جيش حفتر يتحرك نحو الجنوب الليبي.. ما علاقة روسيا والإمارات والجزائر؟
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
ناشدت الأمم المتحدة إلى "وقف التصعيد" في ليبيا بعد عودة شبح الحرب الأهلية عقب أربع سنوات من وقف إطلاق، وذلك إثر تحرك قوات حفتر باتجاه مناطق في الجنوب الغربي تسيطر عليها حكومة طرابلس المعترف بها دولياً.
ودعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان صحفي لها أمس الجمعة، إلى "وقف التصعيد العسكري" و"تجنب المزيد من التوترات"، بعد تحركات لقوات موالية لخليفة حفتر في جنوب غرب البلاد، التي تسيطر عليها الحكومة المناوئة لحفتر والمتمركزة في طرابلس.
وطالبت البعثة الأممية، "جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي عمل عسكري استفزازي يمكن أن يعرض الاستقرار الهش في ليبيا وأمن سكانها للخطر".
من جهتها أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي عن قلقها إزاء التحشيدات والتحركات العسكرية الأخيرة في المنطقة الجنوبية والغربية، وأكدت أن استخدام القوة من شأنه أن يضر بالاستقرار في ليبيا ويؤدي إلى معاناة إنسانية وينبغي تجنبه مهما كلف الأمر.
ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف للدخول في حوار لمنع الانقسام والحفاظ على الاستقرار واتفاق وقف إطلاق النار، وحث جميع الأطراف الليبية الفاعلة والمجموعات المسلحة على ضبط النفس ووقف التصعيد بشكل عاجل.
كما أعلنت دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، أنها نشاطر المجتمع الدولي مخاوفه إزاء التحركات العسكرية الجارية في منطقة جنوب غرب ليبيا، وأكدت أن التحركات العسكرية تهدد بالتصعيد والمواجهة العنيفة.
ودعت هذه الدول قوات الأمن في الشرق والغرب على اغتنام الفرصة للتعاون لنشر تدابير فعالة لتأمين الحدود وحماية سيادة ليبيا.
وفي طرابلس أمر المجلس الرئاسي بصفته قائداً أعلى للجيش بعودة كافة القوات إلى ثكناتها بشكل فوري ومنع أي تحرك دون إذن من القائد الأعلى، وأكد أن رفع درجة الاستعداد وحشد القوات والإذن بتحركها هي اختصاص أصيل للقائد الأعلى للجيش الليبي دون غيره.
وحذر المجلس الرئاسي من أن هذه الأعمال قد تدخل البلاد في حالة من الفوضى وتؤثر سلباً على حالة الأمن وتعتبر خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
هذا وكانت هيئة الأركان العامة لقوات حكومة الوحدة الوطنية، المتمركزة في طرابلس (غرب)، قد أعلنت الخميس، وضع وحداتها "في حالة تأهب"، وأمرتها "بالاستعداد لصدِّ أي هجوم محتمل".
ووفقاً لوسائل إعلام محلية ومحللين، فإن الهدف المحتمل للقوات الموالية لحفتر يكمن في السيطرة على مدينة غدامس الحدودية الحيوية التي يوجد بها مطار دولي ومنفذ بري يربطها بالجزائر، الواقعة على بعد 650 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة. وتخضع غدامس حالياً لسيطرة حكومة طرابلس.
وسارعت القوات الموالية لحفتر في وقت متأخر ليلة الخميس، في بيان مصور تلاه أحد قادتها، إلى توضيح حقيقة التحركات العسكرية مؤكدة قيامها "فقط بتأمين المناطق الخاضعة لسيطرتها في الجنوب الغربي". ولم تشر إلى نيتها التقدم إلى مدينة غدامس من الأساس.
يذكر أن ليبيا تعيش انقساما بين حكومتين: الأولى معترف بها دولياً في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر.
وشنّ حفتر بدعم عسكري من حلفائه (روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة) هجومًا واسعا في الفترة من نيسان/أبريل 2019 إلى حزيران/يونيو 2020 للسيطرة على طرابلس. وتم إيقافه على أطراف المدينة من قبل قوات حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من تركيا، قبل انسحاب قواته بالكامل إلى الجفرة وسرت وسط ليبيا.
تصعيد قوات حفتر رسالة روسية
وفي لندن اعتبر القيادي في حركة "رشاد" الجزائرية المعارضة محمد العربي زيتوت، أن توجه قوات حفتر إلى الجنوب الليبي ليس قرارا ليبيا خالصا، وإنما هو جزء من تصعيد روسي إماراتي ضد الجزائر والنظام الحاكم فيها تحديدا..
وأوضح زيتوت في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن النظام في الجزائر يعيش أزمة خانقة في السنتين الأخيرتين بسبب أخطاء جسيمة ارتكبها في علاقته مع روسيا، حيث أنه سهل في البداية وتحديدا في أكتوبر 2021 دخول ميليشيات فاغنر إلى مالي، وذلك في إطار مناكفة منه لفرنسا وتنفيذا لمطالب روسية، لكنه لم يكن تعلم أن تلك القوات الروسية دخلت إلى مالي بدعم إماراتي سرعان ما تنقلب عليه، خصوصا بعد الانقلاب الذي قاده عقداء ضد زملائهم الانقلابيين في 2021، ليسيطر على الحكم في مالي العقيد أسيمي غويتا..
وأشار زيتوت إلى أن صعود العقيد أسيمي غويتا إلى قيادة عسكر مالي عزز بدوره من الوجود الروسي في دول المنطقة، إضافة إلى نفوذها في إفريقيا الوسطى وليبيا.. وكانت روسيا تريد الوصول إلى الساحل والصحراء المليئة بالمعادن النفيسة والذهب بمساعدة الإمارات..
وأضاف: "عندما شعر الفرنسيون بأن النظام الجزائري بدأ يلعب لعبة مزدوجة، إذ أنه في الوقت الذي استمر فيه بدعم فرنسا في مالي، فإنه سمح أيضا بتمدد النفوذ الروسي إلى مالي ودول الساحل والصحراء، ومن هنا شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما على النظام الجزائري في سبتمبر 2021، وأكد أن تبون عالق داخل هذا النظام.. وتهجم على الجزائر وقال بأنها لم تكن أمة وأن الاستعمار هو من صنعها، وهو ما أغضب النظام الجزائري بحيث تمت الإطاحة بالجنرال محمد قايدي وهو من أهم الجنرالات ومحسوب على الجناح الغربي ـ الفرنسي، وكان متوقعا أن يخلف شنقريحة على رأس الجيش، والأمر الثاني أن الفريق السعيد شنقريحة سرع إدخال فاغنر إلى مالي عبر الجزائر".
وأكد زيتوت أنه وعلى الرغم من عودة العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية إلى التحسن، إلا أن الانقلابين اللذين وقعا في بوركينافاسو ثم النيجر وتنامي النزعة الرافضة للوجود الفرنسي في إفريقيا، وهي نزعة أصيلة إلا أنها كانت هذه المرة بدعم وتحريض من روسيا..
وقال: "روسيا خطتها الاستراتيجية ليست السيطرة على الذهب والمعادن النفيسة وإنما أيضا كان هدفها إحداث غضطرابات في أوروبا بإيصال أكبر عدد ممكن من الأفارقة عبر تونس وليبيا تحديدا بسبب ضعف الدولتين".
وتابع: "أما بعد حرب أوكرانيا فقد وسع الروس استراتيجيتهم لتكون الفكرة هي تفكيك أوروبا إذا أمكن ردا على سعي الغرب لتفكيك روسيا والتي كشف عنها الرئيس بوتين أكثر من مرة، ولعل ما جرى في بريطانيا مؤخرا وفي فرنسا قبل عام يؤكد هذا المنحى".
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن "العلاقات التاريخية التي كانت تربط النظام الجزائري بموسكو تنهار حاليا، ليس فقط بسبب الموقف الروسي في مالي والنيجر وهو موقف يتعارضص مع المصالح الجزائرية، وإنما أيضا بسبب غضب موسكو من الموقف الذي اتخذه النظام في الجزائر بعد اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، حيث سارع إلى الإعلان أن الغاز الجزائري هو البديل للغاز الروسي بالنسبة لأوروبا، وفعلا زادت الصادرات الجزائرية من الغاز إلى دول أوروبية (إيطاليا) كانت تعتمد أساسا على الغاز الروسي".
وتابع: "موضوع الغاز وحول مالي والنيجر كانت أسبابا كافية لأن لا يدعم الروس دخول الجزائر إلى منظمة البريكس، ومتما زاد الغضب في الجزائر العاصمة هو تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في إجابة عن سؤال عن المعايير التي جعلتهم يقبلون دولا ويرفضون أخرى، قال فيه إننا قبلنا الدول التي لها هيبة وتأثير على الصعيد الدولي (السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإيران).. فقد شعر النظام الجزائر بإهانة من طرف حلفائه الروس.. ليتطور الموقف الروسي في خصومته إلى دعم الجيشس المالي للسيطرة على مدن الأزواد التي كان لها حكم ذاتي، واكتملت السيطرة على أكثرية مناطق الأزوات في نهاية نوفمبر الماضي.. وأسابيع بعد ذلك شن عسكر مالي هجوما شديدا على النظام الجزائري وألغوا الاتفاق بين الأزواد وباماكو المعروف بـ "الاتفاق الجزائر"، وكان قد وقع في العام 2015 ".
وأضاف: "تلا ذلك إقدام عسكر مالي بدعم من ميليشات فاغنر إلى مطاردة الأزواديين وتهجيرهم إلى داخل الجزائر.. والبعض ذهب إلى موريتانيا.. ومما أغضب جنرالات الجيش الجزائري الذين اتفقوا مع الروس أن لا تقترب ميليشيات فاغنر والجيش المالي نحو 80 من حدود الجزائر، وهم ما لم تم نقضه على الأرض، حيث وصل حد قتل قيادات أزوادية مقربة من النظام الجزائري".
وتابع: "لقد كانت زيارة قائد الأفريكوم الأخيرة إلى الجزائر أيضا فارقة في إيصال رسالة تهديد أمريكية إلى الجزائر في المساعدة على تطويق النفوذ الروسي في دول الساحل الإفريقي (الأمريكيون يلومون قيادة الجيش الجزائري بأنها هي التي سهلت في البداية دخول فاغنر إلى مالي)، بعد ذلك تم تداول أنباء عن دخول السلاح أوكراني إلى ثوار الأزواد، وجرت معارك طاحنة قبل أيام كبد فيها ثوار الأزواد هزيمة كبيرة لفاغنر وللجيش المالي.. وهذا ما فاقم من غضب الروس الذين أوعزوا لحفتر للتحرك في اتجاه حدود الجزائر والسيطرة على المعبر الحدودي "يسين" والتهديد بالسيطرة على غدامس".
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن ما يؤكد الغضب الروسي هو التلاسن الذي حصل أول أمس في مجلس الأمن، وهو يحدث لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث هاجم الممثل الروسي الملاكمة الجزائرية إيمان خليف التي فازت بالميدالية الذهبية في أولمبياد فرنسا، ودفع النظام الجزائري بالآلاف إلى الشوارع احتفالا بذلك على الرغم من أنه يمنع المظاهرات حتى تنديدا بحرب الإبادة على غزة،.
وأضاف: "تتوسع أسبالب الخليف بين النظام الجزائري وحليفه الروسي الذي كان يزوده بنسبة 85 بالمائة من السلاح والتكوين العسكري، وهو ما سيؤدي إلى مشاكل كبرى داخل الجيش إذا ما امتنع الروس عن بيعهم السلاح، وخصوصا قطع غيار السلاح"، على حد تعبيره.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية ليبيا تحرك الجيش ليبيا جيش أهداف تحرك المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الجزائری النظام الجزائر فاغنر إلى فی طرابلس الروسی فی فی لیبیا إلى مالی
إقرأ أيضاً:
11 قتيلا بقصف على سوق شعبي بمالي.. من نفذ الهجوم وما علاقة روسيا؟
قتل نحو 11 شخصا وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، إثر قصف تعرض له سوق شعبي أسبوعي في مالي غير بعيد من الحدود الموريتانية، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع في المنطقة وموجة نزوح جديدة نحو موريتانيا.
ووقع الهجوم مساء الأحد في سوق محلي يعرف بـ"سوق اجدير" على بعد نحو 55 كيلومتر من مدينة "لرنب" داخل الأراضي المالية، ونحو 70 كيلومتر من مقاطعة انبيكت لحواش شرقي موريتانيا.
وخلف الهجوم نحو 11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا، جميعهم من المدنيين بينهم أطفال، فيما أظهرت صور وفيديوهات التقطتها هواتف بعض السكان المحليين، أشلاء الضحايا متناثرة.
ولا يعرف ما إذا كان الضحايا من جنسيات مالية أم موريتانية، حيث أن السوق يرتاده ماليون وموريتانيون، نظرا لوجوده بمنطقة مالية قريبة من الحدود الموريتانية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن سكان محليون قولهم، إنهم لاحظوا وجود مسيرة تحوم حول المكان مساء أمس، حيث غادر بعضهم السوق، قبل أن تقوم الطائرة المسيرة لاحقا بقصف المكان مما خلف قتلى وجرحى.
من نفذ الهجوم؟
وعلى الرغم من أن الحكومة المالية لم تعلن مسؤولية باماكو عن الهجوم، إلا أن مسيرات الجيش المالي نفذت في الفترة الأخيرة العديد من الهجمات في المنطقة الواقعة في إقليم أزواد المطالب بالانفصال عن الحكومة المركزية في العاصمة باماكو.
كما حملت "جبهة تحرير أزواد" المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي مسؤولية الهجوم، مؤكدة مقتل أكثر من 10 مدنيين وإصابة العشرات في الهجوم.
وقالت الحركة في بيان أرسلت نسخة منه لـ"عربي21" إن الضحايا بينهم نساء وأطفال، وإن المصابين بعضهم في حالات خطرة جدا، ووصفت الهجوم بـ"العمل الوحشي".
واعتبرت الحركة أن هذا الهجوم يمثل "جزءا من سلسلة من الضربات التي تستهدف السكان المدنيين"، مشيرة إلى أنه "في 13 من مارس الجاري استهدفت غارة جوية شاحنتين تحملان ملح الصخور المصدر الوحيد المتبقي للدخل لسكان المنطقة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني لهذه الفئات السكانية الضعيفة".
وعبرت الحركة عن إدانتها بـ"أشد العبارات للجرائم المرتكبة ضد المدنيين"، داعية المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته في مواجهة هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني".
روسيا في دائرة الاتهام
وزودت روسيا على مدى السنوات الماضية الجيش المالي بمعدات عسكرية متنوعة بينها طائرات مقاتلة وسرب من الطائرات المسيرة، بالإضافة لعتاد عسكري متعددة.
وتتهم الحركات الأزوادية في شمال مالي، الحكومة المركزية في باماكو، بالاستعانة بخدمات مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة المثيرة للجدل، من أجل تنفيذ هجمات بمناطق الشمال المالي الذي تنشط في فيه العديد من التنظيمات المسلحة، فيما تنفي باماكو ذلك وتتحدث عن تعاون قديم بينها وروسيا.
وتتحدث تقارير غربية عن أن مرتزقة فاغنر الروس "يذبحون المدنيين ويحرقون القرى في منطقة شمال مالي، ويؤججون أزمة لاجئين سريعة النمو".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست في تقرير نشرته الأسبوع الماضي، عن ماليين قولهم: "إن جنود فاغنر يشنون حملة عنف وحشي ضد سكان شمال مالي".
وتشير تقديرات مركز "مواقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث" إلى مقتل ما لا يقل عن 925 مدنيا العام الماضي بهجمات شاركت فيها فاغنر، وفق تقرير الصحيفة.
معارك محتدمة
ومنذ نحو سنتين تحتدم المعارك في إقليم أزواد بالشمال المالي، بين الحركات الأزوادية (الطوارق) والجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر، ما تسبب في موجة نزوح وصفت بغير المسبوقة نحو الأراضي الموريتانية.
ومن حين لآخر يعلن "الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي" (يضم عدة حركات من الطوارق والقبائل العربية) عن مهاجمة القوات المالية وقتل وإصابة بعض الجنود، فيما يتحدث الجيش المالي عن شن هجمات تستهدف من يصفهم بالمسلحين "الإرهابيين" في المنطقة.
واندلعت المواجهة القوية بين الجيش المالي والحركات الأزوادية، إثر سلسلة من الأحداث والتطورات، من بينها وقف الحكومة المالية العمل باتفاق الجزائر الموقع سنة 2014 ودخولها في تصعيد مع الجبهات الأزوادية، في محاولة منها لفرض سيطرتها على كامل إقليم أزواد ما تسبب في مواجهة مباشرة مع الحركات الأزوادية.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2014 استضافت الجزائر محادثات سلام بين الحركات السياسية والعسكرية الأزوادية والحكومة المالية، تـُوجت باتفاق سلام وُقع بالتزامن في مدينتي الجزائر العاصمة وباماكو (عاصمة مالي) يوم 15 أيار/ مايو 2015.
ونص الاتفاق على تخلي الأزواديين عن مطلب الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا موسع الصلاحيات، ودمج مقاتلي هذه الحركات في الجيش الوطني.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي، وفي آب/ أغسطس عام 2023، أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي إنهاء العمل بهذا الاتفاق.
وقال بيان حينها صادر عن المتحدث باسم الحكومة المالية إن قرار إنهاء الاتفاق يعود إلى "التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة" على الاتفاق، وكذلك "الأعمال العدائية" من جانب الوسيط الرئيسي "الجزائر".
مرحلة جديدة من المواجهة
ويرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، أحمد محمد فال، أن الهجوم الذي تعرض له سوق شعبي شمال مالي أمس، مؤشر على دخول المواجهة بين الجيش المالي والحركات المسلحة في الشمال مرحلة جديدة.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الجيش المالي كان يتفادى شن هجمات على الأسواق الشعبية التي تكون عادة مزدحمة بالمدنيين، مضيفا أن هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الأسواق الشعبية.
وتوقع المتحدث أن يشن الجيش المالي خلال الفترة القادمة، المزيد من الضربات التي تستهدف مناطق الشمال المالي بهدف تسريع سيطرته على كامل إقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي والذي يضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.
وأشار أحمد محمد فال، إلى أن الهجمات على الأسواق الشعبية، ستكون لها انعكاسات كبيرة، مضيفا أن المزيد من اللاجئين الماليين سيتدفقون إلى الأراضي الموريتانية، خصوصا مخيم "امبره" شرقي موريتانيا الذي يستضيف نحو 120 ألف لاجئ مالي.
ويتكون سكان إقليم أزواد المطالب الانفصال من عرقيات الطوارق (هم غالبية السكان) والعرب والفلان والسونغاي. وتبلغ مساحة الإقليم 822 ألف كلم مربع أو ما يقارب الـ66 بالمئة من مساحة مالي الكلية البالغة مليونا و240 ألف كلم مربع.
وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".
ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي. وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.