رحلة أبو زيد العماني ..تخبطات في الأماني والطرقات
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
تجول بنا أحداث رواية "رحلة أبو زيد العماني" بين ولايات عديدة من سلطنة عمان وتحملنا معها إلى تلك المناطق الجميلة بين ربوع العاصمة مسقط. رواية ثرية للكاتب محمد بن سيف الرحبي صدرت عن دار بيت الغشام للنشر والترجمة، استطاع من خلالها كاتبها أن يعرض العديد من القضايا التي ناقشها بكل موضوعية. من هذه القضايا ما يخص الدين والسياسة والواقع الاجتماعي والاقتصادي ومواضيع أخرى لها طبيعتها وثقلها على أرض الواقع.
وتمكن الكاتب من أن يربط بطلَي روايته في شخصية واحدة، وهما عاشقان حاولا أن يتوجا قصة حبهما بالطريقة الشرعية، ولكن الظروف وضعت أمامهما الكثير من العراقيل والعثرات، ومنها فقر وبساطة ذلك الشاب ومكانته الاجتماعية وأوضاعه المعيشية. أدى ذلك إلى أن يقف السد عالياً أمام طموح حبه واقترانه بمحبوبته.
تبرز لنا الرواية قضية اجتماعية شبه منتشرة، خاصة في الآونة الأخيرة، فتجد البطل ذاته شخصاً مواظباً على صلواته، نافعاً لبلده، يكدح ليلاً ونهاراً في سبيل تأمين قوت يومه ويسعى لبناء مستقبله، ولكن ما ذنبه حينما يعجز أمام شظف الحياة ويضطر لأن يعيش حياة الفقر والبساطة؟
يتقدم بطلنا للزواج رغم تردده المتكرر بعد أن يستعرض طبيعة حاله وسوء ما أوصلته إليه ظروفه الاجتماعية والمادية، التي تتناقض مع طبيعة حال ذوي حبيبته المعروفين بالمكانة الاجتماعية والظروف المعيشية المتصفة بالرخاء، مما يجعل أمر ارتباطه بابنتهم موضع رفض وإنكار.
ولا تتوقف المعاناة عند البطل بل شملت تلك الفتاة العشرينية الجميلة التي عانت كثيراً من ممانعات الأهل ورفضهم. فقد كان أبوها يهتم كثيراً لهذه النقاط الخلافية التي سماها أسساً لا يمكن التفريط بها بعيداً عن اهتمامه براحة ابنته التي سعى لأن يكون مستقبلها كزوجة أحد أصحاب المال أو المناصب أو القبيلة الفلانية المعروفة بمكانتها.
في هذه الرواية عاش البطلان رحلة حب حزينة وسعيا للتوصل إلى طريقة للقائهما بصورة شرعية، ولكن أملهما خاب. ولكن الحب الدائم يكون بالاتصال الشرعي الذي سنّه الله لنا في القرآن الكريم، وحدثنا رسولنا عليه الصلاة والسلام عنه وعن فوائده، وذلك ضمن إشهار رسمي معلن. وقد أوضح لنا الكاتب هذا الأمر ضمن فقرات عديدة، وذلك بشكل استبياني محاط بأسلوب ذكي وجميل.
يعيش الحبيبان في دوامة من الأسى والاشتياق على أثر غربة صعبة وفراق ألزم عليهما تحمل مشاقه بثقل شديد. برز ذلك التعلق الذي سيطر على قلب الشاب وتصرفاته التي برزت ضمن كلمات تلك الرواية التي أفرد فيها الكاتب مجموعة من الجمل الوصفية التي تضمنت دراسة لغة الجسد وفلسفة حركاته وتبرير أفعاله، وهي علوم لا تعد مقبولة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
ويظهر البطل وقد اعتاد على القيام بأفعال غريبة بعيدة عن سيطرة عقله إلى أن تجره الصدفة ليتعرف على أحد أفراد جماعة تتخذ من الإسلام قناعاً لأفعالها المشبوهة.
يجد الشاب نفسه واقعاً ضمن شباك تلك الخلية وتجبره على القيام بأعمالها المشبوهة، إلى أن يجد نفسه معتقلاً في أحد سجون بلاده، حيث قضى فيه عدة سنوات قبل أن يخرج بعفو عام.
ومن بين الاقتباسات التي سمحت لنفسي أن أختارها من الرواية:
(ها أنا أجر قدمي للمرة الأولى خارج حدود زمني الذي عشته في معتقلي، ودعت سجاني وقرأت ما جاد الله به علي من أدعية. للمرة الأولى، منذ أكثر من عام، تسير قدمي أكثر مما اعتادته من مسافات كانت تفصل بين الزنزانة ودورة المياه).
من خلال قراءة هذه الرواية الشيقة، نستطيع تصنيفها ضمن عدة محاور لأنها امتزجت بأدب السجون والرومانسية وتدخل في الفلسفة أيضاً.
ينهي لنا الكاتب سرده المثري الذي يبين لنا من خلاله أن الدين ليس بتكبير اللحى أو تقصير الثوب، بل الدين دين السماحة والقلب الطاهر والنقي، وقد كان يقصد بفكرته أن الإيمان بعيد كل البعد عن الخزعبلات المتطرفة.
يعيش البطل مكابدته العاطفية باحثاً عن حلمه واجتهاداته الدينية، مفتشاً عن روحانية تعيد السكينة إلى روحه، كما يعيش مكابدته مع السياسة بعد أن وجد نفسه في المكان الخطأ، حيث اشتعلت في ثوبه النيران دون أن يحسب لذلك حساب.
* محمد الزعابي كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الألعاب الافتراضية تجسد الرقص العماني في معرض القاهرة للكتاب| شاهد
في تجربة تجمع بين الحداثة والتاريخ، يشهد جناح سلطنة عُمان في معرض القاهرة الدولي للكتاب إقبالًا كبيرًا على أحد أبرز فعالياته المبتكرة، حيث تتيح الألعاب الافتراضية VR للزوار فرصة استكشاف وتجربة الرقصات التراثية العُمانية بأسلوب تفاعلي جذاب.
تقنية حديثة تحيي التراث
داخل الجناح، يجد الزائر نفسه أمام شاشة عملاقة ونظام محاكاة افتراضي يمكّنه من التفاعل مع الرقصات التقليدية العُمانية وهي رقصات شعبية تعبر عن الثقافة العُمانية العريقة، باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR)، يرتدي المشاركون نظارات خاصة تمكنهم من الدخول إلى عالم رقمي يحاكي البيئة العُمانية، حيث يتعلمون الحركات التقليدية ويتفاعلون مع المؤثرات الصوتية والبصرية التي تعكس أجواء الاحتفالات العُمانية.
إقبال واسع وتفاعل جماهيري
شهدت هذه الفعالية إقبالًا كبيرًا من رواد المعرض، من مختلف الفئات العمرية، حيث عبّر العديد منهم عن إعجابهم بتجربة المزج بين التراث والتكنولوجيا. وقال أحد الزوار: “لم أتخيل يومًا أنني سأتمكن من تعلم الرقص العُماني بهذه الطريقةالممتعة، إنها تجربة رائعة تجعل التراث أكثر قربًا من الأجيال الجديدة.”
تأتي هذه المبادرة ضمن جهود سلطنة عُمان في الترويج لتراثها الثقافي وتعريف الجمهور العربي والدولي بعاداتها وتقاليدها بأسلوب حديث يتماشى مع التطور التكنولوجي. كما يعكس هذا الدمج بين الواقع الافتراضي والفنون الشعبية حرص السلطنة على الحفاظ على هويتها التراثية مع تبني أساليب عرض معاصرة.
يستقبل معرض القاهرة الدولي للكتاب زواره يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الثامنة مساءً، مع تمديد ساعات العمل يومي الخميس والجمعة حتى التاسعة مساءً. تأتي هذه الدورة في إطار خطط التطوير المستمرة التي تتبناها الهيئة المنظمة، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 واستراتيجية الجمهورية الجديدة. يُبرز المعرض هذا العام التزام الدولة المصرية بالتحول الرقمي ودعم العدالة الثقافية، ليعكس التوجه نحو المستقبل ومواكبة التحولات العالمية.
تُشارك سلطنة عمان كـ”ضيف شرف” للدورة السادسة والخمسين، مما يُضيف بُعدًا ثقافيًا جديدًا يعزز من التعاون الثقافي العربي. كما اختارت اللجنة الاستشارية العليا العالم الراحل أحمد مستجير ليكون “شخصية المعرض”، تكريمًا لإسهاماته الفكرية والعلمية. وفي خطوة تعكس اهتمام المعرض بفئة الأطفال، تم اختيار الكاتبة فاطمة المعدول لتكون “شخصية معرض الطفل”، تقديرًا لدورها البارز في مجال أدب ومسرح الطفل.