مثقفون عرب: يجب التصدي لظاهرة الجهل باللغة
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
- أحمد شافعي: لا أجد مبررا واحدا يجعلني أشتري كتابا قد يلوث لغتي
- عبدوالوهاب أبوزيد: لا أحترم كل من يتهاون مع الأخطاء ولا يقيم للغة كبير اعتبار
- محمد موافي: الأخطاء التي لا تدل على الجهل التام يمكن مغفرتها
- د.فهد حسين: يجب أن نخفف حملات التشهير على أخطاء المبدعين
- عبد الهادي سعدون: النحو عماد كل لغة.
- فدوى العبود: الكاتب الجيد هو قارئ جيد وتكون أخطاؤه مقبولة
- بدر العبري: الأخطاء تؤثر على المعنى كما تؤثر على القارئ
- عبير داعر اسبر: الهمزات كانت ولا تزال حتى الآن جحيمي الخاص!
- عمرو العادلي: لو زادت الأخطاء عن عشرين خطأ نصبح أمام مشكلة
يفاخر بعض الكتَّاب على السوشيال ميديا بأنهم يجهلون النحو، فهو في اعتقادهم لا يضيف شيئا للغة، مؤكدين أن القراء سيفهمون المعنى في جميع الحالات، بغض النظر عن (نصب فاعل) أو (رفع مفعول به)، وفي المقابل هناك كتَّاب يرون أن أخطاء اللغة الزائدة عن الحد، عند أي روائي أو قاص أو شاعر أو أكاديمي جريمة لا تُغتفر.
في هذا التحقيق يتحدث أدباء عرب عن قضية الجهل بالنحو وحدود الأخطاء المقبولة في كتاب، وهل يجب أن تكون نسبة الأخطاء أحد معايير لجان التحكيم في الجوائز العربية المختلفة.
الشاعر والروائي والمترجم المصري أحمد شافعي اشتهر على الفيسبوك بقلمه الأحمر، إذ يراجع بعض الكتب وإن تجاوز صاحبها الحدود المقبولة للأخطاء يكون على موعد مع نقدٍ قاسٍ من شافعي. يقول: "يخطر لي حينما أقرأ كتباً تفضح جهل مؤلفيها بأوليات الكتابة، ومنها اللغة، أن الأدب هو "البطة السوداء" بين الفنون. فما من فن آخر يجترئ عليه هواته، فيتحولون من متلقين له إلى منتجين. كم محباً للسينما خرج من قاعة العرض فأخرج فيلماً؟ برغم أن في أيدينا جميعاً هواتف ذكية ينفذ بها المدربون أفلاماً. ولكن يبقى معلوماً للجميع أن إخراج فيلم أمر يقتضي امتلاك تقنيات بالدراسة أو التدريب العملي الشاق. وكذلك حال كل الفنون إلا الأدب. لأن مادة الأدب هي اللغة، وكلنا يتصور أنه يمتلكها. لكن الحقيقة أن ما نملكه من اللغة هو ما يمكن استعماله، والتواصل به. بينما الأدب تعطيل لهذه الوظيفة في اللغة، يبلغ أقصى درجاته في الشعر، لكنه موجود بدرجة ما في كل فنون الأدب. أن تتحول اللغة من أداة إلى هدف، من وسيلة تُستَعملُ، إلى غاية للتأمل. لذلك تدهشني دعاوى البعض بأن السلامة اللغوية أمر يمكن أن يحققه المصحح، أو يتغاضى عنه القارئ، وأرى فيها جهلاً بماهية الأدب نفسه، وبأن مادته الخام ليست الأفكار أو الحكايات أو الخيال، وإنما اللغة في المقام الأكبر".
يصر شافعي على عرض نصوصه على مصحح لغوي أو اثنين من خلال الناشر، ويصر أن يطلع على كل تغيير منه أو منهما، ويناقش التغييرات، ويتعلم، كما يقول، ويدين للمصححين بتطور إجادته للغة العربية، التي ينبغي أن نعترف أنها ليست لغتنا الأم ولكنها لغتنا بالتبني أو هي ابنتنا لا أمنا. يعلق: ".. ونعم، لا أرى فقط أن السلامة اللغوية يجب أن تكون معيار التصفية الأول في المسابقات الأدبية، وإنما عند اقتناء الكتب. فلا أجد مبررا واحدا يجعلني أشتري كتاباً قد يلوث لغتي، ويجعلني بالإلحاح أستسيغ الخطأ. ولكن الكمال مستحيل. وأكابر مبدعينا وأعلمهم باللغة لا ينجون من هفوات هنا أو هناك. وفي قراءاتي صادفت أخطاء عند كتَّاب لا يتوقع المرء منهم الخطأ. وهذا ما أتسامح معه، وأراه نقصاً طبيعياً في الإنسان. لكن الخطأ اللغوي عموما شأن النشاز في الأغنية، أو خطأ الراكور في الفيلم، أو اختلال النسب في اللوحة، نقيصة في تأسيس الكاتب، وقبح لا بد من مكافحته".
النحو هو القصد
الروائي المصري محمد موافي يقول إن النحو هو القصد، وهو أيضاً ماذا تقصد بكلامك، من الفاعل ومن الذي وقع عليه أثر الفعل. النحو يدلنا على الإعراب وهو كما وصفه صاحب مقاييس اللغة: "الإبانة عن المعاني بالألفاظ" هو الفرق الواضح بين (أكرم محمدٌ أباه) و(أكرم محمدًا أبوه).
وبحسب موافي لو شرحت لتلميذٍ صغير، معنى النحو، لقلت إنه ينظم العلاقة بين الكلمة والجملة، هو عمود كلامنا الفقري. هل يمكن أن نمشي بلا عمود فقري؟! ولو ارتفعنا بالشرح لذكرنا كلام الجرجاني وتعليق الكلام ببعضه، فالكلمة تحدث نتيجة لكلمة قبلها، وهذا يقودنا لمصطلح (النظم) أو الأسلوب، وهو الأساس والفيصل المميز بين كاتب وغيره.
موافي يؤكد أن النحو غير مهم عند فئة تجهله وتجهل سبب نشأته، لافتاً إلى أنه وُضع بالأساس لتجنب الفهم الخاطئ عند القارئ والمتكلم، فما الحال لو كانت الأخطاء النحوية صادرة عن كاتب يُفترض أنه يستطيع ترجمة ما في عقله على الورق، وأن ينقل المعنى من الحياة إلى الناس؟!.. وأجاب على نفسه: "ليس مطلوبًا من الكاتب أن يكون مدرسًا للنحو، عارفًا بكل قواعده. وأيضًا لا كتابة بغير أساسيات وبديهيات".
أسأله: "ما حدود الأخطاء التي يمكن أن تغتفر في عمل أدبي واحد؟" فيقول: هي الأخطاء التي لا تدل على الجهل التام. لكن من الوارد أن أكتب (كان المساء لطيفًا). ثم أراجع فأحذف (كان) وأنسى أن أصحح (لطيفًا). ولو كان كلامنا عن الكتابة بكل فروعها، فهل مقبول أن يرفع شاعرٌ مفعولًا أو ينصب فاعلًا!
أعود لسؤاله مجدداً: هل يجب وضع أخطاء اللغة في تحكيم الجوائز؟ فيرد: "اسمح لي: أرد على سؤالك بسؤال: ماذا لو أن أحد أعضاء لجنة التحكيم جاهلٌ بالنحو، ولا يرى له مكانة؟ والكلام ينسحب على اللغة، التي رآها (دو سوسير) التقاليد الضرورية التي تبناها المجتمع ليساعد أفراده على ممارسة مَلَكة اللسان. هل يمكن أن يقع كاتب إنجليزي أو ألماني في أخطاء بالـ(Grammar)، أن يكون جاهلًا بالفرق بين الماضي البسيط والتام؟".
نسبة الخطأ المقبولة
الناقد البحريني الدكتور فهد حسين يعود بالذاكرة إلى أيام الدراسة، حيث أخبرهم البروفيسور آنذاك أن الدراسات الأكاديمية، كالماجستير والدكتوراه تقع فيها بعض الأخطاء اللغوية، ولكن ينبغي ألا تتجاوز هذه الأخطاء ما نسبته ١٠٪ من متن النص نفسه، فهو أمر يكاد يكون طبيعيًا على الرغم من أن كل دارس وكاتب يطمح أن يكون ما يدوِّنه خاليًا من الأخطاء جملةً وتفصيلًا، لكن الأخطاء واردة.
ويعلق: "الكثير من الكُتَّاب يقعونَ في هذا المطب دون قصد، وأنا واحدٌ منهم، ولكن نحن معشر الكتاب على يقين أن هناك أخطاء يقع فيها الكاتب دون أن يشعر بحكم طبيعة الكتابة على الحاسوب، وتداخل بعض الأحيان الحروف تقديمًا وتأخيرًا وترتيبًا، وبالمناسبة قالها لنا أستاذ اللغة الفارسية بالجامعة، (عينك تسبق لسانك)، الأمر الذي ينطبق على الكتابة أيضًا، لهذا لا بد من وجود ما يُسمَّى بالمصحح اللغوي".
ويضيف: "لا ينبغي أن نصب جام غضبنا ولومنا على كاتبٍ جاءت كتابته محملة ببعض الأخطاء، إذ علينا أن نحسن النظر في هذا النص وهل هو يشكل فكرًا أو ثقافةً أو وعيًا أكثر مما ننظر إلى طبيعة الأخطاء به، مع العلم أنه مهما حاولنا التخلص من الأخطاء إلا أنها تقعُ، ولكن إذا كان الكاتب لا يعي طبيعة الكتابة، وفق القواعد النحوية والأساليب البلاغية والنظرة الجمالية فمن الاحتمال الكبير الوقوع في الكثير من هذه الأخطاء".
وفيما يتعلق بالجوائز ومدى النظر إلى الأخطاء، فهذا، بحسب فهد، يعتمد على نوع الجائزة، ومعاييرها، ومدى الأثر المترتب على هذه الأخطاء، وخاصة تلك التي تغير لك الدلالة والمضمون، مع الإشارة إلى حصول أعمال على جوائز، بها بعض الهفوات والأخطاء، لهذا يتصور أن نخفف من حملات التشهير في هذا الموضوع، إذ حينما نجد فيه الأخطاء وقد تكررت، على القارئ التواصل مع الكاتب وإعلامه بالأمر، أفضل كثيرًا من التشهير والسخرية والحديث أمام الناس أو على الصحف ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
عماد اللغة
من جهته يعتقد الروائي والأكاديمي العراقي المقيم في مدريد عبدالهادي سعدون أنه لا يمكن التساهل مع الكتب المليئة بالأخطاء النحوية، لأن النحو عماد كل لغة، وهذا ما نراه ونشهده مع لغات عالمية أخرى. وهذا بحد ذاته ليس له علاقة إطلاقا مع ما يُروجُ على أساس أن اللغات تتطور وتتغير مع مرور الزمن، وهو تطور وتغيير من ضمن سياق اللغات نفسها وليس طارئاً عليها أو إقحاماً لأشياء أخرى بعيدة عنها. ولكن من الحق التأكيد على أن اللغة العربية الأصل وهناك تفرعات لها هي عاميات اللغة العربية حسب أي بلد، وهو ما يمكن أن يؤثر فيها ويدخلها في منطقة التساهل وتمرير الخطأ كجزء من تسهيل اللغة العربية الذي يدعو له دعاة أخطاء اللغة وعملية التجاهل الكامنة في الكتابة باللغة العربية.
وبحسب سعدون فالتساهل يمكن أن يكون من ضمن حواريات العمل الأدبي، إذا سمح الأمر ووجدنا ضرورة له، أي التعبير بالعامية ودون تنبه للنحو والقواعد اللغوية، وهذا يعتمد على ماهية العمل نفسه وضرورة التعبير به، ونماذجها موجودة بكثرة في أعمال نجيب محفوظ مثلاً أو غائب طعمة فرمان وكتَّاب آخرين. لكنه تساهل ممتع ومن ضمن سياقات التعبير اللغوي للشخصيات المتحدثة بلهجاتها وداخل عملية الحوار نفسه، وهنا القارئ والكاتب متنبِّه لها وعلى وعي تام بها.
وينهي حديثه قائلاً: "التساهل مرفوض، ولا يجب أن يكون قاعدة للعمل، لذا فالجوائز والمؤتمرات والكتب والمجلات أو أي وسط كتابي محتمل، عليه الاهتمام بالأمر والإشارة له ومجابهته بالرفض وعدم القبول. الكتابة باللغات المحلية العامية لأي بلد ظاهرة موجودة وهناك من يبدع بها، لكن هذا شأن آخر. العربية تتطور مثلها مثل كل لغة عالمية، ولكن ليس على حساب قواعدها ونحوها وأصول كتابتها".
على ذمة الكاتب
الكاتبة السورية فدوى العبود لا تستعين بمُراجع لغوي عادة، وإنما ترسل مخطوطاتها لأصدقاء، وهي تعتقد أن أغلب الكتَّاب يتبادلون مخطوطاتهم قبل إرسالها لدار النشر، ليس من أجل التدقيق اللغوي وحده طبعاً فهناك أيضاً آراء تتعلق بالبناء ورسم الشخصيات.. إلخ، مؤكدة أن بعض دور النشر لا تراجع وليس لديها مدقق ولا محرر، بل تطبع الكتاب على ذمة الكاتب. تحت شعار لسنا مسؤولين عن هفواتك اللغوية. وتعلق: "لا أتفق مع فكرة أن النحو غير مهم بل أقول هو غير جوهري، ما يهم هو الأسلوب، والعبارة واللغة وتركيبها. لكن قد تحدث أخطاء نحوية هنا وهناك. وهذه يمكن تلافيها في دور النشر المحترفة".
وتضيف: "الكاتب الجيد هو قارئ جيد بالأساس، وتكون أخطاؤه اللغوية مقبولة في حدود معينة. أقصد لن يرتكب جرائم كثيرة في هذا الخصوص. مرة كتب فولتير (أفركُ لغتي حتى أُدميها) وهذا يعني أن الكاتب الجيد يعمل على نفسه كثيرا، ويكون منتبها للصياغة اللغوية، ولتركيب عباراته، وهذا سيجنِّبه الوقوع في أخطاء نحوية كثيرة".
وفيما يتعلق بالجوائز تقول: "ربما يغفر السرد الجميل والعبارة الموحية بعض الهفوات اللغوية. تخيل مثلاً أن يفوز عمل لغته بدون خيال لكن مُدقق نحوياً وأن يُنحى عمل آخر لغته جميلة وموحية وعميقة فقط بسبب بعض الهفوات. في كل الأحوال هناك حدود للهفوات لا يمكن تجاوزها. والكاتب الجيد يعرف إيقاع الكلمات أحيانا دون أن يكون دارساً للنحو. بل ستكون هفواته في الحد الأدنى. إن للكلمات نغمة وروحا. وهو يدركها ويسمعها ويشعر بها. وما فائدة النحو إن جف الخيال؟!".
مراجعة ذاتية
الكاتب العماني بدر العبري يؤكد أنه شخصياً لا يستعين بمراجع لغوي لسببين: أولاً لأن لديه معرفة لا بأس بها في اللغة، فقد درسها لفترة طويلة، وثانياً لأن كتابة المقالات المستمرة في الصحف ووسائل التواصل شكَّلت تمريناً دائماً له، ومع هذا يستفيد من نقد وتصويب وآراء القراء، لأن الكاتب يكتب من عقله الباطني، فتكون نظارته ملونة، ولا يلتفت إلى بعض الأخطاء، وأما القارئ فيقرأ ببصره وبصيرته، فتكون نظارته محدبة، لهذا يكتشف مثل هذه الأخطاء، ويقول: "مراجعة دور النشر لغوياً لا بد منها، وهي كافية إن كانوا صادقين في اهتمامهم".
أسأله: ما رأيك في قول البعض بأن النحو غير مهم وأن أخطاء لا يجب وضعها في الاعتبار؟ فيجيب: "طبعاً لا أوافق على هذا الرأي، فالأخطاء أحياناً تؤثر على المعنى، كما تؤثر على القارئ، فيشعر بعدم الارتياح، لأن اللغة الفصحى لغة التواصل، ولها جمالها بالتناسق النحوي والصرفي والإملائي، لهذا الاهتمام بها ضرورة كتابية".
أما عن حدود الأخطاء التي يمكن أن تغتفر في عمل أدبي فيقول: "لا يوجد عمل خالٍ من الأخطاء، نحوية أم صرفية أم إملائية، فهناك أخطاء بسبب الاستخدام الشائع، كالوجود والتواجد، وهناك أخطاء صرفية كعدم حذف حرف العلة في الفعل المضارع المسبوق بأداة شرط جازمة، وهناك أخطاء إملائية كعدم وضع الفاصلة المنقوطة في مكانها الصحيح، ولعل ما يُغتفر نسبيٌ، بمعنى يُغتفرُ إذا كان قليلاً، وبمعنى أن بعض القراء لا يلتفت إلى هذه الأخطاء، قلَّت أم كثُرت، ويركز على الروح العامة للنص، وهناك من القراء من ينزعج، خصوصاً الدارس أو المعتاد طبيعياً على سلامة اللغة، وهؤلاء قلة، ومع هذا ينبغي الابتعاد عن مثل هذه الأخطاء، وإن كانت واردة، ولكن أن تكون قليلة ومغتفرة، خصوصاً عندما لا تغير المعنى وتحتمل التأويل".
فيما يتعلق بتحكيم الجوائز والأخطاء يقول: "هذا يعتمد على نوع المسابقة، فالمسابقات في المجالات الشرعية والتراثية والتحقيقية والأدبية تكون اللغة جزءاً أصيلاً فيها، وأما المسابقات العلمية البحتة، فقد تكون درجة الاشتراط فيها أقل أو هامشية؛ لأن الغاية فيها الجانب العلمي".
حساسية ضد الأخطاء
الشاعر السعودي عبد الوهاب أبو زيد يعتذر في البدء "عن عدم احترامه لكل من يتساهل ويتهاون مع الأخطاء اللغوية ولا يقيم لها كبير اعتبار، لأن أمثال هؤلاء لا يحترمون لغتهم. يعلق: "أنا شخصيًّا لا أحترم من لا يحترم لغته (كي لا أستخدم تعبيرًا أكثر حدة وقسوة). اللغة، فضلًا عن كونها هوية وانتماء وكينونة، هي أداة الكاتب الأولية وربما الوحيدة التي يعبر بها الكاتب عما يريد التعبير عنه، ولا بد لمن يحدث نفسه بذلك ويقدم عليه من أن يمتلك أدوات لغته في مبادئها الأساس، ولا يطالبه أحد بأن يكون ضليعًا متبحرًا في اللغة وشؤونها بطبيعة الحال، ولكن أن يلم بمبادئها الأولية التي لا غنى عنها ليستقيم لسانه ويتوضح بيانه".
شخصيًّا لا يستطيع، عبد الوهاب أبوزيد، أن يكمل قراءة كتاب تكثر فيه الأخطاء اللغوية بأنواعها، النحوية والصرفية والإملائية، مهما بلغ الكتاب من شهرة ومهما أحرزه كاتبه من صيت وسمعة. ويرى أنه بطبيعة الحال لا يسلم أغلبنا من الوقوع في الأخطاء، ومن هنا تأتي أهمية المراجعة والتحرير والتدقيق وإعادة النظر. يقول: "ربما تكون حساسيتي نحو الأخطاء عالية وربما مبالغًا فيها مقارنة بآخرين، إلا أن ما يفسر ذلك ويعلله، فضلًا عن حبي للغتي واحترامي لها، هو عملي في مجال التحرير. لذا أجدني حين أقرأ كتابًا ورقيًّا، ومن دون سابق قصد أو تعمد أمسك بالقلم (قلم الرصاص غالبًا) لأضع الخطوط والدوائر حول مواضع الخطأ في كل صفحة".
بالنسبة لتحكيم الجوائز، يظن عبد الوهاب أن عليها وضع أخطاء اللغة في الحسبان لأنها مكون أساس وأداة أولية، كما نعرف جميعًا، لا غنى عن الإلمام بها والالتفات إليها، لتتكامل عناصر العمل الأدبي.
علاقة مرتبكة
الكاتبة السورية عبير داغر اسبر تبدأ كلامها بجملة: "انتبهي عبير.. هنا الفعل (مضارع) لكنه منصوب بأن المضمرة بعد حتى!"، ثم تعلق: "لسنوات اعتُبرت هذه الجملة نكتةً متداولة بين الأصدقاء في دوائري القريبة، فأنا لم أتقن مرة وظائف (أن) المعلنة ببهائها وجلالها، حتى أتعامل معها وهي مضمرة وبعد "حتى" تحديدا".
وتضيف: "أعتقد أني أعطيتك فكرة عن علاقتي المرتبكة بالنحو وبالإملاء؛ التي سببها من الأساس تعاملي المتسيِّب مع النحو والقواعد حيث لم أتلق تربية لغوية صارمة، فعذبني المثنى بنصبه، وجرِّه، ولم أفهم ضرورته من الأصل، فالمفرد مفرد والجمع هم أكثر من شخص، فما ضرورة استخدام صيغة التثنية من أصله، إلا كي تجلدني بتلاوينها الحربائية إن كانت مرفوعة، منصوبة أو مجرورة. ناهيك عن الهمزات التي كانت ولا تزال حتى الآن، جحيمي الخاص، فكسرت كبريائي الذي لاحقها بإصرار وهي تنتقل كجندب فوق الألف، تحت الألف، على الألف المقصورة، على نبرة، ثم تختفي كلية مع أنها همزة لكنها هذه المرة، ويا لإلهام التسمية، همزة الوصل، إلى أن وأخيرا؛ وكشيء خارج عن الطبيعة، تظهر مختالة على السطر!".
تواصل: "منذ بداياتي، تعاملت مع أخطائي اللغوية بشكل متسيب تقريباً، فتسامحت مع نفسي، وتركت التدقيق النحوي/الإملائي للأصدقاء المقرَّبين، الذين تعامَوا عامدين عن تلك الأخطاء لصالح جودة النصوص كما أفصحوا مرارا. لكني وفي النهاية عندما اِضْطَرَرْتُ لمواجهة الكون وحيدة، وانفصلت عن رحم الأصدقاء، حضر الفيسبوك، ومع كل نص؛ صغيرا كان أم كبيرا، تواترت التعليقات على أخطائي اللغوية، بعضها كان لطيفاً والكثير لم يكن كذلك. فأصبح الخزي علنياً وبات كل منشور، يتطلب انتباهاً شديداً، بعد أن يمر بعمليات معقدة من التصحيحات أجريها وحيدة بعد عملية تعلُّم إكراهية ومع هذا لا أنجو. أما بخصوص استفسارك عن خروج الكتاب بأخطائه للقارئ فهذا مالا يجب غفرانه نهائياً".
حصوة في الحذاء
من جهته يقول الروائي المصري عمرو العادلي إنه يستعين بمراجع قبل تسليم العمل لدار النشر، وغالبا ما يكون المراجع صديقه، ويستشيره في أمور لا علاقة لها بالأخطاء اللغوية فقط، فأحيانا تكون هناك جملة تحتاج إلى حذف كلمةٍ أو إضافة حرف جر لتصبح أفضل، كما أن النقاش مع شخص متخصص في اللغة يجعل النص أفضل، ثم يترك لدار النشر أقل مجهود ممكن، فالمصححون لا يفضلون الأخطاء اللغوية الكثيرة، وإذا حدث فإن أخطاء لا يستهان بها تقع منهم.
العادلي يرى أن مقولة "النحو غير مهم" تصدر عن أشخاص ليست لديهم خبرة كافية بطبيعة عملية النشر، فالأخطاء بالنسبة للعين تشبه الحصوة في الحذاء بالنسبة للقدم، النحو مهم ولكن أيضا يجب ألا يصل إلى حدود التقعّر، لافتا إلى أن الأخطاء لو زادت عن عشرين خطأ لغوياً تصبح هناك مشكلة.
ويختم حديثه قائلاً: "هناك بعض الأعمال الأدبية حُجِبت عنها جوائز مهمة بسبب الأخطاء اللغوية، فمن غير المعقول أن يستغرق عمل أدبي من سنتين إلى خمس سنوات ولا يهتم كاتبه بتصحيح الأخطاء اللغوية، كما أن لكل عضو من لجان الجوائز ذائقته اللغوية، ومنهم من يتشدد في مسألة الأخطاء، لكن بعضهم لا يضعها في الحسبان".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأخطاء اللغویة اللغة العربیة الأخطاء التی هذه الأخطاء هناک أخطاء تؤثر على أن النحو فی اللغة أن یکون یمکن أن فی هذا یجب أن اب على
إقرأ أيضاً:
النائب العام يعلن التصدي لوقائع غزو عقارات مملوكة للدولة في بلدية البيضاء
أعلن مكتب النائب العام التصدي لوقائع غزو عقارات مملوكة للدولة في بلدية البيضاء وإخلائها من الأشخاص والشواغل.
وأشار بيان النائب العام إلى إخلاء مقر مصرف الادخار والاستثمار العقاري، ومقر المصرف التجاري الوطن، ومقر عيادة علاج الأمراض الصدرية والدرن.
وأيضًا إخلاء مقر مكتب المجاهدين، مقر الاستخبارات العسكرية، مقرات العيادات البيطرية في مدينة البيضاء وضواحيها، وبيت وظيفي لوزارة العدل.
ونجحت السلطات في إخلاء فضاءات عامة مستعملة لأغراض تجارية بالمخالفة للتشريعات، إزالة محال تجارية شيدت بالمخالفة لقواعد التخطي قبالة المعهد الصناعي.
كما جرى إزالة محال تجارية شيدت بالمخالفة لقواعد التخطي قبالة معهد المعلمين، وإزالة مبان تجارية شيدت على أرض المنطقة الصناعية، وإزالة مبان تجارية شيدت على أرض جامعة عمر المختار.
الوسومأملاك الدولة النائب العام