سرايا - ربما لم تكن الأسلحة والإستراتيجيات العسكرية هي العنصر الأكثر أهمية في الصراع بين الفلسطينيين والاستعمار الصهيوني. لقد بدأ الصراع قبل الاشتباك العسكري، بالسردية التي اختلقها وسوقها المشروع الصهيوني وحشد على أساسه اليهود، وكذلك الدعم الدولي لبداياته الاستعمارية، وما يزال يقيم عليه وجوده حتى اليوم.

وكان من أهم أدوات الاستعمار الصهيوني في معركة السرديات التحكم في محتوى الإعلام التقليدي، ثم السيطرة على الإعلام الرقمي في عصر الإنترنت، حيث تتدفق المعلومات أسرع وتصل إلى مناطق أوسع.

وجدت السردية الفلسطينية بلا شك مساحات في الفضاء الرقمي، كما نلاحظ منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الصورة العامة هناك أيضا هو إظهار شركات التقنية الرقمية العملاقة تحيزا لرواية الكيان الصهيوني، وعلى حساب أصوات الفلسطينيين ومؤيديهم. لكنّ إسهام هذه الشركات تعدى السرد إلى التأثير في الواقع الميداني للصراع أيضا، ودائمًا لصالح الكيان.

عندما بدأ الفلسطينيون يستفيدون من منصات الإعلام غير التقليدية مع تطبيقات التواصل الاجتماعي فيسبوك (الآن ميتا)، وتويتر (الآن إكس) ويوتيوب- سارعت الشركات المالكة لهذه المنصات إلى فرض رقابة صارمة على المحتوى الفلسطيني، وشغلت خوارزميات مراقبة تعكس تحيزات الكيانات التي تصممها وتحدد معاييرها. وكان النمط الناظم لهذه المعايير هو قمع المحتوى الفلسطيني وتضخيم الأصوات المؤيدة للكيان الصهيوني.

وهكذا، يشكو نشطاء وصحفيون ومستخدمون فلسطينيون ومناصرون دائما من أن منشوراتهم، التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان في فلسطين، يتم تصنيفها على أنها خطاب كراهية، أو تحريض على العنف، أو إرهاب. وعلى النقيض من ذلك، يُترك المحتوى المماثل من الحسابات المؤيدة للكيان الصهيوني، حتى عندما يحتوي على خطاب تحريضي وعدواني واضح، من دون أن يمس. ويُسكت هذا التطبيق الانتقائي للمبادئ التوجيهية الأصوات الفلسطينية عن سرد جانبها من القصة.

والإجراء؛ الإزالة المتكررة، أو التقليل من مرتبة المنشورات التي تنتقد ممارسات وسياسات الكيان الصهيوني أو تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، في أيار (مايو) 2021، أثناء الهجمة على غزة، ظهرت الكثير من التقارير الموثوقة التي أفادت بأن "إنستغرام" و"فيسبوك" يفرضان رقابة على المنشورات والوسوم المتعلقة بالقضية الفلسطينية. واعترفت هذه المنصات بذلك، وتذرعت بما أسمته "قضايا فنية"، لكنها لم تفعل شيئا يذكر لمعالجة التحيزات الأساسية التي أدت إلى قمع واسع النطاق للمحتوى المؤيد للفلسطينيين. والنتيجة الدائمة لهذا الاتجاه هي عرض تمثيل مشوه للصراع، حيث رواية الكيان أكثر وضوحا وهيمنة، في حين يتم تهميش وجهات النظر الفلسطينية بشكل منهجي.

لكن شركات التكنولوجيا، بالإضافة إلى ضمان سيطرة السردية، قدمت أيضًا مساعدة تقنية مباشرة لجيش الكيان مكنته من تنفيذ حملاته بطريقة أكثر فعالية وتدميراً على الفلسطينيين. وقد استفاد الجيش، المعروف بتفوقه التقني، من التقنيات المتقدمة التي تقدمها له الشركات العملاقة لتنفيذ عملياته المتكررة في الضفة وغزة، وتطوير جهاز مراقبة متطور للغاية فيهما.

شكلت الخدمات السحابية مساهمة ثمينة تقدمها شركات التكنولوجيا لمؤسسة الكيان، وفرتها الشركات العملاقة، مثل "أمازون" و"غوغل"، لتمكين العمليات العسكرية والاستخباراتية للكيان. ووقعت الشركتان في العام 2021 صفقة تسمى "مشروع نيمبوس"، زادت قيمتها عن مليار دولار، لتوفير الخدمات السحابية لحكومة الكيان وجيشه. وتمكّن هذه البنية التحتية الكيان من تخزين كميات هائلة من البيانات، بما فيها بيانات المراقبة من الضفة الغربية، وتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي متطورة يمكنها التنبؤ بما تعتبره "تهديدات محتملة" واستباقها، بطريقة أدت في كثير من الأحيان إلى ما يصفه الكيان بأنه "ضربات وقائية" في غزة.

كما طورت شركات الدفاع في الكيان، التي يرتبط الكثير منها بعلاقات وثيقة مع "وادي السيليكون"، تقنيات مراقبة متقدمة تشمل برامج التعرف على الوجه وغيرها من التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتراقب التحركات الفلسطينية، وتتعقب الأفراد، وتحدد "التهديدات" المحتملة. وتمتد هذه المراقبة لتشمل كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية، خالقة واقعا يخضع فيه الفلسطينيون للمراقبة المستمرة، والانتهاك المفرط للخصوصية.

و كانت تداعيات هذه المساعدة التقنية على الفلسطينيين عميقة. في غزة، ساهم استخدام جيش الكيان للتكنولوجيا المتقدمة في شن غارات جوية يفترض أن تكون أكثر دقة باطراد، لكنها شديدة التدمير، وغالبا ما تستهدف مناطق مدنية مكتظة بالسكان بحجة القضاء على "أهداف عسكرية". ويمكّن الدعم التقني الذي تقدمه شركات التكنولوجيا الكيان من تنفيذ العمليات بمستوى من الكفاءة والفتك الذي سيكون مستحيلاً من دونها. وفي كل مكان خلقت دولة المراقبة التي بناها الكيان بمساعدة شركات التكنولوجيا بيئة تحيط الفلسطينيين بشعور بالخوف والعجز. ويتم استخدام البيانات التي تجمعها أنظمة المراقبة لابتزاز الأفراد والمجتمعات الفلسطينية، وإكراههم والسيطرة عليهم، بهدف ترسيخ الاحتلال والقمع الذي يأتي معه.

وهكذا، لم يعد دور عمالقة التقنيات الرقمية يتعلق بالسرديات بقدر ما أصبحت هذه الشركات مشاركين نشطين في الصراع لحساب استمرار قمع الشعب الفلسطيني ومعاناته وقتله. ومع استمرار تطور المشهد الرقمي، ستزداد مساهمة هذه الشركات، سواء لجهة خداع الرأي العالمي، أو الأهم: تعظيم القدرات العسكرية العدوانية للكيان الاستعماري وتسهيل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين.

في هذا التحقيق الذي أجرته صحيفتا "مجلة 972+" و"لوكال كول"، يشرح الصحفي يوفال أبراهام كيف يستخدم جيش الكيان الصهيوني خدمة "أمازون" السحابية لتخزين معلومات المراقبة عن سكان غزة، بينما يشتري المزيد من أدوات الذكاء الاصطناعي من "غوغل" و"مايكروسوفت" لأغراض استهداف المقاومين والمدنيين الفلسطينيين بالقتل والإبادة، كما يحدث اليوم بكثافة.

علاء الدين أبو زينة

يوفال أبراهام (مجلة 972+) 2024/8/4

في 10 تموز (يوليو)، تحدثَت قائدة "وحدة مركز الحوسبة ونظم المعلومات" في الجيش الإسرائيلي التي توفر معالجة البيانات للجيش بأكمله في مؤتمر بعنوان "تكنولوجيا المعلومات للجيش الإسرائيلي"، عُقد في ريشون لتسيون، بالقرب من تل أبيب.

وفي خطابها لجمهور تكوّن من حوالي 100 عسكري وصناعي، والذي حصلت "مجلة 972 +" و"لوكال كول" على تسجيل له ، أكدت العقيد راشيلي ديمبينسكي علنًا لأول مرة أن الجيش الإسرائيلي يستخدم التخزين السحابي وخدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها له شركات التقنية المدنية العملاقة في هجومه المستمر على قطاع غزة. وفي شرائح محاضرة ديمبينسكي، ظهرت شعارات "أمازون لخدمات الويب" Amazon Web Services، و"غوغل كلاود" Google Cloud، و"ميكروسوفت آزور" Microsoft Azure مرتين.

التخزين السحابي هو وسيلة للاحتفاظ بكميات كبيرة جدًا من البيانات الرقمية بعيدًا عن الموقع، غالبًا على خوادم يديرها مزود تابع لجهة خارجية. وأوضحت ديمبينسكي في البداية أن وحدتها العسكرية، المعروفة باسمها العبري المختصر "مامرام"، استخدمت بالفعل "سحابة تشغيلية" مستضافة على خوادم عسكرية داخلية بدلاً من السحب العامة التي تديرها شركات مدنية. ووصفت هذه السحابة الداخلية بأنها "منصة للأسلحة"، تتضمن تطبيقات لتحديد أهداف للقصف، وبوابة لمشاهدة لقطات حية تبثها الطائرات من دون طيار التي تحلق في سماء غزة، فضلاً عن أنظمة النيران، والقيادة، والتحكم.

ولكن، مع بداية الغزو البري الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي في غزة منذ أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كما قالت، سرعان ما أصبحت الأنظمة العسكرية الداخلية محملة فوق طاقتها بسبب العدد الهائل من الجنود والأفراد العسكريين الذين تمت إضافتهم إلى المنصة كمستخدِمين، وهو ما تسبب في مشاكل فنية هددت بإبطاء الوظائف العسكرية الإسرائيلية.

وأوضحت ديمبينسكي أن المحاولة الأولى لحل المشكلة تضمنت تفعيل جميع الخوادم الاحتياطية المتاحة في مستودعات الجيش وإنشاء مركز بيانات آخر لكن ذلك لم يكن كافيًا. وهكذا قرروا أنهم في حاجة إلى "الذهاب إلى الخارج، إلى العالم المدني". وكما قالت، سمحَت الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى للجيش بشراء خوادم تخزين ومعالجة بيانات غير محدودة بنقرة زر واحدة، من دون الالتزام بتخزين الخوادم، فيزيائيًا، في مراكز الحاسوب التابعة للجيش.

لكن الميزة "الأكثر أهمية" التي قدمتها شركات السحابة، كما قالت ديمبينسكي، كانت قدراتها المتقدمة في الذكاء الاصطناعي. وقالت بابتسامة: "الثروة المجنونة من الخدمات، والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي -كنا قد وصلنا مسبقًا إلى نقطة تحتاج فيها أنظمتنا إليها حقًا". وأضافت أن العمل مع هذه الشركات منح الجيش "فعالية عملياتية كبيرة جدًا" في قطاع غزة.

ولم تحدد ديمبينسكي الخدمات التي تم شراؤها من شركات السحابة، أو كيف ساعدت الجيش. وفي تعليق لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول"، أكد الجيش الإسرائيلي أن المعلومات السرية وأنظمة الهجوم المخزنة على السحابة الداخلية لم يتم نقلها إلى السحب العامة التي توفرها شركات التكنولوجيا العالمية.

ومع ذلك، يكشف تحقيق جديد أجرته "مجلة 972+" و"لوكال كول" أن الجيش الإسرائيلي خزن في الواقع بعض المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من خلال المراقبة الجماعية لسكان غزة على خوادم تديرها "أمازون لخدمات الويب". ويكشف التحقيق أيضًا أن بعض مزودي الخدمات السحابية قدموا ثروة من قدرات وخدمات الذكاء الاصطناعي لوحدات الجيش الإسرائيلي منذ بداية حرب غزة.

وصفت مصادر في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وصناعة الأسلحة الإسرائيلية، وشركات السحابة الثلاث، وسبعة من مسؤولي المخابرات الإسرائيلية الذين شاركوا في العملية منذ بدء الغزو البري في تشرين الأول (أكتوبر)، لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" كيف يشتري الجيش موارد القطاع الخاص لتعزيز قدراته التكنولوجية في زمن الحرب. ووفقًا لثلاثة مصادر استخباراتية، فإن تعاون الجيش مع "أمازون لخدمات الويب" وثيق بشكل خاص، حيث تقوم عملاقة السحابة بتزويد مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بمزرعة خوادم تُستخدم لتخزين كميات كبيرة من المعلومات الاستخباراتية التي تساعد الجيش في الحرب.

ووفقًا لمصادر متعددة، فإن القدرة الهائلة لنظام السحابة العام لـ"خدمات السحابة من أمازون" تسمح للجيش بالحصول على "تخزين لا نهاية له" للاحتفاظ بمعلومات استخباراتية عن "الجميع" تقريبًا في غزة. ووصف أحد المصادر، الذي استخدم النظام القائم على السحابة خلال الحرب الحالية، إصدار "طلبات من أمازون" للحصول على معلومات أثناء تنفيذ مهامهم التشغيلية، والعمل مع شاشتين -واحدة متصلة بأنظمة الجيش الخاصة، والأخرى متصلة بـ"أمازون لخدمات الويب".

وأكدت مصادر عسكرية "لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" أن نطاق المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من مراقبة جميع السكان الفلسطينيين في غزة كبير جدا بحيث لا يمكن تخزينها على الخوادم العسكرية المحلية وحدها. وعلى وجه الخصوص، وفقا لمصادر الاستخبارات، كانت هناك حاجة إلى قدرات تخزين أكثر شمولا وقوة في المعالجة للاحتفاظ بمليارات الملفات الصوتية (بدلا من المعلومات النصية أو البيانات الوصفية فقط)، مما أجبر الجيش على اللجوء إلى الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا.

وشهدت المصادر العسكرية التي تحدثت إلينا بأن الكم الهائل من المعلومات المخزنة في سحابة أمازون ساعد في مناسبات نادرة في تأكيد ضربات الاغتيالات الجوية في غزة وهي ضربات كان من شأنها أيضًا أن تقتل وتضر بالمدنيين الفلسطينيين. ويكشف تحقيقنا بشكل أكبر عن بعض الطرق التي تساهم بها شركات التكنولوجيا الكبرى في حرب إسرائيل المستمرة الحرب التي أكدت المحاكم الدولية على الاشتباه بأنها تشهد ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على أراضٍ محتلة بشكل غير قانوني .

"تدفع مليون دولار، ويكون لديك ألف خادم إضافي"

في العام 2021، وقعت إسرائيل عقدا مشتركا مع شركتي "غوغل" و"أمازون" يُسمى "مشروع نيمبوس" Project Nimbus. وكان الهدف المعلن للمناقصة، التي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار، هو تشجيع الوزارات الحكومية على نقل أنظمة المعلومات الخاصة بها إلى الخوادم السحابية العامة للشركات الفائزة، والحصول على خدمات متقدمة منها.

وكانت هذه الصفقة مثيرة للجدل إلى حد كبير، حيث وقع مئات العاملين في الشركتين رسالة مفتوحة في غضون أشهر تدعو الشركتين إلى قطع علاقاتها مع الجيش الإسرائيلي. وتزايدت احتجاجات موظفي "أمازون" و"غوغل" منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، التي تم تنظيمها تحت شعار "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" . وفي شهر نيسان (أبريل)، عمدت شركة "غوغل" التي تم إدراجها لفترة وجيزة كراع لمؤتمر تكنولوجيا المعلومات للجيش الإسرائيلي الذي تحدثت فيه ديمبينسكي، قبل أن تتم إزالة شعارها إلى فصل 50 موظفًا لمشاركتهم في احتجاج في مكاتب الشركة في نيويورك.

وذكرت تقارير إعلامية أن الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع سيحمِّلان فقط المواد غير السرية على السحابة العامة في إطار "مشروع نيمبوس". لكن تحقيقنا يكشف أنه منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على الأقل، توفر شركات السحابة الكبيرة تخزين البيانات وخدمات الذكاء الاصطناعي لوحدات الجيش التي تتعامل مع المعلومات السرية. وقالت مصادر أمنية متعددة لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" أن الضغط على الجيش الإسرائيلي منذ تشرين الأول (أكتوبر) أدى إلى زيادة كبيرة في شراء الخدمات من "غوغل كلاود" و"أمازون لخدمات الويب"، و"ميكروسوف أزور"، حيث كانت معظم عمليات الشراء من الشركتين الأوليين من خلال عقد "نيمبوس".

وأوضح مصدر أمني أنه في بداية الحرب، كانت أنظمة الجيش الإسرائيلي محملة فوق طاقتها حتى أنهم فكروا في نقل نظام استخباراتي كان بمثابة الأساس للعديد من الهجمات في غزة، إلى خوادم سحابية للعموم. وقال المصدر عن النظام: "كان هناك مستخدمون أكثر بمقدار 30 ضعفًا، لذلك انهار النظام فحسب".

وتابع المصدر: "ما يحدث في السحابة [العامة] هو أنك تضغط على زر، وتدفع ألف دولار أخرى في ذلك الشهر، وتكون لديك 10 خوادم. وتبدأ حرب؟ تدفعُ مليون دولار، ويكون لديك ألف خادم آخر. هذه هي قوة السحابة. وهذا هو السبب في أن الناس في الجيش الإسرائيلي [خلال الحرب] دفعوا حقًا إلى العمل مع السحابة. كانت لديهم معضلة".

وقد خفف "مشروع نيمبوس" من هذه المعضلة. كجزء من شروط المناقصة، أنشأت الشركتان الفائزتان، "غوغل" و"أمازون"، مراكز بيانات في إسرائيل في العامين 2022 و 2023 على التوالي. وأوضح أناتولي كوشنير، المؤسس المشارك لشركة التكنولوجيا الإسرائيلية "كوم-آي تي" Comm-IT، التي تساعد الوحدات العسكرية على الانتقال إلى السحابة منذ تشرين الأول (أكتوبر)، لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" أن نيمبوس "أنشأ بنية تحتية" لمراكز كمبيوتر متقدمة خاضعة للولاية القضائية الإسرائيلية.

وقال أن هذا الترتيب سهل على "الكيانات الأمنية، حتى الأكثر حساسية" منها، تخزين المعلومات في السحابة خلال الحرب بلا خوف من المحاكم الخارجية التي، على الأرجح، قد تطلب المعلومات في حالة رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل.

وتابع كوشنير: "خلال الحرب، خلقت العمليات احتياجات [في الجيش] لم تكن موجودة [من قبل]، وكان من الأسهل بكثير توفيرها [باستخدام] هذه البنية التحتية، لأنها البنية التحتية لمالك عالمي يمكنه تقديم الخدمات من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا". وأضاف أن هذه الشركات زودت الجيش الإسرائيلي بـ"الخدمات المتماحة الأكثر تقدمًا"، والتي استُخدمت في حرب غزة الحالية.

تسارع هذا التغيير الدراماتيكي في إجراءات الجيش بشكل كبير منذ بدء الحرب. وقال كوشنير أن الجيش اعتمد في الماضي بشكل أساسي على الأنظمة التي طورها بنفسه، والمعروفة باسم "في الموقع" On-premises. لكن هذا يعني أنه سيتعين عليها الانتظار لأشهر، إن لم يكن سنوات، لبناء خدمات جديدة كانت تفتقر إليها. ومن ناحية أخرى، في السحابة العامة، يمكن الوصول إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي والتخزين والمعالجة "بشكل أكبر بكثير".

وفي شرح لتعليقاته، أوضح كوشنير أن "المعلومات الحساسة حقًا، والأمور الأكثر سرية، ليست مخزنة [على سحابة مدنية]. الجانب العملياتي بالتأكيد غير موجود هناك. لكن هناك أمورا استخباراتية يتم الاحتفاظ بها جزئيًا هناك".

مع ذلك، حتى في داخل الجيش، أعرب البعض عن مخاوفهم بشأن احتمال حدوث خروقات للبيانات. وقال مصدر استخباراتي: "عندما بدأوا يتحدثون إلينا عن السحابة، وسألنا عما إذا لم تكن هناك مشكلة في أمن المعلومات عند إرسال معلوماتنا إلى شركة خارجية، قيل لنا أن هذا [الخطر] يتضاءل أمام قيمة استخدامها".

"السحابة لديها معلومات عن الجميع"

قالت المصادر لـ"مجلة 972+" و"لوكال كول" أن معظم المعلومات الاستخباراتية للجيش الإسرائيلي حول نشطاء المقاومة الفلسطينية مخزنة على أجهزة الحاسوب الداخلية للجيش، وليس على السحابة العامة المتصلة بالإنترنت. ومع ذلك، وفقًا لثلاثة مصادر أمنية، يتم تخزين أحد أنظمة البيانات التي تستخدمها مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على سحابة "أمازون" العامة، "أمازون لخدمات الويب".

ويستخدم الجيش هذا النظام في غزة للمراقبة الجماعية منذ نهاية العام 2022 على الأقل، لكنه لم يكن يُعتبر عمليًا بشكل خاص قبل الحرب الحالية. ووالآن، وفقًا لهذه المصادر، يحتوي نظام "أمازون" على "مخزن لا نهائي" من المعلومات للجيش ليقوم باستخدامها.

وأكدت مصادر دفاعية أن المعلومات الاستخباراتية المحفوظة عند "أمازون لخدمات الويب" تظل تعتبر "ضئيلة" من حيث استخدامها العملياتي، مقارنة بما يتم الاحتفاظ به على الأنظمة الداخلية للجيش. ومع ذلك، قالت ثلاثة مصادر شاركت في هجمات الجيش أنها استُخدمت في عدد من الحالات لتقديم "معلومات تكميلية" قبل الغارات الجوية ضد عناصر عسكريين مشتبه بهم، والتي قتل بعضها الكثير من المدنيين.

وكما كشفت "مجلة 972+" و"لوكال كول" في تحقيق سابق ، أذن الجيش الإسرائيلي بقتل "مئات المدنيين" في الهجمات ضد كبار قادة حماس على مستوى قائد كتيبة -وأحيانًا قائد فصيل. وفي بعض هذه الحالات، كما أوضحت مصادر أمنية، تم استخدام سحابة أمازون.

وقالت المصادر أن النظام القائم على "أمازون لخدمات الويب" مفيد بشكل خاص للاستخبارات الإسرائيلية لأنه يستطيع الاحتفاظ بالمعلومات "عن الجميع"، من دون قيود على التخزين. وكانت لهذا في بعض الأحيان مزايا عملياتية: وصف مصدر استخباراتي لحظة "مصيرية حقًا" في الحرب، عندما حدد الجيش عضوًا بارزا في الجناح العسكري لحماس داخل مبنى كبير متعدد الطوابق مليء بمئات اللاجئين والمرضى. ووصف المصدر استخدام "أمازون لخدمات الويب" لجمع معلومات حول كل الذين كانوا في المبنى. وقال أنه تم إحباط الهجوم في نهاية المطاف لأنه لم يكن من الواضح بالضبط أين يختبئ الناشط الكبير، وخشي الجيش من أن يتسبب المضي قدمًا في عملية الاستهداف في الإضرار بصورة إسرائيل.

وقال مصدر استخباراتي إسرائيلي آخر: "سحابة [أمازون] هي مساحة تخزين لا نهاية لها. ما تزال هناك خوادم [الجيش] النظامية، وهي كبيرة جدًا... ولكن أثناء جمع المعلومات الاستخباراتية، في بعض الأحيان، تجد شخصًا يثير اهتمامك، وتقول: يا لها من مشكلة، لم يتم تضمينه [كهدف للمراقبة]، ليس لديّ معلومات عنه . لكن السحابة تعطيك معلومات عنه، لأن السحابة لديها [معلومات] عن الجميع".

في السابق، كان الجيش يعمد عادة إلى حذف المعلومات غير المفيدة المتراكمة في قواعد بياناته من أجل إفساح المجال لاستيعاب معلومات جديدة. لكن ديمبنسكي أشارت في محاضرتها في 10 تموز (يوليو) إلى أن الجيش يعمل منذ تشرين الأول (أكتوبر) على "حماية وحفظ وتخزين جميع المواد الخاصة بالقتال". وأكد مصدر أمني أن هذا هو واقع الحال بالفعل، وعزا الزيادة في مساحة التخزين إلى شركات السحابة المتاحة للعموم.

الدخان يتصاعد بعد غارات جوية على خان يونس، جنوب قطاع غزة، 6 أيار (مايو) 2024 - (المصدر)

ثمة حافز رئيسي آخر للعمل مع عمالقة السحابة هو قدرات الذكاء الاصطناعي ومزارع خوادم وحدة معالجة الرسومات (GPU) التي تدعمها. وقال أحد مصادر الاستخبارات، الذي شارك في مناقشات حول تحويل بيانات الاستخبارات العسكرية إلى السحابة العامة، أن رؤساءه "تحدثوا عن كيف أنهم إذا انتقلوا إلى السحابة، فإن لدى [شركات السحابة] أيضا قدرات تحويل الكلام إلى نص. هذه ميزة جيدة. لدى الشركات العديد من القدرات. لماذا نقوم بتطوير كل شيء في وحدة الجيش إذا كانت القدرات موجودة مسبقًا"؟ (يُتبع)

جناح "أمازون لخدمات الويب" في قمة الويب في ريو دي جانيرو، البرازيل، 2 أيار (مايو) 2023. (المصدر)

*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمها باللغة العبرية. وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية - فلسطينية ثنائية اللغة. درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.

*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: Order from Amazon : How tech giants are storing mass data for Israel s war


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: المعلومات الاستخباراتیة شرکات التکنولوجیا الخدمات السحابیة الذکاء الاصطناعی الجیش الإسرائیلی منذ تشرین الأول السحابة العامة مشروع نیمبوس من المعلومات التی تقدمها على السحابة هذه الشرکات معلومات عن خلال الحرب أن الجیش التی تم من دون فی غزة لم یکن مع ذلک

إقرأ أيضاً:

عملية نوعية لـمخابرات الجيش.. من أوقفت في الكورة؟

أوقفت دورية من مخابرات الجيش أحد أخطر المطلوبين بتهمة الإتجار بالأسلحة في منطقة ضهر العين - الكورة.   وذكرت المعلومات أنّ العملية جاءت بعد متابعة دقيقة وتحريات مكثفة أسفرت عن نصب كمين محكم أفضى إلى اعتقال المطلوب.  وتأتي هذه الخطوة في سياق سلسلة من العمليات الأمنية التي شهدتها الأيام الماضية حيث تمكنت قوة من مخابرات الجيش من توقيف عدد من المشتبه بهم في مناطق مختلفة بما في ذلك منطقة الكورة وطرابلس. 

وتهدف هذه الحملات إلى مكافحة شبكات الاتجار بالأسلحة وضبط الأمن والاستقرار في مختلف المناطق اللبنانية.

وبحسب المصادر، فقد جرى اقتياد الموقوف إلى التحقيق تحت إشراف القضاء المختص، فيما تؤكد المعلومات أن العمليات الأمنية ستستمر بوتيرة متصاعدة لضمان القضاء على كافة أشكال التجارة غير الشرعية لا سيما الأسلحة التي تهدد أمن الوطن والمواطنين.    

مقالات مشابهة

  • عمالقة التكنولوجيا يوسعون الاعتماد على الطاقة الحرارية الأرضية
  • طرح شركات الجيش فى البورصة يعزز ثقة القطاع الخاص
  • السيسي يثمن التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الشرطة وعائلاتهم في مواجهة الإرهاب
  • 24 ساعة دامية: 31 دولة تستعد لحرب عالمية وأحمد الشرع يهدد إسرائيل ونصرالله يعود للأضواء ومقتل قائد «داعش»| عاجل 
  • الجيش الإسرائيلي: إنذارات في عدة مناطق وسط إسرائيل إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • عملية نوعية لـمخابرات الجيش.. من أوقفت في الكورة؟
  • شركات التكنولوجيا تقدم نظارات تترجم النصوص وتجري المكالمات
  • الجيش الإسرائيلي يخطف 3 مواطنين لبنانيين على طريق وادي الحجير.. وهذه آخر المعلومات
  • إنجاز برنامج Android Automotive يعكس رؤية مصر لتوطين التكنولوجيا المتقدمة
  • تغريدة قائد الجيش الأوغندي والبعد الإقليمي لحرب السودان