جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-10@13:51:30 GMT

إيلان بابيه والنيو-صهيونية (3-3)

تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT

إيلان بابيه والنيو-صهيونية (3-3)

 

 

د. هيثم مزاحم **

 

يقول المؤرخ الإسرائيلي الأصل إيلان بابيه المعارض للصهيونية والمقيم في بريطانيا في كتابه "فكرة إسرائيل.. تاريخ السلطة والمعرفة"، إن الأكاديميين الإسرائيليين في مدرسة ما بعد الصهيونية قد ركزوا اهتمامهم على أحداث العام 1948 وذكرى الهولوكوست واليهود المزراحيين، إذ انتقلت النقاشات إلى الساحة الإعلامية، وتوسّعت دوائر النقد إلى مجالات ثقافية أخرى، كالموسيقى والفنون البصرية والأدب.

ويناقش بابيه إسهام هذا الجدل في تشكيل فكرة إسرائيل ثقافيًا، ومن ثمّ يتعرّض لتمظهرات ما بعد الصهيونية لفكرة إسرائيل في المسرح والسينما.

في مجال الإعلام "ما بعد صهيوني"، يلاحظ المؤلّف أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قامت بفتح أبوابها أمام الأكاديميين الجدد، وإن لفترة قصيرة خلال تسعينات القرن العشرين. وقد يُفهم هذا على أنه جزء من دور غامض لعبته وسائل الإعلام في المجتمع الإسرائيلي.

وقد عملت الصحافة الإسرائيلية وفق قوانين الطوارئ التي فرضتها سلطات الانتداب البريطانية عام 1945، والتي أبقى عليه الكيان الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة استُخدمت بشكل شبه حصري ضد الفلسطينيين في إسرائيل، فإنها استُخدمت كذلك، وفي حالات نادرة، ضد الصحافة الإسرائيلية اليسارية.

ولم تكن ما بعد الصهيونية تمثّل في نظر الإعلام الإسرائيلي "الرسمي" موقفاً ذا شرعية؛ فلم يُنظر إليها على أنها قطب اليسار في ميدان السياسة. فهذا "اليسار" كان ولا يزال يعني ذلك الاستعداد من الناحية المبدئية على التخلّي عن الأرض في مقابل السلام والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وهذا تعريف لا علاقة له بموقف اشتراكي أو نظرة محدّدة للقضايا الاقتصادية.

وبناءً على هذا، قدّم الصحافيون اليساريون أجندة بعيدة كلّ البعد عن تلك التي طرحها الأكاديميون والفنّانون في مرحلة التسعينيات. فقد كان انتقادهم متعلقاً بشكل حصري بالسياسات التي انتهجتها إسرائيل بعد العام 1967 وسلوكها تجاه العالم العربي والفلسطينيين. وهذا يعني أنهم يعترفون بشرعية ما قامت به إسرائيل، ومن قبلها الحركة الصهيونية، بفلسطين حتى العام 1967، منطلقين ممّا دعوه قلقاً على مصير الصورة الدولية لإسرائيل أو اليهودية في حال استمرار احتلال المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 وأثر ذلك على "الروح" الداخلية والأزلية للكيان. أما مُصاب الفلسطينيين فليس سوى أمر ثانوي؛ هذا إن لم يسقط من الاعتبار كليّة.

حول المسرح والسينما في الحركة ما بعد الصهيونية، يقول بابيه إن انتقاد الذات في المسرح،على غرار مجالات ثقافية أخرى، كان مقتصراً بشكل عام على الفترة التي تلت العام 1967 في إسرائيل، وكان التركيز منصباً على التداعيات الأخلاقية في المجتمع اليهودي الإسرائيلي لاستمرار الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزّة. وقد ظهر ذلك جلياً في المسرحيات التي كتبها صهاينة ليبراليون ويساريون إبّان حرب لبنان الأولى.

ويضيف بابيه: لقد مرّت صناعة الأفلام الإسرائيلية بمسار شبيه بذلك المسار الذي مرّ به المسرح، ولكنّ الفيلم كان أقدر على تقديم تحديات أعمق للصهيونية في سرديّتها التاريخية وخطابها أكثر من أي وسط آخر.

وللدلالة على الفشل الأكاديمي والإعلامي في تحديد الموقع أو الوجهة حيال فكرة إسرائيل وسياساتها، يُلقي بابيه نظرة فاحصة على المسلسل التلفزيوني "تكوما"، والذي يتناول تاريخ "دولة إسرائيل"، وجرى عرضه على القناة الإسرائيلية الرسمية عام 1998، بالتزامن مع احتفالات اليوبيل الذهبي لتأسيس "الدولة". وكلمة "تكوما" العبرية تعني إعادة قيام الشعب اليهودي في أرض الميعاد في فلسطين. ولكن هذا العنوان ارتبط ببرنامج تلفزيوني يعبّر في بعض أجزائه عن رسالة ما بعد صهيونية، أو متأثرة على الأقل بالتفسيرات الما بعد صهيونية لنقاط أساسية في تاريخ إسرائيل.

كما يتحدث بابيه عن مرحلة انتصار النيو-صهيونية، والتي تلت مرحلة ما بعد الصهيونية، لافتاً إلى أن الروايات والمسرحيات والأفلام التي تجاوزت السرديّة الصهيونية ونظرتها السلبية عن العرب لم يُكتب لها أن تصبح من ضمن السائد المقبول في إسرائيل، حتى في أفضل فترات ما بعد الصهيونية، التي لم تمثّل موقفاً ثقافيًا مهيمناً في الكيان، ولا كان منتجو أعمالها من بين قادة المشهد الثقافي الإسرائيلي.

وعلى نقيض مفكّري ما بعد الصهيونية، ذهب الصهاينة الجدد إلى أن نسيج التديّن والقومية كفيلٌ بصون وحدة المجتمع الإسرائيلي ووضع حد لحالة التشرذم المزمنة فيه.

وقد تشكّل هذا التوجّه النيو-صهيوني في أربع عمليات متوازية: تعزيز حالة التطرف لدى المجموعات القومية المتدينة في إسرائيل، وصهينة اليهود المتشدّدين دينياً والذين كانوا سابقاً مناهضين للصهيونية، وفرض حالة من العزل العِرقيّ لأطياف من المجتمع اليهودي المزراحي، بسبب ما حصل من دفعهم نحو الأطراف الهامشية (جغرافياً واقتصادياً) من المجتمع، وأخيراً الإسراع في دمج إسرائيل في تيّار العولمة الرأسمالية،على طريقة المحافظين الجدد أو بالأحرى اليمين الأمريكي الجديد (وهو ما انجذب إليه تحديداً المهاجرون الروس).

وهكذا، يرى بابيه أن الرؤية التي جمعت بين تلك المجموعات الأربع هي السعي لإقامة دولة يهودية عِرقية تمتد على معظم أراضي فلسطين التاريخية.

ويعرض الكاتب لبعض "إنجازات" النسخة النيو-صهيونية، وأخطرها شرعنة "الأبارتايد" (الفصل العنصري)، حيث شهد القرن الحادي والعشرون موجة مكثّفة ومندفعة من التشريعات ضد الفلسطينيين في إسرائيل، ولم تكن الانتفاضة الثانية (عام 2000) سوى ذريعة لتمرير مثل هذه التشريعات، إذ كان الدافع الأساسي وراءها هو الهاجس الديمغرافي لدى إسرائيل في عمق كيانها، حيث لم تُفلح معدّلات الولادة الطبيعية ولا معدّلات الهجرة في خلق حالة من التوازن الديمغرافي بما يضمن لليهود التفوّق والحصرية في مجتمعهم.

في الفصل الأخير من كتابه، يدرس المؤلّف مظاهر انتصار النيو-صهيونية في الدراسات الجديدة التي تناولت أحداث العام 1948 في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

ويخلص بابيه إلى أنه أنه لم يعد هنالك أي بُعد أخلاقي في الدعم العالمي المقدّم لإسرائيل، التي تترسّخ صورتها أكثر فأكثر كدولة مضطهدة للشعب الفلسطيني، وكدولة كولونيالية من إرث القرن العشرين، وهي لا تزال قائمة لأنها تخدم أغراض الولايات المتحدة ولأنها تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. وحين يبدأ هذا الجانب الوظيفي من الدعم بالتراجع، فإنّ الكفّة ستميل لتحقّق السيناريو الذي رآه مفكّرو ما بعد الصهيونية ومفكّرو النيو-صهيونية على السواء، والذي يتمثّل في دولة منبوذة تقوم على نظام فصل عنصري.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية بلبنان

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

178 شهيداً وجريحاً في ثلاث مجازر صهيونية جديدة على غزة

العدو يشن حملة اعتقالات واسعة بالضفة والمقاومة تشيد ببطولة منفذ عملية معبر الكرامة

 

الثورة / تقرير / إبراهيم الوادعي

يواصل جيش العدو الصهيوني عدوانه على قطاع غزة لليوم الـ338 مخلفا عشرات الشهداء والجرحى ودماراً واسعاً في الممتلكات في سلسلة غارات جوية وقصف مدفعي متواصل على مناطق متفرقة من القطاع.
وأعلنت وزارة الصحة أمس الأحد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 33 شهيداً و145 إصابة خلال الـ 24ساعة الماضية.
وقالت الصحة في التقرير الإحصائي اليومي عن عدد من الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، «ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم».
وأفادت بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 40972 شهيداً و94761 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
واُستشهد أربعة مواطنين، فجر أمس، جراء قصف العدو الصهيوني مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
وأكدت مصادر محلية أن خمسة مواطنين من عائلة مرسي استشهدوا وأصيب آخرون في استهداف من قبل طيران الاحتلال لمنزل العائلة.
ونعى الدفاع المدني في قطاع غزة نائب مدير الدفاع المدني بمحافظة الشمال العقيد محمد عبد الحي مرسي.
وقصفت مدفعية العدو، شمال غرب النصيرات وسط قطاع غزة ما أدى إلى وقوع إصابات، كما نسفت قوات العدو مباني سكنية غرب المحافظة الوسطى بقطاع غزة.
واستهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي مربعاً سكنياً في شرق محافظة خانيونس، جنوب قطاع غزة.
وأفاد مراسل «وكالة فلسطين اليوم الاخبارية»، باستهداف طيران الاحتلال مربع سكني في حي المنارة جنوب مدينة خانيونس، أدى إلى تسويته بالأرض.
إلى ذلك استشهد مواطنون وأصيب أخرين بقصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمنزل في حي الصبرة، جنوبي مدينة غزة.
وأفاد مراسل «وكالة فلسطين اليوم الاخبارية»، بارتقاء أربعة شهداء وعدد من الإصابات جراء قصف طيران الاحتلال على منزل لعائلة «الفاخوري» في الصبرة، مضيفًا أن القصف سوى المنزل في الأرض.
وفي رفح أطلقت زوارق الاحتلال الإسرائيلي، الرصاص الحي وقذائف باتجاه خيام النازحين على شاطئ بحر مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، ما أدى لوقوع إصابات بين صفوف المواطنين.
وتسبب هذا الاستهداف في حالة من الهلع والرعب لدى النازحين في المنطقة التي تتعرض بشكل مستمر إلى مثل هذا الاستهداف.
وفي الضفة الغربية، اقتحمت قوات العدو الصهيوني، فجر أمس الأحد، مناطق متفرقة من الضفة الغربية المحتلة، وشنت حملة اعتقالات ومداهمات واسعة تخللها اقتحام المنازل والتنكيل بأصحابها.
كما اعتقلت قوات العدو شاباً من دورا، واحتجزت ثلاثة شبان من قرية الطبقة قرب دورا، وأعتدت عليهم بالضرب المبرح قبل أن تفرج عنهم.
وفي جنين، اعتقلت قوات العدو شاباً بعد اقتحام منزله في بلدة اليامون غربا، واندلعت اشتباكات مع قوات العدو في محيط دوار الأحمدين في جنين وسط إطلاق جيش الاحتلال قنابل دخانية في المكان،كما اقتحمت قوات العدو بلدة السيلة الحارثية غربي مدينة جنين.
و في وسط البلدة القديمة بنابلس، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مقاومين وجنود الاحتلال، فور وصول قوة صهيونية محمولة وراجلة من جهة جبل الطور بالمدينة.
وفي طولكرم داهم جيش العدو بلدات زيتا وعتيل ودير الغصون شمال المدينة وسير دوريات عسكرية في شوارعها.
من جانب آخر، أشادت حركا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، أمس، بالعملية البطولية التي نفذها قبل ظهر أمس الأحد أحد أبطال الأردن على معبر الكرامة بين الأردن والأراضي المحتلة.
وقالتا حركتا المقاومة في تصريح صحفي وبيانين منفصلين: «إن هذا العمل البطولي هو أصدق تعبير عن نبض الشعب الأردني والشعوب العربية والمسلمة تجاه المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو».
وأَضافتا : «هذه العملية البطولية ومثيلاتها هي الرد الوحيد الذي تفهمه الإدارة الأمريكية، شريك الكيان المجرم في حرب الإبادة التي يشنها ضد شعبنا في الضفة المحتلة وقطاع غزة».
وتوجهت الحركة، بتحية إجلال وإكبار إلى بطل عملية معبر الكرامة، وترحمتا على روحه الطاهرة.
وقُتل 3 جنود صهاينة ، امس في عملية إطلاق نار بالقرب من معبر «الكرامة» شرق غور الأردن، واستشهاد المُنفذ.

مقالات مشابهة

  • “التعاون الإسلامي” تُدين بشدة المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة
  • ميقاتي يدعو مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الهجمات الصهيونية بحق اللبنانيين
  • هيئة رئاسة مجلس النواب تستهجن استمرار الصمت والخذلان العربي والإسلامي إزاء المجازر الصهيونية في غزة
  • تقرير يتهم مصر بتأخير استقبال السفير الإسرائيلي.. والخارجية الإسرائيلية ترد
  • 178 شهيداً وجريحاً في ثلاث مجازر صهيونية جديدة على غزة
  • مجازر صهيونية جديدة بغزة
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل السبب الرئيسي للأزمات التي تشهدها المنطقة (فيديو)
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • ‏الجيش الإسرائيلي: مسلح جاء من الأردن بشاحنة وفتح النار على القوات الإسرائيلية التي تعمل في معبر اللنبي
  • أردوغان يشعل تفاعلا بتصريح الصهيونية ضد المسلمين ودعوة لتحالف إسلامي