جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-10@10:06:38 GMT

يوم الشباب العالمي

تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT

يوم الشباب العالمي

 

 

د. حامد بن عبدالله البلوشي **

Shinas2020@yahoo.com

 

ما أعظم اهتمام ديننا الحنيف بالشباب! وما أجمل احتفاءه باليافعين! فقد اهتم الإسلام بالشباب أيما اهتمام، وقد اختصهم الله -تبارك وتعالى- بالذكر في كتابه العزيز في أكثر من موضع، فأخبرنا -سبحانه وتعالى- عن هؤلاء الفتية المُباركين أصحاب الكهف، والذين اعتزوا بدينهم، واعتزلوا أهل الباطل عندما عجزوا عن إصلاحهم: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: 13]، في إشارة عظيمة لبيان فضل هذه المرحلة العمرية وأهميتها، ولفت الأنظار إليها.

كما أولى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الشباب أهمية قصوى منذ بزوغ فجر الإسلام العظيم، فهم عماد الأمة، ومُستقبلها الزاهر، وأملها في التغيير، والقاطرة التي تأخذ بتلابيبها إلى مصاف النجوم.

والشباب في صدر الإسلام هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونصروه، وقدموا أروع أنواع التضحية والفداء، فذادوا عن الحياض، وبذلوا أرواحهم دفاعًا عن دينهم، بل إنَّ سبعة من العشرة المبشرين بالجنة من الشباب، ولله در أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين ضرب المثل في الشجاعة والتضحية برقوده في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة شابًّا يافعًا يناهز العشرين من عمره، مُستبشرًا بنجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى وإن زهقت نفسه الكريمة فداء له. وهذا أسامة بن زيد يقود جيش المسلمين وهو ابن السابعة عشرة من عمره بتكليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف التردد إليه سبيلا، ولا التلجلج إليه طريقًا. وهذا مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام، يجعله الله سببًا في دخول الإسلام كل بيت من بيوت المدينة، وهذا معاذ مبعوثًا إلى اليمن، وهذا عمار وهذا العباس وووو...  وغيرهم الكثير. وكان ذلك كله دليلاً دامغًا على ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في الشباب، وإيمانه بقدراتهم، ودورهم القيادي.

وها نحن نحتفل بيوم الشباب العالمي، والذي أقرته الأمم المتحدة في الثاني عشر من شهر أغسطس من كل عام، تذكيرًا بدورهم المحوري في المجتمعات، وتأكيدًا على حقوقهم وتطلعاتهم، وتعزيزًا للوعي بالتحديات التي يجابهونها، واستدعاءهم للمشاركة الفعالة في مواجهة التحديات والمعوقات التي تقف كحجر عثرة في طريق تنمية مُجتمعاتهم، ويقينًا بقوة سواعدهم، ورجاحة عقولهم، وعلو همتهم.

ولا شك أنَّ سلطنة عُمان أحرص ما تكون على شبابها، واحتفاؤها بالشباب موصول دائمًا، فقد اعتنت قيادتها الحكيمة بقيادة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله- بالشباب أيما اعتناء، حيث قال جلالته حفظه الله: "أبناء عُمان الأوفياء، إن الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات؛ سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين، وإننا إذ نُعاهد الله -عز وجل- على أن نكرس حياتنا من أجل عُمان وأبناء عُمان، كي تستمر مسيرتها الظافرة، ونهضتها المباركة، فإننا ندعوكم أن تعاهدوا الله على ذلك، ونحن لعلى يقين تام، وثقة مطلقة؛ بقدرتكم على التعامل مع مقتضيات هذه المرحلة، والمراحل التي تليها، بما يتطلبه الأمر من بصيرة نافذة، وحكمة بالغة، وإصرار راسخ، وتضحيات جليلة".

وقد تسلم جلالته الراية المُباركة من المغفور له -بإذن الله تعالى- السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، فهو خير خلف لخير سلف. ولم يكن ذلك الاهتمام مجرد كلمات جوفاء، أو عبارات رنانة؛ بل إن تلك القيادة قد تبنت سياسات حكيمة، وبرامج هادفة، من أجل تمكين الشباب، وتوفير المحاضن التي تُساعدهم في إبراز مواهبهم، وإبداعاتهم، وابتكاراتهم. وقد ظهر هذا الاهتمام من قبل القيادة الرشيدة في إنشاء العديد من المؤسسات، وفي القلب منها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، لتلبية احتياجات القطاعات الثقافية، والرياضية، والشبابية، وكذلك إنشاء العديد من المؤسسات التعليمية الرائدة، ودعم المشروعات الشبابية، وتوفير الفرص للتدريب والتأهيل، وتنظيم العديد من الفعاليات والبرامج التي تصقل خبراتهم، وترفع كفاءتهم، في كل المجالات والمناحي الحياتية، سواء كان ذلك في المجال الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو غيرها من المجالات، لإعداد جيل من الشباب القادر على صناعة مستقبل مشرق لوطننا الغالي عُمان، ومنطقتنا العربية، ومحيطنا الإقليمي.

والناظر بعين التاريخ المزهر، وبنظرة الحاضر المثمر، يعلم علم اليقين أن الشباب هم القوة الدافعة وراء أي تغيير أو تقدم تصبو إليه الأوطان، فهم ترياق الحياة الذي ينزع سمومهَا، وهم الدواء الذي يداوي جراحها، وهم المحرك الذي يدفعها إلى مقدمة الركب، وهم البراق الذي يحملها إلى عنان السماء، وبحماستهم وحيويتهم يحملون مشعل تقدمها. ولا يقتصر دور الشباب على العمل والإنتاج، بل يتعدى ذلك إلى الإسهام في حل مشكلاتها، وتقديم الأفكار والرؤى والحلول الناجعة، ليصبح المجتمع أكثر أمنا، وأعظم تقدمًا، وأبهى منظرًا، فما تنتظره أمتنا من الشباب كبير، وما تؤمله فيهم عظيم، وما تتوقعه منهم ليس له سقف، ولا تحده حدود، ولا يوقفه ساحل أو شاطئ.

وعلى الشباب أن يعلموا أنَّ الحياة ليست وردية، وأن طبيعة العالم الذي نعيشه جميعًا أنه مليء بالتحديات والصعوبات، وأن الآمال العظيمة تحتاج إلى همة أعظم، وأن الوصول إلى القمة دونه تعب وعناء، وجهد ومشاق، وبذل دائم، وعرق لا ينقطع، وحركة لا تتوقف، وأعداء متربصون، وشياطين تتوعد، وتحديات لا تنتهي. وعلى الشباب أن يدركوا أن صناعة التاريخ يجيدها كل واحد، لكن العظماء وحدهم هم من يكتبون التاريخ، ويغيرون دفته. فمعرفة الصعوبات عند البدايات كفيلة بالقضاء على أي إحباط أثناء العمل لا قدر الله. ومن أبرز ما يواجه الشباب في طريق رفعة الأوطان؛ مشكلات البطالة التي لا تسلم منها دولة من الدول، ففرص العمل لا تكفي طموحات الشباب، وعلى الشباب أن يفكر خارج الصندوق، وأن يستفيدوا من خبرات الآخرين، وأن ينقلوا تجارب البلاد الناجحة إلى أوطانهم، وأن يؤمنوا بقدرتهم على التغلب على تلك العقبة الكؤود. كذلك تواجه الشباب تحديات التعليم، وقلة الفرص، وعدم توافق التعليم المتاح مع متطلبات سوق العمل، وعلى الشباب في كل ذلك أن يطور من نفسه، وأن يزيد من قدراته، وأن يبذل كل غال ونفيس من أجل الارتقاء بإمكانياته، وتوظيف طاقاته في نهضة الوطن والمجتمع في جميع الميادين، ومختلف المجالات.

ليست هذه فقط التحديات التي يواجهها الشباب؛ بل إن المأمول منهم أن يواجهوا مشكلات الفقر، والعنف، والتمييز، وأن تكون لهم إسهاماتهم القوية، من خلال ما حباهم الله -تعالى- من قدرات، وأن يستفيدوا بالتغيرات السريعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من أجل التكيف المستمر، والتعلم المتنامي، لمواكبة كل جديد، ومقارعة كل عائق، وأن يكونوا أكثر حذرا ويقظة من الغزو الثقافي، والاختراق الفكري، والأفكار الهدامة، والتقليد الأعمى، نتيجة العولمة، والتطور التكنولوجي.

إنَّ يوم الشباب العالمي هو مناسبة جميلة لتقدير جهود الشباب، والاعتراف بدورهم الرائد في تشييد مجتمعهم، وإشراكهم في صياغة وتصميم البرامج الموجهة لهم، كي تنسجم مع تطلعاتهم وطموحاتهم، حتى يصبحوا شركاء فاعلين في الرقي بأوطانهم ومجتمعاتهم،  وإذ تحتفل السلطنة بذلك اليوم؛ فإن احتفالها هو تعزيز لقيم ديننا الحنيف، وثقافتنا العظيمة، وحضارتنا الفريدة، وتقدير لجهود الشباب العُماني الذين حملوا على عاتقهم أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، لخدمة وطنهم منذ بزوغ فجر النهضة المباركة، متسلحين بالعلم والمعرفة، ومتمسكين بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، ومتحلين بأخلاقهم النبيلة الزاكية، مشكلين لوحة جميلة من التلاحم، والترابط، والاصطفاف خلف قيادتهم الحكيمة، فهم رمز لحاضر جميل، ومستقبل مشرق، حفظ الله عُمان، وبارك لها في شبابها، وكتب التوفيق لقيادتها، وجعلها دائمًا شامة في جبين البشرية، ولؤلؤة في صدر الإنسانية.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية الاجتماعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تبر والديك بعد الوفاة؟

من فضل الله تعالى على الآباء والأبناء جميعا أنه لم يوقف البر على حياة الوالدين، ولم يقطعه بموتهما، بل أبقى حقوق البر على الابن بعد موت والديه لمن أراد الخير، وليفتح أبواب النفع أمام الحي والميت جميعا.

برالوالدين

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأله سائل: هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما» رواه الطبراني وحسنه الألباني

نتسارع جميعًا في بِرِّ الوالدين في حياتهما لننال بركة دعواتهما ونفوز برضا الله تعالى نظير هذا البر بالوالدين،وإذا كان بر الوالدين في حياتهما قد جمع من الخير أكمله، ومن الإحسان أجمله، وحاز من المعروف أنفعه، وحوى من الفضل أرفعه.. فإن الاستمرار على ذلك بعد وفاتهما أكمل وأجمل وأنفع وأرفع.. فحاجتهما إلى هذا البر أكبر ونفعه لهما أعظم.

 

وهذه بعض صور البر بعد الوفاة 

الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة؛ يقول الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]

فهذا الدعاء للوالدين بعد وفاتهما من أعظم الحقوق للآباء على الأبناء بعد وفاتهم، وهذا ما أكدته ووضحته السنة النبوية في مواضع كثيرة؛ فقد دخل رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يَا رَسُولَ اللّهِ، هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ شَيْءٍ لِوَالِدَيَّ أَبِرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا" [أخرجه أبو داود].

دعاء مٌستجاب لقضاء الحاجة في الجمعة الأولى من ربيع الأول

فالدعاء للوالدين بعد الممات يرفع درجاتهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟! فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ" [صحيح رواه أحمد].

ويظهر بعد وفاة الوالدين دور الولد الصالح بشكل أكبر من حياتهما، فهو يتذكر والديه ويدعو لهما باستمرار بعد وفاتهما ويحرص على ذلك مع غيابهما عن الدنيا فهذا من أفضل البر بالوالدين على الحقيقة، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف هذا الولد سواء كان ابنًا أو ابنة بالولد الصالح؛ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" [صحيح مسلم].

دعاء زهران: المرأة المصرية من أولويات المشروع القومي للتنمية البشرية دعاء الرزق في نهاية الجمعة الأولى من شهر ميلاد الرسول

 الولد الصالح 

فبعد وفاة الوالدين يكون الولد الصالح امتدادًا لعملهما ورفعةً لدرجاتهما في الآخرة، والدعاء للوالدين بعد الممات دأب الأنبياء والصالحين؛ فقد جاء في القرآن الكريم دعاء نوح عليه السلام لوالديه، حيث قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28].

وقال إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]. فلنحرص على بِرِّ الوالدين بعد الممات بالدعاء تأسِّيًا بالأنبياء والصالحين.أن تكثر الدعاء لهما بكل خير ممكن حصوله لهما وينفعهما دار الآخرة، أن يوسع الله قبورهما، وأن يجعلها روضة من رياض الجنة، وأن يرزقهما النعيم فيها، وأن يرفع الله درجاتهما، ويتقبل أعمالهما، ويجعلهما مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يجعلهما في رفقة النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى عليين في الفردوس الأعلى..

مقالات مشابهة

  • ” وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم….”
  • المفتي: المؤشر العالمي للفتوى يقدِّم تحليلًا لـ 300 فتوى خاصة بالاحتفال بالمولد النبوي
  • كأنك تراه.. رسم وتفاصيل وجه رسول الله
  • شذرات في رحاب المصطفى
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • كيف تبر والديك بعد الوفاة؟
  • فضل صلاة الفجر على وقتها .. الإفتاء تجيب
  • الحوار
  • العالمي للفتوى يوجه رسالة لكل من يُعاني من إبتلاء
  • اليوم العالمي لمحو الأمية