بعد التدمير الاسرائيلي للجامعات واغلاق المعابر ونقص تقنيات الاتصالات شباب غزة يعيشون معاناة صعبة في طلب العلم والتواصل الاجتماعي
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
يصطف العديد من الأشخاص في محل صيانة الهواتف النقالة وهو المحل الأكثر شهرة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، المكان مزدحم بالشباب والرجال والفتيات جميعهم يبحثون عن حل للمشاكل التي أصابت هواتفهم خصوصًا من يستخدم منهم الهاتف المحمول في عمله.
أشرف شاب عشريني يبلغ من العمر(26) يعمل صحفيا في احدى الصحف المحلية، يقول: «بعد أن هُدم بيتي وفقدت جهاز الحاسوب الذي كنت أعتمد عليه في عملي، لم يكن أمامي سوى الاعتماد على الهاتف النقال في العمل، أصبحت أسعار الحواسيب باهظة الثمن ارتفعت أسعارها بشكل كبير جدًا خصوصًا بعد الدمار الذي أصاب شركات بيع الحواسيب في مدينة غزة، كنت أقصد شارع الكنز بحي الرمال بغزة لشراء كل ما يلزمنى من معدات تتعلق بعملي الصحفي أما الآن فهناك صعوبة بالغة تواجهني للحصول على مستلزمات العمل الصحفي، لذلك ألجأ لاستعارة المعدات من زملائي».
ثم اردف قائلًا: «لقد تفاقمت مشكلتي بعد أن تعطل هاتفي، أشعر أنني قد قُطعت عن العالم، فطبيعة عملي تجعلني أتابع الأخبار عن كَثب دون انقطاع، أخشى أن يكون الخلل الذي أصاب الهاتف لا يمكن إصلاحه، هنا ستكون الكارثة فقد تضاعفت أسعار الهواتف بشكل جنوني نتيجة إغلاق المعابر التجارية في قطاع غزة ما تسبب بشح وجود تلك الأجهزة وكأن الاحتلال يسعى من خلال ذلك لوأد الرواية الفلسطينية لكي لا تصل صور المعاناة والمجازر التي يرتكبها الاحتلال للعالم الخارجي».
مهندس البرمجة والصيانة داخل المحل كان له رأي آخر فيما يحدث فقد أوضح أن «أكثر الأسباب التي أدت إلى عطل الهواتف النقالة هو الاستخدام السيئ عند شحنها، سواء كان هذا الاستخدام له علاقة بنوع الشاحن أو بالشحن من خلال الطاقة الشمسية البديلة للكهرباء أو المولدات أو من خلال البطاريات.
ثم استطرد قائلًا بينما كان يمسك مفكا ويحاول تركيب أحد الهواتف الذي وضع له بطارية أخري بعدما أخرج بطارية الهاتف التي كانت منتفخة وربما كان يمكنها أن تنفجر في أي لحظة.
" أسوأ شيء هو استخدام البطاريات في شحن الجوالات، ويتزامن هذا الخطر إذا تزامن استخدام البطاريات في الشحن بشواحن تقليدية وليس شاحن الجوال الأصلي، منذ بداية الحرب لم نرَ الكهرباء بالمطلق، نستخدم عادة الطاقة الشمسية البديلة لتوليد الكهرباء ولكن معظم الناس الذين يستخدمونها لا يضعون جهازا منظما لعملها أثناء الشحن لذلك تجد أن الهواتف النقالة تتعطل بسبب الشحن الخاطئ».
تقف امرأة في وسط المحل كانت تحاول الحديث مع مسؤول الصيانة، تحمل هاتفا في يدها ويبدو أنها في حالة استعجال أخبرته أن ابنها الصغير أوقع الهاتف في الماء بعدها أصبحت شاشته سوداء.
اخبرها المبرمج أن الشاشه قد حُرقت وأن تكلفة إصلاحها تتعدي الـ 100 دولار هذا في حال وجودها، ثم أردف قائلًا: بعد أن ناولها قصاصة من الورق، بإمكانك ترك بياناتك والعودة بعد يومين حينها سأخبرك إن كان بالإمكان إصلاح الهاتف أم لا.
توجهت إليها قبل أن تنصرف فأخبرتني والقلق واضح على ملامحها «بقي زوجي بشمال غزة وقد نزحت برفقة أطفالي منذ أكثر من عشرة أشهر، لم تبق لنا وسيلة تواصل سوى هذا الهاتف، ماذا سأفعل لو لم يتم إصلاحه؟ لن أتمكن من شراء هاتف جديد أو حتى مستخدم، أسعار الهواتف خيالية ومرتفعة جدًا، يجلس أولادي الصغار على الهاتف ليشاهدوا بعض أغاني الأطفال، يكلمون والدهم، يشاهدون صورهم القديمة، أحتفظ داخل هاتفي بفيديوهات لبيتى الذي هُدم، ولاحتفالات أعياد ميلاد أطفالي، صور تخرجهم من المدرسة والكثير من الذكريات الجميلة» أخذت تبكي وانصرفت مسرعة.
الشاب أحمد ذو الـ(21) عامًا التحق في كلية الطب بالجامعة الإسلامية قبل أربع سنوات، تبدو عليه علامات الذكاء والتميز كان يحدث المبرمج ويعرض مشكلة أصابت جهازه النقال بسبب كثرة البرامج الطبية التي تساعده على الدراسة، نصحه المبرمج بضرورة استخدام جهاز خارجي لزيارة ذاكرة الهاتف.
أخبرني أحمد بأنه «يقوم بقفل جهاز الهاتف طوال الليل لأن ذلك يساعد على إطالة عمر البطارية، لقد تضاعفت أسعار الأجهزة الخلوية بشكل كبير جدًا، هاتفي من النوع المتقدم ويساعدني كثيرًا في الدراسة وتقديم الامتحانات الإلكترونية تحديدًا بعد أن قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير الجامعة الإسلامية التي كنت أدرس فيها بشكل كلي، وحتى تتغلب الجامعة على هذه المشكلة الكبيرة قامت بالتعاون مع أحد الجامعات في الضفة الغربية وتسجيلنا للدراسة عن بعد، نشاهد المحاضرات ونقدم الامتحانات من خلال الهاتف، كما أتابع جميع التوجيهات من خلال استخدامه، لقد أصبح وجود الهاتف مهمًا في ظل الظروف القاسية والمأساوية التي نعيشها، عندما أسمع عن وجود قصف في مكان تواجد أهلى اسرع بالاتصال بهم والاطمئنان عليهم».
تابع أحمد حديثه مع المبرمج بينما كانت تقف صابرين وصديقتها أمل تنتظر دورها للوصول إلى أحد العاملين بالمحل كانت تحاول كتابة بعض الأسماء على ورقة بيدها، وعندما أخبرتها بأنني أقوم بإعداد تقرير حول أهمية استخدام الهواتف النقالة في ظل الأوضاع الراهنة أخبرتنى: «إنها لا تستطيع الاستغناء عن هاتفها لو لدقيقة واحدة فبعد انتهاء الفصل الدراسي المنصرم وتقديمي للامتحانات بشكل إلكتروني من خلال الهاتف، جئت لتحميل مجموعة من البرامج التدريبية والمسلسلات والأفلام لكي استغل وقت فراغي في مشاهدتها بعيدًا عن أجواء الحرب الصعبة، لقد هُجرنا من مدينة بيت لاهيا منذ عشرة أشهر ونزحنا من مكان إلى آخر أكثر من مرة، كان لابد من الراحة والابتعاد عن الأجواء المشحونة في ظل الحرب الصعبة، أشعر بالإرهاق من كثر استماعي للأخبار والمجازر التي تحدث يوميًا لذلك وجدت في مشاهدتي للمسلسلات والأفلام والدورات التدريبية هروب من الواقع الذي أصابني بالاكتئاب».
دائمًا يحاول المواطنون في قطاع غزة إيجاد بدائل تساعدهم على تمهيد الظروف الصعبة فمند بداية الحرب وجيش الاحتلال الإسرائيلي يحاول عرقلة عمل التواصل بين الناس من خلال قطعه للاتصالات المتعمد هذا الأمر جعل الفلسطينيين في حالة تحدي للبحث عن بديل فاستطاع العديد من مهندسي الاتصالات والإنترنت استخدام الشريحة الإلكترونية.
وقد تمكن العديد من الصحفيين والأطباء والعاملين في المؤسسات الدولية والدفاع المدني والإسعاف من الحصول على الشريحة الإلكترونية «ESIM» بمساعدة أصدقاء لهم مقيمين في الخارج، حيث أصبحت تلعب هذه الشرائح دورا رئيسيا اليوم في ربط عدد قليل من سكان غزة بالعالم، وإتاحة خدمة الاتصال بالإنترنت، التي باتت مهمة شبه مستحيلة في ظل الظروف القائمة وانقطاع التيار الكهربائي المتواصل منذ بداية الحرب بعد تدمير الاحتلال لمحطة الكهرباء المركزية.
خلال المرة الأولى التي انقطع فيها الاتصال والإنترنت عن غزة، في المراحل المبكرة من الحرب، لم يكن لدى المواطنين أي معرفة بما يسمى «ESIM»، إلا أن المصطلح بدأ تداوله مع الحملة التي انطلقت حول العالم، للمطالبة بربط غزة بالإنترنت، والتي تخللتها مطالبة الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، بتزويد القطاع بالإنترنت عبر شركة «ستارلينك».
إلا أن فشل تلك المساعي، دفع البعض للبحث عن سبل أخرى لتأمين الإنترنت لأهالي غزة والالتفاف على الانقطاع القائم نتيجة الحرب، فكانت «ESIM» من بين أكثر الحلول العملية والمتاحة، التي تثبت اليوم أهمية كبيرة في إعادة ربط الفلسطينيين بالعالم هذا ما أخبرني به مهندس الاتصالات محمد سالم الذي يملك أكبر محلات للهواتف النقالة في قطاع غزة.
وأوضح قائلًا: «إن الجهود تركزت على شراء كميات من هذه الشرائح، تتيح الاتصال عبر الهاتف من خلال الأقمار الاصطناعية مرورا بأي شبكة اتصالات تقدم هذه الخدمة. بعض هذه الشرائح توفر خدمة المكالمات الهاتفية وإرسال الرسائل القصيرة، وبعضها يقتصر على توفير الإنترنت.
ويمكن شراء تلك الشرائح من برامج أو تطبيقات موجودة على المتاجر الإلكترونية. وبات متعارفا في غزة على موقع اسمه «airalo» يمكن عبره شراء «ESIM» وشحن الحزمات.
لا تعمل «ESIM» في كافة مناطق غزة، وإنما في المناطق المرتفعة نسبيا التي تتيح الاتصال بشبكات الاتصالات الإسرائيلية، حيث يعتمد عليها الغزيون في تشغيل تلك الشرائح الإلكترونية.
ويحتاج الاتصال أحيانا إلى الصعود لمبان عالية وأبراج من أجل التقاط الشبكات من إسرائيل واستخدام «ESIM» عبرها، لا سيما في المناطق المنخفضة جغرافيا في القطاع.
هناك الكثير من سكان قطاع غزة الذين أصبحوا يستخدمون «ESIM»، وفق ما يؤكده المهندس محمد، خاصة من تعتمد أعمالهم وحياتهم على الإنترنت والاتصالات، مثل الصحفيين والعاملين في الإغاثة والقطاع الطبي، لكن بالمجمل الغالبية العظمى من أهالي غزة لا يعرفون عنها شيئا.
وبالإضافة لكونها عملية معقدة بعض الشيء، يزيد من صعوبة وصول واستفادة سكان غزة من «ESIM»، إنها ليست متاحة إلا على هواتف حديثة الطراز التي تكون غالية الثمن بالنسبة لسكان القطاع، حيث نسبة الفقر تتعدى الـ80 في المائة.
يذكر أن سعر شحنها مرتفع جدا بالنسبة للغزيين، إذ أن باقة 3 جيجابايت التي يمكن الحصول عليها، تبلغ تكلفتها 60 دولارا.
ومع ذلك، فإن من يحصل على هذه الشرائح، يقوم ببث الإنترنت عبر هاتفه للمحيطين به، ممن قد لا يملكون هواتف حديثة، مما يزيد من فرص وصول الفلسطينيين إلى الاتصالات والإنترنت، لكنه يستنزف الإنترنت بصورة أسرع.
ويعتمد كثيرون ممن باتوا يملكون «ESIM» في غزة، على معارف وأصدقاء وأقارب لهم خارج البلاد، يشترون لهم الشرائح ويؤمنون الشحن، وهناك في المقابل أشخاص يتبرعون بهذه الشرائح كنوع من المساعدة لأهل غزة، حيث باتت توزع آلاف الشرائح عبر متطوعين، لا سيما من مصر والأردن، حيث برز هناك عدد من الناشطين الذين أطلقوا حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتأمين هذه الشرائح.
يذكر أن معبر رفح البري المنفذ الوحيد لقطاع غزة قد تم تدميره وإغلاقه بشكل كامل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 6 مايو الماضي بعدما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالاجتياح البري لمدينة رفح.
وفي هذا السياق أصدرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بيانًا حذرت فيه من تزايد حلقات الكارثة الإنسانية في قطاع غزة في ظل انتشار سريع للمجاعة والعطش والأوبئة والأمراض بخاصة بين الأطفال والنساء وتفاقم أوضاع المرضى والجرحى جراء إغلاق معبر رفح بما يهدد حياتهم.
وتنوه الشبكة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلي تعميق الأزمة الإنسانية وإدامتها لفترة طويلة.
وحملت الشبكة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية كاملة لتداعيات العدوان والحصار على قطاع غزة مؤكدة على ضرورة محاسبة الاحتلال على جرائمه ضد الإنسانية.
كما طالبت الشبكة كافة الجهات الدولية بضرورة التحرك العاجل والجاد من أجل وقف العدوان الإسرائيلي وفتح المعابر أمام دخول المساعدات بإشكالها المختلفة إلى مختلف مناطق قطاع غزة.
ودعت إلى الإسراع بإدخال الطواقم الطبية المتخصصة من أجل مساندة عمل الطواقم الطبية في المستشفيات إضافة إلى إدخال الأجهزة الطبية والأدوية والمهمات الطبية والعمل من اجل إخلاء المرضى والجرحى للعلاج خارج قطاع غزة بشكل عاجل.
وشددت الشبكة على أن كل لحظة تمر في قطاع غزة هناك تفاقم للمعاناة في إطار الكارثة الإنسانية المستمرة.
*د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی الهواتف النقالة هذه الشرائح فی قطاع غزة من خلال قائل ا بعد أن
إقرأ أيضاً:
عن قوارير الغاز المتضررة جرَاء العدوان الاسرائيلي.. هذا ما بحث فياض مع زينون
اجتمع وزير الطاقة والمياه مع رئيس نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته في لبنان وخبير النفط والغاز النقيب فريد زينون، وتناول البحث موضوع قوارير الغاز سعة 10 كيلوغرامات و35 كيلوغراماً، التي تضررت جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان وأصبحت غير صالحة للاستعمال وتشكل خطراً على السلامة العامة، وتُستخدم هذه القوارير بشكل أساسي في المنازل، والمطاعم، والأفران،مما جعل شريحة واسعة من المواطنين تعاني نتيجة هذه الأضرار.
الوزير فيّاض وعد "باتخاذ الخطوات المناسبة لضمان تعزيز إجراءات الأمان في قطاع الغاز"، وأكد أنه "سيعمل على إصدار قرار واضح وفوري إلى مختلف مراكز تعبئة الغاز لاستبدال القوارير غير الصالحة والتأكد من التزام معايير السلامة العامة"، مشدداً على أنه "لن يسمح بالإبقاء على قوارير غاز تُهدد السلامة العامة في السوق، ولكن لا بدّ أولاً من التأكد من حجم الطلب لتأمين الأحجام والأعداد المطلوبة".
وقد شكر النقيب زينون الوزير فياّض على اهتمامه بهذا الملف بجدية وحرصه على تأمين سلامة المواطنين ومساعدتهم في تجاوز تداعيات هذه الأزمة.