متعافون: «الصندوق» انتشلنا من الضياع
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
بين حُب الاستطلاع والاستقلالية، وقع عدد من الشباب فى «وكر المخدرات»، الأمر بدأ بصُحبة تُوصف فى الغالب بالسوء، يتبادلون السجائر، ويتطور الأمر بمرور الأيام إلى تجربة مُخدر الحشيش، ويوماً بعد يوم تصل الصحبة إلى الأقراص المخدرة والأدوية، زاعمين أنها تُحقق أمنيتهم فى النسيان أو الاستقلالية أو غير ذلك.
«طاقة نور».
دخل محمد حسن، مُتعاف، خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 2003، «وكر المخدرات» عن طريق الجهل فى سن 24 عاماً، على حد وصفه لـ«الوطن»، إذ بدأ الأمر بمادة الترامادول، التى غيرت طريقه رأساً على عقب، بعد أن عرضها عليه أحد أصدقائه، فلم يكن يعلم أنها مادة مُخدرة، وقرر ترك المحاماة تجنباً للتعرض للمدمنين أصحاب القضايا العديدة فى أقسام الشرطة.
ورغم ترك المهنة، فإن المخدرة سيطر على «حسن»: «كنت بجيب العلبة بـ100 جنيه وباخد 7 أقراص فى اليوم»، وبدأت رحلته فى خسائر كثيرة ومؤلمة على حد وصفه، رغم محاولات الإقلاع ولكن كانت فى مصحات علاجية غير مرخصة: «أتحبس فى المصحة 3 أو 4 أيام وخلاص وأخرج أرجع أشرب تانى».
خسر محمد حسن عمله بسبب المخدرات: «خسرت مناصب كبيرة وكنت مخبى عن زوجتى كل ده خاصة وأنا بطبيعتى غير متعصب»، واستمر الأمر مع «حسن» إلى أن اضطر للاستدانة حتى يشترى المواد المُخدرة: «ماكنتش بعرف أنام بالليل غير لما أطمن إن مادة بكرة موجودة معايا»، وعُرف «حسن» وسط أبناء جيله بالتفوق دراسياً، ولم يكن يتخيل أحد دخوله فى عالم المخدرات، حسبما أكده، وحقيقة الأمر كانت استقالته أو إقالته من عدد كثير من الشركات بسبب المخدرات: «المادة المخدرة تشل التفكير ولو راجعت أيام التعاطى أستغرب إزاى عملت كده».
قضى محمد حسن ما يقرب من 10 سنوات فى الإدمان، ولم يتناول سيجارة واحدة طيلة هذه المدة: «كنت أتعذب نفسياً»، وبين ليلة وضحاها قرأ عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، ووجد عشرات المدمنين تعافوا بعد سنوات طويلة من الإدمان، فقرر الذهاب إلى الصندوق وبدأ رحلة علاجه فى عيادة حدائق أكتوبر، وبدأ «محمد» العمل فى إحدى الشركات كعامل نظافة بعد رحلة التعافى: «لم أتخيل ذلك يوماً ما»، تلك المهنة التى أخفاها عن أقاربه، مؤكداً أن أكثر ما يؤلمه هو صيغة الأمر التى يتعرض لها فى عمله: «ممكن واحد ميعرفش يكتب اسمه يقولى تعالى نضف الحتة دى».
«حسن»: على كل مُدمن حساب خسائره ومكاسبه حتى يتخذ قراراً بالإقلاع عن المخدراترسالة محمد حسن للمدمنين هى التفكير جيداً وحساب الخسائر والمكاسب: «خد الخطوة وبطل المخدرات لازم تحسب خسائرك ومكاسبك»، ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لمحمود محمد من أبناء محافظة الجيزة، 33 سنة، متعاف، عن محمد حسن، إذ دخل عالم المخدرات من خلال «أصحاب السوء»، بداية من رحلته التعليمية فى الصف الأول الإعدادى: «كنت أهرب من المدرسة وأشرب سجاير وحشيش مع أصحابى وكان عندى حُب استطلاع أجرب حاجات كتير».
وجد «محمود» طريق المخدرات سهلاً، إذ تناول أنواعاً شتى ولسنوات طويلة غيبته تماماً عن الحياة، على حد وصفه: «فيه أيام كتير من حياتى مش متذكر عنها أى حاجة»، ويوما تلو الآخر أصبح غير قادر على الحياة دون تلك المادة، فلم يعد يستطيع النوم ليلاً إلا ويطمئن على وجود مُخدر الغد بحوزته، وحينها اتخذت أسرة «محمود» مواقف صعبة تجاهه حتى ترده عن طريق المخدرات، تمثلت فى «سجنه» فى المنزل أكثر من مرة، ولكن كلها طُرق لم تُجد، ثم قرر العدول عن هذا الطريق تلبية لرغبة خطيبته حتى أتم الزواج وبعدها بعام فقط عاد إلى ما كان عليه بل وأكثر.
سببت المخدرات لمحمود مشاكل عديدة، على المستوى الشخصى والأسرى: «زوجتى من زعلها عليّا أصيبت بجلطة فى المخ والرئة وكانت بين الحياة والموت»، واستمر رغم ذلك فى طريقه، إلى أن شاهد المتحدث الرسمى باسم صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يتحدث عن الصندوق ومميزاته فى العلاج بالمجان وفى سرية تامة، فقرر الذهاب له وتم حجزه فى أحد مراكز العزيمة بمحافظة قنا.
يتلقى حالياً محمود جلسات توعوية وعلاجية فى عيادة حدائق أكتوبر: «تقدم خدمات متميزة هى والقائمون عليها وغيروا حياتى 180 درجة»، مؤكداً أنه تعلم المبادئ والسلوكيات السليمة، أما كريم حسنى، من أبناء محافظة أسوان، 29 سنة، مُتعاف، وصف عيادة حدائق أكتوبر بأنها كانت بمثابة «طوق نجاة»، بعد أن بدأ رحلة المخدرات فى سن الـ16 عاماً، وعاماً تلو الآخر تطور الأمر إلى أن قضى 6 أشهر فى السجن نتيجة ذلك: «كنت منبوذ اجتماعياً وكل اللى فى البيت بيخافوا منى، تجربة المخدرات صعبة»، حسب وصف «كريم»: «رسالتى للناس ربنا يرفع عنهم والتجربة صعبة ومرض صعب جداً والمخدرات سم عندى أموت ولا أرجع أشرب تانى مخدرات».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الإدمان التعافى المناطق العشوائية الاكتشاف المبكر محمد حسن إلى أن
إقرأ أيضاً:
رأس التين.. عابدين.. محمد علي.. صفحات من التاريخ
جمال معمارى يحتاج لترويجه داخليًا وخارجيًاثروات مصر المعمارية.. من لها؟
كانت تمتليء حياة وصخبا، شهدت أرجاؤها أهم الأحداث وأخطر القرارات السياسية، مثلما شهدت أبهى الحفلات وأشهرها، استقبلت بين جدرانها ملوكا ووزراء ومشاهير، حُرمت على العامة، وكان مجرد المرور أمامها ممنوعا، حتى مر الزمان، وكعادته غير من الأحوال الكثير، فرحل عنها أصحابها، وبقيت القصور شاهدة على فعالهم، تحكى تاريخهم بحلوه ومره.
هكذا تعد مصر واحدة من أغنى الدول فى ثروتها القومية والتاريخية والمعمارية، حيث اشتهرت بالكثير من القصور التى شيدها ملوك وأمراء أسرة محمد على، طوال 147 سنة من تقلدهم حكم مصر، منها ما تم شغله فى الحقبة الحديثة كقصور للحكم والرئاسة، مثل قصور عابدين، والقبة، والاتحادية وغيرها، ولعبت دورا مهما فى المشهد السياسى وذاكرة الدولة طوال العقود السبعة الماضية، ومنها ما تحول لمدارس مثل قصر الخديو توفيق الذى أصبح مدرسة حلوان، قصر السلطانة ملك التى تحولت إلى مدرسة مصر الجديدة للغات، قصر الأمير عمر طوسون الذى أصبح مدرسة شبرا، وقصر سعيد حليم الذى تحول إلى مدرسة الناصرية الإعدادية، وغيرها من القصور.
والواقع يؤكد أن ما تحمله تلك القصور من أهمية تاريخية وجمال أثرى يبهر الأبصار، إنما يعد فى ذاته ثروة إذا ما أحسن استغلالها فسوف تفيد كثيرا وتضيف إلى الوضع الاقتصادى وتحسن من المشهد السياحى بمصر،
فلم لا تقوم وزارة السياحة والآثار بتنظيم معارض خارجية ودولية لمقتنيات القصور الملكية تلك، وهو ما سيؤدى إلى زيادة الموارد المالية، وهذا بدوره سيسهم فى صيانة وترميم وتجديد هذه القصور الملكية؟
ملف نفتحه معا بمناسبة ذلك المؤتمر الصحفى الذى عقد بقصر محمد على بالمنيل، ورأسه الأمير عباس حلمي، حفيد الخديو عباس حلمى الثاني، حيث أعلن خلاله عن الانتهاء من ترميم عشر غرف من خمس عشرة غرفة، هى غرف القصر التى تحتاج عناية وترميما، كما أعلن عن عقد بروتوكول تعاون بين جمعية أصدقاء قصر محمد على والتى يرأسها، وبين جهة يابانية فى مجال العناية بالمخطوطات والأوراق التى مر عليها مئات السنين.
وربما يحيلنا هذا الأمر لتساؤل مهم: ترى هل تحتاج تلك القصور لاهتمام أكثر من الدولة ممثلة فى هيئة الآثار، خاصة إذا ما عرفنا أن قصرا كقصر محمد على بالمنيل، يؤمه ما يزيد على سبعة آلاف زائر يوميا، ويعد ثانى أكبر المتاحف زيارة بعد متحف التحرير سابقا..
أفلا يحتاج الأمر لبعض التفات وتفكير فى استغلال أكبر لجمال وأهمية تلك القصور؟
والغريب اكتشافنا منع المتحف لزيارة الحدائق الوارفة داخله، والتى تعد فى ذاتها تحفة طبيعية من صنع الخالق، وجديرة بجذب عشاق الطبيعة أكثر من عشاق التحف وجدران القصور.. الأمر حقا بحاجة لدراسات من متخصصين، لوضع خطة كيفية استغلال تلك الثروات القابعة على أرضنا.
وفيما يلى دعونا نلقى الضوء على بعض تلك القصور بشيء من الاختصار، لبيان أهميتها وجمالها المعمارى والأثرى الأخاذ.
قصر رأس التين
فى عام 1834، أمر محمد على بتشييد قصر رأس التين فى الإسكندرية على هيئة حصن، ليكون مشابها لمقر حكمه فى قلعة صلاح الدين بالقاهرة، ووضع تصميمه المهندس الفرنسى سير يزى بيك، واستغرق بناؤه 13 عاما، ولم يتبق من النسخة القديمة سوى البوابة التى تحمل اسم الباشا، وبعض الأعمدة الجرانيتية.
أصبح مقرا صيفيا للحكم فى عهد الخديو إسماعيل، وأنشئت محطة قطارات داخله لتسهيل انتقال العائلة، وأعاد الملك فؤاد بناء القصر وجعله من ثلاثة طوابق، فصار مبناه وأثاثه أكثر جمالا وعصرية، كما بنى على جزء من مساحته مسجدا بطابع معمارى متميز، ومن بعده أنشأ ابنه الملك فاروق مبنى للأميرات.
قصر القبة
وهو أحد أهم القصور الملكية، بناه الخديو إسماعيل على أطلال منزل قديم لوالده إبراهيم باشا، واستمر البناء 6 سنوات وافتتح رسميا فى يناير 1873 بحفل زفاف الأمير محمد توفيق ولى العهد، ما ربط القصر لاحقا بالمناسبات وحفلات الزفاف الأسطورية للعائلة.
يعد من أكبر القصور لكونه بمساحة 190 فدانا تقريبا، وقد جاء اسمه نسبة لمبنى قديم من عصر المماليك كان يعرف باسم «مبنى القبة»، وقد أحاطت به بحيرة مائية كانت مقصدا لكثير من أبناء العائلات الكبيرة والطبقة الراقية وقتها بغرض الصيد والتنزه.
قصر عابدين
يعد جوهرة القرن الـ19، شهد على 90 سنة من ذاكرة الحكم منذ بنائه إلى ثورة يوليو وإعلان الجمهورية، بناه الخديو إسماعيل على أطلال منزل قديم يملكه عابدين بك، أحد أمراء الأتراك، وكان يشغل وظيفة أمير اللواء السلطانى.
وعندما بدأ العمل، ردمت عدة برك فى المكان وسويت بالأرض، إضافة لشراء عدة مبان ملاصقة وإزالتها، وظل الخديو على تلك العادة عدة سنوات بغرض توسعة القصر حتى صارت مساحته 25 فدانا تقريبا، وقد كان مع الميدان الذى يتصدره مركز المدينة الجديدة، التى أنشأها الخديو على غرار باريس وكبرى العواصم الأوروبية.
قصر الاتحادية
وصفه البعض بـ«ألف ليلة وليلة»، فقد صمم المعمارى البلجيكى إرنست جسبار فندق «هليوبلس بلاس» فى مصر الجديدة مطلع القرن العشرين، ليصير واحدا من أهم وأشهر دور الضيافة بمصر والعالم، بفضل طرازه المعمارى المميز وفخامته اللافتة، ومن أهم نزلائه «ميلتون هيرشى مؤسس ومالك شركة الشوكولاتة الشهيرة، والمصرفى الشهير جون مورجان، وألبرت الأول ملك بلجيكا وزوجته الملكة إليزابيث دو بافاريا».
فى عام 1958 اشترته الحكومة المصرية مع الأراضى المجاورة له بـ700 ألف جنيه، واستخدمته مقرا للحكومة المركزية، وفى رئاسة السادات عام 1972 اتخذ مقرا لاتحاد الجمهوريات العربية بعضوية سوريا وليبيا، ومن وقتها عرف باسم الاتحادية. وخلال الثمانينيات، وضعت خطة صيانة شاملة حافظت على طابعه القديم، ليعلن بعدها مجمعا رئاسيا، وجرى تسجيله عام 2018 ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.
ويعد «الاتحادية» مزيج مبدع من العمارة الشرقية والإسلامية، ويمتاز بأعمال الديكور وزخارف الرخام والمرمر، وجماليات الصحون والقباب والمقرنصات والأطباق النجمية وفنون الأرابيسك والشبابيك الجصية والزجاج الملون، ومساحته الكلية 53 ألفا و126 مترا مربعا منها 10 آلاف و671 مترا للمبنى المكون من بدروم وثلاثة طوابق.
قصر محمد على بالمنيل:
ويعد قصر الأمير محمد على بالمنيل أو كما يعرف حاليا بمتحف محمد على تحفة فنية نادرة فى طرازه المعمارى المميز، ويضم طرز فنون إسلامية متنوعة ما بين فاطمى ومملوكى وعثمانى وأندلسى وفارسى وشامي، وقد بدأ بناؤه فى عام 1901 على مساحة 61711 مترا مربعا، منها 5000 متر تمثل مساحة المباني، كان ملكا للأمير محمد على ولى عهد مصر والابن الثانى للخديو توفيق، وتولى الأمير محمد على منصب ولى العهد ثلاث مرات على مدار حياته إلا أنه لم يصل لكرسى العرش فى أى منها.
ويعد القصر تحفة معمارية فريدة، ويشتمل القصر على ثلاث سرايات هي: سراى الإقامة، وسراى الاستقبال، وسراى العرش، بالإضافة إلى المسجد، والمتحف الخاص، ومتحف الصيد، وبرج الساعة، ويحيط به سور على طراز أسوار حصون القرون الوسطى، فيما تحيط بسراياه من الداخل حدائق تضم مجموعة نادرة من الأشجار والنباتات، ويستخدم القصر حالياً كمتحف.
واختار أرض القصر الأمير محمد على بنفسه، وأنشأ فى البداية سراى الإقامة ثم أكمل بعدها باقى السرايا، وقام الأمير بوضع التصميمات الهندسية والزخرفية، والإشراف على البناء، فيما قام بالتنفيذ المعلم محمد عفيفي، وأوصى الأمير أن يتحول القصر بعد وفاته إلى متحف.
فى عام 2005 أغلق القصر وبدأت أعمال ترميمه التى استمرت 10 سنوات حتى أعيد افتتاحه فى عام 2015، واشتملت أعمال الترميم على إجراء أعمال الصيانة المتكاملة لجميع بنايات القصر بما فى ذلك الزخارف والقاعات، وأعمال تنظيف اللوحات والزخارف وترميم المقتنيات الأثرية، بالإضافة إلى إعادة تركيب السقف الأثرى بسراى العرش الذى سقط نتيجة عوامل الزمن، واشتمل المشروع أيضاً على إنشاء مبنى إدارى يضم معملاً مجهزاً لأعمال الترميم الدقيق، وقاعة للمحاضرات، وأخرى لعرض المنسوجات.