آثار الرأي الاستشاري حول وضع إسرائيل في فلسطين
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
الرأي الاستشاري الذى أصدرته محكمة العدل الدولية يوم 16/7/2024 والذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضمن نقاطًا مفصلية؛ أولها: أن فلسطين أرض محتلة منذ 1967 بما فيها القدس، كما قررت المحكمة عدم شرعية الاحتلال، وأنه استعمار، وكان يجب أن ينتهي مع نهاية الاستعمار (وتختص بالموضوع لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار التي نشأت عام 1960)، وأن ممارسات الاحتلال والمستوطنات غير شرعية.
هذا القرار يترتب عليه الآثار القانونية الآتية:
أولًا: ميَّز القرار بين الأرض المُخصصة لإسرائيل في "قرار التقسيم" وبين بقية الأراضي الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل عام 1967 ولم يكن متوقعًا من المحكمة أن تبحث مدى شرعية إسرائيل والأساس القانوني لشرعيتها، خاصة وأن إسرائيل لا تعترف بقرار التقسيم.
ثانيًا: أن القرار حسم السؤال الجوهري: فلسطين لمن؟ لليهود أم العرب أم قسمة بينهما؟!
قام المشروع الصهيوني على أساس التهام فلسطين كلها على أساس زائف، وهو أن فلسطين ملك لليهود وهذا ما عبر عنه كبار الساسة الإسرائيليين عندما ردوا بغضب على رأي المحكمة وأكدوا أن فلسطين كلها لليهود، وأن حل الدولتين غير وارد مُطلقًا؛ لأن إسرائيل الصهيونية لا تعترف بأن للفلسطينيين حقًا في فلسطين، وإنما كل الحقوق محفوظة لليهود!
ثالثًا: أن القرار حسم التكهن والنفاق الدولي حول حل الدولتين في فلسطين، وما دامت إسرائيل تتمسك بأن فلسطين كلها لليهود، فإن قرار المحكمة أكد أن مركز إسرائيل في فلسطين هو أنها سلطة احتلال، وقررت إنهاء الاحتلال فكأنها أضافت أساسًا قانونيًا جديدًا لشرعية المقاومة.
رابعًا: أن المحكمة تعاملت مع إسرائيل على أنها سلطة احتلال، لكن إسرائيل رفضت قرار المحكمة، وأكدت أن "صاحب الأرض" لا يمكن أن يكون محتلًا لأرضه، ومعنى ذلك أن المجتمع الدولى بأسره يعترف بإسرائيل كسلطة احتلال، لكنها ترفض هذه الصفة على أساس أن فلسطين ملك لها.
خامسًا: إذا كانت إسرائيل تؤكد أن فلسطين ملك لها وترفض قرار التقسيم، معنى ذلك أنها أسقطت قرار التقسيم في الجزء المُتعلِّق بحقوقها، أما الجزء المتعلق بحقوق الفلسطينيين، فإن إسرائيل انتهكته واعتمدت كوسيله لتفريغ فلسطين من أهلها بأسلوب الإبادة والقتل. وإذا كان القرار تعامل مع إسرائيل على انها سلطة احتلال، فإن الاحتلال في القانون الدولي له صورتان؛ الأولى: أنه احتلال مؤقت وهو الاحتلال الحربي. والثانية: عندما يستطيل هذا الاحتلال ويصبح طويل المدة، لكن إسرائيل رفضت هاتين الصورتين وأكدت أنها تسترد حقوقها على الأرض في فلسطين، وأن إبادة الشعب الفلسطيني انتقامٌ ممن تجرأ على اغتصاب أرض إسرائيل، فكأن المجتمع الدولى يعتبر الأراضي الفلسطينية أراضٍ محتلة، بينما إسرائيل تعتبر أن فلسطين كلها ملك لها، وأنها أراضٍ مُستردة، فأهدرت بذلك صفة الاحتلال في القانون الدولي، كما أهدرت قرار التقسيم، وعليها أن تبحث لنفسها عن شرعية يقبلها المجتمع الدولي؛ فشرعية الاغتصاب والقوة لا تؤسس حقًا في القانون الدولي.
سادسًا: أن الالتهام واحتكار ملكية فلسطين دون سند قانوني يضيف أساسًا قانونيًا جديدًا لشرعية المقاومة، ويُخرج إسرائيل من كونها سلطة احتلال إلى كونها سلطة اغتصاب، وهناك فرق بين الاحتلال الحربي المؤقت، والاحتلال طويل المدة، بسبب فشل محاولات التسوية، وكذلك الاحتلال النهائي بزعم ملكية اليهود لفلسطين.
سابعًا: أن القرار يفتح الباب لتحدي عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، ولا يمكن أن تنطبق عليها شروط العضوية في المادة الرابعة من الميثاق، ومعنى ذلك أن هذا القرار يمكن استخدامه أداةً لإبطال عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وربما يحتاج الميثاق إلى تعديل.
ثامنًا: القرار يكشف أن قرارات المحكمة بوقف الإبادة قد وُجِّهَت إلى عصابة وليس دولة، والمفروض أن أول الآثار المترتبة على القرار طرد إسرائيل من المنظمة الدولية؛ بما فيها بالطبع محكمة العدل الدولية.
تاسعًا: أن القرار ينسف أهلية إسرائيل لعقد اتفاقات السلام؛ لأن القانون الدولي يقوم على مبدأ حُسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية، بينما إسرائيل تتستر وراء الدولة، حتى تُوهِم العالم أن سلوكها مثل سلوك الدول، وأنها عضو في أسرة الأمم المتمدْيِنة، وهذا يتطلب طردها فورًا من المجتمع الدولي؛ باعتبار أن العصابة الصهيونية تمثل تهديدًا لبقاء العرق البشري.
عاشرًا: أن القرار يفرض على الدول المتعاقدة مع إسرائيل أن تُراجع موقفها وأن تفسخ جميع المعاهدات معها؛ لأن المجتمع الدولي لا يعترف إلّا بالدول وحدها، أما العصابات فلها وضع آخر.
ويترتب على ذلك أن مصر- أول من عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل- يجب أن تفسخ هذه المعاهدة على أساس التدليس الذي مارسته إسرائيل على مصر، بينما مصر أخطأت في الاعتراف بإسرائيل كدولة، وتتعامل معها ضمن أسرة الدول، ولو كان هناك من يتحدى العلاقات المصرية الإسرائيلية أمام القضاء المصري فإن القاضي المصري لا يملك إلّا أن يصدر الحكم بإبطال جميع التفاهمات التي تمت مع إسرائيل؛ باعتبار أن إسرائيل قدمت بيانات زائفة باعتبارها دولة، ويترتب على ذلك أن إسرائيل أهدرت كل مبادئ القانون الدولي، وكل قرارات الأمم المتحدة؛ بما في ذلك قرارات المحكمة أعلى سلطة قضائية فى نظام الأمم المتحدة.
حادى عشر: أن هذه الآثار تساعد على إدانة إسرائيل أمام القضاء الدولي؛ لأن محكمة العدل الدولية تقبل المنازعات القانونية بين الدول، فإذا كانت إسرائيل عصابة لا ترقى إلى مستوى الدول؛ فيجب على المحكمة أن تحكم بهذا المعنى في قضية الابادة التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام هذه المحكمة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منظمات دولية: بريطانيا تتجاهل انتهاك إسرائيل القانون الدولي في غزة
لندن- في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية بقطاع غزة، تصاعدت الانتقادات الدولية تجاه قرار إسرائيل بقطع إمدادات الكهرباء عنه، ما أدى إلى توقف محطة التحلية الرئيسية التي كانت توفر المياه النظيفة لنحو نصف مليون فلسطيني.
وأثار القرار الإسرائيلي انتقادات واسعة من مسؤولين سياسيين ومنظمات حقوقية، وحذّروا من العواقب الكارثية التي قد تترتب على استمرار إجراءات إسرائيل، وانتهاكها الصارخ للقانون الدولي الإنساني، ما دفع بريطانيا إلى التنديد بالقرار على نطاق واسع.
عواقب وخيمة
وأعرب وزير الخارجية، النائب البريطاني هاميش فالكونر في بيان شاركه مكتب الوزارة الإعلامي، للجزيرة نت، عن "قلقه العميق" إزاء قطع الكهرباء عن قطاع غزة، محذِّرا من "العواقب الوخيمة" نتيجة ذلك.
وأكد فالكونر، أن استمرار تشغيل محطات تحلية المياه أمر بالغ الأهمية لضمان حصول المدنيين على مياه شرب نظيفة، ودعا إسرائيل إلى استئناف إمدادات الكهرباء والمساعدات الإنسانية بما يضمن امتثالها للقانون الدولي الإنساني.
وأوضحت وزارة الخارجية، أن التنديد لم يكن حصرا على بريطانيا، ولكن الأخيرة وقَّعت بيانا مشتركا صدر عن وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة باسم "إي3" (E3)، وأكدوا دعمهم المستمر لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
إعلانوأشاد البيان بجهود مصر وقطر والولايات المتحدة في الوساطة والسعي للتوصل إلى تمديد وقف إطلاق النار، ولفت إلى أن وقف إسرائيل إدخال السلع والإمدادات، قد يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
وأكد الوزراء الثلاثة، أن المساعدات الإنسانية لا ينبغي أن تكون مشروطة بوقف إطلاق النار أو تُستخدم كأداة ضغط سياسي، وشددوا على ضرورة السماح لسكان غزة، الذين عانوا كثيرا، حسب وصفهم، بالعودة إلى منازلهم وبناء حياتهم.
ولم ترد وزارة الخارجية البريطانية على سؤال للجزيرة نت، ما إذا كان هناك تواصل مباشر من خلال القنوات الدبلوماسية البريطانية الإسرائيلية لمتابعة الأمر.
وتأتي هذه الخطوة، بعد تخصيص المملكة المتحدة حزمة مساعدات بقيمة 17 مليون جنيه إسترليني أعلنت عنها في يناير/كانون الثاني الماضي، لتوفير الرعاية الصحية والغذاء والمأوى لعشرات آلاف المدنيين، ودعم البنية التحتية الحيوية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت وزيرة التنمية البريطانية أنيليس دودز، إن هذه المساعدات تأتي في إطار تكثيف الجهود لإيصال مزيد من المعونات إلى غزة عبر وكالات الأمم المتحدة، بما فيها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي استأنفت عملها وعلاقاتها ببريطانيا بعد قطعها في عهد رئيس الوزراء الأسبق ريشي سوناك الذي دعا إلى وقف دعم "أونروا".
وتتضمن الحزمة الجديدة تخصيص مليوني جنيه إسترليني لدعم البنك الدولي لتنفيذ مشاريع حيوية في البنية التحتية للمياه والطاقة في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وساهم التمويل البريطاني، حسب بيان وزارة الخارجية بتحسين خدمات المياه والصرف الصحي لأكثر من 284 ألف شخص بغزة، للتخفيف من معاناة السكان في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
إعلان ليس وقت القلقوفي المقابل، قال جوناثان بيرسيل كبير مسؤولي الشؤون العامة في مركز العدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP) المختص بانتهاكات القانون الدولي، للجزيرة نت، إنه "بغض النظر عما يُقال الآن، لن ينسى كثيرون التصريح الشهير لزعيم حزب العمال كير ستارمر، حين قال "لإسرائيل الحق في ذلك" عندما سُئل عن قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة".
وأضاف بيرسيل "صرحت وزارة الخارجية البريطانية الآن أن هذا الإجراء يهدد بانتهاك إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، ولكن ليس هذا وقت اللغة الدبلوماسية الحذرة، إسرائيل لا تزال تمنع دخول المساعدات، وتواصل قصف غزة، وتستمر بقطع الكهرباء".
وتابع بيرسيل "هذه الانتهاكات الفاضحة لاتفاق وقف إطلاق النار لا تستدعي مجرد تصريحات من نوعية -أعرب عن قلقه-، بل تتطلب إجراءات دبلوماسية واقتصادية وسياسية جريئة لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي الإنساني وشروط وقف إطلاق النار".
من جانبها، قالت ياسمين أحمد، مديرة مكتب المملكة المتحدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "تصريحات -أعرب عن قلقه- وحدها، ليست كافية لمواجهة ما ترتكبه إسرائيل من إبادة جماعية، وينبغي على المملكة المتحدة أن تستغل نفوذها، بما في ذلك التعاون التجاري والدبلوماسي، للضغط على إسرائيل لإنهاء ارتكابها المستمر للجرائم الدولية".
وبدلا من ذلك، أضافت أحمد للجزيرة نت، "لدينا حكومة أخفقت في الامتثال للقانونين البريطاني والدولي، وفشلت في إنهاء خطر تورطها بهذه الجرائم، باستمرارها في تزويد إسرائيل بشكل غير مباشر بمكونات طائرات إف-35 المقاتلة".
وتساءلت أحمد "إذا لم يكن حرمان الناس من جميع مقومات البقاء الأساسية كافيا لدفع الدول، بما فيها المملكة المتحدة، إلى التحرك، فما الذي سيدفعها إلى ذلك؟".
وأردفت "إن إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية في غزة، بحرمان الفلسطينيين عمدا من المياه، وقطع الكهرباء، ما يعني توقف آخر محطة تحلية مياه تعمل هناك وتخدم نصف مليون شخص، بينما تواصل إسرائيل منع دخول المساعدات الإنسانية".
ومن جهتها قالت المديرة التنفيذية للأبحاث والسياسات والدعوة بمنظمة العفو الدولية إيريكا جيفارا روساس، إن "قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن محطة التحلية الرئيسية بغزة دليل إضافي على إبادتها الفلسطينيين هناك".
إعلانوأضافت في حديث للجزيرة نت، "هذه الأفعال اللاإنسانية وغير القانونية، تذكير واضح بالسيطرة التي تفرضها إسرائيل كقوة احتلال، ما يسمح لها بقطع خدمات حيوية في أي وقت".
وقالت، إن غزة تعاني فعلا من كارثة بخدمات المياه والصرف الصحي بفعل تدمير إسرائيل بنيتها التحتية، واستمرار الحصار غير القانوني على القطاع. وذكرت أن "الحظر الكامل لإخال الوقود يهدد بتوقف مرافق مياه أخرى، كالآبار".
ويجب ألا يُسمح لإسرائيل -حسب روساس- "باستخدام المياه سلاحَ حرب، فالوقود والغذاء والمأوى والإمدادات الأخرى الضرورية لبقاء السكان المدنيين، هي مسألة حياة أو موت، وليست وسيلة للضغط في المفاوضات".
ودعت إسرائيل إلى إعادة إمدادات الكهرباء إلى غزة بالكامل -وليس فقط إلى محطة التحلية- والسماح للمدنيين بالحصول على السلع والخدمات الأساسية دون عوائق.
وختمت أن "إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل التزاما قانونيا بموجب القانون الدولي الإنساني لضمان توفير الغذاء والدواء والإمدادات الأخرى الضرورية لبقاء المدنيين بغزة".