لجريدة عمان:
2024-12-18@18:52:38 GMT

مجزرة الفجر.. وحقيقة السلام مع إسرائيل

تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT

مجزرة الفجر.. وحقيقة السلام مع إسرائيل

لا يمكن تفسير المجزرة المروعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني فجر أمس في مدرسة "التابعين" بحي الدرج في قطاع غزة إلا أنها رد عملي على البيان الثلاثي المشترك الذي أصدره زعملاء ثلاث دول هي أمريكا ومصر وقطر، ورسالة واضحة للعالم الذي استنفر قواته خلال الأيام الماضية خشية وقوع حرب شاملة إثر توعد إيران وحزب الله بالرد القاسي على إسرائيل في أعقاب اغتيالها الغادر للشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران والشهيد فؤاد شُكر القيادي في حزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت.

تضاف "مجزرة الفجر" إلى آلاف المجازر التي يرتكبها الاحتلال يوميا منذ السابع من اكتوبر الماضي والتي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 40 ألف شهيد وكلها مجتمعة تصنع مشهد الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي أمام مرأى ومسمع العالم في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، القرن الذي قال قادة العالم الغربي قبل خمس سنوات ومن تحت قوس النصر في العاصمة الفرنسية باريس إنه لن يشهد مرة أخرى أي مجازر ضد الإنسانية.

لكن إسرائيل لا يعنيها كل ما يدور في العالم، تمارس وظيفتها في سفك دماء الفلسطينيين بدم بارد جدا، وتحتفل بعد كل مجزرة، ومن باب حفظ ماء الوجه أمام حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة تكتفي بالتشكيك في عدد "القتلى" وتقول إن الرقم مبالغ فيه قليلا؛ فهي إن كان لها اهتمام فيما حدث فإن يتعلق بالأرقام فقط، فلا تريد رقما كبيرا يثير حفيظة البعض وتفضل أن تشكك في الرقم لينشغل العالم بمحاولة إثبات كلامها أو نفيه بينما القضية الأساسية وهي ارتكاب المجزرة باتت أمرا عاديا وفعلا مبرمجا بشكل يومي.

ولا يمكن فهم الحديث عن وقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى مع طرف يتفنن في جرائم الحرب اليومية ضد الفلسطينيين العزل، واستمراره في اغتيال القيادات الفلسطينية واللبنانية وقنص وتفجير الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة ولا دنب لهم إلا أنهم يتعتقون الكاميرات ونواقل الصوت!

إن سياسة الاحتلال واضحة ولا تخفى على أحد أبدا، وليس في جوهر هذه السياسة أي اهتمام بالسلام أو بالحوار أو بالتعايش ولذلك يبدو واضحا الآن أن العالم يضيع وقته، ويمنح إسرائيل فرصة أكبر لارتكاب مجازر يومية فيما يمكنه وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، أن توقف هذه الجرائم عبر موقف صارم وحاسم تجاه إسرائيل، وهذا الموقف، فيما لو حدث، ليس إكراما لأصدقائها العرب بل هو تعبير حقيقي عن القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية والتي يتحدث عنها الدستور الأمريكي وهي تعبير قبل ذلك وبعده عن القيم الإنسانية.

إن الأجيال القادمة في العالم أجمع ستشعر بالكثير من العار وستعيش أزمة في تاريخها الإنساني عندما تقرأ عن الصمت الغريب تجاه المجازر التي ترتكب بحق الإنسانية في قطاع غزة.. لا يمكن لتلك الأجيال أن تسامح أسلافها على هذا الصمت وعلى هذا الضوء الأخضر المفتوح للكيان الصهيوني ليرتكب مجازره بحق الأبرياء العزل.

وستكون اللحظة صعبة على العالم أجمع عندما يدرس حقيقة الحقد الذي يتشكل في نفوس الملايين من الذين يشاهدون أشلاء أخوانهم الفلسطينيين تجمع في أكياس بلاستيكية، ويرون حجم شكل جثث الأطفال، والجثث المتحللة، ويرون مشاهد التعذيب التي تستعيد أجواء سجن أبو غريب سيء السمعة في السياق الأمريكي.

هذه المشاهد المؤلمة والقاتلة هي التي تزرع بذور التطرف والعنف والكراهية ولكنها في الوقت نفسه هي التي توقد عزيمة التحرر والإصرار على دحر الاحتلال الإسرائيلي البغيض من على أرض فلسطين المحتلة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خالد نبهان.. الشهيد المبتسم الذي سلبه الاحتلال روح الروح

لم يكن خالد نبهان جَدّا عاديا، بل لم يكن أيضا شهيدا عاديا، كان قصة أحزان وأشواق دخلت كل بيت في العالم تقريبا، ورأى الناس كيف رسم بكلماته الجريحة قصة من أروع قصص الفراق الدامي في غزة.

فبعد طول انتظار وترقب التحق خالد نبهان بحفيدته "روح الروح" والتحف البياضَ الذي كان قد وخَطَ رأسه ولحيته، وكساها هيبة ووقارا، ازداد إشعاعها وهو يغادر الدنيا شهيدا مبتسما.

ما كانت الشهادة تخطئ أبا ضياء خالد نبهان، إلا لتصيبه في مقتل من الروح، وشغاف من الفؤاد.

قبل نحو عام من الآن، التحف نبهان الصبر وهو يحتضن حفيدته ريم ويقبل جسدها الصغير، كالوردة متلفِّعة بلون شقائق النعمان، إلا أنها محمرة بالدم القاني، مثل شقائقها اللائي سبقنها من كل بيت، بعد أن كسرت تلك العظام الرخوة والجسد الغض البريء قاذفات اللهب الإسرائيلية.

انتشل خالد نبهان حفيدته الصغيرة ريم من تحت الركام، ولم يكن يصدق أن عمرها البهيج قد أوقفه الجيش الإسرائيلي عند 3 سنوات، وأن ضحكتها التي كانت تملأ البيت سعادة، قد تحولت إلى نشيج دائم، وأن صورها البراقة، قد تحولت إلى أطياف محلقة تؤرق الليل وتهيج الذكرى، وتستدر الدمع النبيل.

يتمسك الجد الوقور، بالجثمان الصغير، يشمه ويقبله، ويضمه إلى صدره، ويتمنى لو انطلقت من ذلك الكفن الوديع ضحكة طفولية، لتقول له إن الأمر مزحة كله.

إعلان

لكن "روح الروح" كانت حقيقة في قربها ومأساتها، وحقيقة أخرى صارخة هي أن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة لم تكن تفرق بين صغير أو كبير بين مدني أو مقاتل، فقد كان التطهير العرقي والإبادة الجماعية والعدوان يستهدف كل ما يرف للحياة من جفن في القطاع المدمر كما يقول الكثيرون.

الشيخ المحتسب الصبور، خالد النبهان، يسلم الروح شهيدا في #غزة، ملتحقا في الأعالي بحفيدته الصغيرة التي دعاها "روح الروح" يوم فقَدها.. اللهم اجمعهما في علِّيين pic.twitter.com/G6s5U1uklz

— محمد المختار الشنقيطي (@mshinqiti) December 16, 2024

ذكرى الميلاد وموعد الرحيل

في ديسمبر/كانون الأول، ولد الجد والحفيدة وفيه رحلا معا في عامين متتاليين، ففي العام الماضي، ودعت الصغيرة قبل نحو شهر من عيد ميلادها الرابع.

وفي حين كانت الصغيرة تنتظر تلك الذكرى العطرة، كان الجد الحنون يعد ما يليق بتلك اللحظة الشذية بالمشاعر والأحاسيس الرقراقة، وكانت المصادفة الأكثر حلاوة في الأمر أن الجد وحفيدته يلتقيان في شهر ميلاد واحد، وكم كان للفرح من أرجوحة في قلب الشيخ النبيل، وكم كان للسعادة من وردة متفتقة، ولحن طفولي عذب في القلب الصغير للوردة ريم الصغيرة المذبوحة برصاص إسرائيلي.

بعد أشهر قليلة ولدت لخالد نبهان حفيدة أخرى أطلق عليها اسم "روجاد" ويعني وقت صلاة الفجر، أي وقت انبلاج النور من رحم الظلام، ووقت انطلاق عصافير الحياة مرفرفة في الكون الذي لم يعد فسيحا، منذ أن أصبحت أزهاره وعصافيره هدفا لقناص إسرائيلي يرسل الموت شراكا قلّ أن ينجو منه جد ولا حفيد.

ورغم عمق المأساة والألم الذي أحدثه رحيل "روح الروح" فقد ظل الجد خالد ذا روح مفعمة بالحب والجمال، كان حاضرا بقوة في الإنقاذ والتثبيت، مالكا لأسلوب رائع في تخفيف المآسي على قلوب الصغار، يملك روحا مشرقة، وخطابا إيمانيا متوثبا، ويعيش عالما من الرضا، يلين راسيات الجبال، ويذيب -لو كان لفراق روح الروح من سلوان- ما يراكمه الحزن اللاهب من جبال ألم، وما يسقي من أودية أشجان.

في الخالدين يا روح الروح
أبو ضياء شهيداً
عوَّضك الله الجنة على صبرك وإيمانك
وجمعك بحفيدتك في جنَّات النعيم pic.twitter.com/UkXg9EMKwg

— أدهم شرقاوي (@adhamsharkawi) December 16, 2024

إعلان غدا نلقى الأحبة

ريم وخالد حفيدا خالد النبهان، روحان من وهج الحياة المحروقة في غزة، وقصتان من بين عشرات الآلاف من القصص الموحدة العناوين المختلفة، في حين تغرز من مخالب الألم في تلك القلوب الرطبة والأجساد الصغيرة، إنها قصة قتل الحياة، وسفك دم الطفولة الرقراق.

لكن خالد كان من بين أفصح الجراح التي تمشي على قدمين، وأبلغ الأصوات التي تتحدث بلسان، كان صوته وصِيته وبسمته وحزنه وأشواقه رسائل تدك العالم كله، تتحطم أمامها أسوار التجاهل، فقد كانت عبارة روح الروح تهز ما بقي من روح في العالم المبَنّج.

ولأن روح خالد كانت قد حلقت في عالم الأشواق، يوم أرخى للحزن زمامه أسفا على روح الروح، فقد كان يحث السير ويترقب الرحيل كل حين، وفي واحدة من آخر تغريداته على حسابه على الإنستغرام، كان الرجل ينظر من سجف الغيب، ويهتف عبر ستائر الأشواق إلى حفيديه، بأنه قادم إليهما قريبا "هل نلتقي؟ فالبُعد مزّق خافقي. هل نلتقي من بعد شوق مُحرق؟ صدقا، توقفت الحياة، وما لها في ليل هجرك أي فجر مشرق". كما تقول كلمات الأنشودة التي كانت مرافقة لصورة نشرها قبل نحو أسبوع على حسابه في إنستغرام.

برحيل خالد نبهان لا ينضاف اسم جديد إلى لائحة طويلة من الشهداء فحسب، بل تكتب قصة ميلاد ملحمة حزن عابر للأيام، وقصة أجيال جمع بينها العدوان الإسرائيلي في كفن منسوج من عبق الكلمات الجريحة والأشواق المطهرة، والرضا والتوكل، والمقاومة التي تأخذ كل لبوس، من قسمات الطفل الرضيع، وهو يتلقى الرصاص قبل أن ينقطع حبله السري، وبسمة الرضيع وهو ينشق عبق المقاومة ويحتسي لبان الجهاد، ومن روح الروح وهو تكتب للحزن آمادا مفعمة بالألم، وترسم قصة جد، ملأ الدنيا حبا وشغل الناس حزنا، ومضى إلى حيث مراقد الصالحين، ومنازل المقاومين، إلى فردوس مديد، وروح وريحان… إلى حيث "روح الروح".

إعلان

مقالات مشابهة

  • مجزرة إسرائيلية في بيت لاهيا.. وقوات إسرائيلية تتقدم تجاه المواصي
  • أين موقع الخرطوم؟ تعرّف على أسوأ 10 مدن حول العالم يمكن للمغتربين العيش فيها
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • خالد نبهان.. الشهيد المبتسم الذي سلبه الاحتلال روح الروح
  • 8 شهداء منذ الفجر بقصف إسرائيلي متواصل على قطاع غزة
  • ارتفاع عدد شهداء مجزرة مدرسة عويضة شمال قطاع غزة إلى 40 شهيدًا
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة تطال طواقم الإنقاذ ومجموعات تأمين المساعدات بغزة
  • غزة - استشهاد 110 فلسطينيين في الساعات الماضية