لجريدة عمان:
2024-12-22@07:35:50 GMT

مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي

تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT

شهد العالم منذ أكثر من عقد تحولات تقنية هائلة، انعكس أثرها على كافة مناحي الحياة؛ إذ أصبحنا نعيش عصر الأقمار الاصطناعية المتطوِّرة، وشبكات الإنترنت التي أحدثت ثورة معلوماتية حديثة قادت نحو المزيد من التوسعات التقنية ليس آخرها الذكاء الاصطناعي التوليدي وما يشكِّله من انفتاح واستحواذ على العالم التقني ومجتمع البيانات الضخمة.

ولعل من أهم تلك التحولات التي أحدثت تغييرات على مستوى المجتمعات هي وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُنظر إليها اليوم باعتبارها نافذة مهمة من نوافذ التواصل مع العالم الخارجي، وقوة إعلامية أصبحت لها مكانة بين وسائل الإعلام المختلفة، ولأنها وسائط مفتوحة فإنها تقدِّم فرصا للتسويق والترويج والتواصل الإعلامي، الأمر الذي دفع العديد من الأشخاص إلى ولوج هذا العالم وإبراز مواهبهم وقدراتهم سواء أكانت مواهب حقيقية أو ترويجا يسعى إلى إبراز قضايا مجتمعية عامة أو متخصصة.

إن عوالم وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت الكثير من التغييرات على المستوى الاجتماعي سواء في مفاهيم التواصل نفسها، أو تحولات في العلاقات والصداقات والنقاشات الثنائية أو الجماعية باعتبارها نوافذ محادثات تفاعلية عبرت حدود العالم، وسواء أكانت تلك المحادثات إيجابية أو سلبية فإنها قدَّمت إطارا مفاهيميا مختلفا للحوارات وبناء التعارف على المستوى الاجتماعي، فالأمر هنا لا يتعلَّق بالمحادثة باعتبارها افتراضية بقدر ما يرتبط بآثارها على المجتمع على المستوى الأخلاقي والقيمي.

ولأن هذه الوسائل التقنية كما يعرِّفها صانعوها (مجتمعات على شبكة الإنترنت)، فإنها تقوم على عالم افتراضي، غير أنها وفق مراحل تطورها قدَّمت نماذج قادرة على التأثير المباشر على المجتمعات الواقعية من خلال ما تثيره من قضايا أو ما تقدمه من محتويات إلكترونية توظَّف من أجل التعليم، أو تقمُّص لهُويات وانتماءات اجتماعية أو سياسية أو دينية أو اقتصادية أو غير ذلك،إضافة إلى تلك الأيديولوجيات الثقافية والفكرية وما تبثه من إعلام إخباري أو تداولات لمعلومات أو ممارسات مغلوطة.

فعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في مجالات التعليم والتسويق والإعلان، وإبراز المواهب وممارسة الهُويات، إضافة إلى أهميتها الكبرى في مجالات التواصل الاجتماعي والمهني المفتوح مع الآخر، إلاَّ أنها في مقابل ذلك مثَّلت العديد من التحديات من خلال الكم الهائل من البيانات والمعلومات المغلوطة التي تبثها بقصد أو بغير قصد نتيجة انفتاح تلك المواقع وإمكانية البث المباشر ومخاطبة المجتمع دون التفكير بتبعات ما يُبث أو ما يُنشر.

إن انفتاح تلك المواقع وسهولة استخدامها دفعت المجتمعات إلى استحداث العديد من التشريعات والسياسات التي تحد من إشكالات استخدامها وتحدياتها، وتعرضها إلى انتهاكات عدة في التعدي على الحريات الشخصية والتنمر أو ما يمس بأمن الدول وحماية خصوصياتها وهُوياتها الوطنية، والحد من الآثار المترتبة على القطاعات التنموية جرَّاء بث البيانات المغلوطة والمعلومات المظللة، التي قد تؤدي إلى إثارة الرأي العام أو التأثير المباشر على قطاع بعينه مما ينعكس أثره على المجتمع كله.

إن مجتمعات وسائل التواصل الاجتماعي مجتمعات افتراضية تم توظيفها من أجل عرض الأفكار والأيديولوجيات وإنتاج المفاهيم الثقافية الجديدة، التي نُقِلت إلى المجتمعات باعتبارها حداثية، ولذلك فقد شكَّلت وما زالت خطرا على العادات والتقاليد والهُويات عموما، وأصبحت المجتمعات الواقعية تتدافع مع المجتمعات الافتراضية من أجل الحفاظ على خصوصياتها وقدرتها على التطوُّر الحضاري دون أية تأثيرات قد تُحدِث خللا في الركائز الأساسية للمجتمع.

ولعل من بين أهم تلك الوسائط التي توجَّه للمجتمعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي الإعلانات التي باتت تمثِّل شغفا لدى مؤثري تلك الوسائل ومشهوريها، مما جعلها هدفا للكسب والشهرة بصرف النظر عن غاياتها أو انعكاساتها على الفئات المجتمعية المستهدفة، فالإعلانات الرقمية التي تبث عبر هذه الوسائط غالبا ما ترتكز على المأكولات أو الأزياء أو المعتقدات أو الممارسات اليومية، الأمر الذي جعلها قادرة على التأثير المباشر خاصة على فئات الناشئة والشباب، فجعلت الحياة استهلاكية قائمة على الاستهلاك اليومي أكثر من التركيز على المضمون والجوهر.

ولأن الإعلانات الرقمية مؤثرة وأكثر انتشارا بحكم طبيتعها وسهولة ترويجها، فإنها تستخدَّم للترويج للسلع وكذلك الأفكار والمعتقدات، إضافة إلى إمكانيات استهدافات معينة لاقتصاد دولة ما أو سياحتها أو حتى النيل من سمعتها وهدم أو تشويه صورتها الذهنية الحضارية أو الأخلاقية، ولذلك فإن هذه الإعلانات تُعد أخطر الوسائل التي يمكن تبنيها من قبل المؤثرين الذين يمكن أن يتسببوا في تلك الإشكالات عن دراية أو قد يكون عن جهل في ظل السعي نحو الربحية.

إن التطور التقني الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي، واستحداث ضوابط وسياسات تضمن إيجابية استخدامها، وسَّعت أنماط ذلك الاستخدام وعزَّزت تفاعل الناس معها وتبنَّت شبكات دمج دعمت الاستفادة منها في قطاعات الأعمال والعلامات التجارية وفتحت مساحات للإبداع المشترك ومنصات للتفاعل الإيجابي الذي يمكن من خلاله إفادة المجتمعات وتوسيع آفاق التعليم والمعرفة، وعلى الرغم من هذه التطورات التي دعمها عالم الذكاء الاصطناعي على أهميتها وقدراتها، إلاَّ أن الكثير من أفراد المجتمع ما زالوا لا يدركون مكامنها وما يمكن أن تقدمه إذا ما تم استخدامها بطرائق إيجابية؛ بحيث تكون ساحات تعزِّز فعل المواطنة وتقدِّم آفاق متجددة للتطوير والتنمية.

إنها الهُوية الرقمية التي تقوم على معرفة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للحقوق والواجبات التي علينا جميعا القيام بها في خضم التدافع الكبير الذي يشهده مجتمع العالم الافتراضي؛ فهذه الهُوية تحمي الأفراد من الوقوع في مطبات هذه المواقع وتعرِّفهم بالإمكانات الهائلة التي يمكنهم الاستفادة منها في سبيل تطوير مهاراتهم وتنمية أعمالهم، والحال هنا لا يقتصر على الإعلانات الهزيلة المباشرة التي يقدمها (مشاهير التواصل)، إنما بالإبداعات والابتكارات التي يمكن أن تمثِّل دعما كبيرا للتطوير المعرفي وتنمية القطاعات المختلفة في المجتمعات.

يحدثنا تقرير(توجهات وسائل التواصل الاجتماعي للعام 2024)، أن هناك اتجاهات جديدة وتطوُّرات عديدة سوف تحدث على هذه المنصات والمواقع بسبب الرؤى الجديدة والخطوط العريضة والأفكار الحديثة التي أنتجها الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، مما سيُسهم في (تسريع عملية إنشاء المحتوى وجعله أكثر مرونة واتصالا)؛ إذ ستشهد وسائل التواصل الاجتماعي ترقية في العديد من الأدوات التي ستمكِّن المبدعين من عرض ابتكاراتهم، وستكون هناك أدوات حديثة متمكِّنة من توليد الأصوات والموسيقى وتوسعة عالية الجودة للأعمال التجارية.

وفي استطلاع أعده التقرير كشف أن الصورة وصناعة الفيديو في هذه المواقع أكثر قدرة على التواصل وفاعلية في الترويج والتسويق؛ إذ يعتقد (أكثر من 92٪ من المسوقين الذين شملهم الاستطلاع أن مقاطع الفيديو توفِّر عائد استثمار كبير)، الأمر الذي يحيل إلى ضرورة التنبه إلى خطورة الصورة في التسويق الإيجابي أو حتى السلبي وقدرتها على البناء أو الهدم في مجتمعنا، فما نبثه من فيديوهات وما ننقله من أفكار أو نسوِّقه من إعلانات تكشف عمق فكرنا وفهمنا للهُوية الرقمية المرتبطة بهُويتنا المجتمعية ومواطنتنا.

إن كل ما ننشره عن أوطاننا أو ما نؤمن به من قضايا وأفكار، أو حتى ما نعتقده في الآخر سواء أكانت أوطان أو جماعات، ذلك كله يكشف هُويتنا ومكامن أخلاقنا وقدرتنا على تحري المصداقية والموثوقية، فلنكن صوتا للحقيقة وصورة مشرقة لوطننا وخُلقا يكشف المكامن الحضارية والفكر المستنير لهذا الوطن الغالي، ولتكن وسائل التواصل الاجتماعي نافذة للتواصل الحضاري ووسائط تقنية واعدة للإبداع والابتكار الخلاَّق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی العدید من

إقرأ أيضاً:

ألبانيا تحظر تطبيق تيك توك لمدة عام بعد مقتل مراهق

ديسمبر 22, 2024آخر تحديث: ديسمبر 22, 2024

المستقلة/- أعلنت ألبانيا يوم السبت حظرًا لمدة عام على تطبيق تيك توك بعد مقتل مراهق الشهر الماضي مما أثار مخاوف بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال.

وقال رئيس الوزراء إيدي راما بعد اجتماعه مع مجموعات الآباء والمعلمين من جميع أنحاء البلاد إن الحظر، وهو جزء من خطة أوسع لجعل المدارس أكثر أمانًا، سيدخل حيز التنفيذ في أوائل العام المقبل.

وقال راما: “لمدة عام واحد، سنغلقه تمامًا للجميع. لن يكون هناك تيك توك في ألبانيا”.

فرضت العديد من الدول الأوروبية بما في ذلك فرنسا وألمانيا وبلجيكا قيودًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال. في واحدة من أكثر اللوائح صرامة في العالم والتي تستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى، وافقت أستراليا في نوفمبر على حظر كامل لوسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن 16 عامًا.

ألقى راما باللوم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتيك توك على وجه الخصوص، في تأجيج العنف بين الشباب داخل وخارج المدرسة.

ويأتي قرار حكومته بعد أن طعن أحد الطلاب زميله في المدرسة يبلغ من العمر 14 عاما حتى الموت في نوفمبر/تشرين الثاني. وذكرت وسائل إعلام محلية أن الحادث جاء بعد خلافات بين الصبيين على وسائل التواصل الاجتماعي. كما ظهرت مقاطع فيديو على تيك توك لقاصرين يدعمون القتل.

وقال راما “المشكلة اليوم ليست أطفالنا، المشكلة اليوم هي نحن، المشكلة اليوم هي مجتمعنا، المشكلة اليوم هي تيك توك وجميع الآخرين الذين يأخذون أطفالنا رهائن”.

مقالات مشابهة

  • ألبانيا تحظر تطبيق تيك توك لمدة عام بعد مقتل مراهق
  • حظر تيك توك بعد مقتل مراهق
  • الرياض.. ضبط شخص لترويجه المخدرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • السيسي: البعض يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب والشائعات
  • الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
  • ‏وسائل إعلام إسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يبدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن
  • المفتي يحذر من أزمة أخلاقية ناتجة عن اختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة.. فيديو
  • المفتي: أزمة أخلاقية لاختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة.. فيديو
  • صورة مسربة من زفاف رونالدو وجورجينا تشعل مواقع التواصل الاجتماعي .. مالقصة؟
  • نادي قضاة اليمن يدين قرار مجلس القضاء الأعلى الذي يحظر على القضاة النشر والتعليم في وسائل الإعلام