في ثمانينيات القرن الماضي كنتُ وأخي وأخوالي الذين يكبرونني قليلًا ننتظر بفارغ الصبر قدوم خالي سالم من عمله في دبي يوم الأربعاء حاملًا معه مجلة "ماجد" التي ستدور علينا كلنا، لنقرأها من الغلاف إلى الغلاف، ثمة منا من يستمتع بحكايات "كسلان جدًّا" وأخيه "نشيط"، وهناك من تهفو نفسه لمغامرة جديدة من مغامرات النقيب خلفان ومساعده فهمان، والبعض تضحكه قفشات زكية الذكية، وطرائف موزة الحبوبة وشقيقها رشود، وهناك من يتجه مباشرة إلى صفحة أصدقاء ماجد ليختار أحدهم ويبدأ بمراسلته، أما "فضولي" فقد كنا نتسابق جميعًا لمعرفة مكان اختفائه الذي يختاره بعناية في كل عدد.
لاحقًا، سأكتشف من شهادات بعض الأصدقاء الكُتّاب أنني لستُ الوحيد الذي يدين بالفضل لهذه المجلة، بل لا يكاد كاتب عُماني أو عربي عاش طفولته في الثمانينيات إلا وله حكاية مع "ماجد". على سبيل المثال تسرد جوخة الحارثي في مجلة "المرشد" أنها عندما كانت طفلة تدرس المرحلة الابتدائية في مدرسة صباحية كانت أختها الكبرى تدرس في المرحلة الإعدادية في مدرسة أخرى مسائية، وبجوار هذه المدرسة دكان يبيع مجلة "ماجد"، فكانت جوخة تدخر من مصروفها اليومي لتجمّع ثمن المجلة كي تشتريها لها أختها. وكل أربعاء، كانت جوخة ترابط عصرًا أمام باب البيت الخارجي بانتظار عودة أختها من المدرسة حاملة المجلة، لتظل بعد ذلك تقرأها بلهف واستمتاع في إجازة نهاية الأسبوع.
أما هدى حمد فتروي في كتابها "تأمل الذئب خارج غرفة المكياج" أن أباها العائد من عمله في الإمارات هو الآخر يوم الأربعاء كان يُميّزها بهدية تختلف عن هدايا إخوتها، ألا وهي مجلة "ماجد"، وتروي في مقال آخر أنها كانت تضع في يده مساء كل جمعة وهو ذاهب إلى عمله في الإمارات، مظروفًا به قصّة مصورة، ليودعها في بريد مجلة "ماجد"، ظنا منها أنّ الأطفال الذين في نفس مرحلتها الابتدائية هم الذين يكتبون القصص، وفي كل أربعاء يعود أبوها مُحمَّلا بعددٍ جديدٍ من المجلة، كانت تبكي دون انقطاع لأنّ قصصها المصورة لم تُنشَر بعد، وتكرر الأمر إلى أن نشرت "ماجد" في باب "عندي مشكلة" ردا يُشير إلى أنّ قصص المجلة يكتبها ويرسمها متخصصون كبار. تُعلّق هدى على هذا الموقف بالقول: "آنذاك ضحكتُ كثيرا، ثمّ تكونت لديّ رغبة حقيقية في العمل الصحفي".
هذه الرغبة الحقيقية في العمل الصحفي بسبب مجلة "ماجد" ستراود أيضا الطفل عاصم الشيدي الذي يسرد في مقال له أن أول علاقة له بالصحف والمجلات تعود إلى هذه المجلة، وتطور الأمر لديه حتى أصبح يحمل بطاقة صحفية من "ماجد" ومجلات أطفال أخرى، وكان يظنّ أن هذه البطاقات يمكن أن تساعده في الدخول إلى أي مكان وتمنحه حصانة من أي شيء!
أما أطرف ما سمعته عن مجلة ماجد والشغف بها فهي قصة الكاتبة أزهار أحمد. فمن افتتانها بالمجلة وهي طفلة تمنت مقابلة ماجد الذي ترى صورته في غلاف كل عدد، ولذا، فقد أصرت على مرافقة العائلة في إحدى رحلاتها لأبوظبي، لا لشيء إلا لزيارة ماجد والتعرف إليه، وكم كانت خيبة أملها كبيرة إلى درجة البكاء الشديد حين اكتشفت أن "ماجد" ليس سوى شخصية من ورق!
على الأرجح لم تكن أزهار تدري أن الذي كان يكتب قصص ماجد ويُجري الكلام على فمه هو الصحفي المصري أحمد عُمر، مؤسس المجلة، وأول رئيس تحرير لها، الذي رحل عن عالمنا قبل يومين عن عمر ناهز خمسة وثمانين عاما، فتسبب في انثيال هذه الذكريات. يعود لعمر، بما أوتِي من موهبة في الكتابة، وتفانٍ في العمل، وهدوء في الطبع، وقدرة على احتضان طاقم المجلة، يعود له الفضل الأول في انتشارها من المحيط إلى الخليج، حتى صارت مجلة الأطفال الأولى في العالم العربي. ومنذ عددها الأول في 28 فبراير 1979م أسهمت المجلة بشكل كبير في تشكيل وعي وثقافة أطفال العرب، واستقطبت كبار الكتاب والرسامين من مختلف أنحاء العالم العربي، من أمثال محمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو ومحمد بيرم وأحمد إبراهيم حجازي ومصطفى رحمة وبهجت وغيرهم، وقد كنّا نقرأ هذه الأسماء في أبواب المجلة المختلفة في طفولتنا دون أن نعي أنها هي سبب إمتاعنا ومؤانستنا.
رحم الله أحمد عُمر، وحفظ من بقي على قيد الحياة، وأدام النجاح والتألق لمجلة "ماجد".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بسم الله الرحمن الرحيم(يا أيها الذين أمنو اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين) صدق الله العظيم
بقلم: د. سعد معن الموسوي ..
تستمر المؤسسة القضائية العراقية الموقرة في أخذ دورها الاصلاحي المميز في المجتمع بالإضافة إلى واجباتها المعروفة الأخرى تماشيا مع القاعدة القانونية المجتمعية المعروفة (العقوبة للإصلاح وليس للانتقام )فليس المقصود من العقوبة الانتقام من المجرم او المخالف او مجرد إلحاق الأذى به ،بل يقصد اصلأحه وتحقيق مصلحته وبالتالي تحقيق مصلحة المجتمع ككل ،وحسنا فعلت هذه المؤسسة العريقة في أعمامها الصادر من رئاسة هيئة الإشراف القضائي بتاريخ ٢٠ من الشهر الحالي حول الحد من تفشي ظاهرة التعامل بالربا وحث محاكم التحقيق بإيلاء ظاهرة التعامل بالربا او اقراض النقود بفائدة ظاهرة او خفية تزيد عن الحد المقرر قانوناً سواء كان المقترض شخصا او مكاتب مختصة أهمية خاصة عند تطبيق القانون لتحقيق هدف العقوبة بالردع العام والخاص ومكافحة هذه الظاهرة التي تسبب عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع والأسرة استغلالاً لحاجة الفقراء والمحتاجين والتي نها عنها ديننا الإسلامي الحنيف في اكثر من مناسبة بل ووضعها في طليعة المحرمات ومن أكبر الكبائر والموبقات حيث ذكرت في القرآن الكريم في اكثر من خمس ايات وذكرها ونها عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى اله وسلم في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة ومنها (اجتنوا السبع الموبقات فذكرهن وعد منهن الربا )
فهي التفاتةً مباركة وتحذير لمن تسول له نفسه التعامل بها عملاً بقوله تعالى ( فذكر أن نفعت الذكرى )
والله ولي التوفيق.
اللواء الدكتور سعد معن الموسوي