فرض الضرائب على الأثرياء بات الآن ممكنا ــ وأكثر لزوما
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
ثلاثة آلاف شخص فقط يكتنزون الآن ثروات تبلغ في مجموعها 14.4 تريليون دولار، أو ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في حين كان أصحاب المليارات على مستوى العالَـم يسيطرون على أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1993، فقد تسارع نمو ثرواتهم ونفوذهم السياسي منذ ذلك الحين.
بصرف النظر عن جنسياتهم، يشترك أصحاب الثراء الفاحش على مستوى العالَـم في اثنين من أوجه التشابه اللافتة للنظر: الغالبية العظمى منهم من الرجال؛ وهم يدفعون عادة ضرائب أقل كثيرا، كحصة من دخلهم، مقارنة بالموظفين والعاملين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة في عموم الأمر.
إن العدالة المالية تدعم الديمقراطية. ففي غياب عائدات ضريبية كافية، لا تستطيع الحكومات ضمان الخدمات الكافية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، وتعجز عن الاستجابة لمشكلات أكبر كثيرا مثل أزمة المناخ (التي تزعزع استقرار بلدان عديدة في مختلف أنحاء العالم بالفعل). ونظرا للعواقب الوخيمة المترتبة على التقاعس عن التحرك في هذه المجالات، فمن المحتم أن يدفع الأكثر ثراء حصتهم العادلة من الضرائب. يمثل إعلان ريو مَـعلَـما مهما. فللمرة الأولى منذ تأسست مجموعة العشرين في عام 1999، اتفق جميع الأعضاء على ضرورة إصلاح الطريقة التي تُـفـرَض بها الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش، وتعهدوا بالقيام بذلك. لكن هذا الإجماع لم يأت من فراغ. فقد غطى أنصار العدالة الضريبية قسما كبيرا من الأرض في الأشهر التي سبقت انعقاد القمة.
تشغل البرازيل رئاسة مجموعة العشرين الدورية هذا العام، وفي أواخر فبراير، دعاني وزير مالية البلاد، فرناندو حداد، للتحدث في اجتماع رفيع المستوى في ساو باولو. وقد كُلِّفت بكتابة تقرير عن العدالة الضريبية وفرض الضرائب على أصحاب الثراء الفاحش (وهو محور عملي بصفتي مؤسس ومدير مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي الذي يتخذ من باريس مقرا له)، والذي قدمته في أواخر يونيو، لإثراء مناقشات قمة يوليو.
في التقرير الذي حمل عنوان "مخطط أولي لمعيار الحد الأدنى الضريبي الفعّال المنسق الواجب على الأفراد من أصحاب القيمة الصافية الشديدة الارتفاع"، تَـقَـدَّمتُ باقتراح لمعيار ضريبي فعّال جديد يتضمن ضريبة حد أدنى منسقة بنسبة 2% من الثروة تُـفـرَض على هؤلاء الأفراد ــ ثلاثة آلاف ملياردير على مستوى العالَـم. لن يعمل هذا المعيار على توليد عائدات كبيرة فحسب (حوالي 200 إلى 250 مليار دولار أميركي سنويا)؛ بل إنه كفيل أيضا بتصحيح الظلم البنيوي الذي يعيب الأنظمة الضريبية المعاصرة، والتي بموجبها تكون معدلات الضرائب الفعلية المفروضة على أصحاب المليارات أقل من تلك المفروضة على أفراد الطبقة المتوسطة.
يؤيد الجمهور العالمي بأغلبية ساحقة فرض ضرائب عادلة على أصحاب الثراء الفاحش. وفقا لاستطلاع آراء أجرته شركة إيبسوس في بلدان مجموعة العشرين، ونُشر في يونيو، يتفق 67% من الناس على وجود قدر أكبر مما ينبغي من التفاوت الاقتصادي، ويؤيد 70% مبدأ إلزام الأثرياء بدفع معدلات ضريبة دخل أعلى. يشير إعلان ريو إلى تحول كبير: فلم يعد بوسع زعماء العالم أن يدعموا نظاما يسمح لأصحاب الثراء الفاحش بدفع ضرائب أقل من بقيتنا دون خوف من حساب. لقد اتفق وزراء المالية بالفعل على خطوات أولية مهمة لتحسين الشفافية الضريبية، وتعزيز التعاون الضريبي، ومراجعة الممارسات الضريبية الضارة. صحيح أننا لم نشهد إجماعا سياسيا على إدراج ضريبة الحد الأدنى بنسبة 2% على أصحاب المليارات في النص النهائي. إذ كان من اللازم حصول الإعلان على الموافقة بالإجماع، ولا تزال بعض البلدان تُـبـدي تحفظات إزاء بعض جوانب الاقتراح. على سبيل المثال، في حين تدعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرض ضريبة حد أدنى على أصحاب المليارات محليا، فإنها كانت عازفة عن طرح القضية على الساحة الدولية. ولكن لا عودة إلى الوراء. فقد أصبحت ضريبة الحد الأدنى الآن على جدول الأعمال، وبالنظر إلى تاريخ المفاوضات الضريبية الدولية، سنجد أسبابا ملموسة للتفاؤل بشأن مستقبل الاقتراح. في عام 2013، أقَـرَّت مجموعة العشرين بانتشار تهرب الشركات المتعددة الجنسيات من سداد الضرائب على نحو جامح، الأمر الذي أعطى الزخم السياسي اللازم للتصدي لهذه القضية. تضمنت خطة العمل الأولية التي وضعتها تحسين الشفافية الضريبية، وتعزيز التعاون الضريبي، ومراجعة الممارسات الضريبية الضارة ــ وهي ذات الصياغة المستخدمة الآن في ريو. ثم في أكتوبر 2021، تبنت 136 دولة ومنطقة (140 الآن) ضريبة حد أدنى على الشركات بنسبة 15%. ما يدعو إلى التفاؤل أننا لا نحتاج إلى أن تتبنى جميع الدول ضريبة حد أدنى بنسبة 2% على أصحاب المليارات (أو من يملكون عشرات أو مئات الملايين، إذا ارتأى صناع السياسات ذلك). نحن ببساطة في احتياج إلى اتفاق كتلة حرجة من البلدان على مجموعة من القواعد لتحديد وتقييم ثروات أصحاب الثراء الفاحش وتبني أدوات لفرض ضرائب فعّالة بصرف النظر عن محل الإقامة الضريبي لإصحاب المليارات. بهذه الطريقة، يمكننا تجنب السيناريو حيث يفر أصحاب الثراء الفاحش إلى الملاذات المالية، وبالتالي إنهاء السباق إلى القاع بين البلدان التي تتنافس لعرض أدنى معدل ضريبي على أصحاب المليارات.
على مدار السنوات العشر الأخيرة أو نحو ذلك، تحسن التعاون الدولي بشأن الضرائب بدرجة كبيرة. على سبيل المثال، نجح إدخال التبادلات التلقائية للمعلومات المصرفية في الحد بشكل كبير من إمكانية التهرب الضريبي. نحن بالفعل نمتلك الأدوات اللازمة لإجبار أصحاب المليارات في العالم على دفع نصيبهم العادل من الضرائب. والأمر متروك الآن للحكومات للتحرك بسرعة وفعالية.
غابرييل زوكمان أستاذ الاقتصاد في كلية باريس للاقتصاد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو المدير المؤسس لمرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على أصحاب الملیارات مجموعة العشرین الضرائب على التی ت
إقرأ أيضاً:
الضرائب والتنمية
خلفان الطوقي
ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو ما طُرِحَ في غرفة تجارة وصناعة عُمان في الأمسية الثالثة من أمسياتها الرمضانية والتي حملت عنوان "الضرائب وأثرها على التنمية"، والتي تطرق فيها المتحدثون لتاريخ الضرائب، وآثارها الإيجابية والسلبية، وأنواعها، وما يجعل الدول اللجوء إليها، وغيرها من النقاط التي تخص هذا الملف الدسم.
وبما أن هناك ضريبة جديدة تمَّ الانتهاء منها في مجلس عُمان بغرفتيه الشورى والدولة وهي "ضريبة الدخل على الأفراد"، والتي تم رفع الملاحظات والتوصيات والتعديلات من خلالهما، والتي لم يتم التطرق إليها في الأمسية بشكل مفصل لقلة المعلومات المتوفرة عنها لعامة الناس، وقد ارتأى المتحدثون عدم الخوض في اجتهادات وفرضيات في أمر دون توفر معلومات ومعطيات كافية.
بالرغم من ذلك، ما زال الحماس متوقدًا لدي للكتابة حول موضوع ضريبة الدخل على الأفراد، وأرى من المناسب أن الوقت ما زال يسمح بالمشاركة في رفع مقترحات ورؤى حول هذا الموضوع المعقد، ومن منطلق ضرورة المشاركة المجتمعية، والواجب الوطني للأفراد في تحمل المسؤولية، وتكملة للمقالات السابقة التي كتبتها حول هذا الملف على وجه الخصوص، والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية العديدة، وفي هذا التوقيت الحساس، فإنني اقترح الآتي:
- دراسات الجدوى: ولأن الموضوع موضوع مصيري، فيمكن للحكومة التريث، وطلب دراسات جدوى مستقلة ومتخصصة وتفصيلية ومن جهات مختلفة، كغرفة تجارة وصناعة وعُمان، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووزارة الاقتصاد، وجهاز الاستثمار العُماني، ووزارة التنمية، والأكاديمية السلطانية للإدارة، وجامعة السلطان قابوس، والجمعية الاقتصادية العُمانية، والأجهزة الأمنية، وأي جهة ذات علاقة بموضوع هذه الضريبة بشكل مباشر أو غير مباشر، والمبرر للدراسات التفصيلية ومن جهات مختلفة هو أن هذا الموضوع له أبعاد اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية، وعواقبه قد تكون وخيمة إن لم يتم تفنيد انعكاساته بشكل تفصيلي ودقيق وعميق.
- إيجاد البدائل: بعد دراسات الجدوى المستقلة والمنوعة والتخصصية، وعدم الاكتفاء برأي أحادي، يمكن إيجاد بدائل أجدى للحكومة، خاصة إن دعمت هذه الدراسات وأثبتت أن أضرار هذه الضريبة أكثر بكثير من فوائدها، وبذلك يمكن للحكومة الإعلان عنها، وتعزيز الثقة بينها وبين المستهدفين من هذه الضريبة، خاصة من فئة الطبقة الوسطى في المجتمع، والتي تعتبر صمام الأمان لأي مجتمع.
- الإعلان البديل: بما أن مشروع قانون ضريبة الدخل على الأفراد في دورته التشريعية، فلا ضير في تعليقه إلى أجل غير مسمى، ووضعه في الأدراج، والإعلان عن بدائل أخرى أجدى، مثل تعزيز مبادرة الدفع الإلكتروني التي سوف تجلب أضعافًا مضاعفة من الإيرادات لخزينة الدولة، وتقوية منظومة ضريبة الدخل على الشركات، وضبط المُهدر من إيرادات عقود الإيجار السكنية والتجارية وغيرها، وخاصة في محافظات السلطنة المختلفة، وهذا الإعلان الحكومي سوف يعوض بأكثر من المستهدف من ضريبة الدخل على الأفراد هذا من ناحية، وسوف يجعل الحكومة أكثر تركيزا ونجاحا في مبادراتها المعلنة سابقًا، أضف إلى ذلك إزالة الانعكاسات الاجتماعية والنفسية عن كاهل الجميع من عامل ومتقاعد ومُقيم ومستثمر وزائر.
خلاصة هذه المقالة والمقالات السابقة التي كتبتها حول هذا الموضوع بعينه، هو عدم التركيز على جانب وحيد وهو الجانب المالي فقط، وإنما النظر واستحضار الجوانب الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والنفسية، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى الأثر المالي القصير والمحدود فقط، وإنما إعطاء هذا الموضوع المصيري حقه ومنحه الجدية والوقت والجهد والنظرة العميقة والشمولية والبعيدة المدى، وذلك بسبب حساسية هذا الموضوع، وهذه الضريبة على وجه الخصوص.
رابط مختصر