بين أردوغان وأربكان.. كيف تطور موقف أنقرة الداعم لفلسطين ضد الاحتلال؟
تاريخ النشر: 11th, August 2024 GMT
لا تزال تطورات العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، تلقي بظلالها بشدة على مشهد السياسية الداخلية في تركيا، لاسيما بين الأحزاب المحافظة مثل "العدالة والتنمية" الحاكم ومنافسه "الرفاه من جديد" الذي استطاع بقيادة فاتح أربكان وضع نفسه في صدارة المشهد السياسي عقب الانتخابات المحلية الأخيرة، بعدما صعّد من موقفه المعارض بشأن سياسيات أنقرة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ويعد فاتح، نجل رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان، من أبرز منافسي أردوغان، سيما أن الحزبين يعملان على اقتسام أصوات الكتلة الانتخابية ذاتها، التي تتركز في أوساط المحافظين، الذين يُعتبرون، في الغالب، الأكثر دعما للقضية الفلسطينية من بين كافة فئات الشعب التركي.
وتشهد الساحة التركية مناكفات حادة بين أردوغان وأربكان منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي، الأمر الذي انعكس على تشكيل موقف أنقرة مما يحصل في غزة، حسب مراقبون تحدثوا لـ"عربي21".
"توظيف سياسي"
وكان أربكان استطاع جذب أصوات من كتلة الناخبين المحافظين في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 آذار /مارس الماضي، بعد حملة انتخابية استهدفت بشكل أساسي موقف أنقرة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سيما قضية تواصل التجارة بين أنقرة و"تل أبيب"، التي أثار غضبا واسعا في الشارع التركي قبل إقدام تركيا عقب الانتخابات على تعليقها بشكل كامل.
وفي خطاب النصر آنذاك، اعتبر أربكان الذي حقق انتصار غير مسبوق لحزبه، أن نتيجة الانتخابات المحلية "حددتها ردود الفعل على مواقف أولئك الذين يواصلون بشكل صارخ التجارة مع إسرائيل والقتلة الصهاينة".
وتمكن حزب "الرفاه من جديد" الذي خاض الانتخاب المحلية بمفرده، انتزاع رئاسة 67 بلدية في عموم البلاد، بينها بلدية شانلي أورفا الكبرى ويووزغات، ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد من حيث الأصوات بنسبة تجاوزت الـ6 بالمئة من أصوات الناخبين.
الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يرى أن "القضية الفلسطينية أصبحت محل توظيف في السياسة الداخلية التركية خصوصا في هذه الحرب"، وأن "المشادات بين العدالة والتنمية والرفاه من جديد هي جزء من هذا التوظيف السياسي".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "أربكان استطاع أن يستثمر نقاط ضعف أردوغان في بداية الحرب من أجل التصويب عليه واستقطاب الناخبين خصوصا في الانتخابات المحلية الأخيرة".
وفي فترة ما بعد الانتخابات، "سعى أربكان إلى الاحتفاظ بهذا السقف من انتقاد الحكومة فيما يتعلق بالحرب من أجل استمالة المحافظين الذين يرون في موقف أردوغان ضعيفا، ويريدون من تركيا موقفا أكبر تجاه إسرائيل"، وفقا للباحث.
وفي أواخر شهر تموز /يوليو الماضي، أثارت مطالبات أحد نواب حزب "الرفاه من جديد" دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى تركيا لإلقاء كلمة في البرلمان ردا على خطاب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، هجوما لاذعا من أردوغان تجاه الحزب المعارض.
وقال أردوغان في كلمة له في ولاية ريز مسقط رأسه، "خرج أحدهم، وهو شخص فظ، قائلا يجب السماح لمحمود عباس بالتحدث في برلماننا. من هذا؟ شخص من حزب الرفاه أعتقد أنه يعاني من مشاكل عقلية".
وأضاف الرئيس التركي في كلمته التي سبقت الإعلان عن قدوم عباس إلى تركيا لإلقاء كلمة في البرلمان الأسبوع القادم، "من قال لك إننا لم ندعُ محمود عباس؟ لقد قمنا بدعوته، ولكن للأسف محمود عباس لم يتمكن من إعطائنا إجابة إيجابية".
من جهته، أصدر حزب الرفاه بيانا مكتوبا للرد على أردوغان، اعتبر فيه أن "التعبير المؤسف الذي استخدمه بشأن أحد نواب الحزب لا يتناسب مع المقام الذي يمثله الرئيس".
وهذا جزء من المشادات السياسية المتواصلة بين الحزبين اللذين يحاول كل منهما على الحفاظ على نسبته من أصوات الناخبين المحافظين، فضلا عن توسيعها على حساب كتلة الآخر.
وشكلت القضية الفلسطينية التي تلقى صدى واسعا في الأوساط التركية، محور المناكفات السياسية ليس فقط بين حزبي العدالة والتنمية والرفاه من جديد، بل أيضا حزب "المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، فضلا عن حزب "السعادة" الإسلامي.
علوش، يوضح أن "حزب أربكان كما الأحزاب المحافظة الأخرى مثل حزب المستقبل حاول استثمار ولا يزال يحاول الاستثمار في القضية الفلسطينية من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية".
ويشير إلى أنه "من الممكن القول إن ضغوط أربكان ساهمت في دفع تركيا إلى تصعيد موقفها تجاه إسرائيل، لكن لا أعتقد أن هذه الضغوط عملت على إحداث تحول جذري في السياسة التركية في هذا الحرب".
"ففي نهاية المطاف هناك اعتبارات تتجاوز السياسة الداخلية بكثير تشكل السياسة التركية في هذه الحرب"، حسب تعبير علوش.
في السياق ذاته، يرى محمد السكري الباحث في مركز عمران للدراسات، أن "حزب الرفاه لا ينسجم بشكل كامل مع توجهات حزب العدالة والتنمية، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإنما كذلك السورية؛ وقد ساعده هذا التمايز في تحقيق كتلة أصوات جديدة ضمن البيئة المحافظة التركية مع تزامن الانتخابات المحلية الماضية".
ويلفت السكري في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "الرفاه من جديد، لا يزال ضمن خارطة التأثير والتموضع في الحياة الحزبية التركية حزبا ضعيفا بالمقارنة مع الأحزاب الكبيرة، ما يجعل إمكانية تأثيره في أي ملف سياسي محدودا".
ويستدرك بالقول: "لكن، طبيعة التحالفات الحزبية التركية خاصة في التحالف الجمهوري الحكومي تساعد على منح فرص كبيرة للأحزاب الصغيرة في خارطة التأثير ولا سيما مع تقارب حجم كتلتي المعارضة والحكومة، كما أبرزت الانتخابات الماضية".
جدل قاعدة كورجيك في تركيا
في 28 تموز /يوليو الماضي، لوح الرئيس التركي خلال كلمة له في ولاية ريزه، مسقط رأسه، الواقع في شمال شرق تركيا، بإمكانية تدخل بلاده عسكريا في "إسرائيل" على غرار تدخلها في إقليم قره باغ الأذربيجاني وليبيا.
وقال: "يجب أن نكون أقوياء للغاية حتى لا تتمكن إسرائيل من فعل هذه الأشياء السخيفة لفلسطين، مثلما دخلنا قره باغ ومثلما دخلنا ليبيا، فقد نفعل أشياء مماثلة لهؤلاء (إٍسرائيل)".
وأثار التصريح التركي موجة غضب لدى الاحتلال الإسرائيلي، الذي هاجم أردوغان بشدة على لسان وزير خارجيته يسرائيل كاتس الذي قال في تدوينة إن "أردوغان يسير على خطى صدام حسين ويهدد بمهاجمة إسرائيل".
على الصعيد الداخلي، اعتبر حزب الرفاه من جديد أن حدث أردوغان عن التدخل في "إسرائيل" لا يمكن تحقيقه بسبب قاعدة كورجيك العسكرية الواقعة في ولاية ملاطيا جنوب شرق تركيا، والتي تضم ردارا يتبع لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وقال أربكان "نريد من الحكومة أن تتخذ المبادرات اللازمة فيما يتعلق بإغلاق قاعدة الرادار في كورجيك"، مشيرا إلى أن حديث أردوغان عن دخول غزة وإسرائيل غير ممكن لأن قاعدة كورجيك ستكون قد أبلغت تل أبيب بذلك قبل تحرك تركيا".
واعتبر أن تركيا "تدعم الدرع الصاروخي الإسرائيلي عبر تبادل المعلومات الواردة من قاعدة كورجيك التابعة لحلف شمال الأطلسي، مع إسرائيل من خلال أعضاء الناتو، مثل الولايات المتحدة"، على حسب قوله.
وأضاف أن تركيا "في حاجة للتخلص من هذا الطاعون (قاعدة كورجيك)"، مجددا مطالباته بضرورة إغلاق قاعدة الرادار الوقعة جنوب شرق البلاد.
في هذا السياق، يوضح علوش أن مواقف أربكان المنتقدة للحكومة التركية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تأتي "في إطار التوظيف السياسي، انعكست على عملية تشكيل السياسة التركية في الحرب بشكل واضح".
ويشير إلى أن "التصعيد الذي بدأته الحكومة التركية تجاه إسرائيل في هذه الحرب، ولو جاء متأخرا، على غرار فرط حظر النشاط التجاري والاقتصادي، كان استجابة لعمليات التوظيف السياسي في المشهد السياسي الداخلي".
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع التركية، نفت بعد الهجوم الإيراني على دولة الاحتلال في نيسان /أبريل الماضي، أن تكون القاعدة العسكرية جنوب شرق تركيا، قد زودت الاحتلال الإسرائيلي بمعلومات تمكنه من التصدي للهجوم.
وشدد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، على أن "قاعدة رادار كورجيك، جرى إنشاؤها بالكامل من أجل أمننا القومي، وتهدف إلى حماية الدول الحليفة في الناتو".
ولفت أكتورك، إلى أن "المعلومات التي يتم الحصول عليها من نظام الرادار هذا تتم مشاركتها مع الحلفاء في إطار إجراءات الناتو، ولا تتم مشاركتها مع الدول غير الأعضاء في الناتو".
ما مساحة تأثير أربكان على سياسة أنقرة؟
اتخذت تركيا، مع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، موقفا متقدما في دعم الشعب الفلسطيني ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام أنظار العالم.
والأربعاء، قدمت تركيا طلبا رسميا للانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية، التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي لدى محكمة العدل الدولية، في لاهاي.
وكانت تركيا اتخذت العديد من المواقف الداعمة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك تعليق العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل.
والجمعة الماضي، أعلنت تركيا الحداد الوطني لمدة يوم واحد على روح رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية، الذي اغتاله الاحتلال خلال زيارة كان يجريها إلى العاصمة الإيرانية طهران.
وفي حين ساهمت اعتبارات السياسة الداخلية بتشكيل أنقرة بدرجة أساسية من الحرب على قطاع غزة، يشير علوش إلى العنصر الثاني الذي ساهم ببلوة هذا الموقف "يتمثل في الدبلوماسية الواقعية التي تمارسها تركيا في هذه الحرب والمصممة بشكل أساسي لتعظيم فرص ترك من أجل تعزيز حضورها في ادارة الصراع وفي مستقبل غزة والقضية الفلسطينية في مرحلة ما بعد الحرب، والحفاظ على هامش يمنع وصول الأزمة بين تركيا وإسرائيل الى نقطة اللا عودة".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "المزايدات الداخلية على موقف أردوغان في القضية الفلسطينية جزء من اللعبة السياسية الداخلية"، مشيرا إلى أن "الكل يدرك أنه لا يمكن أن نتصور أن تكون هناك حكومة في تركيا لديها هذا الشخص من المرتفع من الخطاب وحتى الموقف تجاه إسرائيل غير حكومة حزب العدالة والتنمية".
ويوضح أن "هذه الأحزاب التركية لو كانت في السلطة لكان موقفها مختلف تماما لأن الاعتبارات التي تشكل السياسة التركية ليست مرتبطة فقط بما تحتاجه الهويات الأيدولوجية لهذه الأحزاب أو بما يحتاجه الجمهور التركي، بل هناك اعتبارات تتجاوز السياسة الداخلية في تشكل السياسة التركية في هذه الحرب".
في السياق ذاته، يرى السكري أن "التوجه التركي بخصوص ملف القضية الفلسطينية مرتبط بشكل أساسي بتحولات الإقليم أكثر من مواقف حزب الرفاه أو الهدى رغم تأثيرهما".
ويلفت في حديثه مع "عربي21"، أن "ذلك بسبب المتغيرات التي فرضت نفسها بعد متغير أكتوبر الإقليمي، عنوان الإقليم العريض وأحد أهم انعطافات المرحلة".
ويشدد الباحث في مركز عمران للدراسات، على أنه "ضمن هذا السياق يأتي تفاعل الموقف التركي الذي يمثل عودة للموقف التركي الكلاسيكي للعدالة والتنمية، بينما يحاول حزب الرفاه من جديد الاستثمار في الموقف انطلاقا من جدوى الخطاب الذي انعكس خلال نتائج الانتخابات الماضية رغبة بتثبيت القواعد الشعبية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية غزة تركيا أردوغان الاحتلال تركيا أردوغان غزة الاحتلال اربكان سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الانتخابات المحلیة العدوان الإسرائیلی السیاسة الترکیة فی القضیة الفلسطینیة السیاسة الداخلیة العدالة والتنمیة تجاه إسرائیل فی هذه الحرب على قطاع غزة فیما یتعلق حزب الرفاه محمود عباس فی حدیثه من هذا إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
غزة- منذ نزوحها قسرا قبل 10 شهور، لم تتمكن الفلسطينية هدية أبو عبيد من العودة لمدينتها رفح، حيث لا تزال إسرائيل تسيطر على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الممتد بين قطاع غزة ومصر.
ويفرض جيش الاحتلال بقوة النيران وعمليات التوغل المستمرة حدودا غير ثابتة لما توصف بـ"المناطق الحمراء" في رفح، صغرى مدن القطاع، ويستهدف كل من يحاول الاقتراب منها بعمق يصل لنحو كيلومترين اثنين.
وخلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل، قتل الاحتلال نحو 50 فلسطينيا أثناء محاولتهم العودة لمنازلهم في رفح.
هذه المخاطر تمنع أبو عبيد (55 عاما)، والغالبية من حوالي 300 ألف نسمة من سكان رفح، من العودة إليها، ولا يزال أكثرهم يقيمون في خيام بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس.
وتقول أبو عبيد، التي تقيم بخيمة مع أسرتها المكونة من 5 أفراد، للجزيرة نت "كل النازحين رجعوا إلى غزة والشمال ولكل المناطق، إلا نحن سكان رفح"، وتتساءل "فهمونا يا ناس، هل رفح خارج الاتفاق؟".
وتنتشر على حسابات سكان المدينة على منصات التواصل الاجتماعي تساؤلات كثيرة حول واقع رفح، وسط غضب كبير لعدم قدرتهم على العودة إليها.
إعلانوتعلم هدية أن منزلها في "مخيم يبنا" للاجئين الملاصق للحدود مع مصر قد دُمر كليا، وتقول "الاحتلال مسح المنطقة عن الوجود، ولكني أريد العودة لبيتي والعيش فوق أنقاضه، ليس هناك أجمل من رفح ولا أطيب من أهلها".
واحتضنت رفح، بعد الحرب، أكثر من مليون نازح لجؤوا إليها من مدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع، ونزحوا عنها جميعا مع أهلها عشية اجتياح المدينة في 6 مايو/أيار الماضي.
وردا على سؤال حول توقعها بالعودة لرفح؟ قالت أبو عبيد "لا عودة دون انسحاب الاحتلال من الحدود، من حاول العودة قتلوه".
كارثة وقتلبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ينطلق الانسحاب التدريجي من محور "فيلادلفيا" بداية من اليوم الـ42 للمرحلة الأولى منه، وتستكمل إسرائيل انسحابها، على طول المحور الممتد 14 كيلومترا بين الحدود المصرية والفلسطينية، بحلول اليوم الـ50 من الاتفاق.
وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد نددت بخرق الاحتلال للاتفاق، وبعدم التزامه بالجدول الزمني للانسحاب من المحور.
وقالت، في بيان لها الاثنين الماضي، "لم يلتزم الاحتلال بالخفض التدريجي لقواته خلال المرحلة الأولى، وبالانسحاب بالموعد المحدد، وكان المفترض اكتمال الانسحاب في اليوم الـ50 للاتفاق، الذي يصادف التاسع من مارس/آذار الجاري".
وتعاني رفح، حسب وصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، من "كارثة إنسانية متجددة، إذ حولت الحرب الإسرائيلية معظم أحيائها إلى ركام، ورغم وقف إطلاق النار لا يزال الاحتلال يواصل هجماته العسكرية، ويسيطر على نحو 60% من المدينة، سواء عبر تمركز الآليات أو السيطرة النارية، ويستهدف المدنيين العزل بالقصف وإطلاق النار، ما يوقع يوميا مزيدا من الشهداء والجرحى".
ومنذ سريان الاتفاق، قتلت إسرائيل -وفق توثيق هيئات محلية ودولية- 150 فلسطينيا، وجرحت زهاء 605 آخرين، على مستوى القطاع، بمعدل 3 شهداء يوميا، ثلثهم من سكان رفح.
من جانبه، يقول المواطن فادي داوود للجزيرة نت إن أقارب وأصدقاء له استشهدوا وأصيبوا أثناء محاولتهم الوصول لـ"حي البرازيل" المتاخم للحدود مع مصر جنوب شرقي رفح، لتفقد ما تبقى من منازلهم في الحي المدمر كليا.
إعلانورغم قساوة النزوح، يفضل داوود (31 عاما) المتزوج حديثا، والذي يقيم مع زوجته الحامل بخيمة في خان يونس، البقاء مع أسرته على "المغامرة بالعودة إلى رفح".
ومنذ اندلاع الحرب، نزح داوود 5 مرات، ويقول "الحياة قاسية في الخيمة، خاصة وأن زوجتي حامل بابننا الأول، ونفتقد للخصوصية والاحتياجات الأساسية".
وأعلنت بلدية رفح، أمس الخميس، عن التوقف التام لخدمات فتح الشوارع وترحيل الركام، فيما أصبحت مولدات آبار المياه مهددة بالتوقف الكلي بسبب نفاد الوقود واستمرار إغلاق الاحتلال للمعابر منذ الثاني من مارس/آذار الجاري، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة السكان.
وحذر أحمد الصوفي رئيس بلدية رفح من أن المدينة تعيش أوضاعا مأساوية غير مسبوقة، حيث يواجه عشرات الآلاف من السكان خطر العطش وانتشار الأوبئة مع تصاعد أزمة المياه، مع شلل تام للخدمات البلدية الأساسية وتدمير البنية التحتية.
وأكد أن البلدية بذلت كل الجهود الممكنة للحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات رغم الدمار الكبير، إلا أن نفاد السولار يهدد بتوقف تشغيل آبار المياه بالكامل، مما يفاقم معاناة السكان المحاصرين الذين يعتمدون على هذه "المصادر المحدودة" في ظل الحصار الخانق.
وتحولت رفح لمدينة "منكوبة" حسب صافي، بسبب الحرب والتشريد، وتواجه الآن خطرا مضاعفا بحرمانها من أبسط مقومات الحياة، وأكد أن عدم إيجاد حلول عاجلة قد يؤدي إلى كارثة لا يمكن تداركها.
ويتمركز وجود أعداد محدودة من سكان المدينة حاليا بمناطق وأحياء تقع في الجهة الشمالية منها، بعيدة نسبيا عن الحدود الفلسطينية المصرية، غير أنهم يواجهون مخاطر ويكابدون معاناة يومية شديدة لتحصيل المياه وشؤون الحياة الأساسية.
إعلانويقول حذيفة عبد الله، الذي عاد مع أسرته قبل نحو شهر للإقامة بمنزله المدمر جزئيا في حي الجنينة شمال رفح، "للأسف يوميا يصلنا الرصاص، اليوم قذيفة مباشرة أصابت المنزل، ولا أحد يتحدث عن وضع رفح وما تتعرض له".