خالد ميري يكتب: فرصة السلام.. وحساب باريس
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
العالم كله سارع بتأييد الدعوة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الأمريكى بايدن وأمير قطر الشيخ تميم، لعودة إسرائيل وحماس إلى مائدة المفاوضات الخميس المقبل وإنهاء الأمور القليلة العالقة فى المفاوضات لنصل فى أسرع وقت إلى اتفاق يوقف المجزرة الإسرائيلية فى قطاع غزة ويعيد المحتجزين إلى أهاليهم.
نتنياهو الرجل الذى تمرّغ جسده فى الوحل والدم لم يجد مفراً من إعلان أنه سيُرسل وفده المفاوض إلى الموعد والمكان المحدّد، لكنه استبق الجميع فجر أمس بمجزرة جديدة فى مدرسة تؤوى النازحين، ليموت ١٠٠ شهيد جديد، أغلبهم نساء وأطفال على يد قواته النارية وبالأسلحة الأمريكية.
وزيره سموتريتش قال قبلها بأيام إن أخلاقه وربايته تسمح له بقتل ٢ مليون فلسطينى جوعاً فى غزة، وجاءه الرد سريعاً من كل العالم بأن هذه جريمة حرب مكتملة الأركان واعتراف على مرأى ومسمع من العالم المجنون بالإبادة الجماعية.
التصعيد الإسرائيلى المجنون والتلميحات والتصريحات الكاذبة حول وجود أنفاق ما زالت تعمل بين غزة وسيناء.. دفعت مصر للرد فوراً وبكل قوة، هذا كذب وافتراء لا وجود له إلا فى خيال إسرائيل المريض.
ولأن ما يحدث يؤكد أن إسرائيل لم تتنازل بعد عن حلمها المريض المميت بتهجير أهل غزة وفلسطين من أراضيهم والقضاء نهائياً على القضية الفلسطينية، ولهذا كان الرد المصري واضحاً كأشعة الشمس الحارقة.. مصر لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، والحقيقة أن أهل غزة الأبطال أثبتوا أمام العالم والتاريخ أنهم يفضّلون الموت فوق تراب وطنهم على إجبارهم على الرحيل.
العالم كله بات يعرف أن نتنياهو يكذب ويراوغ ولا يريد إنهاء الحرب، وأنه يحلم بأن تمتد حتى نهاية الانتخابات الأمريكية ووصول ترامب أو هاريس إلى البيت الأبيض، والمجرم قالها علناً إنه لا يمانع من أن تتحول حرب غزة إلى حرب إقليمية واسعة.. واغتيال الشهيد إسماعيل هنية فى قلب طهران كان محاولة علنية جديدة من محاولاته التى لا تتوقف للهروب إلى الأمام بتوسيع نطاق الحرب.
«حماس» ردّت على عملية الاغتيال بقوة باختيار يحيى السنوار قائداً جديداً، لترمى قفاز التحدى فى وجه نتنياهو، لكنّها فى المفاوضات أبدت مرونة كبيرة للوصول إلى اتفاق يوقف نزيف دماء الأبرياء والنساء والأطفال فى غزة ولو لستة أسابيع، على أمل أن يكون وقف إطلاق النار بداية تحرك جدى وفعّال لإنهاء الحرب الصهيونية المسمومة، لكن نتنياهو سارع كعادته، وقبل أن تبدأ مفاوضات الخميس لإلقاء الكرة فى ملعب حماس واتهامهم كذباً بأنهم سبب تعطيل المفاوضات.
الدعوة المصرية الأمريكية القطرية هى فرصة جديدة، وقد تكون أخيرة لحقن دماء الأبرياء من أهل غزة، وكما قال المتحدث باسم البيت الأبيض، تنتظر المفاوضات رتوشاً أخيرة حول خمس نقاط فقط عالقة، وأن الوسطاء جاهزون لسد الثغرات والوصول إلى الاتفاق فوراً، العالم يترقّب، على أمل أن تكون إرادة أمريكا هذه المرة حقيقية، وأن يكون لدى نتنياهو ومجرمى الحرب فى إسرائيل ذرة واحدة من إنسانية تدفعهم لعدم المماطلة أكثر، مفاوضات الخميس فرصة حقيقية للسلام والهدوء.. فرصة نأمل ألا تضيع بيد تجار الدم والصهيونية.
مسك الختام:
اليوم نهاية دورة الألعاب الأولمبية فى باريس وعودة البعثة المصرية إلى القاهرة.. نغلق ملف المشاركة التى انتهت بوجع قلوب المصريين وحزنهم، لنفتح ملف الحساب الذى كان، الحساب هذه المرة يجب أن يكون مختلفاً وأن تكون نقطة بدايته قرار الرئيس السيسى بإحالة ملف مخالفات وفاة اللاعب أحمد رفعت إلى النيابة العامة.
ننتظر قرارات بهذا المستوى لا أقل.. ننتظر ثورة حقيقية، حفاظاً على المال العام وصورة وكرامة مصر والمصريين.. وزير الشباب والرياضة قال إنه لا أحد فوق الحساب وإن الحساب سيطال الجميع، وهذا يجب أن يتم سريعاً وبكل شفافية لتشفى قلوب أوجعتها هذه المشاركة الهزلية والهزيلة فى باريس.
التحقيقات يجب أن تكون جنائية وليست إدارية، بالتوازى مع إجراء انتخابات سريعة فى كل الاتحادات، لاستبعاد المسئولين عن الفشل الكبير ورجاله.. ننتظر وجوهاً جديدة قادرة على قيادة الرياضة المصرية للمكان الذى تستحقه..
أثق أن الدولة جادة فى الحساب والمحاسبة، وأن التحرّك سيكون سريعاً، وكل الملفات سيتم فتحها، لا أحد فوق الحساب، وما حدث لن يمر مرور الكرام، هذه المسرحية العبثية للمشاركة المصرية فى باريس ستنتهى بقرارات رادعة وجريئة تستبعد كل مسئول عن الفشل وتعاقب كل مسئول عن إهدار المال العام.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر أمريكا قطر القضية الفلسطينية
إقرأ أيضاً:
وقف الحرب الأوكرانية فرصة لإعادة ترتيب العلاقات الأمريكية الروسية
في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى وقف النار بين روسيا وأوكرانيا، بدأت موسكو وواشنطن مناقشات حول العلاقات الاقتصادية في المستقبل. ولطالما كانت العقوبات الاقتصادية من أقوى أدوات السياسة الخارجية الأمريكية طيلة عقود.
عقوبات اليوم هي أكثر دقة، وتستهدف أفراداً بعينهم ومؤسسات
وكتب أليكس ليتل في مجلة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، أن القيود على الوصول إلى الشبكات المالية العالمية والتقنيات المتقدمة، والأسواق المربحة، أدت إلى عقوبات اقتصادية فعّالة على الدول المستهدفة. كما استخدمت هذه الإجراءات ضد شخصيات، ما أدى إلى تعطيل الأنشطة المهنية، بينما أضعفت العقوبات المفروضة على الشركات أو الحكومات، قدرتها التنافسية.
وعدلت الولايات المتحدة استخدامها للعقوبات مع مرور الزمن. وعقوبات اليوم هي أكثر دقة، وتستهدف أسماء بعينها ومؤسسات، بينما تقلل الضرر على اقتصادات أمريكا والحلفاء، بحيث تعزل العوامل السيئة، وتتجنب التسبب في أزمات انسانية غير مقصودة.
The U.S. placed 16,000 sanctions on Russia to isolate its economy.
It fueled war in Ukraine to isolate Russia politically and militarily.
Yet Putin is now more embraced than ever by the Global South.
The BRICS Summit is proof. Not even the Western media can deny it anymore. pic.twitter.com/hY8bfiEzUb
ومع ذلك، ورغم تعقيداتها، فإن العقوبات تخفق أحياناً في تحقيق غرضها الرئيسي، فرض تغييرات في السياسات الخارجية للدول المُستهدفة، والسبب واضح، فالسياسة الخارجية لا تعمل في فراغ، وهي تعكس أساساً الطموحات والإيديولوجيات والمصالح وديناميات السياسة الداخلية، لزعماء الدول. وتُفرض العقوبات عادة على دول مستبدة، يكون هدفها الأساسي الحفاظ على النظام السياسي. وعندما تستهدف أمة بالعقوبات، فإن الولايات المتحدة تضع نفسها عدواً وجودياً لتلك الأمة، ما يقوي هيكلية السلطة التي ترمي إلى إضعافها وإرغامها على الدخول في مواجهة.
سردية قويةوعندما تفرض واشنطن عقوبات، فإنها تسلّم هذه الأنظمة سردية قوية مفادها أن الدولة المُستهدفة، المُهددة من قوة أجنبية معادية، يجب أن تتكاتف حول قيادتها. في حالة روسيا، أتاحت العقوبات لنظام الرئيس فلاديمير بوتين التهرب من المسؤولية عن إخفاقاته السياسية والاقتصادية وسوء إدارته، بدل أن تكون شكلاً من أشكال الإكراه. وهذا لا يسهم إلا في تعزيز التماسك الداخلي، وإطالة أمد النظام، وتقليل احتمال أي إصلاح ذي معنى.
وإذا ثبّت أن العقوبات غير فعّالة في عكس مسار الحرب أو انضاج تغيير ديموقراطي، فما الذي يجب أن يكملها أو يحل محلها؟ إن الجواب معقد ويختلف باختلاف الطيف الجيوسياسي. وفي حالة روسيا، فإن العقوبات الغربية لم تغير سياستها الخارجية. وفي واقع الأمر، فإن الولايات المتحدة تتحول في مقاربتها لموسكو.
US expands sanctions against Russia
The new measures target companies in countries such as China in a bid to 'discourage' trade with Moscowhttps://t.co/04MCiKwNR3 pic.twitter.com/6XGWnf1xPG
إن روسيا المثالية، من منظور الولايات المتحدة، دولة مستقرة وديموقراطية وبناءة، تعيش في سلام مع جيرانها، وتحافظ على توازن القوى في أوراسيا، خاصةً مع الصين. وبصفتها "عامل توازن"، يمكن لروسيا نظرياً مواجهة طموحات الصين المتنامية، والمساعدة في معالجة التحديات الاقتصادية والديموغرافية التي تواجه أوروبا، وإعادة توجيه نفسها نحو التنمية الاقتصادية بدل الانخراط في المواجهة الجيوسياسية. لم تقترب عزلة روسيا الاقتصادية والمالية والسياسية من تحقيق هذه الأهداف، رغم أنها بعيدة المنال. بل عززت المصالح الراسخة والمجمع العسكري الصناعي، الذي يستفيد من الصراع الدائر.
المصالح الأمريكيةوبعد أن تنتهي الحرب في أوكرانيا، فإن رفع العقوبات وتعزيز التنمية الاقتصادية في روسيا، من شأنهما خدمة المصالح الأمريكية على نحوٍ أفضل، مع الإجراءات العقابية الحالية. وبطبيعة الحال، لن ترحب كل الأطراف الموجودة في روسيا بمثل هذا التحول. إذ أن العقوبات أفضت إلى بروز "اقتصاد ظل".
إن بعض المنتفعين مثل ميخائيل شيلكوف، الذي يملك غالبية الأسهم في شركة "فسمبو-أفيسما" الرائدة في إنتاج التيتانيوم، وطاهر غارييف، الذي يسهل صادرات النفط الروسي، انتفعا إلى حد كبير من اقتصاد الحرب، الذي فكك بفاعلية أي رمز للرأسمالية المنافسة.
إن احتمال وضع حد للحرب في أوكرانيا، يوفر فرصة جديدة لإعادة انتاج العلاقات الروسية الأمريكية. إن مساراً جديداً يمنح الأولوية للانخراط الاقتصادي على حساب سياسة الإكراه، من شأنه تمهيد الطريق لروسيا مستقرة وقادرة على التعاون مع الغرب.
إن مثل هذه السياسة لن تكون خالية من المخاطر، لأن التغيير لن يحصل فوراً. ورغم ذلك، فإن التاريخ أثبت أن الأمم القوية لا تتجاوب مع محاولات الإذلال، وأن الانخراط المستدام يبنى على الاحترام المتبادل بدل فرض الطاعة. ويبدو أن ترامب راغب في تعديل السياسة الأمريكية. ويمكن أن يجد أن الشراكة الاقتصادية مع موسكو، مفيدة للشركات الأمريكية، ولجعل أوروبا أكثر سلمية.