التعليم وريادة الأعمال.. الحلقة المفقودة
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
شاركتُ في العام الماضي- وبدعوة من المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" بدولة قطر- في ملتقى مهارات القرن الحادي والعشرين والذي كان بعنوان أفضل الممارسات التربوية لثقافة التعليم، وقد قدّمت بحثًا بعنوان "أهداف التنمية المستدامة.. التعليم الجيِّد- الهدف الرابع"، تطرقت فيه إلى الإعلان العالمي للتنمية المستدامة أو ما يُسمى بأهداف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد تناولت الهدف الرابع من ضمن السبعة عشر هدفًا التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة في هذا المشروع، وهذا الهدف هو التعليم الجيِّد.
وفي معرض تناولي لهذا الموضوع المُهم ركزتُ على متطلبات القرن الحادي والعشرين والثورة التكنولوجية، والمهارات التي يجب أن يكتسبها المتعلم في هذا العصر حيث لم تعد القراءة والكتابة ومهارات البحث والتحليل كافية لإنتاج متعلم جيِّد؛ بل إن الثورة الصناعية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي فرضت علينا واقعًا جديدًا، وبات من المهم إعداد المتعلم بمهارات مختلفة عن السابق، تساعده في مواكبة ما يحدث في العالم، وأصبح التعليم التقليدي أو البقاء بنفس المنهجية السابقة للتعليم هدرا للطاقات وإمعاناً في التخلف عن ركب العالم الخارجي.
المهارات التي حددها الخبراء وأصبحت تعرف بـ"مهارات القرن الحادي والعشرين" تركز على الإبداع والابتكار والتفكير النقدي والتواصل وريادة الأعمال، وأصبح التعليم يهدف إلى خلق مهارات ثقافية مثل الثقافة الرقمية والإعلامية وتقنية المعلومات والاتصالات، كما يُركِّز التعليم الحديث على معادلات العمل والحياة من خلال تنمية مهارات متعددة لدى المتعلمين مثل القيادة والمسؤولية والإنتاجية والمساءلة والتفاعل مع الآخرين بإيجابية والتفاعل متعدد الثقافات والمبادرة والمرونة والتكيف الاجتماعي.
لقد وضعت الحكومة الرشيدة التعليم ضمن أولويات الرؤية الوطنية "عُمان 2040" وحظي التعليم في سلطنة عُمان بالاهتمام الكبير منذ اليوم الأول لقيام النهضة المباركة في العام 1970 على يد السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وهو النهج الذي سار عليه من بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- والذي جعل التعليم حجر الأساس لمشروع النهضة التنموية المتجددة؛ ولذلك لا بُد من الاهتمام بنوعية التعليم الذي نُقدمه حتى يكون التعليم مساهمًا في تحقيق المستهدفات الوطنية.
في حديث لمعالي الأستاذة الدكتورة وزيرة التعليم العالي، ذكرت أن حوالي 70% من مخرجات الدبلوم العام تجد مقاعد في مؤسسات التعليم العالي، وهذا أمر مثالي جدًا لدولة تهتم بالتعليم من أجل الرقي بالإنسان، وحسب الإحصاءات فإن نسبة الأمية في سلطنة عُمان بلغت صفر% لمن هم في سن الدراسة، وهذه جهود كبيرة بُذلت من أجل تحقيق ذلك، وقد حان الوقت للنظر في نوعية التعليم ومدى مساهمته في حل كثير من المشكلات مثل ملف الباحثين عن عمل ومدى مهارة المخرجات وقدرتها على تحقيق النجاح في سوق العمل.
يجب أن ينتج التعليم أفرادًا قادرين على تحقيق التنمية ليس من خلال الوظيفة فقط، وإنما من خلال ريادة الأعمال التي يعد أحد أهم روافد الاقتصاد في الدول المتقدمة، وهذا الأمر لن يتحقق إلّا بالتركيز على إكساب المتعلمين المهارات اللازمة التي ذكرتها سابقًا، والتوقف عن التعليم الذي ينتج موظفين ينتظرون العمل بعد تخرجهم ليشكلوا عبئًا آخر يضاف إلى المجتمع.
إنَّ النظرة للتعليم يجب أن تختلف ليس من خلال الشعارات التي تطلق بين الحين والآخر، وإنما من خلال توجيهه لحاجات المتعلم والمجتمع ومواكبته للتطور العلمي والمعرفي الذي يجتاح العالم ومسايرته للمتغيرات العالمية وجعله قادرًا على إنتاج متعلمين بمواصفات ومهارات تمكنهم من التفاعل مع العالم وشق طريقهم بكفاءة عالية وسط الطوفان الجارف من التدفق المعرفي والتطور التكنولوجي.
لذا.. على مؤسسات التعليم أن تغير استراتيجياتها وفلسفتها التعليمية أو أن تعدلها لتواكب حاجات العصر، وعليها أن تنتقل إلى مرحلة متقدمة من خلال النظر إلى التعليم كأحد روافد الاقتصاد وضلع أساسي من أضلع الإنتاج، وأن يتم تقديم نواتج التعليم كمنتج اقتصادي مساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للدولة، عندها سوف نجد أن جميع العناصر الأخرى تسير في الاتجاه الصحيح.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. عمر الشريف النجم الذي عبر حدود السينما إلى قلوب العالم (تقرير)
تحل اليوم، الخميس 10 يوليو، ذكرى رحيل النجم المصري العالمي عمر الشريف، الذي غيبه الموت عام 2015 إثر نوبة قلبية، بعد أن ترك وراءه إرثًا فنيًا لا يُنسى، محليًا وعالميًا، ظل محفورًا في ذاكرة السينما لأجيال متعاقبة.
الفنان عمر الشريفولد عمر الشريف عام 1932 بمدينة الإسكندرية، لأسرة تنتمي إلى الطبقة الراقية، فكان والده تاجر أخشاب معروف، ووالدته كلير سعادة من أصول لبنانية-سورية تنتمي للطبقة الأرستقراطية. تلقى تعليمه في “فيكتوريا كوليدج” العريقة، حيث بدأ شغفه بالتمثيل من خلال عروض المسرح المدرسي، قبل أن يقرر لاحقًا صقل موهبته بالدراسة في الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن.
بداياته الفنيةبداية عمر الشريف الحقيقية جاءت على يد صديق الدراسة، المخرج يوسف شاهين، الذي رشحه لدور البطولة أمام فاتن حمامة في فيلم “صراع في الوادي” عام 1954، ومنحه اسمه الفني “عمر الشريف”. سطع نجمه بعدها بسرعة فائقة، خاصة بعدما جمعته الكاميرا بفاتن حمامة مجددًا في أفلام مهمة مثل “أيامنا الحلوة”، و”نهر الحب”، و”صراع في الميناء”.
الشريف لم يكن مجرد ممثل وسيم، بل موهبة فريدة امتلكت كاريزما لافتة وصوتًا مميزًا وأداءً عميقًا جعله قادرًا على التنقل بين الشخصيات ببراعة، من الشاب الصعيدي في “صراع في النيل” إلى أدوار عالمية كبرى. وقد خطف أنظار العالم بأدائه في فيلم “لورانس العرب” الذي فتح له أبواب العالمية، ونال عنه جائزة الجولدن جلوب، وبه ترسخ اسمه كأحد أبرز نجوم السينما العالمية.
على مدار مسيرته، لم يكن عمر الشريف مجرد وجه على الشاشة، بل أيقونة مصرية وعربية تخطت الحدود، وكتبت اسمها في صفحات المجد السينمائي، ليبقى حاضرا رغم الغياب، رمزًا للموهبة التي لا تموت.