مستنيرو ريش والشوساوات الكلثوميات في بوستين ومقدمة
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
مستنيرو ريش و الشوساوات الكلثوميات في بوستين ومقدمة :
منذ أيام الحكومة الإنتقالية كتبنا عن ظاهرة الكسب غير المشروع في السياسة، وهو المعادل الطبيعي للسمسرة والكسب الطفيلي في السوق.
وكان أغرب ما جاء به عقل الكسب الطفيلي هو إتهام من ينتقد النيولبرلية الإقتصادية والتدخل الإستعماري الغربي في دول الجنوب بالنفاق في حال وجوده في الغرب.
قلنا حينها أن هذه حجة مفرطة في الجهل والبلادة لا تخرج إلا من عقل فاشي لا يدرك أبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق التعبير التي تضمنها دساتير وقوانين وتقاليد مجتمعات الغرب الديمقراطية التي لا تلزم أحدا بتبني وجهة نظر سياسية.
تناولنا بلادة كتاب الدعاية الإنتقالية التي شارك فيها مستنيرو ريش وشوساوات كلثوميات في بوستين نوردهم أدناه حتي لا نعيد.
وبعد إندلاع الحرب نزح المستنيرون والكلثوميات إلي خارج السودان، جلهم في دول الأقليم المجاور. وعلي سبيل “الشيب شوط” نحب نسألهم هل تاكدوا أن الدول التي تستضيفهم دول ديمقراطية مدنية – حتي بالمعايير الكدمولية ؟ وهل يطبقون علي أنفسهم ما طبقوه علي خصومهم ويعتبرون أنفسهم منافقين بسبب التبشير بقيم غير موجودة في أماكن إقامتهم؟ وهل يعرفون أن المنافق من يطبق علي الآخرين معايير لا يطبقها علي نفسه؟
*** اختزال الحضارات في الحكومة:
وردت اراء ان المهاجر في دول الغرب، حتى لا يكون منافقا، عليه ان لا يختلف مع سياسة البلد الذي يعيش فيه وان لا ينتقدها: يذهل هذا المنطق ان الحريات الغربية تتيح للمواطن ان يعتنق ما يشاء من أفكار وانه غير ملزم بتبني أي أفكار لا تروق له وذاك من حرية الضمير المتاحة.
يترتب علي منطق ان الانسان ملزم بالتماهي مع سياسات حكومة البلد الذي يعيش فيه الآتي:
من يعش في أمريكا كان عليه ان يتماهى مع سياسة أوباما ثم يطبل لسياسات ترامب والان عليه ان يدعم كل سياسات بايدن.
من يعش في السودان كان عليه ان يتطابق مع سياسات البشير وبعد ذلك حمدوك والان البـرهان.
من يعش في مصر كان عليه ان يدعم سياسات مبارك وان يتماهى مع سياسات مرسي والان عليه ان يدعم سياسات السيسي بما في ذلك سياساته نحو السودان.
من يعش في السعودية عليه ان يناصر كل سياسات الملك سلمان.
كذلك من يعش في قطر عليه ان لا يخرج عن خط الشيخ تميم.
من يعش في تركيا عليه ان يصير بوقا للسلطان اردوغان.
وينطبق ذلك على كل البلدان التي هاجر اليها أهل السودان.
لاحظ ان هذا المنطق لا يميز بين سياسات الحكومات المتغيرة ويذهل عن ان الغرب مثلا يزدحم بتيارات متناقضة تتيح للمهاجر الخيار بين الانتماء لتيار مارتن لوثر كنج الحقوقي أو ان يتماهى مع نقيضه العنصري بنسخة دافيد ديوك أو فيكتور اوربان أو ماري لوبين وكل هذه الخيارات غربية تماما. كما ان بإمكانه ان يختار تيار بارني ساندرز أو نقيضه تيار ترمب وكل ذلك امريكي مثل فطيرة التفاح.
اذن الاعتقاد بوجود تيار واحد وصوت واحد في الغرب من واجب المهاجر التماهي معه غير صحيح لان الغرب مركب من تناقضات مركبة فهناك غرب الديمقراطية وحقوق الانسان والعلم والثقافة والفنون ومناصرة حقوق شعوب العالم الثالث وهناك غرب الاستعمار وغزو الشعوب ونهب ثرواتها وهناك غرب العنصرية وكراهية الاجانب واحتقار المسلمين – فأي غرب على المهاجر ان يتماهى معه حتى لا يكتب عند الله منافقا؟
وهل على المهاجر ان يغير دينه بعد الوصول الي الغرب ام ان عليه ان يكتفي بتغيير قناعاته السياسية حتى تتلاءم مع أيديولوجيا حكومة البلد المضيف وليس مع أفضل جوانب البلد الحضارية؟
فمثلا ما الذي يجعل قبول أفكار تشومسكي أو نعومي كلاين أو باربرا ايرنرايش أو ايمي غودمان خيانة لأمريكا في حين ان التماهي مع سياسات حكومات بايدن أو ترامب واجب علي المهاجر؟ اليسوا كلهم أمريكان؟
سؤال أخير: لو هاجر انسان الي كندا على سبيل المثال، هل هو ملزم بالتماهي مع سياسات حكومات كندا فقط ام ان عليه أيضا ان يدافع عن سياسات أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا؟ ولو هاجر الي مصر هل هو ملزم ايضا بسياسات حكومة مصر ومعها سياسات السعودية والامارات والأردن؟
*** من دفاتر الفاشية الفكرية والكسب السياسي غير المشروع:
من أغبى الممارسات واكثرها ابتذالا في الخطاب السياسي السوداني اتهام شخص بالنفاق إذا كان يعيش في الغرب ومع ذلك ينتقد سياسته الخارجية أو سياساته الاقتصادية أو اهيمنته علي مصير الشعوب الأخري.
ويعني هذا المنطق الأخرق أن على كل شخص أن يتماهي مع سياسات حكومة البلد الذي يعيش فيه. لذلك فإن أي شخص يعيش في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سواء كان أمريكيًا أصليًا أو مهاجرًا، عليه أن يدعم جميع السياسات المفروضة. من قبل الحكومة الأمريكية. ولجعل الأمر أسوأ، يتعين عليه أن يدعم بنفس القدر من الحماس السياسات التي نفذتها الإدارات المتعاقبة، على سبيل المثال، من كارتر إلى ريغان إلى بوش إلى ترامب.
وينبغي تطبيق هذا المنطق على جميع الذين يعيشون في أي مكان آخر في العالم. يجب على من يعيش في مصر أن يدعم كل ما تفعله الحكومة المصرية سواء كان يرأسها مرسي أو حسني أو ناصر. وكذلك واجب من يعيش في كوريا الشمالية أو ارتريا أو في أي من دول الحليج.
إن القول أن علي كل شخص تقديم الدعم الكامل لسياسات حكومة البلد الذي يقيم فيه يعبر عن عقلية أسوأ من الفاشية بما لا يقاس لانها تلغي البعد الحضاري المركب وتخترل الشعوب في حكوماتها ونظمها السياسية المتبدلة.
هذا المنطق السخيف يفشل في رؤية أن هناك في الغرب ما هو أكثر من سياسات حكومته. على سبيل المثال، الولايات المتحدة ليست مجرد إدارة بايدن. وعلى قدم المساواة، هناك مدارس فكرية أمريكية مختلفة وأشخاص مثل دي بوا، وفريدريك دوغلاس، وبيل هووك، وبيرني ساندرز، وتنهيسي كوتس وآيمي غودمان، ونعومي كلين ونعوم تشومسكي، وكورنيل ويست، وغيرهم.
وما يضيف النفاق إلي الغباء أن الذين يتهمون منتقدي الغرب الذين يعيشون هناك بالنفاق، لا يتذكرون أبدا أن يخبرونا لماذا عاشوا في السودان وانتقدوا حكومته أو لماذا عاشوا في مصر أو الخليج ودعوا إلى الديمقراطية بدلا من التبشير بالنظم السياسية السائدة في دول معاشهم.
هذا النوع من المعلقين الأغبياء كان سيدين النبي محمد لأنه عاش في مكة وهو ينتقد آلهتها وغرانيقها العلي واللات والعزي ومناة. وكانوا سيدينون ماركس لأنه كتب «رأس المال» بينما كان يعيش في لندن ويقتات علي هبات صديقه الراسمالي فريدريك انجلز، وينتقدون غرامشي لمعارضته الفاشية بينما كان يعيش في ظل فاشية موسولوني. ويمكنهم أيضًا إدانة البوعزيزي لمقاومته نظام بن علي بينما يكسب المال في تونس من بيع الخضار في شوارع العاصمة. وكانوا سيضحكون على سقراط لانتقاده الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في أثينا.
باختصار، هؤلاء الذين يدعون الناس إلى التماهي مع أنظمة بلدان إقامتهم، يجعلون من المستحيل على البشرية أن تحقق أي تقدم سياسي أو أخلاقي أو فكري، لأن منطقهم أسوأ بكثير من أي شمولية فاشية يمكن أن نتصورها.
إذن ما هو نوع الأشخاص الذين يمكنهم انتقاد شخص ما بسبب اختلافه مع سياسات حكومة البلد الذي يقيم فيه؟ هناك نوعان هنا. النوع الأول: المصابون بالجهل السياسي والفكري. يمكننا أن نعذر هؤلاء الأشخاص لأنهم يستطيعون التعلم والتخلص من الأفكار السيئة.
النوع الثاني هم الدجالون الفكريون وهم سطحيون ولكنهم يظنون أنهم عميقون، والأسوأ من ذلك أنهم لا يترددون في استخدام أي فكرة رخيصة أو غير شريفة أو غبية للتقليل من قيمة أعدائهم الفكريين وإسكاتهم وهكذا يدنسون السياسة والفكر معا ما يؤهلهم لتبوء مكانًا خاصا في درك أدنى من دوائر جحيم دانتي.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: على سبیل المثال هذا المنطق ان علیه ان مع سیاسات فی الغرب یعیش فی فی دول
إقرأ أيضاً:
الوضع السورى.. ومستقبل ليبيا
من السابق الحكم على مستقبل سوريا فى ظل تعدد اللاعبين الدوليين على الأراضى السورية، وسعى كل القوى الدولية والإقليمية لتقديم نفسها فى المشهد السورى وفرض نفوذها خلال المرحلة الانتقالية التى تؤسس لشكل الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد الذى أسس للطائفية والعرقية فى سوريا، ولم يستطع تجاوز المرحلة الأولى من الربيع العربى منذ عام 2011 وكانت سببًا فى هجرة وتشريد ما يقارب نصف الشعب السورى، وسقوط كثير من المحافظات والمدن السورية فى أيدى الجماعات الإرهابية وتيار الإسلام السياسى والمعارضة السورية، حتى جاءت لحظة التفاهمات الدولية الجديدة لمسرح الأحداث فى أوكرانيا والشرق الأوسط، لتتخلى روسيا عن النظام السورى مقابل مصالحها المباشرة فى أوكرانيا وحماية أمنها القومى فى مواجهة الغرب، وفى ذات اللحظة انسحبت إيران من المشهد السورى مقابل تأمين منشآتها النووية باعتبارها أهم أهدافها الاستراتيجية، لتتصدر تركيا المشهد السورى وتصبح اللاعب الرئيسى فى سوريا نتيجة دعمها لهيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع فى دخول دمشق وإعلان سقوط النظام السابق.
التحركات الدبلوماسية الأخيرة، تكشف عن بعض من جوانب الغموض للحالة السورية، خاصة بعد زيارة الوفد الأمريكى ولقائه مع أحمد الشرع وعدد من أعضاء هيئة تحرير الشام التى تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كجماعة إرهابية، فى تغير دراماتيكى يكشف عن تلون وازدواجية السياسية الأمريكية طبقًا للمصالح الأمريكية الإسرائيلية وتحقيق أهدافهما الاستراتيجية فى الشرق الأوسط.. أما زيارة وزير الخارجية التركى هاكان فيدان قبل أيام كانت كاشفة بجلاء عن أن الرابح الأكبر من أزمة سوريا هى تركيا كما جاء فى المؤتمر الصحفى مع أحمد الشرع عندما أكد أن التنسيق كامل على محاور عدة وأتى على رأسها العمل مع القيادة الجديدة على تحرير كامل الأراضى السورية من الجماعات الإرهابية والمسلحة إلى خارج سوريا، كاشفًا عن التعاون فى شتى المجالات ودعم تركى سياسى وفنى خلال المرحلة الانتقالية لإعادة بناء المؤسسات السورية وأيضًا عمليات الإعمار وبناء البنية الأساسية للدولة السورية، مشيرًا إلى البدء فى ترتيب زيارة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى سوريا فى تأكيد على الهيمنة التركية على سوريا، وفى ظل تشتت وغياب موقف عربى موحد لما يحدث فى سوريا نتيجة أيديولوجيات طائفية وعرقية تحدد مواقف بعض الأنظمة العربية، وعمل البعض الآخر كوكلاء لقوى كبرى، أو بعض الأنظمة التى ترفض التعامل مع تيار الإسلام السياسى والجماعات الإرهابية.
خطورة الوضع السورى لا يقف عند حد الوضع المجهول لمنطقة الشام وتأثيرها على الأمن القومى العربى والنزعة العروبية لهذه المنطقة بالغة الأهمية، وإنما يمتد تأثيرها لما هو أبعد وأخطر وتحديدًا على الأمن القومى المصرى، فى ظل ما تشهده المنطقة من إنتاج موجة من تيارات الإسلام السياسى ودعمها للسيطرة على الدول، كهدف استراتيجى أمريكى لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.. ومع تلاقى المصالح والأهداف التركية الأمريكية فى سوريا والهيمنة التركية على الوضع السورى، يجب التوقف أمام تصريحات وزير الخارجية التركى حول مستقبل جبهة النصرة ونقلها خارج سوريا، خاصة أن الكل يعلم أن تركيا لها مصالح فى الغرب الليبى وتدعم حكومة الغرب وتيار الإسلام السياسى، الذى بات ينتظر الدعم ويتحين الفرصة لتكرار التجربة السورية فى ليبيا، الأمر الذى يدعو الشعب الليبى الآن، وأكثر من أى وقت مضى إلى التحرك واتخاذ خطوات جادة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لحماية دولته ومقدراته من المخططات الخارجية وغزو تيارات الإسلام السياسى إلى الغرب لفرض واقع جديد على ليبيا، وهو نفس الأمر الذى يدعو الدولة المصرية إلى تحركات فاعلة ومسبقة تشكل خطوطا حمراء جديدة أمام محالات العبث بمستقبل ليبيا باعتبارها حدود الأمن القومى المصرى المباشر.
حفظ الله مصر