أهل مصر .. لقاءات توعوية وتثقيفية في ملتقى فتيات المحافظات الحدودية بالإسكندرية
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
أهل مصر .. شهد قصر ثقافة الأنفوشي بمحافظة الإسكندرية عدة لقاءات توعوية وتثقيفية، وذلك ضمن الملتقى السابع عشر لثقافة وفنون المرأة والفتاة، بمشروع "أهل مصر" المنعقد بعروس البحر المتوسط، تحت رعاية د. أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد عبد الحافظ، نائب رئيس الهيئة، تحت شعار "يهمنا الإنسان"، ويستمر حتى 14 أغسطس الحالي.
فن التصوير الجداري
أقيم بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة، لقاء بعنوان "فن التصوير الجداري" حاضر فيه الدكتور محمد كشك، أستاذ التصوير الجداري ووكيل كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، الذى أوضح أن فن التصوير الجداري يعكس حالة المجتمع المتواجد به، شارحاً مفهوم التصوير الجداري بأنه عبارة عن لوحة على جدار معماري، يراه كل الأشخاص بمختلف ثقافاتهم وتوجهاتهم.
وأكد "كشك" ضرورة اختيار خامات تناسب الظروف الجوية، والتعامل مع موضوعات تتناسب مع ثقافة المجتمع، موضحا أن التصوير الجداري من أقدم الفنون في تاريخ الإنسانية، وظهر بوجود الإنسان على وجه الأرض، باتجاهات وثقافات مختلفة.
واستعرض "كشك" بعض الصور لبداية فن التصوير الجداري عبر الحضارات القديمة، وكانت أولها هي حضارة الصيد وتضمنت رسوماً على جدران المعابد توضح مراحل صيد الفريسة، ثم حضارة الرعي وهي بداية استأناسه للحيوانات، وحضارة الزراعة، بجانب تصوير جداري يوضح الجانب الاقتصادي من خلال زراعة العنب وعصره وتصديره للدول المجاورة، اتساع الدولة المصرية وسيطرتها على الدول المجاورة من خلال تقديم القرابين للملك، ثم الانتقال إلى العصر الروماني من خلال مشاهد للحياة اليومية ورقصاتهم بقطع من الفسيفساء، وتصوير جداري للدولة البيزنطية والامبراطور قسطنطين وسط حاشيته مزخرفة ومذهبة، انتقالا إلى الفن الإسلامي مثل مسجد السلطان حسن، ومسجد قبة الصخرة باستخدام الفوسيفساء الملونة والزخارف الإسلامية، والفن القبطي وتمثيله للسيد المسيح، وبعض من تصاميم الكورنيش والمراكب بالإسكندرية، واختتم حديثه بأن فن التصوير الجداري متنوع، وانعكاس لحياة الإنسان لمختلف مراحله وثقافاته .
أعقب المحاضرة تدريبا عمليا مع المشاركات من خلال لوحة ولصق عليها قطع من الفسيفساء .
التنوع الاجتماعي وتكافؤ الفرص
من ناحية أخرى، قدمت الدكتورة إيمان أحمد، مقرر مناوب بالمجلس القومي للمرأة فرع الإسكندرية، لقاء توعوياً تحت عنوان "التنوع الاجتماعي وتكافؤ الفرص"، تحدثت عن دور المرأة في تنمية المجتمع، والتنمية المستدامة لتحقيق تكافؤ الفرص عبر الأجيال القادمة، كما أوضحت أن الدستور ينص على المساواة بين الرجل والمرأة في التعليم والصحة والعمل، وضرورة إتاحة الفرصة للمرأة في اختبار طبيعة العمل التي تريدها وعدم إجبارها علي نوعا معين من الوظائف .
وتطرقت في الحديث إلى ظهور فئة "المرأة المعيلة" التي تعول أولادها وتقوم بالإنفاق عليهم، ويجب عدم حرمانها من مصادر الرزق المتنوعة، وأشارت إلى استراتيجية تنمية المرأة التي بدأ تنفيذها منذ عام 2016، لتحقيق تكافؤ الفرص، وتقوم علي عدة محاور هي التمكين السياسي بترشيحها في المجال السياسي ومجلس النواب، والتمكين الاقتصادي بتدريبها علي عدد من الحرف اليدوية والحرفية لتصبح رائدة من رائدات الأعمال في المجتمع، بجانب محور التمكين الاجتماعي .
العنف ضد المرأةوعن العنف ضد المرأة، تناولت د.منال فوده - المدير التنفيذي وحدة مناهضة العنف ضد المرأة جامعة الإسكندرية، لقاءا عن العنف الذي تواجهه المرأة في المجتمع وكيفية مواجهته من خلال وحدات العنف ضد المرأة الموجودة ف الكثير من مؤسسات الدولة، وهي أحد أذرع المجلس القومي للمرأة، بعدد حوالي 42 وحدة علي مستوي الجمهورية، وفي عام 2017 أنشئت وحدة مناهضة العنف بجامعة الإسكندرية
وأوضحت دور الوحدات داخل الجامعة بخلق بيئة اجتماعية آمنة، وتقديم أشكال الدور التوعوي الذي تقدمه الوحدة لطلاب الجامعة، والأطر التشريعية للجرائم التي تمارس ضد المرأة مثل التحرش والاغتصاب والاتجار بالبشر، وتعريفها بوسائل الدفاع عن نفسها للمواقف التي تتعرض لها في حياتها اليومية، واختتمت حديثها بضرورة تفعيل الدور الإيجابي للمجتمع في مناهضة العنف ضد المرأة بكل أشكاله .
فعاليات الملتقى تقيمها الإدارة العامة لثقافة المرأة برئاسة د. دينا هويدي والمشرف التنفيذي للمشروع، ضمن برامج الإدارة المركزية للدراسات والبحوث برئاسة د. حنان موسى رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع أهل مصر، وبالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي برئاسة أحمد درويش وفرع ثقافة الإسكندرية برئاسة عزت عطوان.
ويستضيف الملتقى 120 سيدة وفتاة من المحافظات الحدودية شمال وجنوب سيناء، أسوان البحر الأحمر "الشلاتين وأبو رماد وحلايب"، الوادي الجديد، مطروح بالإضافة إلى عدد من الفتيات من محافظة القاهرة.
ويشهد طوال فترة إقامته عدة لقاءات توعوية وتثقيفية حول عدد من القضايا المتنوعة، بالإضافة إلى الورش والعروض الفنية، فقرات اكتشاف المواهب، والأنشطة التفاعلية، وورش الحكي، والزيارات الميدانية لأشهر الأماكن السياحية والأثرية بالثغر، بجانب زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة.
مشروع "أهل مصر" أحد أهم مشروعات وزارة الثقافة المقدمة لأبناء المحافظات الحدودية "المرأة والشباب والأطفال" وينفذ ضمن البرنامج الرئاسي، الذي يهدف لتشكيل الوعي، وتعزيز قيم الانتماء والولاء للوطن، ورعاية الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قصر ثقافة الأنفوشي الإسكندرية البحر المتوسط مصر
إقرأ أيضاً:
الطفل القاتل يستلهم الجريمة من ديكستر
الإنترنت .. ساحة مفتوحة لتغذية العنف
آن الأوان لتغيير قانون الطفل بعد الجرائم البشعة
رسائل خفية فى أفلام الكرتون تدفع للعنف والعدوانية
هزت جريمة الإسماعيلية الأخيرة المجتمع، بعدما أقدم طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره على قتل زميله بوحشية وتقطيع جثته بمنشار، استلهم طريقة التنفيذ من مسلسل أجنبى «ديكستر» قاتل متسلسل يستخدم الأسلوب ذاته فى التخلص من ضحاياه، فى مشهد لم تألفه ذاكرة المجتمع المصرى من قبل، لم تكن الجريمة وليدة لحظة غضب، بل نتاج تربة خصبة نمت فيها بذور العنف، فى زمن تتراجع فيه القيم الأسرية وتغيب الرقابة، ويهيمن فيه عالم الإنترنت المُظلم ومحتوى العنف المفرط على عقول الصغار.
لم تكن واقعة الإسماعيلية استثناءً، بل حلقة جديدة فى سلسلة جرائم ارتكبها أطفال، تحولت فيها براءة الطفولة إلى عنف دموى صادم من طفل يقتل زميله انتقاماً، إلى آخر يعتدى على زميلته، وثالث يستلهم جريمته من لعبة إلكترونية أو مقطع فيديو على «الدارك ويب» حيث تنعدم القوانين وتُغذى الغرائز المريضة بلا وازع أو رقابة.
لم تكن جريمة الإسماعيلية سوى واحدة من سلسلة طويلة من الجرائم التى نفذها أطفال خلال السنوات الأخيرة، كشفت جميعها عن تحولات خطيرة فى سلوك النشء.
ففى عام 2023، شهدت محافظة البحيرة جريمة مشابهة حين أقدم طفل فى الرابعة عشرة على قتل زميله طعناً بالسكين بسبب خلاف تافه أثناء اللعب، وفى الجيزة، لقى طفل مصرعه على يد أصدقائه بعد محاكاة مشهد من أحد أفلام الأكشن التى اعتادوا مشاهدتها على الإنترنت.
كما انتشرت حوادث أخرى متفرقة فى القاهرة والمنوفية والدقهلية، جميعها تشترك فى خيط واحد، أطفال يتصرفون بعنف يفوق أعمارهم، ودوافع مستوحاة من محتوى رقمى دموى أو بيئة أسرية مفككة.
تعددت الأسباب، لكن الخطر واحد غياب الدور الأسرى وضعف الوعى، وفوضى المحتوى الذى يتلقاه الأطفال عبر الإنترنت، داخل البيوت تغيب لغة الحوار لتحل محلها العزلة الرقمية، وفى المدارس تُختزل التربية فى المناهج، بينما تتسلل ثقافة الانتقام والعنف إلى وجدان جيل يتعلم القسوة قبل أن يعرف معنى الرحمة.
وتبقى الأسئلة المقلقة، كيف تحول طفل إلى قاتل بهذه البشاعة؟ ما الدور الذى لعبته أفلام العنف والألعاب الإلكترونية والدارك ويب فى تشكيل سلوكه؟ وأين مؤسسات الدولة من حماية النشء من هذا الانحدار الأخلاقى؟
أما السؤال الأهم، فيبقى عن الموقف القانونى كيف يتعامل القانون مع «قاتل طفل» ارتكب جريمته بوحشية لم يبلغ السن القانونية؟
وفى هذا الصدد قالت الدكتورة نادية جمال، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن انتشار جرائم الأطفال فى السنوات الأخيرة يعكس خللاً عميقاً فى منظومة التنشئة الاجتماعية، التى لم تعد مقتصرة على دور الأسرة فقط كما فى السابق.
وأوضحت أن الأسرة أصبحت جزءاً من عملية التربية، بينما باتت المدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى، شركاء مؤثرين فى تشكيل شخصية الطفل وأخلاقه وسلوكياته.
وأضافت أن السوشيال ميديا أصبحت من أبرز عوامل التربية الحديثة، إذ يقضى الأطفال ساعات طويلة أمام الشاشات يتعرضون خلالها لمحتوى عنيف فى الكرتون أو الألعاب الإلكترونية أو المسلسلات، وغالباً ما تُقدَّم شخصيات العنف كرموز للقوة والبطولة.
وأشارت إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى بعض المحتويات يجعل الطفل يرى شخصية تشبهه، فيتقمصها ويمارس السلوك العدوانى ذاته، مما يُرسّخ داخله فكرة أن القوة تُكتسب بالعنف وأن الشخص المسالم ضعيف لا مكان له.
وأوضحت جمال أن غياب القدوة الحسنة يمثل أحد أخطر أسباب انحراف السلوك، فالمجتمع لم يعد يقدّم للأطفال نماذج إيجابية يُحتذى بها، بل أصبحت الشهرة ترتبط بسلوكيات سطحية أو سلبية، مما يُربك معايير الطفل تجاه الصواب والخطأ.
وأكدت أن مسئولية الأسرة اليوم أصبحت أكثر صعوبة فى ظل طغيان التكنولوجيا، لكنها تظل الأساس فى حماية الطفل من الانحراف، من خلال الحوار الدائم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتنمية قيم المشاركة والاحترام والعمل الجاد.
وشددت على أهمية اكتشاف ميول العنف مبكراً، والتى تظهر من خلال سلوكيات مثل تكسير الأشياء أو العصبية الزائدة أو افتعال المشكلات أو قضاء وقت طويل على الهاتف.
واختتمت حديثها قائلة إن الاحتواء والحوار الهادئ هما الطريق الأنجع لتقويم الطفل، فبدل العقاب أو الصراخ يجب على الأم أو الأب التحدث مع الطفل لفهم سبب تصرفه، وتوجيه طاقته نحو الرياضة والأنشطة المفيدة، مؤكدة أن تغيير السلوك ممكن وسهل إذا وجد الطفل من يفهمه ويحتويه دون خوف أو قسوة.
أكد الدكتور مصطفى كامل، الخبير التربوى، أن الفن والدراما سلاح ذو حدين؛ فبينما يمكن أن يساهما فى التوعية وغرس القيم الإيجابية، قد يتحولان إلى محفز للعنف عندما يُقدمان بشكل مثير أو دون إبراز العواقب القانونية للجريمة، ما يؤدى إلى «تطبيع العنف» فى وعى الأطفال والمراهقين.
وأشار إلى أن الأسرة هى خط الدفاع الأول، وعليها بناء منظومة قيم وأخلاق متماسكة، وتوفير بيئة آمنة تحتوى الأبناء نفسياً، مع ضرورة القدوة الحسنة والتواصل الدائم، وعدم ترك الأطفال فريسة للعزلة الرقمية أو لمحتوى الإنترنت دون رقابة.
وحذر من خطورة الدارك ويب والمحتوى العنيف على الإنترنت، داعياً إلى الحوار الصريح مع الأبناء، واستخدام أدوات الرقابة الأبوية وتشجيع الأنشطة البديلة.
كما شدد على دور المدرسة فى تعزيز الوعى، وتنفيذ برامج لمكافحة العنف والتنمر، وتفعيل الإرشاد النفسى والاجتماعى، مؤكداً أن التركيز على الوقاية والتعاون بين الأسرة والمدرسة هو السبيل لحماية النشء من الانحراف والعنف.
وقال أ.د. حسن شحاتة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية عين شمس، أن جرائم القتل التى يرتكبها الأطفال لا يمكن وصفها بأنها ظاهرة عامة فى المجتمع المصرى، بل تظل حالات فردية نادرة، تنشأ نتيجة ضغوط نفسية واجتماعية حادة يتعرض لها الطفل أو أسرته.
وأوضح أن بعض هذه الجرائم ترتبط بعوامل نفسية عميقة، مثل الأمراض أو العقد النفسية التى يعانى منها بعض الآباء والأمهات، والتى تنعكس سلباً على الأبناء، فتؤدى إلى سلوكيات غير متزنة أو عنيفة.
وأشار إلى أن الفقر والضيق الشديد وعدم قدرة الأسرة على تحمل أعباء المعيشة قد يولد توتراً وعنفاً داخل البيت ينتقل إلى الأبناء، فيتكون لديهم إحساس بالقهر أو العدوانية، كما أن الخلافات الزوجية الحادة، تخلق بيئة غير آمنة نفسياً، تضعف قدرة الطفل على التمييز بين الصواب والخطأ، وتغذى داخله مشاعر الغضب والتمرد.
ولمواجهة هذه الجرائم يجب تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والنفسية، إلى جانب الهيئات المعنية بالمرأة والطفل، لتقديم الدعم والإرشاد للأسر، ومتابعة الأطفال المعرضين للانحراف مبكراً.
التقطت أطراف الحديث الدكتورة إلهام المهدى المحامية، قائلة؛ إنها جريمة تفرض علينا جميعاً، دولةً ومجتمعاً وتشريعاً، أن نعيد النظر جذرياً فى كيفية التعامل مع مثل هذه الوقائع، لأننا أمام واقع جديد لم يعد القانون القائم كافياً للتصدى له، فقانون الطفل، فى فلسفته وأهدافه، جاء ليحمى الصغار من الانحراف وليُصلح من شأنهم، لا ليمنح غطاءً لمن ارتكب جريمة تتنافى مع أبسط معانى الإنسانية.
وأوضحت أن القانون الحالى يقسم مراحل الطفولة إلى ثلاث:
من الميلاد حتى السابعة، لا مسؤولية جنائية.
ومن السابعة حتى الثانية عشرة، لا عقوبة بل تدبير إصلاحى.
أما من الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة، فالمسؤولية نسبية ومخففة، تُراعى السن والبيئة والظروف.
ولأن ما نراه اليوم، أمام هذا النوع من الجرائم التى تتجاوز الفعل إلى وحشية التنفيذ، يصبح لزاماً علينا أن نقف وقفة مراجعة شجاعة، أن بقاء النصوص القانونية على حالها دون تطوير يعنى أننا نترك المجتمع مكشوفاً أمام انحرافٍ غير مسبوق، لا يُعقل أن نُعامل من يقتل ويُقطّع جسد إنسان، كما نعامل من ارتكب خطأ طفولياً أو سلوكاً جانحاً بسيطاً.
القانون يجب ألا يكون أعمى أمام بشاعة الفعل، ولا صامتاً أمام التحلل الأخلاقى، حماية المجتمع تقتضى أن يُعاد النظر فى مواد قانون الطفل لتضع حدوداً واضحة بين الحدث الذى يحتاج إلى إصلاح، وبين من ارتكب جريمة تستوجب ردعاً يتناسب مع خطورتها، أيا كان عمره.
إن الرحمة لا تعنى التساهل، والعدالة لا تتحقق إلا إذا وازنت بين حماية الطفل من القسوة وحماية المجتمع من الجريمة، وهذه الواقعة المؤلمة فى الإسماعيلية يجب أن تكون جرس إنذار للمشرّع، بأن الوقت قد حان لتعديل قانون الطفل، ليكون أكثر اتزاناً وعدلاً مع الواقع الجديد الذى نعيشه.
وفقاً لأحكام قانون الطفل المصرى، لا يجوز حبس الطفل الذى لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، مهما كانت طبيعة الجريمة التى ارتكبها، سواء كانت جناية أو جنحة، وفى هذه الحالة لا تُوقع عليه عقوبة سالبة للحرية، بل يُستبدل ذلك بما يُعرف بالتدابير المنصوص عليها فى القانون.
ويتمثل التدبير الأساسى فى إيداع الطفل بإحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث التابعة للوزارة المختصة أو المعترف بها منها، حيث يخضع للإشراف والتقويم داخل المؤسسة بدلاً من الحبس فى السجون.
إذا كان الطفل من ذوى الإعاقة، يتم إيداعه فى معهد متخصص يتناسب مع حالته الصحية أو العقلية، لتأهيله بما يلائم وضعه.
لا تُحدد المحكمة فى حكمها مدة زمنية ثابتة لهذا الإيداع، وإنما تتابع حالة الطفل من خلال تقارير دورية تقدمها المؤسسة التى أودع بها كل شهرين على الأكثر، تتضمن سلوكه ومدى استجابته للتقويم.
وفى حال بلوغ الطفل سن الثامنة عشرة وهو لا يزال تحت الإيداع، تُعيد المحكمة النظر فى أمره، ولها أن تستبدل التدبير بآخر مثل الاختبار القضائى لمدة لا تزيد عن عامين، أو أى إجراء آخر تراه مناسباً لحالته.
وبذلك يكون تنفيذ العقوبة فى جرائم الأطفال دون الخامسة عشرة مقصوراً على التدابير الاجتماعية والإصلاحية فقط، دون تطبيق الحبس أو السجن فى أى صورة من صوره.
قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وضع فلسفة تقوم على «الإصلاح لا العقاب»، وهو مبدأ إنسانى فى جوهره، لكنه فى التطبيق العملى أصبح يحمل ثغرات سمحت للبعض بالإفلات من المساءلة العادلة فى جرائم تجاوزت حدود السلوك الطفولى.
ونرى أبرز الثغرات تتمثل فى النقاط التالى ذكرها
1- عدم جواز الحبس لمن هم دون 15 عاماً
أى طفل لم يبلغ الخامسة عشرة لا يمكن حبسه أو سجنه، مهما بلغت بشاعة الجريمة التى ارتكبها، حتى لو كانت قتلاً عمداً مع سبق الإصرار، أو اعتداءً جنسياً، أو تقطيع أوصال كما رأينا فى بعض الوقائع الأخيرة.
وهذا يعنى أن أقصى ما يمكن للمحكمة أن تفعله هو إيداعه بدار رعاية، وهى فى حقيقتها ليست مؤسسة عقابية، بل مكان مخصص للتقويم والرعاية الاجتماعية، مما يجعل الفعل الإجرامى بلا عقوبة رادعة بالمعنى الجنائى.
2- عدم تحديد مدة الإيداع
القانون ترك تحديد مدة الإيداع لتقدير المحكمة وتقييم المؤسسة الاجتماعية، وهو ما يجعل الأمر فى بعض الحالات بلا إطار زمنى واضح، فتتحول «التدابير» إلى إجراء إدارى أكثر منه حكماً قضائياً محدداً بالعقوبة والمدة.
3- عدم وجود تدرج فى المسؤولية الجنائية
القانون قسم الأطفال إلى مرحلتين رئيسيتين (أقل من 12 عاماً / من 12 إلى 18 عاماً)، لكنه لم يضع تفصيلاً دقيقاً يراعى اختلاف الإدراك بين طفل فى الـ13 وآخر فى الـ17. فكلاهما يُعامل تقريباً بذات المنطق، رغم التباين الكبير فى الوعى والتمييز.
4 - غياب الردع فى الجرائم الجسيمة
بعض الوقائع أثبتت أن غياب العقوبة الرادعة يؤدى إلى تكرار الجرائم من أطفال فى سن المراهقة، خاصة فى ظل بيئة اجتماعية تضعف فيها الرقابة الأسرية أو التعليمية.
وما نود قوله هنا أن قانون الطفل بصيغته الحالية يحتاج إلى تعديل جوهرى، لا بهدف القسوة، بل لتحقيق العدالة. يجب أن يُعاد النظر فى المواد التى تمنع الحبس المطلق لمن هم دون 15 عاماً، بحيث تُفرَّق بين الجريمة البسيطة والسلوك الإجرامى البشع.
فمن غير المنطقى أن يُعامل من يسرق حلوى من متجر، كمن يقتل ويُقطّع جثة زميله.
القانون لا بد أن يُوازن بين حق الطفل فى الحماية وحق المجتمع فى العدالة والأمن.
ونهيب علماً بأن التعديلات الأخيرة لبعض نصوص قانون الطفل بالرغم من أهميتها إلا أنها لم تشير من قريب ولا من بعيد للعمل على تدارك تلك الثغرات لضرورة الردع خصوصا وعقلية أطفال هذا الجيل تختلف تماما مع عقلية الأجيال السابقة نظراً لأنهم جيل التكنولوجيا الحديثة بما لها وبما عليها ومما تقدم ذكره نشير إلى أنه لابد من تحرك عاجل لسد تلك الثغرات خصوصا مع انتشار الإنترنت والمحتويات المحرضة على العنف والفساد وغياب الرعاية من الأهل والذين إلا من رحم ربى باتوا يحتاجون نفسهم إلى رعاية بما يفعلونه أو يقبلونه أو يشاهدونه أو يشاركونه من فساد التيك توك على سبيل المثال عبر صفحاتهم الشخصية لابد من تحرك جماعى من المجتمع سواء دولة أو ازهر أو رجال قانون أو إعلام وصحافة هادفة ونسأل الله العفو والعافية لبلادنا وأبنائنا.