مبارزة دبلوماسية في جلسة مجلس الأمن الدولي مابين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، ومندوب السودان في الامم المتحدة السفير الحارث ادريس، جرت وقائعها في الخامس من أغسطس الجاري، بعد أن قدم خان إحاطة لمجلس الأمن، استعرض خلالها تقريره التاسع والثلاثين عن الحالة في دارفور، مشيراً إلى تقارير موثوقة عن جرائم اغتصاب ضد الأطفال واضطهاد واسع النطاق ضد المدنيين الأكثر ضعفاً، مؤكداً أن “الترويع أصبح عملة شائعة”.

ونبه إلى أن “هذا الترويع لا يشعر به من يحملون البنادق والأسلحة وإنما يشعر به الناس الذين يهربون في كثير من الأحيان حفاة”.

وسلط المدعي العام – في تقريره الدوري الذي يقدمه كل 6 أشهر لمجلس الأمن ،الضوء على الجهود الكبيرة المبذولة في الأشهر الستة الماضية للتواصل مع المجتمعات المتضررة، وقادة المجتمع وسط القبائل العربية، ومنظمات المجتمع المدني، والسلطات الوطنية ذات الصلة في السودان، ومنظمات دولية وإقليمية.

تعاون السلطات السودانية

على الرغم من التحديات، أكد خان أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل بلا كلل لضمان المساءلة، وسلط الضوء على التعاون الأخير مع السلطات السودانية وجهود جمع الأدلة من النازحين والشهود، مشيراً إلى أنه تمت الموافقة على تأشيرات دخول فريق المحكمة إلى بورتسودان، وقد التقى الفريق بالسلطات السودانية بما في ذلك النائب العام واللجنة الوطنية التي تم إنشاؤها للتحقيق في الجرائم المرتكبة في سياق الصراع الحالي في دارفور. وأضاف أنه تلقى التزامات من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان منذ العام الماضي بالتعاون مع جهود تحقيق العدالة للضحابا.

وقال خان مخاطباً أعضاء مجلس الأمن الدولي: “أنتم جميعاً تعلمون أن الأشهر الستة الماضية منذ قدمت تقريري الأخير إلى هذا المجلس كانت ستة أشهر من البؤس، وستة أشهر من العذاب، وستة أشهر رهيبة لشعب دارفور، عندما خاطبتكم آخر مرة، ربما تتذكرون، فعلت ذلك من انجمينا في تشاد. وقد سمعت من الناجين، على الحدود مباشرة وفي أدري، وكانت لدي الفرصة لسرد بعض تجاربهم، وبعض صدماتهم، وبعض توقعاتهم مني، ومن المحكمة الجنائية الدولية، ومن المجلس أيضاً، ولكن من المؤسف أن الأشهر الستة الماضية شهدت المزيد من التدهور، فقد وردت تقارير موثوقة عن حالات اغتصاب وجرائم ضد الأطفال أثرت عليهم، واضطهاد على نطاق واسع ضد المدنيين الأكثر ضعفاً في السودان وبالتأكيد أكثر الناس ضعفاً في دارفور.”

وتابع :”أصبح الإرهاب عملة شائعة.، ولا يشعر بالرعب الناس الذين يحملون البنادق والأسلحة، بل يشعر به الناس الذين يركضون في كثير من الأحيان بلا شيء على أقدامهم، وهم جوعى”.

وقال خان إن العديد من المتحاربين في الجنينة والفاشر وفي مختلف أنحاء السودان يعتقدون أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب على جرائم القتل والاغتصاب والأعمال الوحشية، في حين أن الضحايا لا ينتظرون فقط أن يصدر مجلس الأمن تقريراً كل ستة أشهر، وإنما يأملون أن يلوح في الأفق وميض من الاهتمام بحياتهم البائسة، تلك التي تحاول الهروب إلى الغد الذي لا يمكن ضمانه، ولهذا فإننا نحتاج إلى مساعدتكم أكثر من أي وقت مضى لضمان حصول هذا التوقع بالعدالة، لكل حياة بشرية متساوية الأهمية، على بعض الدعم المادي.

تقدم في مكان قاتم

وزاد بالقول :”إننا نحرز بعض التقدم في مكان قاتم للغاية، وأنا أعترف بذلك.، إنه مكان قاتم للغاية في السودان في الوقت الحالي.
وقد طلب من الحكومة السودانية تسريع تعاونها مع المحكمة، مستدركاً بالقول :”في التقرير، ذكرت بعض الخطوات الجيدة، وبعض الخطوات الإيجابية، ولكن بالطبع نحن بحاجة إلى تعاون مستمر ومعمق مع القوات المسلحة السودانية، مع تحرك الفريق اول البرهان وحكومته إلى الأمام.،وإحدى الطرق الملموسة التي يمكن من خلالها إثبات هذا الالتزام بالمساءلة وهذا الافتقار إلى التسامح مع الإفلات من العقاب هي من خلال إنفاذ أوامر المحكمة بشكل صحيح”

وتابع :” في فترة إعداد هذا التقرير، تمت الموافقة على تأشيرات لإجراء التحقيقات. لقد ذهبنا إلى بورتسودان، والتقينا بالسلطات السودانية، بما في ذلك النائب العام، لقد التقينا باللجنة الوطنية التي أنشئت للتحقيق في الجرائم المرتكبة في سياق الصراع الحالي في دارفور. وقد تم اتخاذ إجراءات بشأن بعض طلبات المساعدة، وتم اتخاذ إجراءات جزئية في البعض الآخر، ولا تزال طلبات أخرى معلقة، ولكن في اجتماعي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان العام الماضي، تلقيت عددًا من الالتزامات، وأنا سعيد لأنها تحسنت من مستوى منخفض للغاية”

تعنت مليشيا الدعم السريع

و واصل المدعي العام قائلا: “كانت هناك جهود كبيرة في الربع الأخير من عام 2023 وحتى الآن، للتعامل مع قيادة قوات الدعم السريع، لم أر أي نتيجة ملموسة من تلك الجهود، هذا مكان قاعة محكمة ولكن أيضاً مجلس، هو مكان لا ينبغي أن يكون فيه مكان للاختباء، أما أن يهاجم الناس علم العدالة ويرفعون عالياً معيار الإفلات من العقاب أو العكس، ولكن بسبب هذه الصعوبة، حاولنا التواصل مع مجموعات أخرى، بما في ذلك المجتمعات العربية في دارفور ولم يكن الأمر سهلاً فقد كان هناك بعض الخوف والقلق”.

رد مندوب السودان

وفي رده على التقرير، قال مندوب السودان في الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس، بعد أن شكر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على إحاطته التي تقدم بها، وعلى تقريره الضافي بالرقم 39:
” لقد تمت احالة الوضع في دارفور من مجلس الامن إلى المحكمة الجنائية الدولية، بموجب القرار 1593 وكانت حكومة السودان السابقة ترفض التعاون مع المحكمة، غير أن التواصل مع المدعي العام بدأ إثر ثورة ديسمبر المجيدة، و تمخض عن توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية السودان مع مكتب المدعي العام علاوة على اتخاذ خطوات متقدمة للانضمام لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الدولية، بجانب التعديلات التشريعية التي بموجبها تم إدخال الجرائم الأربعة موضع الاختصاص الجنائي للمحكمة الجنائية الدولية في القوانين الوطنية، ومنها القانون الجنائي وقانون القوات المسلحة وقانون الإجراءات، وفي إطار ذلك ااتعاون زار مكتب المدعي العام جمهورية السودان عدة مرات”.

وأشار المندوب إلى المساعي التي بذلتها حكومة السودان للمزيد من التعاون حيث اصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قراراً قضى بتشكيل لجنة لتنسيق الارتباط بين حكومة جمهورية السودان ومكتب المدعي العام. برئاسة قاض من المحكمة العليا وعضوية الجهات الوطنية ذات الصلة.

وأضاف :” نتيجة للتواصل الدائم والمستمر بين اللجنة ومكتب المدعي العام عبر مختلف الوسائط، قامت اللجنة بإعداد لأغلب طلبات المكتب العالقة منذ 2020 والتي بلغت 38 طلباً، وقد اثنى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية على ذلك كتابيا، وأدرج ذلك في تقريره الحالي بين يديكم”.

وأكد السفير الحارث على التعاون المستمر ، قائلا : “في إطار التواصل الدائم وبشكل مستمر تعقد اللجنة اجتماعاتها وترد على كافة طلبات مكتب المدعي العام حتى نهاية شهر يوليو الماضي ، وان حكومة السودان تتوقع من المحكمة تعاوناً مماثلاً يحقق العدالة والإنصاف للضحايا وفق الخيارات المتاحة لضمان استقرار السودان وسيادته ووحدته وأن اللجنة على أهبة الاستعداد للوفاء بمطلوبات مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية في اطار التعاون البناء وبموجب مذكرة التفاهم المشار اليها آنفا”

وفيما يتعلق بالوضعية القانونية والتزامات حكومة السودان في مراعاة القانون الدولي الانساني.، قال السفير الحارث أنه وبالإشارة التي وردت في تقرير المدعي العام لحماية المدنيين فقد ظللنا نكرر طلب دعم الخطة الوطنية لحماية المدنيين التي رفعتها حكومة السودان رسميا إلى مجلس الامن”.

انتهاكات مليشيا الدعم السريع

وذكر السفير الحارث حجم الانتهاكات التي قامت بها مليشيا الدعم السريع منذ بدء الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، قائلا : “لقد اسفرت الأعمال العدائية للميليشيا عن أضرار جسيمة بالبنية التحتية الحيوية والمرافق والأعيان المدنية، إضافة إلى أعمال النهب والتخريب والتدمير الممنهج واسع النطاق بما في ذلك مرافق تصنيع الأغذية، وعلى الرغم من ذلك ظلت طبيعة عمليات القوات المسلحة دفاعية لصد هجومات ميليشيا الدعم السريع المتفلتة وهذا نوع من الالتزام بعدم التصعيد العسكري”.

التزام الجيش بالقانون الدولي

أضاف السفير الحارث أن القوات المسلحة وبالرغم من مواجهة الشعب السوداني لحرب عدوان – توافقت عليها أطراف اقليمية ودولية – ملتزمة بحق الدفاع عن النفس وإجراء عمليات عسكرية نوعية لتقليل الإصابات وتقديم الانذارات المسبقة لابتعاد المدنيين عن مناطق الاشتباك وعدم استهداف المرافق والاعيان المدنية، بالرغم أن الميليشيا وحلفائها الاغراب احتلوا بيوت المواطنين وقاموا بتهجير اجانب من منطقة الساحل للاقامة فيها.

وزاد بالقول :” تم إصدار قانون جديد للقوات المسلحة تم بموجبه إدراج قواعد القانون الدولي الانساني تحت عنوان الجرائم التي يرتكبها الأفراد المقاتلون اثناء العمليات العسكرية وتشمل كذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لتطوير قواعد القانون الدولي الانساني ودمجها ضمن نظم عمل القوات المسلحة ومناهج تعليمها وتدريبها”.

العنف الجنسي

وفيما يخص الاشارة إلى العنف الجنسي الذي ورد في تقرير المدعي العام، أوضح السفير الحارث ” لقد تفاقمت وتيرة العنف الجنسي في المناطق التي تستهدفها ميليشيا الدعم السريع كوسيلة لزعزعة استقرار المناطق الآمنة ولإجبار المدنيين على منازلهم وإشاعة الإحساس بعدم الأمان، قد شمل ذلك العنف المتوحش في ولايات شمال كردفان ودافور والخرطوم الكبرى والجزيرة والنيل الابيض وسنار حيث اجتاحت تلك الميليشيات أكثر من 80 قرية ومدينة مما زاد النزوح وتردي الأوضاع الإنسانية”.

معبر أدري

وغير بعيد عن التقرير، شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي مطالب بالسماح بادخال المساعدات الانسانية عبر معبر أدري على الحدود السودانية التشادية بالإضافة إلى المعابر الأخرى ومن بينها معبر مدينة الطينة.
لكن مندوب السودان بالأمم المتحدة الحارث إدريس قال لـ(مجلس الأمن الدولي) : مليشيا الدعم السريع تريد أن تستخدم معبر “أدري” بولاية غرب دارفور، الحدودي مع تشاد، لإدخال الأسلحة و الذخائر تحت غطاء المساعدات الإنسانية.

واقترحت الولايات المتحدة الشهر الماضي، أن يدرس المجلس السماح بعبور المساعدات من المعابر الحدودية مثل أدري من تشاد.

من جهته قال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الذي تتمتع بلاده بحق النقض ” الفيتو”، قال للمجلس إن المجتمع الدولي “لا يجب أن يتدخل في الشؤون الداخلية للسودان بحجة الوضع الإنساني الخطير، وأن يوجه السلطات الشرعية بسبب الممرات الإنسانية التي يجب فتحها”.

وكانت بعض وسائل التواصل الاجتماعي قد ذهبت إلى أن روسيا استخدمت حق النقض ضد قرار لإجبار الحكومة السودانية لفتح معبر أدري أمام تدفق المعونات الإنسانية.

نيويورك – المحقق – طلال إسماعيل

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المدعی العام للمحکمة الجنائیة ملیشیا الدعم السریع مجلس الأمن الدولی مکتب المدعی العام الجنائیة الدولیة القوات المسلحة القانون الدولی حکومة السودان السفیر الحارث السودان فی فی السودان بما فی ذلک فی دارفور

إقرأ أيضاً:

مجلس الأمن الدولي يمدد عمل قوة حفظ السلام على حدود سوريا

وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على قرار يقضي بتمديد عمل قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الحدود السورية، ويؤكد على ضرورة عدم وجود أنشطة عسكرية في المنطقة العازلة منزوعة السلاح.

وبموجب القرار الذي تم تبنيه في مجلس الأمن، يتعين على "إسرائيل" وسوريا الالتزام "باحترام اتفاقية فض الاشتباك بين القوات لعام 1974 بدقة وبشكل كامل"، والتي أنهت حرب عام 1973 بين سوريا وإسرائيل وأنشأت المنطقة العازلة، وشاركت الولايات المتحدة وروسيا في رعاية القرار.

وقرر مجلس الأمن تمديد تفويض قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي تراقب منطقة الحدود، والمعروفة باسم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، حتى 30 حزيران/ يونيو 2025، ودعا المجلس إلى وقف جميع العمليات العسكرية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك منطقة عمليات قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.



وكان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال يوم الثلاثاء الماضي إن "القوات الإسرائيلية ستحتل المنطقة العازلة في المستقبل المنظور"، وذلك في أعقاب توغل الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة بعد وقت قصير من انهيار حكومة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

وأمس، قال وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إن على الجيش البقاء في جبل الشيخ والمنطقة العازلة بهضبة الجولان المحتلة مع سوريا، وكذلك بلدتي الخيام والعديسة اللبنانيتين حتى يتمكن المستوطنون "من العيش بسلام".

وأضاف أنّ "الدمار الذي صنعناه في البلدات اللبنانية، بحاجة إلى سنوات طويلة ليتمكنوا من إعادة إعماره، وبالنسبة للحوثيين "فقد لمسوا مدى قوة إسرائيل مثل حزب الله في لبنان وفي سوريا وفي إيران"، مشددا على أن "إسرائيل لن تتوقف إلا بعد أن تقطع كافة أذرع الأخطبوط والقضاء عليه"، على حد وصفه.

مقالات مشابهة

  • الفريق خالد ثالث يطالب المجتمع الدولي بالضغط على الإمارات
  • المدعي العام الألماني: حادث ماغديبورغ لم يُصنف بـ"الإرهابي" حتى الآن
  • مجلس الأمن الدولي يمدد عمل قوة حفظ السلام على حدود سوريا
  • مجلس الأمن الدولى نادى للكلام وقِلة الأفعال
  • مجلس الأمن، والسودان
  • مسؤولة أممية: الخسائر البشرية المروعة للحرب في السودان مازالت مستمرة .. عقد مجلس الأمن اجتماعا بشأن الوضع في السودان وجنوب السودان
  • جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن السودان
  • مندوب مصر بمجلس الأمن: نواصل جهودنا لتوفير الدعم للسودانيين
  • مسؤولة أممية: الخسائر البشرية المروعة للحرب في السودان مازالت مستمرة
  • مندوب مصر بمجلس الأمن: يجب تحقيق وقف شامل لإطلاق النار في السودان