جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-07@02:44:22 GMT

يوم الشباب العالمي

تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT

يوم الشباب العالمي

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي **

Shinas2020@yahoo.com

 

ما أعظم اهتمام ديننا الحنيف بالشباب! وما أجمل احتفاءه باليافعين! فقد اهتم الإسلام بالشباب أيما اهتمام، وقد اختصهم الله -تبارك وتعالى- بالذكر في كتابه العزيز في أكثر من موضع، فأخبرنا -سبحانه وتعالى- عن هؤلاء الفتية المُباركين أصحاب الكهف، والذين اعتزوا بدينهم، واعتزلوا أهل الباطل عندما عجزوا عن إصلاحهم: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: 13]، في إشارة عظيمة لبيان فضل هذه المرحلة العمرية وأهميتها، ولفت الأنظار إليها.

كما أولى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشباب أهمية قصوى منذ بزوغ فجر الإسلام العظيم، فهم عماد الأمة، ومُستقبلها الزاهر، وأملها في التغيير، والقاطرة التي تأخذ بتلابيبها إلى مصاف النجوم.

والشباب في صدر الإسلام هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونصروه، وقدموا أروع أنواع التضحية والفداء، فذادوا عن الحياض، وبذلوا أرواحهم دفاعًا عن دينهم، بل إنَّ سبعة من العشرة المبشرين بالجنة من الشباب، ولله در أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين ضرب المثل في الشجاعة والتضحية برقوده في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة شابًّا يافعًا يناهز العشرين من عمره، مُستبشرًا بنجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى وإن زهقت نفسه الكريمة فداء له. وهذا أسامة بن زيد يقود جيش المسلمين وهو ابن السابعة عشرة من عمره بتكليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف التردد إليه سبيلا، ولا التلجلج إليه طريقًا. وهذا مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام، يجعله الله سببًا في دخول الإسلام كل بيت من بيوت المدينة، وهذا معاذ مبعوثًا إلى اليمن، وهذا عمار وهذا العباس وووو...  وغيرهم الكثير. وكان ذلك كله دليلاً دامغًا على ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في الشباب، وإيمانه بقدراتهم، ودورهم القيادي.

وها نحن نحتفل بيوم الشباب العالمي، والذي أقرته الأمم المتحدة في الثاني عشر من شهر أغسطس من كل عام، تذكيرًا بدورهم المحوري في المجتمعات، وتأكيدًا على حقوقهم وتطلعاتهم، وتعزيزًا للوعي بالتحديات التي يجابهونها، واستدعاءهم للمشاركة الفعالة في مواجهة التحديات والمعوقات التي تقف كحجر عثرة في طريق تنمية مُجتمعاتهم، ويقينًا بقوة سواعدهم، ورجاحة عقولهم، وعلو همتهم.

ولا شك أنَّ سلطنة عُمان أحرص ما تكون على شبابها، واحتفاؤها بالشباب موصول دائمًا، فقد اعتنت قيادتها الحكيمة بقيادة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله- بالشباب أيما اعتناء، حيث قال جلالته حفظه الله: "أبناء عُمان الأوفياء، إن الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات؛ سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين، وإننا إذ نُعاهد الله -عز وجل- على أن نكرس حياتنا من أجل عُمان وأبناء عُمان، كي تستمر مسيرتها الظافرة، ونهضتها المباركة، فإننا ندعوكم أن تعاهدوا الله على ذلك، ونحن لعلى يقين تام، وثقة مطلقة؛ بقدرتكم على التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة، والمراحل التي تليها، بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذة، وحكمة بالغة، وإصرار راسخ، وتضحيات جليلة".

وقد تسلم جلالته الراية المُباركة من المغفور له -بإذن الله تعالى- السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، فهو خير خلف لخير سلف. ولم يكن ذلك الاهتمام مجرد كلمات جوفاء، أو عبارات رنانة؛ بل إن تلك القيادة قد تبنت سياسات حكيمة، وبرامج هادفة، من أجل تمكين الشباب، وتوفير المحاضن التي تُساعدهم في إبراز مواهبهم، وإبداعاتهم، وابتكاراتهم. وقد ظهر هذا الاهتمام من قبل القيادة الرشيدة في إنشاء العديد من المؤسسات، وفي القلب منها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، لتلبية احتياجات القطاعات الثقافية، والرياضية، والشبابية، وكذلك إنشاء العديد من المؤسسات التعليمية الرائدة، ودعم المشروعات الشبابية، وتوفير الفرص للتدريب والتأهيل، وتنظيم العديد من الفعاليات والبرامج التي تصقل خبراتهم، وترفع كفاءتهم، في كل المجالات والمناحي الحياتية، سواء كان ذلك في المجال الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو غيرها من المجالات، لإعداد جيل من الشباب القادر على صناعة مستقبل مشرق لوطننا الغالي عُمان، ومنطقتنا العربية، ومحيطنا الإقليمي.

والناظر بعين التاريخ المزهر، وبنظرة الحاضر المثمر، يعلم علم اليقين أن الشباب هم القوة الدافعة وراء أي تغيير أو تقدم تصبو إليه الأوطان، فهم ترياق الحياة الذي ينزع سمومهَا، وهم الدواء الذي يداوي جراحها، وهم المحرك الذي يدفعها إلى مقدمة الركب، وهم البراق الذي يحملها إلى عنان السماء، وبحماستهم وحيويتهم يحملون مشعل تقدمها. ولا يقتصر دور الشباب على العمل والإنتاج، بل يتعدى ذلك إلى الإسهام في حل مشكلاتها، وتقديم الأفكار والرؤى والحلول الناجعة، ليصبح المجتمع أكثر أمنا، وأعظم تقدمًا، وأبهى منظرًا، فما تنتظره أمتنا من الشباب كبير، وما تؤمله فيهم عظيم، وما تتوقعه منهم ليس له سقف، ولا تحده حدود، ولا يوقفه ساحل أو شاطئ.

وعلى الشباب أن يعلموا أنَّ الحياة ليست وردية، وأن طبيعة العالم الذي نعيشه جميعًا أنه مليء بالتحديات والصعوبات، وأن الآمال العظيمة تحتاج إلى همة أعظم، وأن الوصول إلى القمة دونه تعب وعناء، وجهد ومشاق، وبذل دائم، وعرق لا ينقطع، وحركة لا تتوقف، وأعداء متربصون، وشياطين تتوعد، وتحديات لا تنتهي. وعلى الشباب أن يدركوا أن صناعة التاريخ يجيدها كل واحد، لكن العظماء وحدهم هم من يكتبون التاريخ، ويغيرون دفته. فمعرفة الصعوبات عند البدايات كفيلة بالقضاء على أي إحباط أثناء العمل لا قدر الله. ومن أبرز ما يواجه الشباب في طريق رفعة الأوطان؛ مشكلات البطالة التي لا تسلم منها دولة من الدول، ففرص العمل لا تكفي طموحات الشباب، وعلى الشباب أن يفكر خارج الصندوق، وأن يستفيدوا من خبرات الآخرين، وأن ينقلوا تجارب البلاد الناجحة إلى أوطانهم، وأن يؤمنوا بقدرتهم على التغلب على تلك العقبة الكؤود. كذلك تواجه الشباب تحديات التعليم، وقلة الفرص، وعدم توافق التعليم المتاح مع متطلبات سوق العمل، وعلى الشباب في كل ذلك أن يطور من نفسه، وأن يزيد من قدراته، وأن يبذل كل غال ونفيس من أجل الارتقاء بإمكانياته، وتوظيف طاقاته في نهضة الوطن والمجتمع في جميع الميادين، ومختلف المجالات.

ليست هذه فقط التحديات التي يواجهها الشباب؛ بل إن المأمول منهم أن يواجهوا مشكلات الفقر، والعنف، والتمييز، وأن تكون لهم إسهاماتهم القوية، من خلال ما حباهم الله -تعالى- من قدرات، وأن يستفيدوا بالتغيرات السريعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من أجل التكيف المستمر، والتعلم المتنامي، لمواكبة كل جديد، ومقارعة كل عائق، وأن يكونوا أكثر حذرا ويقظة من الغزو الثقافي، والاختراق الفكري، والأفكار الهدامة، والتقليد الأعمى، نتيجة العولمة، والتطور التكنولوجي.

إنَّ يوم الشباب العالمي هو مناسبة جميلة لتقدير جهود الشباب، والاعتراف بدورهم الرائد في تشييد مجتمعهم، وإشراكهم في صياغة وتصميم البرامج الموجهة لهم، كي تنسجم مع تطلعاتهم وطموحاتهم، حتى يصبحوا شركاء فاعلين في الرقي بأوطانهم ومجتمعاتهم،  وإذ تحتفل السلطنة بذلك اليوم؛ فإن احتفالها هو تعزيز لقيم ديننا الحنيف، وثقافتنا العظيمة، وحضارتنا الفريدة، وتقدير لجهود الشباب العُماني الذين حملوا على عاتقهم أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، لخدمة وطنهم منذ بزوغ فجر النهضة المباركة، متسلحين بالعلم والمعرفة، ومتمسكين بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، ومتحلين بأخلاقهم النبيلة الزاكية، مشكلين لوحة جميلة من التلاحم، والترابط، والاصطفاف خلف قيادتهم الحكيمة، فهم رمز لحاضر جميل، ومستقبل مشرق، حفظ الله عُمان، وبارك لها في شبابها، وكتب التوفيق لقيادتها، وجعلها دائمًا شامة في جبين البشرية، ولؤلؤة في صدر الإنسانية.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية الاجتماعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة

لا يعلم التاريخ شخصية كتب عنها بقدر ما كتب عن محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كانت الكتابة عنه منصفة أم متجنية، واختلفت طرق التناول لشخصيته وسيرته، بحسب توجه الكاتب وتخصصه. ولكن المتأمل لمؤلفات وكتابات القرن العشرين وبخاصة النصف الأول منه، سيجد أن كثيرا من الأدباء والمفكرين، سواء ممن ينتسبون للأزهر الشريف، أو لا ينتسبون إليه، قد أسهموا بإسهامات مضيئة ومبهرة، تتعلق بالدراسات القرآنية، والسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة السلام.

ولأن هذه المرحلة مارت بأفكار كثيرة، وكان الغزو الفكري مستهدفا بلدان الإسلام، وفي القلب منها قلبه النابض، بلد الأزهر الشريف، وكانت العلوم الإنسانية تتخذ مدخلا للتشكيك فيه، ولذا رأينا أفضل من دافعوا عن الإسلام في هذه المرحلة، من امتلكوا ناصية هذه العلوم، مع إيمان راسخ بعقيدتهم، وتحرق شديد للدفاع عن دينه، وعن سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ويأتي على رأس هؤلاء: العلامة الأستاذ محمد فريد وجدي، الذي كان له القدح المعلى في الإسهام في نقاش الإلحاد، والأفكار المستوردة، مثل: الشيوعية، وغيرها من الأفكار، التي بدأت تغزو بلاد الإسلام، واتخذ كل منبر مكن له فيه، ليمارس نشاطه المفضل، فقد رزق وجدي قلما سيالا، وفكرا متقدا، وعطاء لم ينقطع حتى أسلم الروح لبارئها.

تحدث فريد وجدي عن نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها، ليرد على من ينكرون عليه النبوة، ويتهمونه بادعائها، بأنه لم يشتهر قبل النبوة في قومه بمميزات تدعوه إلى التطلع للرئاسة الدنيوية، بل كان هناك غيره من تطلع لذلك..في وقت اشتهر التفكير الفلسفي في أوروبا، وعاد الدارسون له من أهل المشرق، وبدأت نزعات تحكيم الفلسفة ومناهجها، والعقل البشري، في كل ما هو من مساحته وما ليس من مساحته، بما في ذلك الثوابت الدينية، انبرى محمد فريد وجدي، ليكتب سلسلة مقالات، جمعها فيما بعد العالم الإسلامي الكبير الدكتور محمد رجب البيومي، تحت عنوان: (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة)، وقد كتبها وجدي في سنوات متتالية في مجلة (الأزهر)، مر على أهم المحطات من السيرة النبوية، وبخاصة المحطات التي يكثر فيها التشكيك، ومحاولة زعزعة إيمان الشباب المسلم بها.

اتخذ فريد وجدي العلوم الإنسانية من علم النفس والفلسفة والاجتماع، لكن بالمعنى القرآني، وليس بالمعنى المادي، وبالمعنى البشري الذي لا يتعارض مع المنهج السديد، ليكون أداة لعرض السيرة النبوية، وكان يطرح بكل جرأة الأسئلة التي يطرحها المنطق المادي، ويأتي عليها بقلمه لينسفها نسفا، ويفندها تفنيدا، لا يبقي منها شبهة، بدون رد علمي، بما انتهى إليه العلم، وثبت من العلوم التطبيقية والإنسانية، وقد مكنه من ذلك: اطلاعه الواسع على هذه المدارس، وكيف لا، وقد قام الرجل وحده بعبء كتابة موسوعة، أطلق عليها: موسوعة القرن العشرين، في عشر مجلدات، قام بكتابته وحده.

فمن أهم القضايا التي تطرح للتشكيك في النبوة، مسألة الوحي، وقد كان يطرحها المستشرقون بأنها هواجس نفس، وإيحاءات، لا علاقة لها بملكوت السماء، فتحدث فريد وجدي عن نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها، ليرد على من ينكرون عليه النبوة، ويتهمونه بادعائها، بأنه لم يشتهر قبل النبوة في قومه بمميزات تدعوه إلى التطلع للرئاسة الدنيوية، بل كان هناك غيره من تطلع لذلك، فما الذي جد ليخرج عليهم محمد صلى الله عليه وسلم فجأة ليعلن نبوته، سوى أنها نبوة حقيقية، وبدأ يستشهد بمشهد الوحي، وكيف ارتعد وخاف حين جاءه، ثم حزن حينما غاب عنه الوحي لفترة، أيكون ذلك عن تخيل، أو ادعاء؟!

ومن أقوى ما استشهد به فريد وجدي للتدليل على فكرة الوحي، ثم فكرة النبوة بعامة، وفكرة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تحديدا، فقال: (اللهم ما أقوى سلطانك، وأسطع برهانك، أمي في أقصى بيئة عن العمران، وأبعد مكان عن معترك العقول، ومضطر النظريات والمبادئ، وبين ظهراني قوم لم يألفوا النظام، ولم يأنسوا بالوحدة، ينتدب أن يكون رسولا للناس كافة فيدعوهم للكلمة الجامعة، ملوحا لهم بالأصول الحكيمة لتحقيق هذا المأرب، الذي لم يطف بخيال فيلسوف ولا مصلح قبله، مدللا على إمكانه بالأدلة القاطعة، ضاربا لهم المثل العملي بتأليف أمة عالية ليس فيها ظل من نعرة قومية، ولا عصبية الجنسية، وبتوزيع العدالة، وجميع الحقوق المدنية بين الكافة بالسوية.

أمة خالصة من جميع علل الاجتماع، يسودها قانون أصوله الحقوق الطبيعية، رأس مالها المعرفة، دينها العقل، سلاحها الحكمة، غايتها المثل الأعلى، أمي في أقصى بيئة من العمران يأتي بكل هذا بنصوص صريحة لا تحتمل الصرف والتأويل، لا يعقل أن يكون كل هذا من عنده!

بل لا بد أن يهبط عليه من عالم علوي، إذ هي أرقى مما سبقها من فلسفات الأقدمين مجموعة متضافرة! ومن العجيب أن موحي هذه التعاليم يقرر سبقها لزمانها، وأن الناس سيعرفون فضلها بعد حين (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) أي دليل على الوحي أقوى من هذا الدليل).

وهكذا يمضي فريد وجدي في كتابه على هذا المنوال الفكري في مراحل مهمة من السيرة النبوية، سواء العهد المكي، أو المدني، وسواء ما تعلق بجانب السلم والتنمية والحضارة، أو بالجانب الحربي وما يتعلق به من فلسفة وأخلاق وقيم، ثارت حول كل ذلك شبهات قام بدحضها بمكنة علمية، ورسوخ فكري كبير، وهو خط واضح في كل كتابه، لا يحيد عنه.

حتى في حديثه عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يحيد عن منهجه، بل ينتهي كما بدأ، فيقول رحمه الله: (إن من يتأمل أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه  ـ وهذه حالة يفضى فيها بين الإنسان وأهول ساعة قدرت له في حياته ـ يتحقق أنها صادرة عن قلب نبي، لا عن قلب رجل عادي.

أمة خالصة من جميع علل الاجتماع، يسودها قانون أصوله الحقوق الطبيعية، رأس مالها المعرفة، دينها العقل، سلاحها الحكمة، غايتها المثل الأعلى، أمي في أقصى بيئة من العمران يأتي بكل هذا بنصوص صريحة لا تحتمل الصرف والتأويل، لا يعقل أن يكون كل هذا من عنده!فإن تلك الساعة التي يرى الإنسان نفسه على وشك ترك أهله وذويه، وكل ما كان يملأ صدره، ويستوعب فكره من لذاته وعاداته، يشغله من أمر نفسه شاغل هائل؛ فإن فكر في شيء يخرج عن دائرة خصوصياته، فلا يمكن أن يكون ذلك الشيء مما كان يخادع فيه الناس ليتسلط على عقولهم، ويسخرهم لسلطانه، بل شوهد أن بعض الذين كانوا من هذا القبيل، اعترفوا في تلك الساعة الرهيبة بجريمتهم، وتبرأوا من ضلالتهم.

الذي رآه الناس من محمد خلاف ما عهده الناس في أولئك، فإنه لما تحقق أنه لا محالة ميت، قال للذين احتفّوا به من صحبه: "أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خلد نبي فيمن بعث الله فأخلد فيكم؟!".

ثم أوصاهم بالحق والصبر وعدم الفساد في الأرض، وبالتحاب والتواصل. إن رجلا يذكر الحق والصبر وهو يرى الموت بعينيه، ويذكر الجماعة، وينهى عن الفساد في الأرض، لهو رجل خلق روحا وجسدا لأداء مهمة عالية قد استوعبت شعوره كله، ولم تزايله حتى في تلك الآونة التي يذهل الإنسان فيها عن نفسه وبنيه وكل ما يملك).

الحقيقة إن كتاب: (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) للراحل محمد فريد وجدي، جهد متميز، وعمل جبار، في ميزان حسنات كاتبه، مع كتب أخرى، نافح فيها عن دينه ورسالته، وهو جدير بالقراءة والاطلاع، والتدبر، والتعلم، في هذه الأيام المباركة.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • حكم تأخير غسل الجنابة في رمضان وهل الملائكة تعلن الجُنب؟ اعرف آراء الفقهاء
  • رمضان.. شهر البذل والعطاء والتسابق في الخيرات
  • شخصيات إسلامية.. طلحة بن عبيد الله
  • السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة
  • زراعة الخير
  • من أنتم؟!
  • شخصيات إسلامية: عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودِ.. أول من جهر بالقرآن
  • 8 أم 20 ركعة؟.. طريقة صلاة التراويح في المنزل
  • النظافة و التقوى
  • فضل صيام شهر رمضان.. يغفر لك ما تقدم من ذنبك بـ شرطين