حتى وإن واصل الكيان الصهيوني، جرائمه في غزة واستهدافه لرموز المقاومة، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن هذه الأفعال لا تنم عن قوة بقدر ما تؤكد – وحسب النزعة الفاشية لهذا الكيان ومعه أمريكا – أن تصعيد اللجوء إليها في هذا الوقت يكاد يكون بمثابة المحاولات الأخيرة في الوقت الضائع، القصد منها هزيمة نفسية الفلسطينيين ومعهم العرب والمسلمون، للتسليم بأن كل هذا الشر لن يكون بالمقدور مجابهته أو إيقافه.
ولن يكون للتاريخ رغم كل ذلك وبأي حال، أن يتجاوز هذه المرحلة الحساسة التي تشهد ثورة على الصيغ التقليدية لمعادلات المواجهة، وتمردا حادا على العجوز أمريكا، وتبعا لذلك تآكلا لافتا لتفاصيل المشهد العالمي المرتهن لمنطق ما يُعرف بـ«القوة المطلقة».
ولئن كانت السنوات الماضية قد شهدت دورا بارزا لليمن في رسم المشهد الجديد بصموده أمام نيران سبع عشرة دولة، وبقدرته على تغيير معادلات المواجهة والردع خلال العدوان على الشعب اليمني، إلا أن معركة «طوفان الأقصى» لا شك أنها صارت تمثل اليوم البداية لتحولات أكثر عمقا وأكثر تمكينا للشعوب المستضعفة من فرض شروطها ورؤيتها للمشهد القادم، ويعكس ذلك، مواجهة قوى الاستعلاء والغطرسة بزعامة أمريكا وإسرائيل بهذا الزخم، وهو ما لم يشهده العالم من قبل.
وها هي أمريكا تكاد تغيب عن المنطقة بفعلها المؤثر وإملاءاتها السلطوية، وإن كانت لا تزال تحتفظ ببعض القواعد العسكرية إلا أن وجود هذه القواعد صار شكليا وبمثابة الفزاعة، بعد أن تم تعطيلها عن القيام بأي فعل يمكن أن يعيد لها هيبتها المسفوحة على شواطئ المياه العربية، كما أن الموقف العربي بدأ يشهد فرزا واضحا وعمليا لجهة بروز جبهة المقاومة والأصوات الحرة بلا مواربة وبلا ارتهان لحسابات المنظومة العربية التي لا تغادر ثقافة عدم مخالفة أمريكا والكيان الصهيوني ولو «خلسا جلدك».
واليمن – وفق التقارير الأمريكية ذاتها – غيّر في مفهوم المواجهة البحرية، بملحمة الجرأة والشجاعة التي سطرتها قواته المسلحة في المواجهة مع الكيان حتى أصبح جزءاً من المعركة لا مشاركا وحسب، وطبَع بصمته بمنع تحرك القطع الأمريكية في البحر الأحمر الذي كان مرتعا له حتى وقت قريب، حين كان المخطط الأمريكي في ذروة نشوته وهو يسير في اتجاه إحكام السيطرة على الحركة الملاحية فيه وتمكين العدو الإسرائيلي من وضع محددات مستقبل العرب والمسلمين، حيث لا استقلالية في الرأي وفي الحركة، ولا قدرة على استثمار مقدراتهم على النحو الذي يخدمهم ويخدم المنطقة.
معركة طوفان الأقصى بما قادت إليه، ودماء الشهداء الزكية ومعاناة الشعب الفلسطيني الأبي طيلة العشرة الأشهر الماضية، إنما تؤسس لمرحلة جديدة تتلاشى فيها ثقافة الخنوع والاستسلام للإرادة الأمريكية، وتبدأ فيها حقبة فرض الاحترام والتعامل بنديّة كاملة حيث لا يمكن فيها للغطرسة والغرور فرض إرادة الغرب وفي مقدمتهم أمريكا على دول المنطقة، وشواهد هذا يعكسه تحرك دول المقاومة بكل ثقة وإيمان، وهي التي صارت الحامل الأساس لقضية الدفاع عن الكرامة والعزة العربية.
ووفق ما آلت إليه الأحداث بعد جرائم الكيان الصهيوني بدعم أمريكي في اليمن وإيران ولبنان، فضلا عن تواصل المجازر في غزة وآخرها مجزرة «مُصلى التابعين» أمس، لم يعد لهما إلا الخيال أنه بمقدورهما الحفاظ على سطوتهما للتدخل في رسم المشهد القادم للمنطقة، فالريشة والقلم، والعزيمة والعقيدة الثابتة، صارت بيد أبناء المنطقة بقيادة دول المحور.
والمتأمل للأحداث سيجد أنها – رغم ما تمثله من تحد ومعاناة جديدة – إلا أنها تحولت بفعل الإرادة والثبات على الموقف إلى فرص أكيدة لتثبيت المعادلة الحديثة، وإذا كان العدو الأمريكي والعدو الإسرائيلي قد بدءا المعركة فإن خاتمتها اليوم بيد محور المقاومة وكل الأصوات الحرة في كل العالم، حتى تكتيك التأخير للرد المحسوم على عدوان الكيان الصهيوني في ايران ولبنان واليمن، هو بذاته جزء من الرد، فالمتابع لما يعيشه الكيان اليوم، وللتقارير الأمريكية والدولية التي تُعري حالة القلق التي تلبست البيت الأبيض وحكومة الكيان الصهيوني سيدرك أن تكتيك التأخير كان جزءاً من الرد.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
المشروع الصهيوني مُوجّه نحو الأردن باعتباره جُزءاً من وعد بلفور!
في مسرح الظل الذي ندور فيه وعلى قاعدة ما يُنجزُ في الميدان يُترجم في السياسة: هناك أسئلة عديدة تشغلُنا كأردنيين وكلها أسئلة برسم الأيام القادمة
إلى أين يقودنا مشهد الأردن وفق المعطيات الراهنة وأين نحن من اللعبة الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة حالياً ولماذا الخرائط الإسرائيلية ووعد بلفور يلاحقوننا كدولة وكيان وأي مستقبل ينتظر الأردنيين في ظل خليط ملغوم من المعلومات، نسمع عنها لكننا لسنا متأكدين من حقيقتها؟
مشروع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم قديم جداً ومستمر . اليوم غزة وغدا الضفة الغربية وهذا ما يؤكد وجود خطر وجودي يواجه الأردن مصدره إسرائيل وأمريكا على الرغم من اتفاقية السلام مع إسرائيل ومن وجود للقواعد الأمريكية على الأراضي الأردنية، وصُناع السياسة في الغرب ينظرون إلى المصالح الإسرائيلية باعتبارها قضايا وجودية يجب تحقيقها ولا مانع لديهم من تفتيت النطاق الجغرافي الديموغرافي المحيط بإسرائيل.
قبل سنة تقريباً نشر مركز الأبحاث البريطاني Demos المختص بالأبحاث السياسية والوثائق التاريخية دراسة تقول: إن الأردن جزء من وعد بلفور تم تأجيله لأسباب وأن تلك البقعة الجغرافية (شبه الصحراوية) هي أراضٍ تاريخيّة تعود لليهود (تمتد ما بين نهر اليرموك شمالاً إلى وادي الموجب جنوباً) وعلى العرب الاعتراف العلني والصريح بالحق التاريخيّ لليهود في أراضيهم المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط
وبالمناسبة هذا ما كتبه (لورانس) في كتابه أرض جلعاد قبل أكثر من مائة عام.
الرؤية غائبة أو في حدها الأدنى تبرز ضيقةً تحمل الكثير من القصور، فبعد معركة غزة أصبحت إسرائيل تنظر للأردن على انه جزءٌ منها وليس وطننا للفلسطينيين كما كانوا يرددون من قبل، ناهيك عن أن خطابنا السياسي أحياناً غير مفهوم، لم يشكل لنا وضوحاً لفهم ما يجري من وعيد وتهديدات إسرائيلية باتجاه الأردن
مشكلتنا في الأردن بأننا عادة ما نميل للتبسيط والاختزال أثناء الحديث عن مخططات إسرائيل وخرائطها التي تعتبر الأردن أراضٍي يهودية وحجتُنا في ذلك أننا حلفاء لأمريكا ولا داعي للخوف.
وكل ما عملناه ليس أكثر من اعتراض بحروف باهتة اللون لم يقرأها أو يسمع عنها سوى عابر سبيل… فمنذ سنوات ونحن نشهد حالات صمت مرصودة ونحذر ونصرخ من خطورة المشروع الصهيوني ومكوناته وروافعه وتحالفاته وتناقضاته ومن أن إسرائيل دولة من غير حدود تتوسع بمرونة جغرافية وان طبيعة الجغرافيا والديموغرافيا السياسية القادمة تنذر بقرب تبادل الأدوار وتغيير طريقة الحكم في المنطقة.
أمريكا لا يُرجى منها شيء، وسياساتها مفصلة على مقاس إسرائيل ولها تاريخ حافل بنقض الاتفاقات لأنها تعتبر ان العقد الذي يشكل شريعة المتعاقدين يعكس موازين قوة في لحظة ما، فها نحن نراها ولأول مرة في تاريخها تنتقل سياستها من مرحلة التلميح إلى مرحلة التصريح العلني المباشر، لذا لن يفاجئنا أحد سواء كانت أمريكا أو حتى بعض العرب بأن الأردن هي أراضٍ يهودية فأوراق اللاعبين في المنطقة باتت مكشوفة بانتظار إعلان النتائج
فعندما يمتلكنا الخوف كأردنيين ، فإن ما نخاف منه ليس هو هذا أو ذاك : بل هي أصوات تيار السذاجة والمثرثرين الذين يطبلون غير مدركين لجسامة الخطر القادم على الأردن ،، ولا يبالون ان كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع معتمدين على نظرية سخيفة أن وجود الأردن هو حماية لإسرائيل .
الظروف الراهنة تُحتم وجود مجموعة منتقاة من الخبراء الجيدين في كل ملف وقضية وأزمة يقدمون النُصح والمشورة لصاحب القرار بناء على معطيات واقعية، لهذا قُلنا مراراً أننا بحاجة إلى رجالات تمتلك تفكير وفكر مُركب..
برأيي المسألة خطيرة تستدعي عُمقاً أكبر لملاقاة المرحلة القادمة دون رتوش أو مكياج وتتطلب استدعاء للفكر السياسي المُغيب قسراً لتقييم المخاطر، ففي كثير من دول العالم التي تعرضت لأزمات جيوسياسية كان القرار السياسي فيها لا يقتصر على رأس الدولة وحده، فعلى سبيل المثال عين الرئيس الأمريكي (جيرالد فورد) في سبعينات القرن الماضي فريقاً أطلق عليه B-Team من خارج ميدان المخابرات المركزية الأمريكية كانت مهمته تقديم المشورة في قضايا مهمة تخص الأمن القومي الأمريكي
الأردن لا بد له أن يكون قوياً، وفي موقعه كعنصر توازن واستقرار للمعادلات كما كان قديماً شريطة أن ينهض من تردده، وان يكون في موقع المؤثر وليس في خانة المتلقي، ويفكر خارج المألوف، وأن تتجرأ الدولة الأردنية ولو لمرة واحدة بالتلويح بإنهاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وان يتم الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواعدها العسكرية من أراضينا.
كاتب اردني