أغسطس 9, 2023آخر تحديث: أغسطس 9, 2023

حامد شهاب

أن تستمر البصرة بتوديع كبار أعلامها ، وتتهاوى أقمارها ونخيلها ، فهو أمر يدعو للأسى والحزن والرثاء ..!!

وربما لاتكفي الدموع ولا الكلمات ، للتعبير عن حزن وفراق الأحبة ممن كانوا أعلاما شامخة يحملون من طيبة القلب ، مايرفع الرأس زهوا وكبرياء، وها هم يمرون من أمام أعيننا، وقد حملوا على نعش الموت، في وداعهم السرمدي الى حيث الحياة الأبدية ، في وداعه الأخير!!

ولم يجن أعلام البصرة وفحولها الكبار من تمر البصرة ورطبها الا حرارتها ولهيب مشاعرها الفياضة ، التي تشبه حزنهم على رحيل نخيلهم ، الذي تتهاوي قلاعه واحدة بعد أخرى، كل يوم !!

أجل.

. بالأمس كانت إحدى نخيل البصرة الشاهقة ، وهو الشاعر الكبير الدكتور محمد راضي جعفر ، قد فارق الأقدار، بعد أن خلد في سجل التاريخ الأدبي والشعري العراقي ، صفحات عشق عراقية تلهب القلوب ، كلهيب عشق العراقيين لحبيباتهم، وهم يفارقون أيام العشق العراقي ، الذي لايشبهه أي عشق في هذه الدنيا!!

البصرة الفيحاء مدينة الخليل بن أحمد الفراهيدي والأصمعي والحسن البصري والسياب وكبارأعلام الأدب والثقافة والفلسفة واللغة العربية، التي هي من وضعت نقاط الحروف فوق لغتنا العربية ، وكأنها هي من نستلهم من فيض عطائها وأعلامها مجدا وعلو منازل!!

وكيف لا ..والبصرة الفيحاء  مدينة اللغة والبلاغة والأدب والشعر والكتابة والتصوف والعشق العراقي الاصيل ، وطيبة أهلها وكرمهم، وكل ما يرفع هامات أهل البصرة عزا وكبرياء!!

بماذا أرثيك ايها البصري الجميل، وأي روح بمقدورها أن ترحل، وأنت من تركت معالم عشق عراقي ورسالة سمحاء ، يغترف من يريد أن ينهل من بحورها ، كل عراقي أصيل ، يريد أن تسقيه البصرة شربة ماء عراقية باردة تروي غليله ، وهو العطشان دوما لعشق الحبيب !!

ولم يكن بمقدور نهري دجلة والفرات ولا ملتقاهما أن يرويا عطشك أيها الراضي في يوم ما، ، حتى ذاب في هوى البصرة وإحترق وتلظى بنيران عشقها ، لكن قلبك بقي ينبض بالحياة، ولم ينس البصرة أو لنقل ودعها إلا في الثمانيات الى تونس، ملحقا ثقافيا ، إكتسب حب الملايين من العرب الوافدين الى تونس الخضراء لسنوات طوال، ، ليكون في قمة إبداعه الشعري مرة أخرى!!

ما أروعك أيها البصري الكبير الممتليء كرما وكبرياء ، يوم إستضفتنا لعشرين يوما في تونس ، في بداية الثمانينات ، لم تبق فيها من أثر سياحي أو معالم بحر وجمال طبيعة وجنة خضراء ، إلا وجعلتنا نشم عبيرها وهي تملؤنا من سحر طبيعتها الخلابة جمالا وكبرياء..، وأنت تاخذنا بسيارتك ، وتردد أغاني المطرب العراقي الكبير الراحل ناظم الغزالي، الذي يعشقه التونسيون ، مع قهقهات عراقية تتغني بحب العراق ونخيله وماء دجلته وفراته وخليجه الهادر ، الذي كان أحد من يلهمك سحر الإبداع وتفوح منك رائحة الشعر، بعد أن تتذوق من نخيل البصرة تمرها الطيب المذاق ، الذي يعد من أروع نخيل العالم في شموخه وروعة تموره التي تتعدى أنواعها الأربعين!!

ماذا نقول..وماذا نخنار من كلمات الوداع التي لن نقول لك فيها وداعا، فأنت تسكن بين حنايا القلوب.. وها نحن نتحدث عنك أيها الراضي ، ومن رضي عنك رب السموات والأرض، وقد مت راضيا مرضيا، وودعت الحياة في أبهى يوم عراقي يرتقي الى مقامك، ولأنك تعشق بلدك العراق حد الوله، فقد إختارت يوم موتك الأقدار في أقدس يوم عراقي يعشقه العراقيون، كانوا يسمونه ( يوم الايام) !!

نبذة عن حياة الراحل

ولد الشاعر في مدينة البصرة عام ١٩٤١، وهو مجاز في الآداب من كليّة التربية في جامعة بغداد عام 1963، كما حصل على شهادة الدكتوراة في فلسفه اللغة- الدراسات الادبية.

عمل مدرّسًا في المرحلة الثانويّة، شغل العديد من المناصب خلال حياته العملية. ثمّ مديرًا للثقافة الجماهيريّة في البصرة. ثم مديرًا لتلفزيون البصرة، فمستشاراً صحفيًا ومديرًا للمركز الثقافي العراقي في تونس. عمل كذلك نائبًا لرئيس تحرير مجلّتي المورد والتراث الشعبي العراقيين، ومدرساً للأدب والنقد في جامعات عراقية .

وانتخب في دورتين عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، كما فاز بالقلادة الذهبية في مهرجان سترويكا الشعري يوغسلافيا سنة 1989 والقلادة الذهبية في احتفال الشعر الدولي التاسع ماليزيا في 2002.

من مؤلفات الشاعر الراحل:

من الأعماق، 1960، • نافذة على الحب الآخر، 1976، • العصفور والنخب، ، ، ، 77• قصائد للوطن والحب، 1986، • انه الحب سيدتي، 1982، • احزان النهر، 1986، • احزان ابن زريق، 1997، • كل مابقى منا الآن، 2004، • أوارق مقاتل • تحولات الروح، • نجلاء، 2011، • دجلة، 2011،

وله في الدراسات:

اقاويل عن الحداثة الشعرية، 1996 • الاغتراب في الشعر العراقي المعاصر، 2002 • الرؤى الصوفية في الشعر العربي المعاصر، 2003

رحم الله الشاعر العراقي البصري الكبير الدكتور محمد راضي جعفر، وأسكنه الباري فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه  والنخب الثقافية والأدبية الصبر والسلوان..إنا لله وانا اليه راجعون!!

 

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

إقرأ أيضاً:

نجم الفرقد

لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.

والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم الفرقد، ويسميه العرب أيضًا الفرقدان، وهو نجم يأتي متلازمًا مع نجم آخر، فـيظهران فـي السماء بالقرب من نجم القطب الشمالي، فـي كوكبة الدب الأصغر، وجاء فـي لسان العرب أن معنى كلمة الفرقد هو صغير البقر، كما أن العرب كانوا يشبهون هذين النجمين بالأخوين اللذين لا يفترقان أبدًا، ويقال فـي التراث العربي عنهما «لا ينام الفرقدان»، فـي إشارة إلى أن هذين النجمين يُشاهدان طوال الليل فـي السماء، ويعد نجم الفرقد من ضمن أكثر النجوم ورودًا فـي الشعر العربي، فهو يُضرب به المثل فـي الرفعة والعزة والمنعة والشرف، فأكثروا من ذكره فـي قصائدهم على مر العصور. وقد اعتمد البحارة العرب على نجم الفرقد فـي تحديد الاتجاهات أثناء رحلاتهم البحرية، خاصة فـي الليل، نظرًا لثبات موقعه النسبي فـي السماء الشمالية، كما أنه يُرى طوال العام ولا يغيب تحت الأفق، وقد ذكره البحار العماني الشهير أحمد بن ماجد فـي منظوماته الفلكية مبينًا موقعه وطرق الاستدلال به فـي السماء. وإذا أتينا إلى ما قاله العلم الحديث عن هذا النجم، فنجد أن الدراسات تقول إن هذا النجم العملاق الأبيض يُقدَّر بحوالي 9 أضعاف قطر الشمس، كما أن درجة حرارة سطحه تصل إلى 7100 درجة مئوية، وهذا يعني أنه أكثر حرارة من شمسنا، ولذلك، هو أكثر لمعانًا من شمسنا بحوالي 420 مرة على أقل تقدير، ويبعد عن الأرض بحوالي 97 سنة ضوئية. وأما عن حضوره فـي الثقافة العربية، فقد تحدثت عنه كثيرًا كتب التراث، وتناوله الشعراء بكثرة فـي قصائدهم، ولو أتينا إلى الشعر العماني لوجدنا أن أشهرهم ذكروه فـي قصائدهم، فهذا الشاعر العماني أبو مسلم البهلاني يذكره فـي إحدى قصائده الوعظية، ويقول إن الزوال سيصل حتى نجم الفرقدين، فقال:

سيعلو البلاء إلى الفرقدي

ن ينتهب الصحبة الخالدة

ويصدع فـي قبة الشمس من

غوائله صدعة صاعدة

أما الشاعر سليمان النبهاني فقد ذكر هذا النجم فـي قصيدة غزلية شبه فـيها نجمي الفرقدين بعيني حبيبته، فقال:

تَيَّمت قلبي بعينيْ فرقدٍ

مُفردٍ فاجأه الرعبُ لَهِقْ

وبخّدِ عَندمّيٍ واضح

بمياه الحُسن ريَّانَ شرِقْ

وفـي قصيدة غزل أخرى يقول:

كالفَرقدِ الأحوى الأغرّ إذا

لرْبرَبهِ تبدَّى

تفترُّ عن كالأقْحَوان

سقاهُ نوءُ النجم رَعدا

ونجد الشاعر ابن شيخان السالمي يورد هذا النجم فـي معرض مدحه لممدوحين ويقول إنهما ارتفعا عزًا وشرفًا على نجمي السها والفرقد، فقال:

لكن نجوتم بالهُمَامَيْنِ اللذي

ن انحطَّ دونهما السها والفرقدُ

والنصرُ أقبل فاتحًا أبوابه

لهما وقال لجوا ببابي واصْعدوا

ويقول فـي قصيدة أخرى:

ليلي وليلكم يؤرَّق

ذا وهذا يرقُدُ

لكم التنعم فارقدوا

ولي السها والفرقدُ

مالي وللدهر المُعَ

ادي دائمًا يتهدّدُ

ولو نظرنا إلى أشعار الستالي لوجدنا أنه أيضًا أورد هذا النجم وقرنه بنجم السها كما فعل ابن شيخان، وقد جاء ذكره فـي قصيدة مدح مخمسة، فهو يقول:

له الفخارُ كلُّه من الغمام ظِلّهُ

ووبّلهُ وطَلّهُ وفـي العُلى مَحّلهُ

حيثُ السهُّا والفَرقدُ

وأما الشاعر سعيد بن مسلم المجيزي المشهور بأبي الصوفـي، فنجد أنه ضمن هذا النجم فـي بعض قصائده فـي المدح، فهو يقول:

يومٌ تَضمَّخ بالفَخارِ أَديمُه

فغدا بسطح الفرقدين وراحا

فانْعَمْ نَعِمْت أبا سعيد إنما

بختانِ نجلِك قَدْ نعمتَ صباحا

ومن الشعراء الذين أوردوا ذكر الفرقد فـي قصائدهم الشاعر المشهور «ابن رزيق»، وهو حميد بن حمد بن رزيق، الذي يقول فـي إحدى قصائد المدح:

لا والذى للحُسنِ أودعَ وجْهَهُ

قمرًا وقلَّدَ نَحرَه بالفرقدِ

وجَلا ظلامَ البُؤْسِ عنّا والعَنا

بشباةِ صَمْصامِ الأمير محمدِ

ونجد كذلك فـي ديوان الشاعر هلال بن سعيد بن عرابة ذكرًا لهذا النجم فـي قصيدة مدح، يقول فـيها:

بسيفٍ يباري البرقَ يفري به العِدا

ولم يَبْقَ من أجسادِهم أبدًا جَزْلُ

وناديه فوقَ الفرقديْنِ محلُّه

وأعداؤه طُرًّا يَدُوْسهم النَّعْلُ

مقالات مشابهة

  • الطلبة يهزم نفط البصرة بثنائية في الدوري العراقي
  • مكتبة القاهرة تنظم أمسية رمضانية حول "شعراء المدائح النبوية"
  • نجم الفرقد
  • ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
  • غزة… أهناك حياة قبل الموت؟ أنطولوجيا شعرية توثق صمود الروح
  • الكشف عن تفاصيل العرض الاستثماري السعودي الضخم الذي أثار إعجاب ترامب.. بقيمة 1.3 تريليون دولار
  • والد الطفلة يسرى: البنت ديالي ربي عطاها ليا وداها أنا راضي بقدر الله
  • من هم قيادات الحوثيين الذي شملهم قرار العقوبات الأمريكية؟
  • أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي
  • الإنصرافي هو الذي شتم قبائل الجزيرة ورفض تسليحها