عبد الله علي إبراهيم

ملخص
يعيب كتابات الشمالي الآخر عن الجنوب من الجهة الأخرى صدورها في جنس "شهد شاهد من أهله". فلا يزيد الواحد في ما يكتب من أن يلحن بمظلومية الجنوب.
في النقد المسلح وغير المسلح للسودان القائم على أشده في هذه الحرب لدولة 1956، التي يقال إنها صارت حكراً بعد الاستقلال للجماعة العربية المسلمة الشمالية، مفارقة لافتة.

فبينما يتظلم الهامش منها بما عانى في معاشه من ويلاتها إلا أن الوعي الأدق بتلك الويلات فمن عمل صفوة من نفس هذه الجماعة المتهمة بالاستئثار بالدولة منذ الاستقلال.
ليس من مسألة في السودان حظيت من تكاثر التأليف عنها بما حظيت به مسألة المركز والهامش. فأفرغ منصور خالد، الكاتب والوزير، نفسه لها منذ التحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1985. فصدرت له كتب كثيرة عنها تميزت بالضخامة. فـ"السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام" (2003) المعرب عن أصل إنجليزي جاء في نحو ألفي صفحة. ناهيك بكتابات القانوني سلمان محمد سلمان وعالم الاجتماع الواثق كمير وعالم اللغة عشاري أحمد محمود.
هذه الصفوة الشمالية ممن يمكن وصفهم بـ"الشمالي الآخر" في تعريف الصحافي والوزير من جنوب السودان بونا ملول ومطلبه منهم. إذ كتب مرة في افتتاحية له بصحيفة "الفيجلنت"، التي أصدرها منتصف الستينيات في الخرطوم، من الشماليين أن يستنقذوا أنفسهم بأن يخرج من صلبهم الشمالي الآخر الذي يتخطى حزازات قومه الأقربين، وينفذ إلى مظالم الجنوبيين ويعيها، وينصرهم نصراً شجاعاً طويل النفس.
وخرجت هذه الجماعة منذ منتصف الثمانينيات لتصدع بالحق في قضية الجنوب. ولكن كان خروجهم للحركة الشعبية لتحرير السودان (العقيد جون قرنق) كعنوان للقضية لا القضية ذاتها. فصار الواحد منهم كعضو بالحركة، ومنهم من حمل السلاح فيها، ملتزماً بـ"بيروقراطية ثورية" عسكرية سنرى صرامة نظام الضبط والربط فيها. وتطابقت عند هذا الشمالي الآخر مشروعية مسألة الجنوب في ذاتها ومسألتها عند العقيد قرنق أو حركته، كالممثل الأوحد لها. ونرى هذه المطابقة بجلاء في كتابات لمنصور خالد عن الصراع الذي تفجر في الحركة الشعبية خلال عام 1990 بين "جناح توريت" بقيادة قرنق و"جناح الناصر" بقيادة الأستاذين الجامعيين ريك مشار ولام أكول. وأصل الصراع في رواية "جناح الناصر" تعطيل قرنق لاجتماعات هيئة القيادة العليا مما جعل عضويتهما فيها بلا معنى. وفي مشار ولام، خلافاً عن قرنق الذي جاء من الحركة القومية الجنوبية المسلحة، عادة الديمقراطية التي اكتسباها في العمل النقابي وفي المقاومة المدنية بالسودان قبل التحاقهما بالحركة. وكتب لام أكول كتاباً عنوانه "الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان: داخل ثورة أفريقية" (2001) عن تعطيل قرنق لاجتماع القيادة كمظهر نهائي في إدارته للحركة كعرض الرجل الواحد.
لما صار الشمالي الآخر عضواً ملتزماً بالحركة الشعبية وزعيمها اندرجت كتاباته بالتالي في عداد الدعاية للحركة الشعبية. فلم ير منصور خالد في كتابه "نداء للديمقراطية في السودان" (1992) صراع الحركة خلال عام 1990 كواقعة منتظرة في حركة سياسية مسلحة. فلم يأخذ برواية مشار ولام عن قبضة قرنق القوية على الحركة التي كتب عنها أيضاً رعيل جنوبي مثل بيتر نيابا أدوك وبونا ملوال كما سنرى. فصرف جناح الناصر كجماعة متمردة أثقل النضال كاهلها فخارت عزائمها وباعت القضية لنظام الإنقاذ بثمن بخس. فدخل منصور هنا، كعضو بالحركة الشعبية "جناح توريت"، بين البصلة وقشرتها كما نقول. وما ساقه إلى حشر نفسه في هذا المضيق إلا اختصاره قضية الجنوب في الانتماء إلى حركة واحدة من حركاتها بينما سعة القضية للخلاف حولها خصيبة.
ويعيب كتابات الشمالي الآخر عن الجنوب من الجهة الأخرى صدورها في جنس "شهد شاهد من أهله". فلا يزيد الواحد في ما يكتب من أن يلحن بمظلومية الجنوب "لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً". فالجنوب عنده كما يريد له الجنوبي ضحية خلو من الإرادة أبداً. فإذا اشتكى الجنوبي من نقض المركز الشمالي لعهود انعقدت بينهما لم يسأل إن لم يقع هذا النقض في ملابسات سياسية لعبت الأطراف في الجنوب نفسها دوراً إيجاباً في وقوعه كما سنرى.
وتصدر كتابات هذا الشمالي الآخر احتساباً عما يعرف بـ"عقدة الذنب الليبرالية" التي تعتري نخبة الجماعة التي سادت على غيرها وتركت تاريخاً من الاستغلال والعنف. فكان اليأس أخذ بخناق جمهرة شمالية كبيرة لا ترى سوءة قومها بحق الآخر في الوطن فحسب، بل ضمور دورها في تصميم السياسة نحو هذا الآخر المختلف في العرق والثقافة في بلدهم. فأصابتهم عقدة الذنب الليبرالية مثلهم في ذلك مثل كل الليبراليين الذين تتنامى قناعتهم بفشل "يوتوبيا" التجانس العرقي القومي الذي عملوا له. فيتبنون بالنتيجة عقدة الذنب هذه كاستراتيجية للاعتراف بذنبهم حيال هذا الآخر بما هو قريب مما يفعل المسيحي حين تؤرقه خطيئة ارتكبها فيفزع إلى القسيس. ويريد الشماليون الآخرون بهذا الاعتراف التعويض رغائبياً عن نقص ناشب فيهم لا يملكون له مرداً فيتحولون سقماً إلى نعاة الـ"خطايا الأجداد".
ونواصل

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لتحریر السودان الحرکة الشعبیة

إقرأ أيضاً:

الرئيس الكوري الشمالي يدعو لانتاج المزيد من الاسلحة وتعزيز الترسانة النووية

الثورة نت/..
دعا الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون اليوم إلى تعزيز الترسانة النووية لبلاده هذا العام، وذلك خلال زيارة لقاعدة لإنتاج المواد النووية ومعهد الأسلحة النووية.

وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية أن كيم أشاد بالعلماء والعاملين في القاعدة لتحقيقهم “نجاحات ملحوظة ونتائج إنتاج مذهلة” في عملهم العام الماضي، حيث تم إطلاعه على عملية إنتاج مواد نووية صالحة للاستخدام في الأسلحة وخطتهم لعام 2025 وما بعده.

وحث كيم على تحقيق المزيد من النجاح في إنتاج مواد نووية صالحة للاستخدام في الأسلحة هذا العام وتعزيز القوات النووية للبلاد، معتبرا أن “هذا العام هو عام حاسم، فهو نقطة تحول مهمة يجب أن ننفذ فيها المهام في الفترة المهمة في سياق تنفيذ خط تعزيز القوات النووية”.
وأضاف أن كوريا الشمالية تواجه “الوضع الأمني الأكثر عدم استقرارا في العالم” بسبب المواجهة الطويلة الأمد مع “أشرس الدول المعادية”، مما يجعل من الضروري أن تعزز البلاد قدراتها النووية.
ولطالما قالت بيونغ يانغ إن ترسانتها النووية تهدف إلى درء تهديدات واشنطن وحلفائها، الذين قاتلوا كوريا الشمالية خلال الحرب الكورية 1950-1953.
ويقدر المحللون أن كوريا الشمالية ربما أنتجت ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع ما يصل إلى 90 رأسا حربيا نوويا.

مقالات مشابهة

  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • الهيئة الشعبية لابيي : أبناء المنطقة وحدهم من يحددون مصيرها
  • تدشين المرحلة الأولى من مشروع إنارة المدخل الشمالي لمحافظة تعز بالطاقة الشمسية
  • الشهيد القائد مظلومية قتلت الروح الانهزامية وانارت دروب الأحرار
  • الرئيس الكوري الشمالي يدعو لانتاج المزيد من الاسلحة وتعزيز الترسانة النووية
  • الوجه الآخر للحرب في السودان ..!!
  • الكتابة والحزن
  • السودان وجنوب السودان: حتاما نساري “الدم” في الظلم
  • لجنة حماية الصحفيين تطالب سلطات دولة الجنوب السودان برفع الحظر عن وسائل التواصل الاجتماعي
  • عن الكتابة والقراءة والسفر.. خطط الأدباء لعام 2025