم لهم بساطا سحريا، أو قد يتعاقدون مع «مفستوفيليس»، ذاك الذي يمنحُ شيئا ليقبض شيئا آخر كما حدث في قصّة فاوست.

اشترى غودفروي ظهر «سام علي» فجعل منه لوحة، رسم عليها وشم على هيئة فيزا شنجن، تلك العلامة بالغة الأهمية للغرباء الذين يتوقون للوصول إلى أوروبا بشكل قانوني.

أراد غودفروي أن يقول للعالم المتشائم الذي ظن بموت الفن بأنّ الفن لم يكن أكثر نبضا من الآن، «فنحن نعيش في عصر مُظلم، إذا كنت سوريا أو أفغانيا أو فلسطينيا، فأنت شخص غير مرغوب به، والجدران ترتفع من حولك»، ولذا فقد حوّل الفنانُ سام إلى سلعة!

يوقعنا الفيلم في غرائبية الحياة وتحولات قيمها، فتحويل الإنسان إلى نوع من البضائع، يجعله يستعيد حريته! «فتداول السلع أكثر حرية من حركة البشر»! يتحول سام من إنسان إلى مجرد قطعة في المتحف الملكي للفنون الجميلة في بلجيكا. هناك حيث يحظى برغد العيش، لكن في حياة باردة بلا طعم أو معنى، لا يملكُ الحق في التحدث إلى الناس، كما لا يملكُ حق الاعتراض على ما يحدث لجسده!

يظهر التناقض جليا، عندما يأتي رجل من حقوق اللاجئين من بلده الأصلي، ليُدافع عنه، ليُذكره بأنّه ليس حيوانا في سيرك ليلعب هذا الدور، وكالعادة يأتي حُماة الحقوق في المكان والوقت الخطأ!

يخبرنا غودفروي أنّ قصّته مع سام هي على نقيض قصّة الفنان بيغماليون الذي صنع تمثال امرأة وقع في غرامها وتمنى أن تُنفخ فيها الروح، فغودفروي جمّد الإنسان الذي يرى ويفكر ويتحرك وجعله لوحة ثابتة أمام الجمهور وكاميرات التصوير والإعلانات.

تبدو العلاقة والأحاديث بين غودفروي والشاب سام لافتة للغاية، لاسيما عند ظهور الدمامل التي شوهت اللوحة على الظهر الحي فتوجب عصرها!

تتصاعد المأساة عندما يُقرر أحد جامعي التحف أن يشتري اللوحة التي على الظهر، فرغم القلق من الدول المناهضة للإتْجار بالبشر، إلا أنّ هنالك دولا متقدمة في تشريعاتها كما يزعمون تقبل بهذا النوع من السلع البشرية! بل تفاوض حول الطرق التي ينبغي بواسطتها تأمين اللوحة!

تبدأ المساومة اللعينة في تلك اللقطة التي يُدير فيها سام ظهره، كما قد تفعل قطعة جماد عديمة القيمة والروح. لقد مرّ بين الزبائن دون أن يُذكر اسمه، تمّ تغييب كيانه، تحول إلى مجرد قطعة تحمل رقم 69. رمق سام العالم المتفرج بنظرة لوم، ثمّ سرعان ما استشرست نظرته.

ارتفعت أرقام المزايدة عليه حتى وصلت إلى خمسة ملايين، وعندما ملأ التصفيق المزاد وأصبح ثمّة مالك جديد له، صرخ صرخة مدوية. استدار فجعل الجمهور ينظر إلى وجهه، وكأنّه يذكرهم ببشريته البائسة التي تجاهلوها! تلك الالتفاتة والتحرك والصراخ الذي أحدثه سام، دفعهم للركض كأنّهم أمام قنبلة موقوتة!

عندما انتشر خبر مقتل «سام» على يد داعش، لم يكن هنالك من هو معني بإنسانيته الرخيصة، كان الأكثر أهمية هو الوشم الذي يعيش على ظهره، ولذا تحول موته إلى قضية سرقة تحفة فنية، رغم أنّه كان يضحك في جنته البعيدة قائلا: «كان عليّ أن أموت حتى أعيش».

لا نعرف على وجه الدقة إن كانت «لوحة فيزا شنجن» منحت سام القيمة أو سلبتها منه، لكن أكثر ما ينبغي أن يُشغل بالنا هو ذلك العيش في الأوطان التي تتدنى فيها شروط الحياة الطبيعة، تتدنى فيها الحقوق الحريات، فتدفع الناس للتعاقد حتى مع الشياطين!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ماهر الأسد.. وثائق تكشف خبايا إمبراطورية "الرجل الخفي"

تكشف مجموعة وثائق اطلعت عليها وكالة "فرانس برس" داخل عدد من مواقع الفرقة الرابعة المهجورة في سوريا، النقاب عن امبراطورية اقتصادية واسعة بناها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، لم تترك مجالا لم تتدخل فيه، من صنع الكبتاغون والاتجار به وصولا إلى فرض إتاوات على المعابر الحدودية والحواجز.

ولطالما اتهمت حكومات غربية ماهر الأسد وأعوانه بتحويل سوريا إلى "دولة مخدرات" أغرقت الشرق الأوسط بأقراص الكبتاغون.

لكن بعيدا من التجارة التي تقدّر قيمتها بأكثر من 10 مليارات دولار، تُظهر المستندات التي تفحصتها "فرانس برس" كيف تغلغلت الفرقة الرابعة في الكثير من مفاصل البلد، ما جعلها أشبه بـ"مافيا".

أنفاق وخزنات

في صلب هذه الشبكة الفاسدة، تربّع المقر الخاص لماهر الأسد فوق متاهة أنفاق محفورة في قلب جبل يعلو دمشق، يتسع بعضها لمرور شاحنة.

وقاد حارس ملثم تابع للسلطة السورية الجديدة فريق "فرانس برس" عبر الأنفاق، كما لو أنه دليل سياحي مشيرا إلى حمام هنا وغرفة نوم هناك، وما بدا أشبه بمسارات خروج في حالات الطوارئ.

بعد النزول عبر سلم شديد الانحدار مؤلف من 160 درجة، توجد غرف موصدة ببوابات مصفحة.

ويقول الحارس إنه أحصى 9 خزنات داخل إحدى الغرف.

ويوضح كيف أن الخزنات تعرضت "للكسر" والنهب على أيدي أشخاص اقتحموا المكان في 8 ديسمبر، بعد ساعات قليلة على إطاحة فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام بحكم عائلة الأسد التي قادت سوريا بقبضة حديد لأكثر من 5 عقود.

في المجمع تحت الأرض، تبدو الفوضى جلية، خزنات مفتوحة وصناديق ساعات رولكس وكارتييه فارغة مرمية في كل ناحية. ولا يتضح ما إذا كانت الخزنات قد أُفرغت من الأموال قبل نهبها أم لا.

ويشير الحارس إلى مكتب، يقول إنه "المكتب الأساسي" لماهر الأسد، مؤلف من "طابقين فوق الأرض وتحته أنفاق تضم غرفا مغلقة لا يمكن فتحها".

إلى جانب خزنة مهجورة داخل ممر، يمكن رؤية جهاز تغليف حراري جرى استخدامه على الأرجح لتغليف الأوراق النقدية.

ثروات مخفية

في أحد المستندات التي تفنّد بالتفصيل النفقات كافة، يظهر أنه كان هناك حتى الرابع من يونيو سيولة نقدية قدرها 80 مليون دولار، و8 ملايين يورو، و41 مليار ليرة سورية.

وتوثّق مئات المستندات احتفاظ ماهر الأسد ومكتب الأمن بمبالغ شبيهة في الفترة الممتدة بين العامين 2021 و2024.

الرجل الخفي

لطالما كان ماهر الأسد شخصية غامضة تثير الخوف في سوريا. ويُنظر إليه على أنه الرجل الذي تولّى تنفيذ "الأعمال القذرة للنظام".

ومع أن صوره غُلّقت داخل كل مقر للفرقة الرابعة، لكنه نادرا ما كان يظهر في الأماكن العامة.

ورغم اتهامه من منظمات حقوقية بإصدار أوامر لقتل متظاهرين عزل في سوريا منذ العام 2011، وربط اسمه باغتيالات، لكنه بقي بمثابة "الرجل الخفي"، وفق ما يقول مصدر مقرب من عائلة الأسد لفرانس برس.

ويوضح المصدر "ستجد قلة من الأشخاص يقولون إنهم يعرفونه" شخصيا.

وكانت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد بمثابة القبضة الحديد للنظام وارتبط اسمها بسلسلة طويلة من الفظائع.

رجال المال

وتمّ إحراق آلاف المستندات والملفات، على ما يبدو، لكن العديد من الوثائق السرية التي نجت تحمل في طياتها معلومات كثيرة.

من بين الأسماء البارزة المذكورة في بعض الوثائق والتي ساهم أصحابها في تمويل الفرقة الرابعة، تبرز أسماء رجال أعمال مدرجين على لوائح العقوبات، على غرار خالد قدور ورئيف القوتلي، والأخوين قاطرجي المتهمين بجني مئات الملايين من الدولارات لصالح الحرس الثوري الإيراني والحوثيين في اليمن، عبر بيع النفط الإيراني إلى سوريا والصين.

وبحسب مصادر أمنية ومن قطاع الأعمال، تولى القوتلي إدارة نقاط تفتيش ومعابر، حيث "فُرضت أتاوات" على بضائع أو جرت مصادرتها.

ونفى قدّور الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدعمه ماهر الأسد ماديا في تهريب الكبتاغون والسجائر والهواتف، أن يكون له أي تعامل مع ماهر الأسد حين سعى لأن تُرفع العقوبات الأوروبية عنه عام 2018.

لكنّ قائمة إيرادات المكتب الأمني لعام 2020، أظهرت أنه وفّر نحو 6.5 ملايين دولار في ذاك العام لصالح المكتب.

وتتضمن الوثيقة لائحة طويلة من المبالغ بالليرة السورية ومصادرها المتنوعة، وبينها الدخان الوطني، و"ترفيق"، أي حماية صهاريج النفط، وبيع المصادرات.

"مافيا"

زارت فرانس برس مصنعا لإنتاج الكبتاغون داخل فيلا استولت عليها الفرقة الرابعة في بلدة الديماس بريف دمشق قرب الحدود مع لبنان.

وكانت غرفها مليئة بصناديق وبراميل من مواد الكافيين والإيثانول والباراسيتامول المستخدمة في صنع المخدر.

ويقول سكان محليون إنه لم يُسمح لهم أن يقتربوا من الفيلا، وكان يُمنع حتى على الرعاة التواجد في التلال المحيطة.

ويقول ضابط سابق أمضى جزءا من خدمته في مكتب الأمن دون الكشف عن اسمه، إن المكتب كان يتمتع بـ"حصانة وكان ممنوعا على أي جهة أمنية التعرّض لأي عنصر إلّا بموافقة ماهر".

ويضيف: "كانت مافيا، وكنت أعلم أنني أعمل لدى مافيا".

حصة الأسد لبشار

لم تسيطر الفرقة الرابعة على أي قطاع في الاقتصاد السوري بقدر سيطرتها على سوق المعادن.

ويروي الضابط في مكتب الأمن الذي رفض الكشف عن اسمه، كيف توافد عناصر من الفرقة إلى احدى ضواحي دمشق بمجرد سيطرة القوات الحكومية عليها حينها، وبدأوا يسحبون أسلاك النحاس والحديد من المنازل المدمرة.

ويقول رئيس غرفة الصناعة السابق فارس الشهابي إن أحد مصانع المعادن الذي كان يديره أحد شركاء ماهر الأسد، كان يحتكر السوق، وأُجبر الجميع على الشراء منه حصرا.

و"لم يعد بإمكان" العديد من المعامل العمل جراء هذا الضغط، وفق الشهابي.

ويوضح أن ماهر الأسد وأصدقاءه كانوا يسيطرون على حصة كبيرة من الاقتصاد السوري، لكن المستفيد الأكبر كان بشار الأسد.

ويقول الشهابي "كانت شركة واحدة... والقصر الرئاسي كان دائما المرجع".

ويؤكد الضابط السابق في مكتب الأمن أن حصة من الأرباح والمضبوطات كانت تذهب دائما الى القصر الرئاسي.

إرث سام

ورغم أنه لم يتبق من الفرقة الرابعة اليوم إلا مستودعات مهجورة ومقرات منهوبة، يحذر الخبير في الشأن السوري لارس هاوخ من مؤسسة "كونفلكت ميدييشن سولوشنز"، من أن إرثها قد يكون ساما جدا.

ويقول: "كانت الفرقة الرابعة لاعبا عسكريا، وجهازا أمنيا، وكيانا استخباراتيا، وقوة اقتصادية وسياسية، ومؤسسة إجرامية عابرة للحدود".

ويضيف: "مؤسسة ذات تاريخ يمتد لعقود، وقدرات مالية هائلة، وعلاقات وثيقة مع النخب، لا يمكن ان تختفي ببساطة".

وينبه إلى أنه "فيما فرّت القيادة العليا من البلد"، فقد تراجعت "نواتها الصلبة"، ومعظمهم من الموالين للحكم السابق، إلى المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وسعت السلطات الجديدة منذ وصولها إلى دمشق مرارا لطمأنة الأقليات بأنهم لن يتعرضوا لأي أذى، لكن أعمال عنف طالت العلويين في مناطق مختلفة، خصوصا في وسط البلاد وغربها.

ولا يستبعد هاوخ وجود أسلحة مخبأة في مخازن، تضاف إليها "مليارات الدولارات"، التي كانت موضّبة في خزنات الفرقة الرابعة.

وينبّه من أن "كل ما يلزم لتمرد طويل الأمد متوافر... إذا فشلت عملية الانتقال في سوريا في أن تكون شاملة بالفعل وتحقق العدالة الانتقالية".

مقالات مشابهة

  • ما الرجولة وهل يعاني العرب أزمة في هذا المفهوم؟
  • وفاة "الرجل ذو الذراع الذهبية" بعد إنقاذ حياة 2.4 مليون طفل
  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • مبارك الفاضل: مغالطات وادعاءات والمصدر واحد
  • كشف هوية منفذ حادث الدهس في مانهايم بألمانيا
  • أنقذ حياة 2.4 مليون طفل.. وفاة الرجل ذو الذراع الذهبية
  • إحباط هجوماً إرهابياً في موسكو
  • ماهر الأسد.. وثائق تكشف خبايا إمبراطورية "الرجل الخفي"
  • طفل يولد وأذنه على خده.. ما قصته؟
  • وجدي الصحاف