لقد تقاسمت الشعوب و الممالك السودانية، منذ أزمان غابرة، الشعوب الأخرى خيرات الأرض الممتدة التي ينتصفها أطول أنهار العالم ،نهر النيل الخالد، الذي قامت علي ضفتيه أقدم حضارة إنسانية، الحضارة الكوشية،وإستقبلت الهجرات البشرية ،موجاً إثر موج، و هجرات الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام .غير أن السودان اللاحق قد أصابته بما أصطلح في أحزمة الموارد المثقلة بالحروب في أفريقيا ب “لعنة الموارد” ، فظلت الموارد الذاخرة ،باطناً وظاهراً،والموقع الجيوإستراتيجي المتفرد دافعاً للغزاة على إمتداد التاريخ القديم والحديث والمعاصر .

حملة عبد الله بن أبى السرح علي مملكة المقرة المسيحية فى شمال السودان والتي انتهت بمعاهدة البقط عام 651 م من المنظور التحليلى كانت بمقابل رجال و موارد إقتصادية وهي ذات دوافع الغزاة رغم ان للحملة أهدافاً أخرى.تعرضت الممالك المسيحية والإسلامية فى السودان إلى حملات عدوانية خارجية إستهدفت الموارد البشرية والإقتصادية لتلك الممالك والسلطنات، لقد أرّخت الذاكرة المجتمعية فى دولة دارفور ظاهرة “أم كواكية”، (من أم كواك) وهى حالة الفوضى العارمة التى أصابت المجتمع بما يشبه لما يحدث للسودان اليوم من جراء حملات الغزاة الأجانب مجهولي الهوية، لديهم خصائص وصفات الجنجويد اليوم، وبذات الدوافع والسلوك قتلاً ونهبا ًودماراً.ومن وقائع التاريخ الثابتة تتمثل دوافع حملة محمد علي باشا علي السودان في عام 1821م الرئيسية (الرجال والذهب) وهما عنصران حاسمان لتأسيس إمبراطورية موازية للإمبراطورية العثمانية التي كان يحلم بها الألباني محمد علي باشا.لقد حقق الإستعمار البريطاني للسودان 1898-1956م كبرى أهدافه الإقتصادية باستغلال موارد السودان، إذ تمكن القطن المنتج من مشروع الجزيرة في السودان من منافسة القطن الأمريكي عالمياً وساهمت الصادرات الزراعية السودانية بشكل فاعل فى تقوية الوضع الإقتصادي المتردى من جراء الكلفة الباهظة لمستعمرات الإمبراطورية البريطانية التى توصف بان شمسها لاتغيب من فرط إتساعها على نطاق الكون ،لذلك ركز المستعمرعلي مناطق الإنتاج فقط فى السودان ،لاحظ البروفيسير النرويجي وفائى المتخصص في تاريخ السودان بأن المستعمر الإنجليزي كان قد قسم السودان إلى سودانين: السودان المفيد :useful Sudan :هو الجزء الذي يغطي حزام الموارد المنهوبة، أما ما تبقى من السودان فهو السودان غير المفيد طبقاً لأهدافه.السودان في نظر القوى الطامعة إما مخزنا طبيعياً إحتياطياً للموارد و المواد الخام لذات القوى مستقبلاً ،أو أرضاً للصراع و الحروب لئلا يستيقظ المارد من سباته وأزماته كما نصح بذلك نابليون بونابرت قبل نحواً من مائتى عام في حالة مشابهة بأن يتركو العملاق الصينى نائماً : “الصين يهجع بداخلها عملاقاً نائماً فأتركوه نائما،فإن إستيقظ سيهتز العالم”.تتجدد أهمية السودان بوصفه مستودعاً حافلاً ومخزوناً للموارد النادرة والناضبة عالمياً كلما إتسعت رقعة وحدة التنافس الصناعي والتجارى والإقتصادي بين القوى الكبرى وتنامى حاجتها للمواد الأساسية للصناعات الهامة،بينما تزداد أهمية السودان الجيوإستراتيجية كلما إرتفع مقياس التنافس بين ذات القوى حول الممرات المائية وطرق التجارة العالمية وذلك لإطلالة السودان على أهم إحدى هذه الممرات المائية، البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الإستراتيجية، بجانب الموقع الجغرافي المميز بمثابة جسر حقيقى يربط بين إتجاهات القارة الأربعة.العدوان الجديد علي السودان و حروب الجيل الرابع والخامسلبلوغ أهدافها المتمثلة في السيطرة علي السودان و موارده صممت القوى الدولية الطامعة الحرب ضد السودان من خلال نظرية الجيل الرابع والخامس من الحروب التي لا تستخدم فيها تلك القوى جنودها و مواردها بل تستخدم فيها أدوات داخلية، وتمثل الحرب الحالية علي السودان حالة نموذجية لهذا النمط من الحروب بل تعتبر تطويراً لها وذلك بوجود من يتكفل بكلفة الحرب بسخاء بديلا عن القوى الطامعة و هو دولة الإمارات العربية . تتميز حروب الجيل الرابع و الخامس بتوظيف أدوات الصراع الداخلي والمراكز الهشة داخل الدولة لإشعال الحرب و من سماتها التماهي بين الخطوط السياسية و العسكرية و إستغلال نقاط الضعف التي تعتري الجبهة الداخلية و بنية الدولة ،إذ قامت هذه القوى بهندسة العلاقة بين المليشيا وظهيرها السياسي قحت/تقدم وصممت الإتفاق الإطاري للإستيلاء علي السودان سياسياً عبر هذه العناصر العميلة غير أن القوى السياسية والمجتمعية قد أفشلت المخطط الأمر الذي حوله الي محاولة إنقلابية فاشلة قادها قائد المليشيا و تحولت إلى حرب غير محسوبة مما جعل القوى التي تدير التآمر بأن تنتقل إلى سيناريوهات عدة منها :محاولة السيطرة علي السودان من خلال حرب شاملة وبفشلها إنتقلت إلى السيطرة علي دارفور وإعلان دولة المليشيا وبفشلها تجري المحاولات عبر حيلة التدخل الإنساني لإنقاذ المليشيا .خيارات السودان :اولاً: لتفادى سيناريوهات التفكيك ومهددات أمنه القومى وسيادته ووحدته الوطنية خيار السودان الاوحد هو ان ينتصر فى حرب العدوان الماثلة ،يجب ألا يكترث لمحاولات إلهائه بمبادرات مفخخة لاضعاف تماسك جبهته الداخلية المصممة لإجهاض التآمر والعدوان،يعيد ذلك توازنه الوطنى والاقليمى ويمكنه من إعادة بناء ذاته على أساس من مواعظ التاريخ وتجاربه الذاتية .ثانياً: لا مناص أمام السودان -ضمن مشروعه النهضوى- من إعادة بناء وتعزيز قدراته الدفاعية لبلوغ مرحلة الردع الإستراتيجي حيث يقتضي التوازن بين المصالح والمهددات توافر شرط القوة كما لاحظ أصحاب النظرية الواقعية الكلاسيكية فى العلاقات الدولية بان القوة مرادف للمصلحة الوطنية ،وفى عالم يتسم بالصراعات ويموج بالاطماع لا يمكن حماية المصلحة الوطنية إلا من خلال توازن القوى كما أشار ابرز منظرى هذه المدرسة Hans Morgenthau فى كتابه الشهير Politics Among Nations ،السودان لابد له من إعادة بناء قوات مسلحة متفوقة تسليحا وتجهيزاً واعداداً على سائر جيوش المنطقة والاقليم وهى مهمة وطنية ذات أولوية قصوى فى سياق المشروع الوطني النهضوى.ثالثاً: إعمار السودان بنهضة تنموية شاملة بإستنهاض وتفجير كافة موارده البشرية والطبيعية وتوظيف خصائص موقعه الجيواستراتيجى مع الوضع فى الحسبان، بجانب حقول أخرى كثيرة،الميزة النسبية المائزة التى يملكها السودان فى مجال المخزون الهائل للمياه ومائتى مليون فدان من الاراضى صالحة للزراعة وهى مقومات ثورة زراعية تضع السودان فى المراتب المتقدمة مع الدول ذات الإقتصاد الزراعى.رابعاً : التعاون والتكامل الإقتصادي مع القوى الإقليمية والدولية على أساس من المنافع والمصالح المشتركة والإعتماد المتبادل بما يحقق للقوى الطامعة مصالحها عبر التعاون بدلاً عن التآمر.خامساً: السودان القادم من إرث الحروب والمعاناة، والمنتصر فى معركة البقاء ،والمستند على حضارة وخصائص جغرافية وبيئية نادرة ، القوي إقتصادياً والمتماسك قومياً وسياسياً ويمتلك قدرات عسكرية رادعة هذا السودان سيكون عاملاً معيناً للإستقرار الإقليمى والتعاون الإقتصادي البناء مع الجميع و الداعم للأمن والسلام العالمى .بقلم: د. عبد العزيز نور عشرإنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: علی السودان

إقرأ أيضاً:

روسيا من دنا عذابها الي اخت بلادي!

من أخطر سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي تغبيش الوعي حول اهم المعلومات والحقائق، بصنع الانحيازيات وتوجيه الآراء حيث الانقسامات بحسب التوافق السياسي، اذ بات يعتمد انتشار المعلومة للأعلى والأجهر صوتاً والأكثر انتاجاً بغض النظر عن صحة المعلومات، دقتها، او سطحيتها.. ولقد صنعت هذه الحرب اللعينة سوق معلوماتي اختلف عن بقية أسواق الميديا في خطورته بتوجيه دفة المعارك على الأرض من جهلاء بالحرب والسياسة، والحس الإنساني السليم، في وقوفهم مع استمرار الحرب، التي ساقت أهلهم وارحامهم الي حتفهم، وساهمت من ثم في تشريدهم وذلهم في معارك ليس لها من الكرامة غير اسمها الذي اختاره لها الاخوان المسلمون!
ومن أبرز نماذج انتفاع الحركة الإسلامية في هذا السوق الزخم ما تناقلته تلك الوسائط من شعور بالغبطة والنشوة باستخدام روسيا لحق الفيتو واسقاط اجماع 14 دولة عضو في مجلس الامن على وقف الحرب.. والغريبة أن الاقتراح الذي تم رفضه يشمل فيما يشمل قرارات إدانة وتجريم لقوات الدعم السريع لما ارتكبته في الجزيرة ودارفور، حيث انتهكت حرمات البيوت، والاعراض، وقتلت، ونهبت، واغتصبت النساء، وأذلت الشيوخ والمسنين من النساء والرجال.. ولذلك كان استخدام روسيا لحق نقض القرار عملا محبطاً لدعاة السلام وحقن الدماء.
وبالطبع امتطي البرهان موجة البطولات المضللة متوهماً ان له دبلوماسية محترمة، وسيادة معترف بها قائلا (البارحة شهدنا الموقف الروسي الداعم لسيادتنا... فالسودان يعمل بشكل وثيق مع أصدقائه وأصدقاء شعبه، لمنع صدور القرار المعيب والخادش للسيادة السودانية) فكأنما روسيا استخدمت حق الفيتو (العزيز الاستخدام) من اجل الكيزان! وهي تعلم انهم حكام كرتونيون من بقايا دولة (إعادة صياغة الانسان السوداني) التي كانت تمثل فيها روسيا رمز الشيطان مصدر حربهم (يا حبذا الجنات واقترابها** أمريكا وروسيا قد دنا عذابها** على ان لاقيتها ضرابها) وبالطبع ليس هي بالسذاجة التي تجعلها تقف في وجه أمريكا وأوروبا، مستعطفه رضا حكومة بورتسودان المتصدعة.
روسيا التي كايدت مشروع التصويت على قرارات مجلس الامن من اجل وقف حرب السودان، تهمهما في المقام الاول حربها مع أوكرانيا، وقرارات بايدن والديموقراطيين في البيت الأبيض، والسماح لأوكرانيا باختراق الأراضي الروسية بصواريخ مدمرة طويلة المدي، وهو الشي الذي سوف يعقّد مشهد العلاقة بين ترامب وبوتين في أثناء دورة حكم الجمهوريين المقبلة.
ومن سخرية القدر وخفة عقل الفلول، تصوراتهم ان روسيا هي خارج حلبة صراع موارد السودان، كما انها تجهل ان الجنرال البرهان لا يحكم فيما يملك، بل هو عاجز عن استرداد قيادة الجيش من سطوة الحركة الإسلامية، وحماية المواطنين واسترداد الأراضي المحتلة من قبل صنيعته مليشيا الدعم السريع.. واما عطايا حكومة الحركة الإسلامية لروسيا فهي لم تتوقف منذ ان قام الاسلاموي البشير بمقابلة بوتين في عام 2017 وصرح (انه يحتاج لحماية من الاعمال العدوانية للولايات المتحدة ضد السودان) مقابل (امتيازات التعدين وبناء قاعدة بحرية علي البحر الأحمر في بورتسودان بوابة البلاد للتجارة).. انتهي - الجزيرة - تحت عنوان (مغامرة فاغنر لماذا تتورط روسيا في صراع السودان) 2023/8/5
كما ان روسيا لا تحتاج ان تتخذ قراراتها مراعاة لقائد مليشيات الدعم السريع حميدتي وال دقلو أصحاب "جبل عامر"، أكبر مناجم الذهب في السودان وافريقيا، اذ أن كليهما يبيعان لروسيا الذهب طواعية، من اجل شراء السلاح، لإبادة وتقتيل الشعب الأعزل. اما ترهات الجنرال في (نحن نعرف كل من وقف مع الشعب السوداني، وسنقدر هذا الأمر، وسيستند التعاون والتحالف مع دول الإقليم ودول العالم على مخرجات ومحصلات هذه الحرب)! فهي وعود ليست للإعمار والنهوض بالدولة، كما لن تعود للشعب المشرد اللاجئ بنفع، بعد ان فقد أبناءه وهُجّر من ارضه، وهو المحروم طوال ثلاث عقود من حكم الحركة الإسلامية من خيرات أرضه، التي تقدمها الحكومة رشاوي وضرائب لتلك الدول حتى تضمن استمرار بقائها في السلطة، وتحمي مصلحة افراد التنظيم، وتشتري بها ذمم جنرالات الجيش الفاسدين، واليوم تشتري بتلك الموارد السلاح لاستباحة دماء المواطنين، يقتلهم الجنجويد ارضاً، وتقصفهم قوات الجيش جواً.
فإن كانت تلك الآلات الإعلامية الفرحة باستمرار الحرب، يطرب زامرها حكومة الامر الواقع، فعلى وطن اسمه السودان السلام.. فقد أسفر صراع المطامع الدولية عن فصيح نواياه حول حرب السودان، ولا رادع له غير ان يجتمع السودانيين حول وقف الحرب.. كما ان التعويل علي وحدة الصف السوداني للجنرال المستلب الإرادة البرهان تعني الامتثال لشروط الحركة الإسلامية، التي تستجلب عضويتها للاستوزار في بورتسودان، وهو يعلن (.. يجب أن تنتهي الحرب، وبعدها نجلس في حوار سوداني - سوداني، ليقرر السودانيون كيفية إدارة بلادهم، فإذا قرروا إبعادنا لا نمانع، وسنعيد لهم أمانتهم وبلدهم نظيفاً من هؤلاء المتمردين الخونة، سيكون هذا الأمر قريباً).. كالعادة وعود الجنرال الانقلابي بالتخلي عن السلطة، وإنهاء الحرب (بالتوافق السلمي او بالانتصار)، حبر على ورق، وتفتقد الى النية الصادقة، حيث لم ينجح في الوفاء بأيهما رغم تكرارهما منذ رئاسته لمجلس السيادة المحلول او كقائد للجيش. ولن يكون هنالك حوار سوداني برعاية حكومة الحرب، وجميع الذين ينادون بوقف الحرب مدانون بتهم العمالة والخيانة الوطنية. كما اثبتت الأيام فشل الدعم السريع في ادارة مناطقه وتأمين المواطنين، ولم يفعل سوي تهجيرهم خارجها.

 

tina.terwis@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • المساعدات .. الحرب تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان
  • تحركات إقليمية جديدة بحثا عن التوافق بين فرقاء السودان
  • مركز حقوقي: سوداني مُدان باغتصاب أطفال شارك في تظاهرات لندن ضد قادة «تقدم»
  • لمنع انزلاق اليمن نحو المجهول .. رئيس المكتب السياسي السابق لحركة الحوثيين يوجه دعوة هامة لكافة الأطراف اليمنية شمالاً وجنوباً 
  • في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامةالديمقراطية؟
  • القراءة في عقل الأزمة
  • حسن الجوار… مبدأ وسياسة
  • روسيا من دنا عذابها إلى أخت بلادي!
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • روسيا من دنا عذابها الي اخت بلادي!