ستظل عبارة «أبوسليم» الشهيرة فى فيلم «الأرض» ليوسف شاهين، تأليف عبدالرحمن الشرقاوى.. مقياساً لبيان الفارق بين جيل وجيل آخر، أداء الممثل القدير «محمود المليجى» بعفوية طبيعية دون تمثيل أو انفعال أو تشنج، قالها ليرد على أهل قريته عن أسباب انصراف الناس عن هموم بعضهم، ويقول فى مرارة بعد أن ضم يده وخبط بها صدره: «لما كانت حياتنا متعلقة بشعرة وبيننا وبين الموت خطوة واحدة ما خفناش هجمنا بصدورنا عليه»، لأننا كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة» قالها وهو يُشاهد «محمود بك» هذا الثرى الذى استطاع بعلاقته أن تفتح له الحكومة طريق أسفلت إلى قصره مباشرة دون أن يمر على مساكن أهل القرية، وهذا الطريق احتاج الاستيلاء على بعض الأراضى من القرية، وكانت أرض أبوسليم ضمن أصحاب الأراضى التى سوف يأكلها الطريق، ولكن للأسف كان رجالة أهل القرية غير رجالة، أهل القرية أثناء ثورة 1919 عندما قاموا وتصدوا بصدورهم للاستعمار الإنجليزى دون خوف من موت أو سجن، استطاعوا أن يحصلوا على ما أرادوه وعاد سعد زغلول من المنفى، وبذلك جاء هذا المشهد الذى لا يُنسى ليؤكد أن الأوطان برجالها، وإذا وجدوا لا يستطيع أحد على ظلمهم.
لم نقصد أحدًا!!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حسين حلمى
إقرأ أيضاً:
مصر التى فى خاطرى
الشعوب تدافع عن أوطانها ضد أى تهديد خارجى، إلى حد الموت فى سبيل قدسية واستقلال ترابها، ليس لأنها تنعم بالأمن والاستقرار فى ظل أنظمة سياسية معينة، ما يفرض عليها الحفاظ على هذه النعمة وحتى لا يهددها مصير دول تنهار وأمم تموت جوعا وحربا. الأصوب أن نقول إنها تفعل ذلك وتعتبره واجبا مقدسا لأنها شعوب حرة فى أوطانها، تنعم بالمساواة أمام القانون، وبتكافؤ الفرص بين الجميع، وبحريتها الكاملة فى اختيار نظامها السياسى. الشعوب تموت فى سبيل حرية أوطانها لأن حريتها جزء من حرية هذه الأوطان، ولأن كرامتها المصانة فوق ترابها الوطنى أغلى من كنوز وإغراءات قياصرة العالم وكبار المستعمرين والغزاة.
الأمن والاستقرار لأى وطن مسئولية طبيعية لأى نظام سياسى، والمعنى الأشمل للأمن والاستقرار لا يجب أن نقصره على المفهوم الأمنى الضيق الذى يعنى أنك آمن على بيتك وأهلك ومالك.. المعنى الأكبر لمفهوم أمن الأوطان أن يكون الناس آمنين على استقرار قواعد الحكم الرشيد، وآمنين على قدرة برلمانهم المنتخب منهم على الفرز والتقييم والمحاسبة، وآمنين على أن العدالة الناجزة هى من قواعد الحكم الراسخة التى بدونها يفقد أى نظام شرعيته وأسباب استمراره. الفرنسيون، قاوموا حكم هتلر الذى دهس باريس بالدبابات والأحذية صيف يونيو 1940، رغم تشكيل حكومة فيشى الموالية للنازية وعلى رأسها المارشال الفرنسى فيليب بيتان، الذى حكم عليه بالإعدام بعد انتهاء الحرب، ثم خفف الجنرال ديجول رئيس فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية وقائد المقاومة الجرىء والعنيد، الحكم للسجن المؤبد.
الفرنسيون هؤلاء، لم يستميتوا فى الدفاع عن بلدهم فرنسا لأنهم قبل الغزو النازى كانوا يرفلون فى نعمة «الأمن والاستقرار» ولكنهم قاوموا لأن فرنسا – مونتسكيو، وجون لوك، وتوماس هوبز، وجان جاك روسو، وفولتير، وموليير وجان بول مارا "مفكر الثورة الفرنسية- فرنسا الحرية والعدالة والمساواة وقواعد الحكم الرشيد لا يمكن ولا يجب أن تموت، وتطفأ هكذا أنوار التاريخ تحت وطأة مذبحة جغرافية نازية.
الشعب المصرى ليس استثناء من قاعدة الشعوب التى تقدس الحرية، وبرغم قسوة التاريخ الممتد من آلاف السنين عليه، إلا أن ضمير الحرية داخله لم يمت لحظة، وهذا الضمير لم يقايضه بلقمة عيش وسقف بيت يستظل به. الحضارة المصرية القديمة وبكل تأثيراتها المسافرة عبر الأزمان هى حضارة حرية وجمال وسعى نحو تحقيق الذات. لم يكن تأمل المصريين لما بعد الحياة وانشغالهم بالبعث سوى رغبة ونشوة بفكرة العدالة التى إن لم تتحقق فى الحياة، فلنبحث عنها فيما وراء الحياة.
مصر فى أمان حقيقى بثقة كل مصرى أن الوطن بيته الكبير، وأنه شريك فى كتابة التاريخ، وليس عابر سبيل على هامش صفحاته.