كلمة السفير جمال محمد ابراهيم في تدشين كتابه: “عمرعديل: من نبلاء الدبلوماسية السودانية”
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
فبراير 2024
معالي الدكتور محمد العـرابي وزير خارجية جمهورية مصر العربية الأسبق،
رئيس الجلس المصري للشئون الخارجية ورئيس الجلسة الموقـر،
السيدات والسادة الضيوف والزميلات والزملاء السّفراء،
السلام عليكم ورحمة الله،
أقول بداية، أنّ بعضُ النّجاح قـد يكون نِعـمةً على صاحبه، كما أنَّ بَعضُـهُ قـد يكـون نِقـمـة.
معالي رئيس الجلسة ، والضيوف الأفاضل،
إنّ الرّجل الذي عكفنا على رصد سيرته في هذا الكتاب ، هـوَ السوداني عمر عبدالحميد عـديل. رجلٌ بدأ مشـوارَهُ في الحيـاةِ من قـريةٍ صغيرة في شـمال السّـودان ، ثم تدرّج في التعـليم مِـن عطبـرة شمالي السودان إلى الخرطوم، ثمّ إلى لـنـدن، فينال درجتـه الجامعـية في القانون مـن جامعاتها ، ثمّ تأهّــل ضـابطاً فـي الشرطة السّـودانية في السّــنوات التي سبقتْ نيْـل السّـودان إستقلاله عام 1956م. بعدها اختارتـه الحكـومــة الســودانية إذّاك ليكـون دبلوماسـياً وسـفيراً مع بعض نفـرٍ آخرين كُلـفـوا بتأسيس الدبلوماسية السودانية عام 1956م. ذلـك وصف مختصر تلخّصَ تجــربة ســنواتٍ طـوالٍ مــن المثـابرةِ والبــذلِ، ثـمَّ التـميّـز لسـفيرٍ سودانيٍّ مُميّـز .
إنَّ ذلك التميّـز قـد تحقـق لهُ بالبذلٍ المشهودٍ في هيئة الأمـم المتحـدة ، والتي جاء إلـيها عام 1959مندوباً دائمـاً لبلاده، بعـد أن أكمل مهمته ســفيراً للسّـودان في إيطالـيـا والنمسا. لم يشـهد له بحنكته ومقدراته زملاؤه السُّـفـراء في نيويورك فحـسـب ، بل قـيـادة المنظمة الأممية نفسـها، وقـتَ أنْ كان على رأســها الأميــن العــام المُغـتـال "داغ هـمرشـــولد"، ثـمّ مِـن بـعــده، خليـفــتـه البورمي "يـو ثانـت". ضمنّا في الكتاب الذي أخرجناه جوانب من ســيرة الرّجل ونشاطه الدبلوماسي البارز في بدايات سنوات "الحرب الباردة"، فكان على رأس مجموعة الأفارقة في الهيـئة الأممية، ثم مستشاراً غير معلن لأميـنها العام "هـمرشــولد" وأقربهم إليه، خاصة فيما يتصل بأزمة الكونغو وواقعـة اغتيال زعيمها باتريس لوممبا..
وللتاريخ، لنا أن نذكُـر أنّ مَـن عاصـروا السفير عديل في الأمَـم المتـحدة ، بعـد واقـعــة اغــتـيال الأميــن العام "داغ همرشولد" في عام 1961م، شـهدوا أنّ اسـمَهُ تردّد بين الأسْـماء الـتي تداولـتها بعضُ أقلام الصحافة الأمريكية كونه من بين أميز الدبلوماسيين ِ القادمين بقـوّة إلى سـاحة الدبلوماسية الدوليـة، وأنّ اسـمه غـيـر بعـيـدٍ عن قائمـة المرشّحين لـتـولّي منصب الأمينِ العـام. لربّما لم يحِـن لأفـريقـيا في ذلك الوقت المبكر، أن يتـقـلّـد أحــدِ أبنـائها ذلـك المنصب المرموق، وفق تقـلـيـدِ تداولِهِ بيـنَ القـارّات. غير أنَّ للسفير الرّاحل نظراً عميقاً حول أدواره ونشاطه في المنظمة الأممية و"الحرب الباردة " قد ارتفعت سخونتها تلكم السنوات الأولة من ستينات القرن الماضي. كان للسفير عديل ذلك الصوت الأفريقي القوي الصادح بالرأي المُبين المستقل كرئيسٍ للمجمـوعة الأفريقـية، مدافـعاً عـن حـقّ تقـريـر مصيـر الشـعوب المستضعفة والقضاء على الاستعمار، وفـق قـرار الجمعية العامة للأمـم المتحـدة المعروف بالرقم 1514 وهو أحد كبارالسفراء الذين وقفوا وراء ذلك الـقـرار.نالت أكثر من عشر دول أفريقية استقلالها في تلكم الفترة.
لكـن لم يغـب عن إدراك الســفير النبيل أنّ مواقـفـَه القـوية والمستقلة بين القطـبـيـن المتخاصمين في أتون الحرب الباردة، لن تعينه لاكتساب ودّهـما، ولن تعفيه من ترصّـدٍ قد ينتظره في أية منعطفات قادمة. لم يسعَ الرجل ولم يتطلع إلى منصب الأمين العام ، وإنْ تداول الإعلام إسـمه بين أسماء من سيرشحون لمنصب الأمين العام لقـيادة المنظمة الأممية عام 1961م . لكن من نبله، ساند مرشح قارة آسيا زميـله وصديقه مندوب بورما الدائم الســيد "يـو ثانـت". .
معالي رىيس الجلسة والضيوف الكرام،
ثـمّ تمضي السنواتٌ وقـد رسـختْ خلالها نجومــيـة السفير عديل في مساندة قضــايا القارة الأفريقية، لتحيـن الفـرصةُ للـقـارّةِ الأفريقية لأنْ تنال حظّـهـا في رئاسـة الجمعـية العامّـة للأمـم المتحــدة في دورتها عام 1964 . شغل السفير عديل منصب نائب رئيس الجمعية العامة في دورتها عـام 1960م، ثمّ تولى باقتدار رئاسة اللجنة السياسية الأولى في الجمعية العامّة في دورة أخرى ، ثـمّ بادرت حكومته بترشــحهِ لرئاســة الجمعـيـة العـامّة في دورتـها التاسعة عشـرعام 1964م. لن أطيل في سرد تفاصيل وردت مسهبة في كتابي.
لقـد عكفـتُ على كتـابة سـيرة الرّجل من واقـعِ أدائـه وبذلـه ومنجــزاتـه الدبلوماسية، والزمتُ نفسي بمعايير في الرّصدِ والكتابة ، أهمها الموضوعية والمصداقية والشـفافية ، فـيـما توفّـر لـي مـن مسـوّدات ورسـائل شـخصية ووثائـق ومسـتندات وشـهادات بالصـوتِ وبالصورة من أرشيف الأمم المتحدة، بعث بها إليّ من هولندا إبنه الدكـتور عبدالحميـد عمر عديل. ومـا أن بلغتـتُ عند كـتـابة سـيرة الرّجل، إلى الأيام التي شـهدتْ ترشـيح بلاده لـهُ ليُنتخـب رئيــساً للجمعية العامة للأمـم المتحدة في دورتها التاسعة عشــــر في الأردني عــام 1964م، ليكـون إذا قُـدِّر له الـفـوز، الأفــريقي الأول – جنوب صحــاريها- الـذي ينــال ذلـك التشــريف. كان هـو النجم مع نجوم، لم يقلّ لمعـانه عنهم شيئا . أذكر لك منهم الأمريكي الأسمر "رالف بانـش" مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومن حملة جائزة نوبل للسلام. ومن بينهم أيضاً لورد "هـيو فووت" المعروف بلقبه الأشهر "لورد كارادون" ، ورجل الدولة عبد المنعم الرفاعي والباكستاني ظفرالـله خـان.
لكن أتت الرياح للسفير عديل بما لا تشـتهي السّــفنُ. .
لقـد تكشّــفت لِيَ في الوثائق أبعـادٌ مؤســفة أحـاطت بترشيح السفير المنـدوب الدائم للسودان ، فـيهـا من الترصُّـدٌ ما فـيها، ومن الملاحقـةٌ ما لا تخفى، فكانت الصورة أشــبه باضمار الشرّ ونسج المكايدة . سـعت دوائر أجنبية قريبة من بعضِ دول كبرى لتشويه إسـم الرّجل. إذ ما أن أعلن السّـفير النبيل ترشّحه، حتى ثار لغـط يشكك في "أفريقية" الرّجـل ، فعدّوه وهو رئيس المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة، أنه منتمٍ للمجموعة العربية فلا يحقّ أن يترشح وقد سبقه سـفيران عربيان ترأسـا الجمعية العامة من قبل هـما ، شارل مالك من لبنان والمنجي سليم من تونس. فاحت روائح التحريض الخبيث تثير غباراً حول انتماءات السودان نفسها في ترشيح المندوب السوداني الدائم. للتحريض روائح تفـوح كما قد تعلمون.
سيدي رئيس الجلسة و سادتي الأفاضل،
بعدها انفـتح صندوق "بانـدورا" - كما في الميثولوجيا الإغريقية- بكلّ شروره على الرّجل، فهبّـتْ عواصفُ مـن أجانب غُـرباءٍ ورجال مخابرات من قــوى كبرى ممّن لم تكن ترضيهم استقلالية الرّجل وصوته العالي مسانداً لحركات التحـرّرفي الجزائروفي العــديد من البلـدان الأفريقية الأخرى، وداعـما رئيـساً لتنفـيذ قرار الجمعية العامة 1514 بمنح الشعوب المستعمرة استقلالها، ثم منـاداته بالتحقيق في اغتيال زعيم الكونغو باتريس لوممـبا، ومواقـفـه المناهضـة للتجارب الذرّية في الصحراء الكبرى. هو الصوت الأفريقي الأول الذي أدان اعتقال نلسون مانديلا فور عودته من الخرطوم، مطالبا من فوق منبر الأمم المتحدة بإطلاق سراحه .
سيداتي وســادتي الأكــارم،
دعوني أقول قولا متطرّفاً قد لا يعجب البعض منكـم. إن للـقـوى الكبرى في سنوات الحرب الباردة تلك، غطرسة تجاوزت الحدود ، وكيدا وتآمرا لا تخطؤه عيـن. . أثبت التاريخ في وثائق خرجت من خزائنهم بعد عقود من السّـرية ، ما أثبـت تورّط بعض تلك القوى الكبرى في جريمة اغـتـيال لوممبا رئـيس وزراء الكونغو الشرعي، وأيضاً في اغـتـيـال الأمين العام للأمـم المتحـدة "داغ همرشــولد"، والكثير مما خفي من تآمر على بلدان ما يسمى بالعالم الثالث.. ذلك ما يدفعني اقتناعاً من أن تكون أصابع تلك القوى والـغـة في تشــويـه صــورة السّـفير النبيل . لم يقف كيـدُ الغــرباء المتـآمرين هـنـا، بل يبيّـن كتــابي كيف تجاوز تحريضهم إلى الســودان، ليكـيْـد بعـض ذوي القُـربَى من زمـلائه في الدبلوماسية والذين حركت عند بعضهم نوازعُ الحسـد والغيــرة المهنـية للنيـل من سـفيرٍ بدا لهم - وهو أصغـرهم ســـناً – متطلـعـاً ليرأسَ المنظـمة الأممـيـة، أويقـود جمعيتها العامّـة وهو دون الأربعيــن . هكـذا زاد ضِغـثُ الأقربـيـن على إبّالةِ الأبعـديـن لتتسّع دائرة استهداف الرّجـل مِـن قِـبَـل بني جـلـدته، وما أيسـرَ ما تحرّك الغيرة المهنية كـيـدَ الحاســدين من أهل المهنة، ليمـازج أذى مخـــابرات الغـرباء الأبعدين، فنالوا منه على المستوى الشـخصي والأسـرى، إذ غــادرت عقيلـتـه وطفـلها إلى مسـقط رأسـها في هولـنــدا ، مِـن هـوْلِ ذلـك الاســتهداف الظالم.
معالي رئيس الجلسة والضيوف الأعزاء،
سيعجب المتابع أنْ يرى تلـك العواصف جميعها تتكاثف في الأسابيع التي سـبقتْ حـسْـم انتخابِ رئـيسٍ للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها عام 1964م، مِن بيـنَ متنافسـين ثلاثة، أوَّلـهـم - والأوفـر حظاً- هـو السّـفيرُ المندوب الدائم السوداني عمر عبدالحميــد عديل. المـمثـلان الآخران هُـما منـدوبا غـانـا وليبـريا .
ثمَّ فجأة يغيـب الرّجل عن السَّـاحة الدولـية ، ويغـيب ذكرُهُ في كتاب تاريخ الدبلوماسـية السـودانية. قـيـاديون كبار في بـلاده - وبيـارق ثورة أكـتوبر التي أســقطتْ النظـــام العسـكري الذي حكم السودان لسـتِ سـنوات، ترفرف عاليـاً مـنـادية بتطهـيـر كلِّ مـن تعــاون مـع الـنظــام العســكري السّــابق . لم تبصـر قـيـادة البـلاد الجـديدة في عجـلة أمـرها، أبعـاد الـتحـام الكـيــد الخارجـي بالكـيـد الداخلـي الـذي أتى أكلُـهُ، فقـرّروا طــرد السّــفيـر النـبـيـل من موقـعـه ، ولا أحــد أدرك عِـظَـم الخُـسـارة التي مُـنـيَ بـها السودان الوطن، بل والقارة الأفريقية بضـياعِ فرصةٍ تاريخية أتـيحَـتْ للسـودان عام 1964، ليتبـوّأ قـيادة الجمعية العامة للأمـم المتحـدة ، إلى جــانب قـيادة الـقـارة الأفريقية. منــدوب غـانـا الذي كاد أن لا يصدّق أن رئاســة الجمعية العامة للأمم المتحــدة في دورتها تلك ، قـد جـاءته هــدية مـن السّـماء، بعد أن قام وزير خارجية السودان الذي شهد تلك الدورة، بطـرد منـدوب بلاده المقـتـدر بكـيـد الكـائـدين.
لكأنَّ الأمر بدا نكاية في نظام الفريق عـبـّود الذي عمل السفير عديل منـدوباً للسودان في الأمم المتحدة خلال سنوات حكمه، فأسـقط السّـودانيون في ثورتهم في 21 أكتوبر1964 نظام حكمه العسكري. لم يفطن من تولوا أمـور السودان في ثورة 21 أكتوبر 1964م ، أنّ صفحة علاقات السّـودان الخارجـية، هي أنجح صفحات نظام الفريق عـبّود، وأنّ كتاباً خطّهُ دبلوماسيون وبعض سفراءٍ كبار، حفظ للسودان حـياده الإيجابي وفق مباديء مؤتمر"باندونـغ" لدول عـدم الانحيازعام 1955م، بمشاركة الزّعيم الوطني الأوّل في السودان إسماعيل الأزهري، ولم يحـد عنهُ الفـريق عـبّـود بعـده ، والعالم إذَّاك في حقبة حربٍ باردةٍ مُستعِرة بين شرقٍ وغرب. كان صــادقـاً عـبّـود - برغم عُسْـرِ نظـامه - حينَ خاطب السـودانيين قائلاً :(جئتكم بصداقة الشعوب).
لم يتطلّع السّفير عمر عبدالحميد عديل، لقيادة الأمم المتحدة في سنوات الستينات تلك، سـعياً وراء مجـدٍ شـخصيّ، بل كان تطلعه لمجـدٍ مُستحقٍ لوطـنٍ عـبقـريّ الموقـع وعبقريّ المكانة في الـقـارّة الأم. ذُهلَ الأميـن العام السـيّد "يــو ثانـت " غـيـر مصدّقٍ- ودُهِـشَ مساعدوه - لقرار الســودان طـرد منـدوبـه الدائم ، فـمـدّ يـده على الـفـور للسّــفير عـديل وقـال لـه: أبـقَ مكـانك لاستفتاء تجريه الأمم المتحدة في تاريخها في جزر كوك في نيوزيلندا، كما كان ممثـلا له فـي العــديد من دول الشـرق الأوســط حتى ســـاعة رحيـله في دمشــق عـــام م1976، عــن ثلاثٍ وخمسين عاما.
إنّـهُ لمن المؤسِـف أن تقرأوا في كتاب السيرة الغيرية للسفير عمر عديل، كيف امتزج كيـد الغـرباء الأبعـدين مع تواطوء بعض الأقربين ، لنسـجِ تآمرٍ ظـالـم، أدّى لتجاهـل ســيرة السـفير عديل وتغيـيـب نجمـه تمـاماً عـن ســماء بلاده، بعـد أنْ كان ألـمع السّــفـراء الأفارقـة والعرب في الأمـم المتحــدة، ســتينيات القرن العشرين، وأنـبـلهم مسـلكاً وأداءاً. ولقد أعلمني من أثق في متابعتهم لأحداث تلك الفترة وهو متخصص في تاريخ السودان الحديث أنه سمع من كل من رئيس وزراء تلك الحقبة ووزير خارجيته، أنهما أدركا بعد فوات أوان خسارة القرار الذي وافقا عليه بإزاحة السفير عديل من مهامه مندوبا للسودان في الأمم المتحدة .
معالي رئيس الجلسة والضيوف الأفاضل،
نتطلع أن يكون في كـتابـنـا هــذا ما يُعيـد للسّـفير النبيل، مكانـتـه في كـتـاب الدبلوماسية السّــودانية، وأيضاً في دبلوماســـية القـارة الأفريقية والعالم الثالث إجمالا . ويبقى الســؤال قائماً ومُـلحّـاً ، فيما تتبدّل الأنظمة السياسية بين حينٍ وآخر: هلْ تبقى الدبلوماسية قادرة على الحفاظ على مهـنيـتهـا واســـتـدامة خــدمـتـها لمصـالح وطـن منسـوبيـها، أم تظلّ عُـرضـة لـزعـازعٍ وإقـصــاءٍ وتشـــريد. . ؟
لكُم الشكر على حسـن الاسـتماع، وأعتذر إن طال خطــــابي . .
والسلام عليكم ورحمة الله.
• *ألقيت في افتتاح الندوة في مقر الجلس المصري للعلاقات الخارجية بالمعادي – القاهرة
jamalim@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجمعیة العامة الحرب الباردة الأمم المتحدة الجمعیة العام الأمین العام رئیس الجلسة ة الأفریقیة المتحدة فی الس ـودان فی دورتها
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء يلقي كلمة خلال احتفالية النيابة العامة المصرية بإطلاق "الاستراتيجية العامة للتدريب".. مدبولى: تهدف بالأساس لإعلاء قيمة العلم والتدريب والتطوير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة خلال مشاركته في احتفالية إطــلاق "استراتيجية النيابة العامة للتدريب" مساء اليوم، بحضور عدد من الوزراء، والمستشار محمد شوقي، النائب العام، وعدد من السادة النــواب العموم العرب، ولفيف من السادة القضـــاة رؤســاء الجهات والهيـــئات القضائية، وممثلي عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، وعدد من رؤساء الجامعات والأكاديميين المصريين والدوليين.
واستهل رئيس مجلس الوزراء كلمته، بالإعراب عن خالص اعتزازه وسعادته لحضوره هذا التجمع الطموح الذي يعقد بمقر مكتب المستشار النائب العام، مؤكدا أن هذا الصرح القضائي كان دوما مُمثلاً بشرف ونزاهة عن الهيئة القضائية المصرية ذات التاريخ العريق، والذي تأصلت فيه العدالة كفلسفة حياة عبر آلاف السنين.
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن هذا التجمع اليوم لا يعبر فقط عن سعي مؤسسة مصرية عريقة ــ كالنيابة العامة ــ للتطوير والنهوض بمستوى كوادرها فقط، بل إن العبرة من وجودنا اليوم قد تتجاوز أهدافها ومدلولاتها إلى ما أبعد من ذلك بكثير؛ لافتا في ضوء ذلك إلى أن حدث اليوم يعبر عن التناغم التام بين جميع مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسات المستقلة، في ظل احترام مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون، تحت مظلة واحدة وهي "رؤية مصر 2030"، ومُبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، "بداية جديدة" من أجل بناء الإنسان المصري.
وفي السياق نفسه، أشار رئيس الوزراء إلى أن هذا الحدث يعبر أيضا عن قيمة أخرى كبيرة تتمثل في وحدة الصف الوطني المصري والعربي على مختلف الأصعدة، وهو الأمر الذي يشكل ركيزة أساسية لتجاوز تلك المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشرق الأوسط والعالم بأسره.
وحول استراتيجية النيابة العامة للتدريب التي يتم إطلاقها اليوم، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أنها تهدف ــ بالأساس ــ لإعلاء قيمة العلم والتدريب والتطوير، وهو ما يأتي على عكس تيار جارف، ومحاولات مستمرة نشهدها من حولنا لعرقلة ما بلغته البشرية من خطى نحو رفعة الإنسان وصون حقوقه الرئيسية التي أصبحنا الآن نجاهد من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتها.
واستكمل توضيحه لهذه النقطة قائلا: لذلك فإن الدول صاحبة الثوابت الوطنية الشريفة في خضم ذلك المشهد متسارع الأحداث، باتت تصارع أمنياً واقتصادياً وسياسياً، ليس فقط من أجل النهوض والتقدم، بل من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية وحقوق مواطنيها الرئيسية، ولذا بات من الصعب أن تشهد أجيالنا القادمة بارقة أمل كالتي نعيشها اليوم، دون تكاتفنا جميعاً أكثر من أي وقت مضى، فالوعي والتلاحم بين أصحاب القيم في مختلف ربوع الأرض هما السبيل الوحيد للصمود في خضم ما نشهده من تحديات فُرضت علينا، إلا أننا بعون من الله وتوفيقه سنتجاوزها كما سبق وأن شهد التاريخ ما تجاوزناه.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي: مصـــر اليوم ــ متمثلة في شُعبة قضائها الأصيلة ــ تضرب المثل في كيفية النهوض بالإنسان على الصعيدين الإنساني والعلمي؛ فالمبادرة التي أطلقها السيد المستشار النائب العام تشمل محاور متعددة لا تنحسر فقط على تطوير كوادر النيابة العامة، بل يمتد أثرها لتحسين الخدمات المُقدمة للمواطنين وعلى رأسهم ذوو الهمم، الذين يُوليهم فخامة السيد رئيس الجمهورية جانباً كبيراً من الاهتمام، كما أنني وباطلاعي على بعض من تفاصيل تلك الاستراتيجية الواضحة، رأيت فيها جانباً مهما متعلقاً ببث روح الوعي القانوني لدى المواطنين، وهو الأمر الذي نحن في أمس الحاجة لتحقيقه وإنجازه؛ من أجل الحد من نسب ارتكاب الجريمة، وما سيعكسه ذلك من آثار إيجابية على المجتمع بصورة عامة.
وخلال حديثه، لفت رئيس الوزراء إلى أن الأحوال الاقتصادية الدولية وما ترتب عليها من نتائج على الاقتصاديات المحلية النامية، كان لها أثر كبير في ظواهر اجتماعية مستجدة، من الواجب علينا التصدي لها بمثل تلك المبادرات الهادفة للتوعية، وذلك بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية التي لا يمكن لها وحدها النهوض بالمستوى العام للمجتمع، وهو ما تسعى إليه جميع أجهزة الدولة المعنية؛ من أجل الحفاظ على الإرث الأخلاقي والثقافي لأبناء وبنات بلادنا.
واختتم الدكتور مصطفى مدبولي كلمته بتوجيه الشكر مجددا لجميع القائمين على هذا الجهد الملموس، لإخراج هذا الحدث بالصورة المشرفة التي رأيناها اليوم، مجددا الترحيب أيضا بضيوف مصر، ومؤكدا أنهم جعلوا لليوم صورة ورسالة، تجاوزت الاحتفاء بحفل الإطلاق، داعيا الله أن يديم على مصر الثبات والعزة والكرامة.
وخلال الاحتفالية، تم تسليم درع النيابة العامة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وقدمه السيد المستشار النائب العام، كما تم عرض فيلم تسجيلي حول استراتيجية النيابة العامة للتدريب.
وشهدت الاحتفالية تنظيم حلقة نقاشية، بقاعة الشهيد المستشار هشام بركات، حول محاور الاستراتيجية أدارها الدكتور أسامة رسلان، المتحدث الرسمي لوزارة الأوقاف، وشارك فيها كل من الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والمستشار عدنان فنجري، وزير العدل، والدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، والدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، والنقل البحري، والسيد المستشار أحمد البحراوي، المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة، والدكتورة غادة توفيق، مستشار محافظ البنك المركزي.
وفي الوقت نفسه، تم خلال الاحتفالية استعراض منجزات استراتيجية النيابة العامة للتدريب.