سر الهرم زوسر.. علماء يكشفون كيف رُفعت الصخور الثقيلة لبنائه
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
اقترحت دراسة منشورة في دورية "بلوس وان" في الخامس من أغسطس/آب الحالي أن هرم زوسر المدرج، الواقع في جبانة سقارة على هضبة من الحجر الجيري غرب نهر النيل، قد تم بناؤه باستخدام نظام رفع هيدروليكي مبتكر اعتمد على تدفق المياه لرفع الأحجار المستخدمة في بناء الهيكل داخل الهرم. ويعتقد الباحثون أن هذا الاكتشاف يوفر إجابة متكاملة عن كيفية بناء الأهرامات وهو السؤال الذي ظل من دون إجابة مكتملة لعدة قرون.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة خافيير لاندرو، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "على حد علمنا، نحن الفريق الأول الذي خصص وقتا لرسم خريطة لمناطق الصرف غرب سقارة. ورغم ما يشهده الموقع من مناخ شديد الجفاف اليوم، فإن هناك نباتات متناثرة تنمو في منطقة أعلى نهر جسر المدير. ولقد لاحظنا وحددنا أن هذا الغطاء النباتي نموذجي في الأودية، وهو ينمو هنا بالتحديد في المنطقة المجاورة".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2دراسة تكشف سرّ لعنة الفراعنة التي قتلت كثيرين نبشوا قبورهمlist 2 of 2تحذير من رفات الفراعنة للعاملين بالكتابة.. عظامكم في خطرend of listمن جهتها، تشرح الباحثة بعلم المصريات إسراء أحمد، وهي مرشدة سياحية بمنطقة سقارة، للجزيرة نت أهمية منطقة سقارة: "تُعد سقارة جزءا رئيسيا من جبانة منف، وقد اتخذت اسمها غالبا من المعبود (سُكر) المعبود الخاص بالجبانة، وهي مثل متحف مفتوح، حيث تضم معظم آثار التاريخ المصري القديم، فبها مقابر تعود للأسرتين الأولى والثانية، والهرم المدرج أقدم بناء حجري ضخم في التاريخ للملك زوسر، وأهرامات لأهم الملوك في الأسرتين الخامسة والسادسة، بالإضافة إلى مقابر كبار رجال الدولة الملكية القديمة، والكهنة".
تم بناء هرم زوسر منذ حوالي 4700 عام كجزء من مجمع جنائزي للملك زوسر من الأسرة الثالثة في مصر القديمة. وتقوم فرضية الباحثين على أن الهرم المدرج قد بُني محاطا بتجمع مائي، وكان على الأرجح متصلا بمصدر مياه كبير في ذلك الوقت.
(الجزيرة) كشف أسرار هرم زوسروأشارت الدراسة إلى هيكل "جسر المدير"، الذي ربما استُخدم سدّا للتحكم في تدفق المياه والحد من الفيضانات ولإعاقة قاع الوادي الممتلئ بالمياه حينها وصرّف 15 كيلومترا مربعا من تجمعات المياه منذ أكثر من 4 آلاف سنة، وقد نجت المنطقة بفضله من الفيضانات المفاجئة العنيفة والنادرة التي قد تنتجها الأودية الصحراوية.
استخدمت الدراسة، التي قادها لاندرو من معهد "سي إي ايه" للتقنيات القديمة وفريق من المهندسين الفرنسيين وعلماء المياه والمواد، صور الرادار عبر الأقمار الصناعية والتقارير الأثرية التاريخية للكشف عن رؤى جديدة حول بناء هرم زوسر، وتشير دراستهم إلى نظام متطور لإدارة المياه ربما سهّل عملية البناء في منطقة جسر المدير.
وبينما نطالع صحراء سقارة اليوم، يؤكد الباحثون أن فترة الأسرة الثالثة تزامنت مع الحقبة الأخيرة من فترة "الصحراء الخضراء"، التي شهد فيها شمال أفريقيا مزيدا من الأمطار والنباتات المورقة. وكان وادي أبو صير، وهو مجرى مائي قديم يتدفق من الجبال الواقعة غرب هضبة سقارة، يوفر كميات ضخمة من المياه لدعم مثل هذا النظام الهيدروليكي.
وقدم الفريق مقترحا لتفسير لغز آخر في علم المصريات، وهو في الجزء الجنوبي من الخندق المحيط بمجمع زوسر، حيث لاحظ الباحثون حفريات ضخمة تعرف باسم "الخندق العميق". والخندق العميق عبارة عن قطع في الصخور يبلغ طوله 400 متر وعمق 27 مترا. يقترح مؤلفو الدراسة أنهم وجدوا فيه جميع خصائص منشأة معالجة المياه، وفسروا ما وجدوه من عناصر باعتبار مقصوراته أحواض ترسيب واحتجاز، ونظام تنقية مياه. وربما استخدموا "جسر المدير" و"الخندق العميق" معا لتقديم مياه نظيفة لهضبة سقارة ولتوفير الطاقة الهيدروليكية للمشاريع البنائية.
يقول لاندرو في تصريحه للجزيرة نت: "هيكليا، جسر المدير ليس حالة خاصة، فبالنظر إلى الهيكل الداخلي الذي كشفه عالم المصريات الأسكتلندي آي. ماثيسون وفريقه في التسعينيات، يحتوي جسر المدير على قسم مماثل لسد آخر معروف في الثقافة المصرية، وهو سد الكفرة، المبني في وادي القرعاوي جنوب شرق مدينة التبّين المصرية على الجانب الآخر من نهر النيل، وهو أقدم سد ضخم في العالم، وكان هيكله أقل عرضا وأعلى من جسر المدير".
أما الادعاء الأبرز الذي قدمه الباحثون هو تفسير ما استُخدمت فيه المياه النظيفة المتدفقة من الخندق العميق، إذ اقترحوا أنها كانت لملء وتصريف عمودين يمران عبر مركز هرم زوسر، كوسيلة لنقل الكتل البنائية الضخمة عموديا. هناك 7 كيلومترات من الأنابيب المقطوعة بالكامل في الصخور على عمق 28 مترا تحت الأرض. تأتي المياه من الخندق العميق وتصل إلى العمود المركزي، فتواجه عقبة حجرية عبارة عن صندوق جرانيت كبير، يعلوه غطاء بوزن 2.7 طن، مما يراكم ضغطا يبلغ 28 مترا استخدمت لرفع الأحجار بحسب الباحثين.
تصور العلماء لبعض جوانب نظام الرفع الهيدروليكي (الباحثون) أدلة أتلفها الزمانوتقول الباحثة إسراء أحمد تعليقا على ذلك: "إن فكرة وجود الماء داخل هرم أو مقبرة في الصحراء تتعارض بدرجة ما مع المعتقدات المصرية القديمة، فقد حاول القدماء الحفاظ على الجسد من التحلل بالتحنيط، وفضلوا الأماكن الجافة، كما أن أحجار هرم زوسر صغيرة ولا تمثل مشكلة هندسية كبيرة تحتاج إلى حلول معقدة كبناء شبكة هيدروليكية كالمقترحة، والفرضية تحتاج لمزيد من الأدلة".
يعتقد فريق الدراسة أنه في أثناء التنقيب في الخندق العميق والأعمدة الجنوبية والشمالية لمجمع الهرم المدرج في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، كان المنقبون أقل حرصا مما هم عليه الآن في وصف البقايا التي وجدوها. يضيف لاندرو: "على حد علمنا، فإن المواد الفعلية التي تمت إزالتها من قاع هذه الهياكل وفي الخندق غير موصوفة بوضوح في أي مكان. لذا فقد فُقدت الأدلة الرئيسية منذ حوالي قرن من الزمان. لكن الخبر السار هو أن بعض الأنفاق لم يتم استكشافها بعد وجزء من الخندق العميق أيضا".
من جهتهم، وجه بعض الخبراء نقدا للدراسة باعتبار أن التسرب من خلال الشقوق والصخور من شأنه أن يمنع ملء النظام وتوليد الضغط اللازم. ولكن يجيب الفريق على ذلك بأن حقن الطين في الشقوق هو شيء يمكن القيام به للحد من التسرب، وسيكون البحث عن مثل هذا الطين في الحفريات المستقبلية أمرا مثيرا للاهتمام.
كما يزعم آخرون أن الصخور المحلية تذوب في الماء مما يدحض فرضية مرور المياه داخل المجمع، فيجيب لاندرو: "صحيح، فالحجر الجيري يذوب بالفعل في الماء، ولكن بمعدلات ذوبان لا تتجاوز بضعة ملليمترات إلى بضعة سنتيمترات لكل ألف عام، لذا فإن 20-30 عاما من المياه التي تملأ الأنفاق لن تترك دليلا واضحا".
يظل تحديد نظام هطول الأمطار الذي شهدته منطقة سقارة منذ حوالي 4700 سنة قبل الميلاد أمر صعب، أظهرت الدراسات السابقة أنه من حوالي 11 ألف إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، كانت الصحراء بأكملها أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم، وكانت المناظر الطبيعية عبارة عن سافانا خضراء بدلا من الرمال الجرداء. كما كانت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أكثر رطوبة مما هي عليه الآن منذ حوالي 4500-4800 سنة قبل الميلاد، على الرغم من الجفاف في وقت لاحق. ويُفترض أن نطاق هطول الأمطار السنوية قد تراوح بين 50-150 ملم/سنة في حسابات أولية لموارد المياه.
(الجزيرة) تحول دراماتيكي في سقارةتقول إسراء أحمد: "مثلت جبانة سقارة أحد أهم محطات الحج في حياة المصري القديم، وقد زارها للتبرك بالأسلاف، ويوجد رسم جداري يعود للدولة الحديثة لأحد هؤلاء الزوار في المجموعة الهرمية للملك زوسر".
بعد الجفاف، فقدت المنطقة وقودها الفعلي للنظام المائي، إذ توقفت المياه من الوديان عن التدفق فتوقف البناء، واضطر المهندسون للاعتماد على القوة البشرية والطرق الأخرى، حسب فريق الدراسة.
يقوم الفريق الهندسي المشارك في الدراسة بإجراء مزيد من عمليات المحاكاة الهيدروديناميكية لفهم خصائص الترسيب والاحتفاظ بالخندق العميق والاختيارات البعدية للمهندسين المعماريين القدامى بشكل أفضل.
ويضيف الفريق في تصريحاته للجزيرة نت: "هدفنا هو حساب مجال السرعة والضغط داخل الخندق من خلال تحليل تدفق المياه. وهذه النتائج تتجاوز نطاق الدراسة الحالية وسيتم نشرها لاحقا في مجلة تركز على الهندسة الهيدروليكية. ستوفر تحليلا إضافيا يتجاوز ما هو موجود في الورقة. ونأمل أن تتم مراجعة هذا العمل من قبل خبراء الهيدروليك".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت منذ حوالی هرم زوسر
إقرأ أيضاً:
كيف سيكون سوق العقارات في تركيا عام 2025؟ خبراء يكشفون عن توقعاتهم
أعلنت هيئة الإحصاء التركية (TÜİK) أن مبيعات العقارات في 2024 ارتفعت بنسبة 20.6% مقارنة بعام 2023 لتصل إلى مليون و478 ألف و25 وحدة سكنية. وكانت أعلى المبيعات في إسطنبول حيث سجلت 239 ألف و213 وحدة، تلتها أنقرة بـ 134 ألف و46 وحدة، ثم إزمير بـ 80 ألف و398 وحدة.
قام ممثلو القطاع بتقييم الزيادة بنسبة 20.6% في مبيعات العقارات رغم التقلبات الاقتصادية، وبرنامج التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة.
“الخسارة الحقيقية حركت السوق”
قال رمضان كوموفا، رئيس مجلس إدارة جمعية مطوري ومستثمري العقارات (KONUTDER)، إن النصف الثاني من عام 2024 شهد أولى إشارات العودة إلى أيام السوق النشطة كما كانت في السنوات الماضية.
وأضاف كوموفا أن تراجع أسعار العقارات بشكل حقيقي، أدى إلى تحفيز المشترين، وأشار إلى أن حصة مبيعات العقارات الجديدة من إجمالي المبيعات ارتفعت من 31% إلى 32.8% بفضل تقديم الشركات المنتجة لأنظمة تقسيط خاصة للمستهلكين، متوقعًا استمرار هذه الزيادة.
اقرأ أيضاالبدء في إغلاق KFC وPizza Hut في تركيا.. ما الذي يحدث؟
الثلاثاء 21 يناير 2025“قد يشهد 2025 رقماً قياسياً”