مواطنون: منصات التواصل الاجتماعي تجاوزت حدود حرية التعبير إلى نشر المحتوى الهابط
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
تؤمن سلطنة عمان بحرية الرأي والتعبير، وكفل النظام الأساسي للدولة، حرية التعبير وفق القانون، ولكن ما يحصل الآن في وسائل التواصل الاجتماعي، ينتهك الكثير من المبادئ والعادات والتقاليد والسمت الأصيل، الذي جبل عليه المجتمع العماني المعروف باتزانه وشخصيته التي تستمد صلابتها من هويته الثقافية وتكوينه التاريخي والحضاري.
ويرى مواطنون أن ظهور الكثير من الأشخاص عبر منصات التواصل الاجتماعي، بمظاهر تمس شخصية الإنسان العماني ومكانته، يستدعي سن قوانين تنظم الظهور بمواقع التواصل الاجتماعي للحد من التجاوزات.
وأكد عدد من أعضاء مجلس الشورى واجتماعيين متخصصين ضرورة وجود قانون ينظم الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي حماية لهيبة الإنسان العماني والعادات والتقاليد، والحفاظ على سلوك الفرد وعلى قوة شخصية الأجيال القادمة التي قد تنساق وراء تلك التصرفات غير المقبولة.
وقال سعادة الدكتور طلال بن سعيد المحاربي نائب رئيس اللجنة القانونية بالمجلس: نتيجة التطور التقني والتكنولوجي الذي شهده العالم وما نتج عنه من تطبيقات تواصل اجتماعي أصبح من السهل واليسير على المستخدمين التواصل مع الأفراد والوصول إليهم، فهذه الوسائل تتميز بالانتشار والسرعة، وبالتالي تمثل بيئة خصبة لمن يرغب في احتراف أنشطة الترويج والإعلام، وفي حقيقة الأمر لهذه الوسيلة وما تحققه من وصول وانتشار واسعين إيجابيات كثيرة يمكن الاستفادة منها في جوانب عدة لها مردودها الشخصي على المستخدم نفسه، وعلى المجتمع، متى ما تم استخدامها الاستخدام الأمثل في حدود ونطاق ما يتيحه القانون من حقوق وحريات، ودون مساس بحقوق وحريات غيرهم أو النظام العام والأخلاق والآداب العامة.
وأكد المحاربي على أن الواقع يظهر لنا حقيقة مرة -للأسف الشديد- وهي أن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتجاهل القانون والدين والقيم والعادات والأخلاق والسمت العماني الأصيل من خلال ما ينشرونه من محتوى هش في سبيل الوصول إلى الشهرة والانتشار الواسع والمتابعة.
موضحا بأنه وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لا يمكن أن نعمم الأمر على كافة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فهناك من مشاهير التواصل الاجتماعي من يقومون بعمل وطني واجتماعي وإنساني ويحققون أهدافهم سواءً كانت الشخصية أو الاجتماعية، دون التعدي على غيرهم وفي حدود حرياتهم المقررة ودون المساس بالنظام العام والأخلاق.
وأشار نائب رئيس قانونية الشورى إلى أنه بالنسبة للغلط الذي يصدر عن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فهو أمر لا بد من التصدي له وذلك من خلال قيام الجهة المعنية والمسؤولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهته ووضع الضوابط بشأن الإعلام الإلكتروني، فوسائل التواصل الاجتماعي تمثل جزءًا مهما من قطاع الإعلام لسهولته وانتشاره وإمكانية وصوله إلى كافة فئات المجتمع وتأثيره فيهم إيجابا وسلبا.
وأوضح سعادته بأن هناك مجموعة من القوانين يخضع لها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي منها قانون المطبوعات والنشر وكذلك قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، كما أن هناك مشروع لقانون الإعلام تم مناقشته في مجلس عمان تضمن هذا القانون الكثير من القواعد القانونية المنظمة للإعلام الإلكتروني، ومسؤولية الإعلامي عما يصدر عنه من محتوى، ولكن ليس معنى ذلك عدم إمكانية إصدار قانون ينظم الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي فمتى كشف الواقع عن حاجة لإصدار هذا القانون سيتم ذلك بلا شك، ونعتقد أن تحديد هذه الحاجة لا يمكن إلا بعد صدور قانون الإعلام الجديد وتطبيقه ومن ثم قياس الأثر القانوني له، حينها تبرز بوضوح أهم الموضوعات التي تحتاج إلى تدخل تشريعي.
وأكد سعادة الدكتور طلال بن سعيد المحاربي على أن مجلس الشورى يؤمن تماما بأهمية الإعلام الإلكتروني وكذلك أهمية الرقابة والإشراف عليه، وتنظيمه التنظيم الأمثل الذي يجعل منه وسيلة إيجابية تعكس قيم المجتمع وأخلاقه بعيدا عن اللغط، وترجمة لهذا الاهتمام فإن المجلس من خلال اللجان المعنية يقوم باستقبال ورصد ما يصل إليه من ملاحظات وانتقادات واقتراحات ومن ثم وفقا لاختصاصاته والصلاحيات التي منحت له يقترح بعض مشروعات القوانين أو تعديل بعضها وفق ما يتوافق وحاجة المجتمع.
تقنين المحتوى
من جانبها قالت هنية بنت سعيد الصبحية باحثة في الشأن الاجتماعي: تعد وسائل التواصل الاجتماعي إحدى وسائل الإعلام المؤثرة في هذه الفترة والتي بدأ أفراد المجتمع العماني بعرض محتوياتهم على هذه المنصات، وتختلف المحتويات الإعلامية التي يقدمها أفراد المجتمع باختلاف اهتماماتهم؛ فبعضهم يطرح المحتوى لزيادة عدد المتابعين والحصول على دخل مادي أو وصول موضوعه إلى ما يسمى بالترند وما إلى ذلك.
وأضافت الصبحية: إنه يمكننا مناقشة كيف يمكن إعادة التفكير في المحتويات الإعلامية التي يطرحها المجتمع العماني عبر المنصات الحديثة من خلال مساهمة المؤسسات التعليمية والإعلامية في تقديم برامج تعليمية وتوعوية تسهم في رفع مستوى الوعي بأهمية المحتوى الإعلامي المتداول والمقدم، مع مراعاة خصوصية المجتمع العماني. كما يمكن التأكيد على مبدأ نشر ثقافة التفكير النقدي عند استهلاك المحتويات الإعلامية وتحديدا إتقان مهارات التحقق من المعلومة بمصداقية تامة، وهذا ما دعا إليه عالم الاجتماع بيربورديو في نظريته رأس المال الثقافي على ضرورة وجود وعي نقدي بكيفية استخدام وسائل الإعلام لتعزيز العدالة الاجتماعية.
وأشارت إلى أنه من الضروري التركيز على المشاركات الهادفة والفعالة التي تسهم في رفع المجتمع العماني وتكاتفه دون التركيز على المحتويات الإعلامية التافهة والتي يكون توجهها توجها ماديا بحتا، كما يمكن مشاركة المجتمع المحلي كالجمعيات الخيرية والفرق ومكاتب الولاة في التعاون والتركيز على أهمية توعية المجتمع بأهمية اختيار المحتويات الإعلامية الفعالة والمؤثرة والتي تخدم المجتمع العماني.
وأكدت الصبحية أن تجويد وتقنين المحتويات الإعلامية التي يطرحها أفراد المجتمع العماني في المنصات الإعلامية ستسهم إيجابا في تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي للمجتمع العماني، وستقلل من الجوانب أو المخاطر السلبية عليه. وجديرا بالذكر أن أي محتوى إعلامي غير ممنهج أو لم يتم دراسته ونقده بشكل جيد، يمكن أن يكون عرضة للسخرية والاستهزاء وربما للاستغلال من أطراف أخرى خاصة إذا ما احتوى على تحيزات مسبقة ومثيرة للجدل وتختلف اختلاف كبيرا عن المعايير الثقافية والاجتماعية للمجتمعات الأخرى.
تأثير مهم
من جانبها أكدت حليمة بنت عوض المعنيـة، باحثة اجتماعية بوزارة الداخلية أن وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت أضحت مجتمعًا افتراضيًا يزداد مع الوقت كونها أداة إعلامية تواكب التطورات السريعة الحاصلة في العالم بأسره، كما تؤثر بصورة بالغة العمق في قرارات وأفكار المتلقي واستجاباته بناءً على الأنماط الشخصية للفرد (السمعية-الحسية- البصرية) على اعتبار أن (المتلقي) أو المتأثر محور مهم في عملية التأثير، و(المرسل) أوالمؤثر يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث تغيير في بعض المفاهيم والأفكار والمشاعر والسلوكيات والمواقف لدى المتلقي.
وبينت المعنية أن ما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي من موضوعات تتشكل على أساس الاهتمامات المشتركة للأفراد لتحقيق إشباع الرغبات لكل فئة تشترك في الأنشطة نفسها فنجدها تتيح تبادل الأفكار والأخبار حول تلك الاهتمامات المشتركة من خلال مساحات داخلية وخارجية يتم تداولها بشكل سريع حسب خوارزميات تقنية معينة حتى تصبح الوسيلة الإعلامية الأولى لنشر ما يعرف بالحصريات أوالأخبار المتصدرة لـ(الترند) بغض النظر عن صحتها فالأهم هو أن المعلومة تصل لأكبر شريحة ممكنة وتثير اهتمام وفضول كل من يرتاد تلك المواقع.
وأضافت: إنه وعلاوة على ذلك، فإن لمختلف منصات ومواقع التواصل الاجتماعي دور مهم في عمليات التأييد والرفض للموضوعات المطروحة حديث الساعة والتي تشكل في مجملها اتجاهات الرأي العام اتجاه أي موضوع؛ وفي ذلك العديد من الموضوعات التي يتم تداولها مؤخرًا إلا أن ذلك لا يعد بالضرورة الأمر الإيجابي للتعبير عن حرية الرأي والنشر والتداول؛ وإنما له طابع سلبي أيضًا طالما أن كل ما يُثار في تلك المواقع لا يحمل في طياته قضية إنسانية أو بعدًا اقتصاديًا أو تأثيرًا صحيًا أو يمس أحد جوانب الحياة لعامة الناس.
المحتوى الإيجابي
من جانبها بينت أسماء بنت عبدالله البلوشية أن ثورة تقنية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أدت إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية. فأصبح ملايين البشر يتواصلون عبر هواتفهم من مختلف بقاع الأرض، لذلك أصبح نقل الأخبار والمعلومات بشكل لحظي ومن التأثيرات المصاحبة لهذه التقنية كثرة الإشاعات واختلاف المحتوى المتناقل بين الناس، ومن هنا تبدأ تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع على ثقافة المجتمع، علاوة على ذلك فإنها تسمح بعرض العديد من القضايا ومناقشتها كالقضايا الاجتماعية والاختلافات الثقافية، حيث تختلف تأثيرات هذه الوسائل على المجتمعات ما بين إيجابية وسلبية.
وقالت: من المهم جدا توجيه المجتمع ومستخدمي التواصل الاجتماعي بشكل خاص، نحو اختيار المحتوى الإيجابي القيم والمفيد، وكذلك تشجيع أبنائنا على المشاركة في تقديم وتطوير محتوى متميز، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في إيجاد منصات إعلامية تحاكي واقع المجتمع بشكل إيجابي وتشرك أفراد المجتمع في القضايا الاجتماعية بشكل إيجابي ومفيد، ومن الضروري على أبناء المجتمع المشاركين في شبكات التواصل الاجتماعي أن يعكسوا صورة المواطن العماني والتحلي بالأخلاقيات والثقافة العالية وعدم الانجرار خلف الإشاعات والتأثر من الأفكار المضلة.
وأكدت بأنه من الضروري أن نكون مسؤولين خلال تفاعلنا في شبكات التواصل الاجتماعي واستخدامنا للتكنولوجيا الحديثة ويجب أن يكون بشكل يخدم مصالح عماننا الحبيبة.
قانون منظم
وأكدت أبرار بنت ناصر الحضرمية باحثة اجتماعية أن وجود قانون ينظم عملية الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعد أمرًا بالغ الأهمية لحماية الأفراد والمجتمع من المخاطر المحتملة، ويسهم في بناء مجتمع رقمي أكثر وعيًا ومسؤولية، حيث يمكن أن يعزز من مسؤولية الأفراد والمؤسسات في نشر محتوى موثوق ومسؤول، ويعمل على حماية الأطفال والمراهقين من المحتوى الضار بما فيه التنمر الإلكتروني الذي ازداد في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقانون أن يحمي خصوصية الأفراد ويمنع استغلال بياناتهم الشخصية بطرق غير مشروعة من خلال تحقيق التوازن بين حرية التعبير والتنظيم، كما يمكن للقانون أن يضمن بيئة رقمية آمنة ومسؤولة، مما يعزز من الوعي والتثقيف حول الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی المحتویات الإعلامیة المجتمع العمانی أفراد المجتمع من خلال
إقرأ أيضاً:
خطبة الجمعة بالمسجد الحرام: يجب الحذر من وسائل التواصل الاجتماعي لامتلائها بما يفسد دين المسلم ودنياه
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن الإسلام أرسى أسس وقواعد الأخوة والمحبة، والتواصل والمودة، وفي غِمار الحياة ونوائبها، ومَشاقِّ الدُّنيا ومَبَاهِضها، وفي عالم مُصْطَخبٍ بالمشكلات والخُصُومات، والمُتَغيرات والنزاعات، وفي عصر غلبت فيه الماديات وفَشَت فيه المصالح والأنانيات، حيث إن الإنسان مَدَنِي بِطَبْعِه، واجتماعِي بفطرته، تَبْرُزُ قَضِيَّة سَنِيَّةٌ، مِنْ لوازم وضرُورَاتِ الحياة الإنسانية، تلكم -يا رعاكم الله- العلاقات الاجتماعية ومَا تقتضِيه مِن الركائز والروابط البشرية، والتفاعل البنَّاء لِتَرْقِية الخُلُق والسلوك، وتزكية النفس والروح؛ كي تسْمو بها إلى لُبَاب المشاعر الرَّقيقة، وصفوة التفاهم الهَتَّان، وقُنَّة الاحترام الفَيْنان، الذي يُحَقِّقُ أسمى معاني العلاقات الإيجابية، المُتكافلة المتراحِمة، وأنبل وشائجها المُتعَاطِفة المُتَلاحِمة، التي تَتَرَاءى في الكُرَب بِلَحْظ الفؤاد، وتَتَنَاجَى في النُّوَبِ بِلَفْظِ السُلُو والوِدَاد.
وأضاف بأن الأيام لا تزال تتقلب ببني الإنسان حتى ساقته إلى عَصْرٍ سَحقته المَادّة، وأفنته الكَزَازة الهَادَّة. ونَدر في العالم التراحم والإشفاق، والتَّبَارُرَ والإرفاق، وفَقَدَ تَبَعًا لِذَلك أمنه واسْتِقْرَاره، ومَعْنَى الحياة فيه، وفَحْوى الإحسان الذي يُنْجِيه، ولا يخفى على شريف علمكم أَنَّ مُخالَطة النَّاس تُعَرِّض المَرْء لا مَحَالة لخطأ سَوْرَتِهم، وخَطل جهالتهم، لذا كان ولا بد من وقفة جادَّة؛ لتَعْزيز الروابط الاجتماعية، فالشعارات البرَّاقة، لا تكشف كُرَبًا، ولا تبدِّدُ صَعْبًا، ولا تُغيثُ أمَّة مَرْزُوءة ولا شعْبًا، ما لم تُتَوَّج بالمواقف والأفعال، يَتَسَنَّمُ ذِرْوَة سَنَام ذلك: الاحترام المتبادل؛ فهو أساس العلاقات الاجتماعية الناجحة، ويشمل ذلك التقدير الشخصي، وتقدير واحترام المشاعر والآراء، والتفهم لمواقف الآخرين، فإن ذلك يؤصِّل ويسهم في تقوية الروابط، وتعزيز الأواصر.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا ساغ عقلاً قبول القناعات، واستمراء الآراء والحريات، فغير سائغٍ على الإطلاق أن تتحول القناعات إلى صراعات، والحريات إلى فتنٍ وأزمات، ولاسيما والأمة تعيش منعطفًا تاريخيًا خطيرًا، ومرحلة حرجة من أشد مراحل تاريخها، فمن أهم موجبات الوحدة، ومقتضيات التضامن والاعتصام، التغاضي والتغافل، والصبر والتسامح، وحُسْنُ الظن والتماس الأعذار، قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّه لَكُمْ﴾، ويتبع ذلك من جميل الوُدِّ والتعامل الحسن عدم الإكثار من اللَّوْمِ والعِتَاب، والتَّشَكِّي في الحديثِ والخِطَاب، فإنها تَقْطَع الأواصر بغير حِجَاب. وليست تدوم مودة وعتاب، فقلوب أهل الإيمان دمَّاحة، ونفوسهم لِلْوُدِّ لَمَّاحة.
وأكد الدكتور السديس أنَّ النّسيج الاجتماعي المُتراص الفريد يحتاج إلى صَقْل العلاقات الاجتماعية، والتحلي بمحاسن الآداب المرعية، ومعالي القيم الخُلقية، والمُدارة الإنسانية، وجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر، وعِفَّة اللسان، وسلامة الصدور، ولقد تميز الإسلام بنظـام اجتماعي وإنساني فريد، وسبـق بذلك نُظُم البَشَر كلها؛ ذلك لأن العلاقات الاجتماعية في هذا الدين مُنبثقـة من جوهر العقيدة الصافية، مبينًا أن مما تتميز به المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو مصدر قِيَمِهَا الإنسانية والاجتماعية ومقياس مُثلها العُليا.
والإسلام ليس قاصرًا على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات.
وأشار فضيلته إلى أن ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي العجب العُجَاب، مِمَّا يُفسد العلاقات، ويقطع حِبَال الوُدِّ في المجتمعات، من الطَّعْنِ في دين الناس وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، فيتلقفها الدَّهْمَاءُ، وتَلُوكُهَا الرُّوَيْبِضَةُ في نَشْر للشائعات وترويجٍ للأراجيف والافتراءات، مما يجب معه الحذر في التعامل مع هذه المنصات المنتحلة، والمواقع المزيفة، التي تكثر فيها الغثائية، ومحتوى الغوغائية.
وأوضح فضيلته أن الإسلام جاء رائدًا للتَّراحم والتعاطف بل هو الذي أنْمى ذيَّاك الخُلُق في الخافِقَين وأصَّله، وحضّ عليه وفَصَّلَه، قال تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وتلكم الخلال الرَّحيمة، والشِّيَم النبيلة الكريمة، التي عَنَّت العالم إدْراكَها، لَهِي الأمل الذي تَرْمُقه الأمم الجهيدة والشُّعوب، وتَهْفُو لها أبَرُّ القلوب، لذا يجب تَعْزيز قِيَمنَا الرَّبانية الومَّاضة؛ كالرحمة والعَدْل والصِّدق والوفاء، والبِر والرِّفق والصَّفاء، والأمَانة والإحسان والإخاء، وسِوَاها مِن كرائم الشِّيم الغرَّاء والشمائل الفيحاء، التي تُعد مصابيح للإنسان تضيء دربه، وهي صِمَام أمن وأمان لصاحبها من الانحلال الأخلاقي، وحياة الفوضى والعبث والسقوط في مهاوي الضلال وجلب التعاسة والشقاء لنفسه وأهله، خاصة بين الرُّعاة والرعية، والعلماء والعامة، وفي حلائب العلم وساحات المعرفة في مراعاة لأدبِ الخِلافِ والبُّعد عن التراشق بالكلمات والتلاسن بالعبارات، وتضخيم الهِنَات، فضلًا عن اتهام النِّيَّات وكَيْلِ الاتهامات، والتصنيفات.
ومع الوالدين والأقارب والجيران، وكذا الزملاء في بيئة العمل، وفي مجال العلاقات الزوجية، أعلى الإسلام قيم الاحترام والاهتمام، ومتى علم الزوجان الحقوق والواجبات زانت العلاقات، ونعما سويًا بالسعادة الزوجية، والهناءة القلبية، لذا أوصى الله جل وعلا الأزواج بقوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوجات بقوله: “فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْه فَإِنَّمَا هُو جَنَّتُكِ وَنَارُكِ”، فكيف تُقَام حياة أو يؤسس بيت وسط الخلافات الحادة، والمناقشات والمُحَادَّة؟ وأنَّى يهنأ أبناء الأسرة بالمحبة وينعمون بالوُدِّ في جو يغلب عليه التنازع والشِّقَاق والتناحر وعدم الوِفَاق.
وهل تستقيم حياة بغير المَوَدَّة والرَّحمة؟ وكلها معارك الخاسر فيها الإنسان، والرابح فيها الشيطان.
ألا ما أحوج الأمة الإسلامية إلى تفعيل فن التعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، ليتحقق لها الخير في الدنيا والآخرة.
والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وذكر الشيخ السديس أن وقوع الاختلاف بين الناس أمر لا بد منه؛ لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقُوى إدراكهم.. ولكن المذموم بَغْي بعضهم على بعض، فالاختلاف أمر فطري، أما الخِلاف والشِّقاق، والتخاصم والفِراق، فهو المنهي عنه بنصوص الشريعة الغرَّاء. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّه لَكُمْ عَدُو مُبِينٌ﴾.