أثارت الإطاحة برئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة احتفالات في العاصمة دكا، ولكنها أثارت في المقابل حالة من القلق في الهند التي دعمتها بهدف التصدي لنفوذ الخصم الصيني ومنع ظهور بدائل إسلامية، كما يقول محللون.

وفرت الشيخة حسينة (76 عاما) إلى الهند المجاورة الاثنين الماضي على وقع تظاهرات حاشدة في شوارع أنهت قبضتها الحديدية على السلطة.

وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من بين أول من قدم "أطيب تمنياته" لمحمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة، الخميس، مؤكدا أن نيودلهي "ملتزمة" بالعمل مع دكا.

ولكن الصين سارعت أيضا إلى الترحيب بالسلطات الجديدة في دكا، قائلة إنها "تعلق أهمية على تطوير" العلاقات.

ومع سيطرة منافسي حسينة على السلطة في دكا، لا بد أن يترك دعم الهند للحكومة السابقة ولـ"رابطة عوامي" – الحزب الحاكم قبل فرار الشيخة حسينة – تأثيرا.

ويقول توماس كيان المحلل في مجموعة الأزمات الدولية "من وجهة نظر البنغاليين، كانت الهند على الجانب الخطأ منذ بضع سنوات.. لم تكن الحكومة الهندية راغبة على الإطلاق في رؤية أي تغيير في دكا، وقد قالت بوضوح شديد لسنوات إنها لا ترى أي بديل لحسينة ورابطة عوامي".

مصالح هندية

وبنغلادش محاطة بالكامل تقريبا بالهند، ولها معها تاريخ متشابك بعمق قبل فترة طويلة من انفصالها عن شبه القارة الهندية في عام 1947.

وفي حين أن عدد سكان الهند البالغ 1,4 مليار نسمة واقتصادها المهيمن يتفوق على بنغلادش التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، إلا أن حسينة قامت أيضا بالتودد إلى الصين.

وتدور منافسة شرسة بين الهند والصين، الدولتان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، على النفوذ الإستراتيجي في جميع أنحاء جنوب آسيا، بما في ذلك في النيبال وسريلانكا وجزر المالديف.

وسعت حسينة إلى تحقيق توازن دقيق، فاستفادت من دعم نيودلهي مع الحفاظ على علاقات قوية مع بكين.

وأشادت الولايات المتحدة في الماضي بسجل حسينة الاقتصادي واعتبرتها شريكة في مكافحة ما تسميه "التطرف الإسلامي"، لكن واشنطن فرضت مؤخرا عقوبات على التأشيرات بسبب المخاوف بشأن الديمقراطية.

ووجدت نيودلهي تهديدا مشتركا في الجماعات التي اعتبرتها حسينة منافسة لها، وتم سحقها بطريقة وحشية من بينها الحزب الوطني البنغلاديشي.

ويؤكد مايكل  كوغلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن، أن "الهند تتخوف من أن أي بديل لحسينة ورابطة عوامي قد يكون ضارا بالمصالح الهندية".

وأوضح كوغلمان أن "من وجهة نظر نيودلهي، فإن الحزب الوطني البنغلادشي وحلفاءه هم قوى إسلامية خطيرة يمكن أن تعرض المصالح الهندية للخطر".

وأعلن محمد يونس أنه سيعمل على إجراء انتخابات في بنغلادش "خلال بضعة أشهر"، وهذا قد يتيح عودة الحزب الوطني في بنغلاديش الذي نظم تجمعا حاشدا في دكا هذا الأسبوع.

كما شهدت بنغلاديش هجمات انتقامية ضد الأقلية الهندوسية بعد الإطاحة برئيسة الوزراء السابقة أثارت قلقا في الهند وخشية في الداخل أيضا.

ومنذ فرار حسينة وصل المئات منهم إلى الحدود الهندية سعيا للعبور. ودعا القومي الهندوسي مودي الخميس إلى ضمان "سلامة الهندوس وجميع الأقليات الأخرى وتوفير الحماية لهم".

العودة إلى بنغلاديش؟

وقد يشكل لجوء حسينة إلى الهند حجر عثرة أمام العلاقات بين نيودلهي ودكا.

وأبلغ وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار البرلمان أن حسينة توجهت إلى الهند حيث كانت تنوي البقاء لفترة وجيزة.

لكن محاولتها المزعومة للسفر إلى بريطانيا فشلت بعد أن دعت لندن إلى "تحقيق كامل ومستقل بقيادة الأمم المتحدة" في حملة القمع المميتة على الاحتجاجات.

وليس من الواضح إلى متى ستبقى الشيخة حسينة الآن في الهند، أو إلى أين قد تذهب.

ومنذ وصولها إلى قاعدة جوية عسكرية بالقرب من نيودلهي، تم استضافتها في منزل آمن سري ولم تتحدث علنا. وأعربت ابنتها سيما وازد عن حزنها"  لأنها لم تتمكن من رؤية والدتها".

وكتبت وازد التي تترأس منظمة الصحة العالمية في جنوب شرق آسيا، في منشور على منصة "إكس" تم حذفه لاحقا "بقدر ما أحب أن أرى أمي، لا أريد المساس بمكان وجودها بأي شكل من الأشكال".

أما نجلها سجيب وازد جوي، فقال لصحيفة "تايمز أوف إنديا" إن والدته لا تزال تأمل في الترشح لمنصب سياسي.

وقال "ستعود إلى بنغلاديش في اللحظة التي تقرر فيها الحكومة المؤقتة إجراء انتخابات".

براغماتية

وحذّرت وسائل الإعلام الهندية من "التحدي الدبلوماسي الهائل" الذي تواجهه البلاد الآن.

وكتبت صحيفة "ذا إنديان إكسبرس" أن على نيودلهي الآن أن "تتحرك للحد من الأضرار وحماية مصالحها"، موضحة أن هذا "قد ينطوي على بعض النكسات على المدى القريب".

لكن محمد يونس أعرب عن في مقال نشره في مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية عن استعداده لتجاوز الخلافات.

وكتب "على الرغم من أن بعض الدول، مثل الهند، دعمت رئيسة الوزراء المخلوعة واكتسبت عداوة الشعب البنغالي نتيجة لذلك، فستكون هناك العديد من الفرص لرأب مثل هذه الخلافات".

ويرى كيان من مجموعة الأزمات الدولية أن البلدين سيتحليان بالبراغماتية ويضعان خلافاتهما جانبا.

وأضاف "الهند هي الشريك الدولي الأكثر أهمية لبنغلاديش، ولا يوجد سبب يمنعهما من إيجاد طريقة للمضي قدما.. الضرورات الاقتصادية ستدفعهما للعمل معا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الشیخة حسینة فی دکا

إقرأ أيضاً:

التضامن الإنساني بوجه الكوارث: دروس من حملة مؤسسة السنة الخيرية ببنغلاديش

تأتي الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات لتُظهر الوجه الحقيقي للإنسانية وتكشف عن مستوى التضامن والتكافل بين البشر. في ظل الأزمات، يتبين أن العمل الجماعي والمساهمة الفردية لهما الدور الأكبر في مواجهة التحديات التي تفرضها هذه الكوارث. هذا ما يظهر بوضوح من خلال حملة الإغاثة الضخمة التي أطلقتها مؤسسة السنة الخيرية لدعم ضحايا الفيضانات في بنغلاديش، والتي تستهدف مساعدة 75 ألف أسرة متضررة.

أهمية المبادرات المجتمعية:

لقد أثبتت تجربة مؤسسة السنة الخيرية أهمية المبادرات المجتمعية في تقديم الإغاثة السريعة والفعالة للمتضررين. في كثير من الأحيان، لا تستطيع الحكومات وحدها مواجهة الأزمات الكبرى، وهنا يأتي دور المؤسسات الخيرية والمبادرات الفردية والجماعية. جهود مؤسسة السنة لا تقتصر فقط على توزيع المواد الغذائية الأساسية، بل تمتد إلى توفير احتياجات أكثر تعقيدا، مثل تأمين المياه النقية والشموع والمواد اللازمة للطهي، مما يعكس تفكيرا شاملا وتخطيطا بعيد المدى يركز على تحقيق أكبر فائدة للمحتاجين.

أهمية الدعم الدولي والتضامن بين الشعوب:

إن زيارة السفير الفلسطيني يوسف رمضان للاطلاع على عمليات الإغاثة التي تقوم بها مؤسسة السنة هي مثال ساطع على التضامن الدولي والأخوّة الإسلامية في أبهى صورها. عندما يتعاون الناس من مختلف الخلفيات والجنسيات لدعم بعضهم البعض في أوقات الحاجة، يظهر جوهر الإنسانية المشتركة. هذا النوع من التضامن لا يقتصر على الدعم المادي، بل يمتد ليشمل الدعم المعنوي والرمزي، وهو ما يعزز الروابط بين الشعوب ويساهم في بناء عالم أكثر إنسانية.

التحديات والفرص:

رغم الجهود الجبارة التي تبذلها مؤسسة السنة وغيرها من الجهات، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه عمليات الإغاثة. من أهم هذه التحديات توفير الموارد الكافية والمستدامة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة، بالإضافة إلى الحاجة إلى تدريب المتطوعين وتأهيلهم للتعامل مع الكوارث بكفاءة. وهنا تأتي الفرصة لتعزيز ثقافة التطوع والتكافل في المجتمع، وتشجيع الأفراد على المشاركة في جهود الإغاثة والمساهمة بوقتهم ومواردهم.

نحو بناء ثقافة مستدامة للإغاثة والتضامن:

لا يمكن النظر إلى حملات الإغاثة على أنها جهود مؤقتة تتوقف بانتهاء الكارثة، بل يجب أن تكون جزءا من ثقافة مستدامة تعزز من قدرة المجتمع على التعامل مع الكوارث قبل وقوعها، وأثناء وقوعها، وبعد انتهاء الأزمة. يتطلب هذا التعاون المستمر بين الحكومات والمؤسسات الخيرية والمجتمعات المحلية، والعمل على بناء نظم إغاثة متكاملة تعتمد على التحضير المسبق والتنسيق الفعال.

في النهاية، تُظهر حملات الإغاثة مثل تلك التي أطلقتها مؤسسة السنة الخيرية أن الإنسان، بمفرده أو من خلال مؤسساته، يمتلك القدرة على مواجهة التحديات الكبرى إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة والتضامن. إن بناء مجتمع أكثر تعاضدا وتكافلا ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة تفرضها التحديات العالمية المتزايدة. وفي هذا السياق، يبقى الأمل معقودا على تعزيز التعاون والتآزر بين الأفراد والمؤسسات لمواجهة الكوارث وتحقيق الاستقرار والرفاه للجميع.

مقالات مشابهة

  • بنغلاديش تعتزم تقديم طلب للهند لتسليم الشيخة حسينة
  • التشريعات الإماراتية داعم أساسي في جذب الاستثمارات الأجنبية خاصة الهندية
  • رجال أعمال هنود: زيارة خالد بن محمد بن زايد إلى نيودلهي تعكس قوة العلاقات بين البلدين
  • خالد بن محمد بن زايد: العلاقات الإماراتية-الهندية تحظى باهتمام قيادة البلدين بما يخدم التنمية المستدامة
  • ولي عهد أبوظبي يصل إلى نيودلهي في زيارة رسمية للهند
  • التضامن الإنساني بوجه الكوارث: دروس من حملة مؤسسة السنة الخيرية ببنغلاديش
  • ولي عهد أبوظبي يصل نيودلهي في مستهل زيارة رسمية إلى الهند
  • ولي عهد أبوظبي يصل إلى نيودلهي في زيارة رسمية لجمهورية الهند
  • خالد بن محمد بن زايد يصل إلى نيودلهي في زيارة رسمية للهند
  • سفيرنا في نيودلهي بحث تعزيز التبادلات التجارية مع الهند