تصاعد خلال الأيام الأخيرة التوتر بين مالي وعدد من الدول الغربية، وذلك على خلفية تصريحات أدلى بها مسؤولون أوكرانيون بينهم المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف، عبر فيها عن دعمه لما قال إنها "انتصارات" حققها مقاتلو الطوارق ضد الجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر.

تصريحات المسؤول الأوكراني أثارت غضب الحاكم العسكري في باماكو، حيث أعلنت الحكومة المالية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع مالي، معبرة عن اندهاشها من تصريحات المسؤولين الأوكرانيين "وتورط كييف في هجوم جبان وغادر وهمجي، شنته مجموعات إرهابية مسلحة مما أدى إلى مقتل عناصر من قوات الدفاع والأمن المالية في تينزاواتين، فضلا عن وقوع أضرار مادية".



وأضاف بيان للحكومة المالية أن هذه التصريحات، عززها موقف السفير الأوكراني بالسنغال يوري بيفوفاروف "الذي أظهر صراحة ودون أدنى غموض دعم بلاده للإرهاب الدولي، ولا سيما في مالي".

وأكد البيان أن "هذه التأكيدات الخطرة للغاية، والتي لم تكن موضع أي إنكار أو إدانة من قبل السلطات الأوكرانية، تظهر الدعم الرسمي الواضح من الحكومة الأوكرانية للإرهاب في إفريقيا ومنطقة الساحل، وعلى وجه التحديد في مالي".

ورد على ذلك قطعت مالي رسميا علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، ثم أعلنت الحكومة النيجيرية عن قرار مماثل.

وقال المتحدث باسم المجلس العسكري النيجري أمادو عبد الرحمن في بيان بثه التلفزيون الرسمي النيجري، إن حكومة النيجر، "تضامنا مع حكومة مالي وشعبها تقرر بكامل سيادتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بأثر فوري".

من جهتها استدعت الخارجية السنغالية السفير الأوكراني لدى داكار يوري بيفوفاروف، احتجاجا على دعمه للانتصار الذي أعلنته المجموعات المسلحة الأزوادية مؤخرا.


وقد نفت أوكرانيا بشدة اتهامات الحكومة المالية لها "بدعم الإرهاب الدولي"، مؤكدة التزامها ب"معايير القانون الدولي وحرمة سيادة الدول وسلامة أراضيها".

واعتبرت الخارجية الأوكرانية في بيان لها قرار مالي قطع العلاقات معها "قصير النظر ومتسرعا"، وأن كييف "دعمت بنشاط حق الشعوب الإفريقية في الاستقلال وإنهاء الاستعمار، بما في ذلك في جمهورية مالي".

ومقابل التضامن الأفريقي مع مالي انتقدت حركات الطوارق المسلحة مواقف السنغال والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" المتضامن مع مالي، إزاء المعارك التي شهدتها منطقة تينزواتين أواخر يوليو الماضي، بين الجيش المالي مدعوما بمجموعة "فاغنر" الروسية، وبين القوات المسلحة الأزوادية.

وقالت الحركات الأزوادية في بيان، إن قواتها "كانت في مهمة لحماية السكان المدنيين النازحين المتمركزين في تينزواتين"، وأنها "تعرضت لهجوم متعمد، ودافعت عن نفسها ضد حشد من المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر، رفقة عناصر من الجيش العسكري المالي".

السويد في قلب الأزمة
وقد دخلت السويد على خط الأزمة بين أوكرانيا ودول أفريقية، حيث قررت ستوكهولم، "التخلي عن استراتيجية مساعدات مالي هذا العام بسبب قطع باماكو علاقاتها الدبلوماسية مع كييف".
وقد جاء الرد سريعا من باماكو التي أمهلت السفير السويدي لديها 72 ساعة من أجل مغادرة البلاد.
واستدعت الخارجية المالية السفيرة السويدية إلى مبنى وزارة الخارجية أمس الجمعة، وأمهلتها "72 ساعة لمغادرة أراضي مالي، فيما لم يرد على الفور تعليق من الحكومة السويدية على القرار.


معارك طاحنة وراء التوتر
واندلعت الأزمة الحالية بين مالي وبعض الدول الغربية، على خلفية ردود الفعل على المعارك الطاحنة التي عرفها الشمال المالي في حزيران/ يونيو الماضي والتي خاضها تحالف حركات الطوارق ضد قوات فاغنر، والجيش المالي.

وأسفرت تلك المعارك الطاحنة عن مقتل وأسر العشرات من الجنود الماليين وقوات فاغنر.
وتصاعدت حدة المواجهات العسكرية بين ما يعرف بتنسيقية حركات أزواد التي يقودها متمردو الطوارق والحكومة المركزية في مالي مؤخرا لتعيد الصراع في الدولة الأفريقية للواجهة مجددا بعد أعوام من الهدوء الهش.

وإقليم أزواد الذي يطالب الطوارق بانفصاله عن مالي هو منطقة في شمال دولة مالي محاذية للحدود مع موريتانيا، ويضم عدة مدن أبرزها مدينة تمبكتو التاريخية، بالإضافة إلى مدينتي كيدال وغاو.

وشكل الأزواديون سنة 1988 أول جبهة سياسية ذات نشاط عسكري عُرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" إذ قادت تمردا عسكريا ضد باماكو سنة 1990، لكنها عانت بعد فترة قصيرة من أزمة داخلية انتهت بتفككها، وتحولها إلى عدة تشكيلات كان من أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".

ومنذ استقلال مالي عن فرنسا 1960 يطالب سكان هذا الإقليم بالانفصال عن الجنوب المالي. وفي سبيل ذلك دخل الانفصاليون الطوارق منذ تسعينيات القرن الماضي في مواجهة دامية مع الجيش المالي، واستطاعوا في كثير من الأحيان السيطرة على بعض المناطق.

"انعكاس للحرب الروسية الأوكرانية".
ويرى الباحث المختص في الشؤون الأفريقية، محفوظ ولد السالك، أن التوتر الأخير بين مالي ودول غربية في جانب منه هو انعكاس للحرب الروسية الأوكرانية "ذلك أن مالي تحالفت مع روسيا منذ طردت القوات الفرنسية من أراضيها، وهي الآن قامت بقطع العلاقات مع أوكرانيا، وطرد السفيرة السويدية، تتجه نحو معاداة كل من يعادي روسيا".

ولم ستبعد ولد السالك في تصريح لـ"عربي21" أن تتخذ النيجر وبوركينا فاسو مواقف مشابهة "فالدول الثلاث تسير في ركب موسكو، حيث أن نيامي قطعت العلاقات مع كييف تضامنا مع باماكو".

مسلسل التوتر مع خصوم موسكو
ورأى ولد السالك أن التوتر بين مالي والغرب هو "استمرار للمسلسل الذي بدأ بطرد السفير الفرنسي من باماكو، ثم طرد القوات الفرنسية من البلاد وقوات تاكوبا، ثم طرد بوركينا فاسو للقوات الفرنسية، وتلتها النيجر التي طردت بالإضافة للقوات الفرنسية، القوات الأمريكية، والألمانية".
وأضاف: "بالتالي هناك مسلسل مستمر في التوتر مع خصوم روسيا في الغرب".

ولفت ولد السالك أن مالي التي تتزعم منطقة الساحل وهذا الحراك المناهض لخصوم روسيا، "تعتبر أن كل ما تقوم به يدخل في إطار السيادة، ورسم خارطة شراكات جديدة مثمرة، عكس الشراكات التي كانت قائمة مع فرنسا وغيرها من الحلفاء الأوروبيين".


"تشويش على حلفاء روسيا بأفريقيا"
ورأى خبير الشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك، أن التطورات الأخيرة وتصريحات المسؤولين الأوكرانيين تعكس رغبة كييف في التشويش على حلفاء روسيا في القارة الأفريقية".
وأوضح أن أبرز مؤشر على ذلك أن قطع مالي علاقاتها مع أوكرانيا تزامن مع جولة إفريقية لوزير الخارجية الأوكراني.

واعتبر أن دعم أوكرانيا للمجموعات المسلحة الأزوادية، حتى ولو اقتصر على تقديم المعلومات الاستخباراتية "فهو يعني ملاحقة روسيا وقواتها في أفريقيا".

وأشار إلى أن المواقف إزاء ذلك متباينة "فأوكرانيا تعتبر وإن لم تصرح بذلك أنها تدعم قتل عناصر فاغنر التي خاضت معارك ضدها في عدة مدن أوكرانية، وروسيا تعتبر الأمر بمثابة فتح جبهة ثانية في إفريقيا، ومالي تعتبر الأمر تدخلا في شؤونها الداخلية ودعما لمن تصفهم بالإرهابيين".

فجوة بين بلدان الساحل والغرب
ويرى متابعون أن التطورات الأخيرة تعكس اتساع الفجوة بين دول منطقة الساحل والبلدان الغربية بشكل عام، بما فيها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

ويرى الصحفي المتابع للشأن الأفريقي أحمد محمد فال، أن الحكام العسكريين الممسكين بالسلطة في مالي وبوركينافاسو والنجير، حسموا قراراتهم على ما يبدو وتوجهوا نحو روسيا.

وأشار لـ"عربي21" إلى أن رغبة حكام هذه البلدان الثلاثة في توفير الحماية والتسلح دفعهم للتوجه نحو موسكو والقطعية مع الغرب.

وفي هذا السياق يرى خبير الشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك أن دول الساحل الثلاثة مالي والنيجر وبوركينافاسو "فضلت منذ البداية التموقع مع أطراف على حساب أخرى، بل إنها ذهبت إلى نقيض الشراكات التقليدية القائمة منذ الاستقلال أو قبله، وهذا يعني خلق توترات خارجية، بوصلتها الرئيسية عدو صديقي عدوي".

هل تتسع دائرة الرفض الأفريقي؟
يرجح محفوظ ولد السالك أن التوتر الحاصل مع الغرب "لن يتجاوز مالي والنيجر وبوركينا فاسو" مستبعدا أن يتسع نطاق هذه التوتر أفريقيا "وإن اتسع فإنه في الغالب سيقتصر على حلفاء روسيا في المنطقة".

لكنه لفت إلى أن روسيا "تواصل مساعيها نحو كسب المزيد من الحلفاء في المنطقة، وقد انعكس ذلك من خلال الأعلام الروسية الكثيرة التي رفعت خلال احتجاجات مؤخرا في نيجيريا، وهناك علاقات متقدمة مع تشاد".

وخلص للقول: "موسكو تواصل محاولات الاختراق، مستهدفة بذلك الدول التي لدى خصومها الدوليين حضور فيها، وبالمقابل لا يرقى التحرك الأوكراني بالقارة لدرجة خلق ندية في التنافس بين الطرفين".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية التوتر مالي الدول الغربية فاغنر المعارك معارك توتر مالي فاغنر الدول الغربية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدبلوماسیة مع الجیش المالی مع أوکرانیا بین مالی فی مالی بین ما

إقرأ أيضاً:

مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟

"أنا عايز أقول لكم: اللي انتو بتشوفوه دِ الوقتي (من غير تفسير كتير وتوضيح كتير) تقريبا زي الظروف اللي كنا بنعيشها بعد هزيمة 67 في مصر"!

هذا ما قاله الجنرال المنقلب ياسر جلال، قبل أيام (بعد عشر سنوات، من الإنجاز، والرخاء، والازدهار، حسب أبواقه ولجانه) أمام حشد جماهيري سيق "قسرا" إلى ملعب المدينة الأولمبية، الكائن في قلعة "ألَموت" الجديدة، أو العاصمة الإدارية الجديدة؛ للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر 1973، برعاية كيان يحمل اسما "رجعيا ظلاميا غامضا" ألا وهو "اتحاد القبائل العربية"، يترأسه شخص آت من المجهول، غارق في الفساد، يُدعى إبراهيم العرجاني!

ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الاحتفال تأخر عن موعده (الطبيعي) نحو ثلاثة أسابيع! وفي ظني (وليس كل الظن إثم) أن الاحتفال تم تأخيره عمدا؛ مراعاة لمشاعر "أولاد العم"، أو بعبارة أدق "أولاد الخال"! فذكرى "نصر أكتوبر" المصري يسبق (بيوم واحد) ذكرى "طوفان الأقصى" الفلسطيني التي باتت "ذكرى أليمة" لهزيمة استراتيجية حلت بالكيان الصهيوني، على أيدي المقاومة الفلسطينية، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لن يتعافى من آثارها..

كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!
في اليوم التالي لكلمة ياسر جلال التي لم تستغرق سوى سبع دقائق، وهو المولع بالكلام، كان هذا السؤال يتردد على منصات التواصل الاجتماعي كافة، بصيغ مختلفة: عن أجواء أي هزيمة يتحدث ياسر جلال ومصر لم تخض حربا، منذ بضع وخمسين عاما؟!

السؤال يبدو وجيها ومنطقيا جدا، غير أنه مع التأمل وإمعان النظر، يجد المتأمل أن ياسر جلال كان "صادقا" على غير عادته، لكنه لم يكن "شفافا" كعادته، وقد بدا ذلك واضحا في قوله: "من غير تفسير كتير وتوضيح كتير".. فمن غير الممكن أن يفسر أكثر، ويوضح أكثر، لكن اللبيبَ بالإشارةِ يفهمُ!

فهل كان ينتظر المصريون من ياسر جلال أن يقول لهم بوضوح: أنا كنت في حرب معكم (يا مصريين) على مدى عشر سنوات، وأنا الذي انتصرت فيها، أما أنتم فتعيشون (اليوم) أجواء هذه الهزيمة؟! بالطبع كلا..

خمسة قواسم مشتركة بين الهزيمتين!

حتى تزول الدهشة عنك (عزيزي القارئ) إليك خمسة قواسم مشتركة تجمع بين هزيمة يونيو 1967 التي هُزم فيها الجيش المصري أمام العدو الصهيوني، وهزيمة يوليو 2013 التي هُزم فيها الشعب المصري أمام سلطة الانقلاب، بعد عدوان دام عشر سنوات، ولا يزال مستمرا..

القاسم الأول: الجيش والشعب لم يحاربا في هاتين الحربين.. الحربان كانتا "عدوانا" من طرف على طرف، ولم تكن مواجهة بين طرفين!

ففي يونيو 1967، شن الكيان الصهيوني عدوانا واسعا على مصر وسوريا.. أما الجيش المصري، فتفرق في صحراء سيناء بين أسير بيد العدو، وشهيد في مقبرة جماعية، وهائم على وجهه، ومنسحب بلغ منه الإعياء مبلغه.. وأما صواريخ "الظافر" و"القاهر" التي تصدَّرت أخبارها الصحف الرئيسة حينئذ، فلم نر لها أثرا؛ ذلك لأنها لم تكن موجودة أصلا، إلا في بروباجندا عبد الناصر التي كان يدير منصاتها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل!

وفي يوليو 2013، شن السيسي عدوانا منظما (ولا يزال مستمرا) على عدة جبهات: جبهة الحريات العامة (حرية التعبير، حرية السفر والانتقال، حرية التملك)، جبهة مؤسسات المجتمع المدني (النقابات، الأحزاب، الجمعيات الأهلية، اتحادات الطلبة)، جبهة الاقتصاد الوطني (بيع الأصول، وإغراق مصر في الديون)، جبهة السيادة المصرية (التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، توقيع معاهدة 2015 مع إثيوبيا التي حرمت مصر من حصتها في مياه النيل، بيع رأس الحكمة ورأس بناس لدولة الإمارات.. إلخ)، جبهة الحقوق الأساسية للمواطن المصري (لا أمن، لا تعليم، لا علاج، لا وظائف، لا دخل مادي يفي بأقل القليل من متطلبات الحياة)، وجبهات أخرى.

القاسم الثاني: معاداة المنفرد بالسلطة (في كلا النظامين) للدين والأزهر؛ فعبد الناصر سلب الأزهر استقلاله، ولم يعرف الشارع المصري تخلي المرأة عن اللباس المحتشم إلا في عهد عبد الناصر.. أما في عهد ياسر جلال فقد شهدت مصر انتشاراً واسعا لشتى أنواع الانحرافات، بتشجيع من الإعلام الذي تستحوذ عليه السلطة، كما شهدت تدخلا شخصيا منه (أكثر من مرة) في الأمور الدينية، وهو الذي لا يحسن قراءة آية واحدة من كتاب الله، وقد تصدى له شيخ الأزهر في قضايا كثيرة.

القاسم الثالث: نشأة المستحوذ على السلطة في كلا النظامين، ونظرته للكيان الصهيوني؛ فكلاهما (عبد الناصر وياسر جلال) نشأ في حارة اليهود، وكلاهما تثور حول أصولهما شبهات كثيرة، وكلاهما لا يرى العدو الصهيوني عدوا.. وكلاهما خطط للهزيمة (هزيمة الجيش والشعب)؛ ليتربعا على عرش مصر دون منازع!

فمن الأمور التي بات مقطوعا بها، أن عبد الناصر قام بكل ما من شأنه أن يشجع الكيان الصهيوني ويحرضه على شن عدوان يونيو 67، على مصر، رغم علمه ويقينه بأن الجيش المصري غير مستعد لرد العدوان، ناهيك عن إحراز نصر؛ نكاية في قائد الجيش عبد الحكيم عامر الذي قرر عبد الناصر تصفيته معنويا بالهزيمة؛ ليسهل عليه التخلص منه شخصيا بالنحر، ومن ثم الانفراد بالسلطة!

ومن الأمور التي بات مقطوعا بها أيضا، أن ياسر جلال لم يدع شخصا يشكل له تهديدا "محتملا" إلا وألقى به في غياهب السجن، دون سند من القانون!

القاسم الرابع: وجود الآلاف من الإخوان المسلمين، ومن المغضوب عليهم من قِبَل النظام، في السجون، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية!

القاسم الخامس: تأميم النظامين (الناصري والسيساوي) للمنصات الإعلامية كافة؛ ليكون صوت السلطة هو الصوت الوحيد المسموع! وإذا كانت عملية التأميم قد أثمرت، في عهد عبد الناصر، فإنها لم تثمر إلا قليلا، في عهد ياسر جلال؛ لأسباب باتت معروفة بالضرورة..

عدا هذه القواسم الخمسة المشتركة بين الهزيمتين (1967 و2013) فإن كل شيء مختلف!

ففي الهزيمة الأولى (1967).. كان الجنيه المصري يساوى 3 دولارات (الدولار كان يساوي 33 قرشا، أي ثلث الجنيه).. كانت الطبقة المتوسطة هي الأكثر عددا، وكان لدى كثير من أسر هذه الطبقة "خادمة".. كان راتب الموظف يكفيه، بل ويدخر منه.. كان المصريون يحصلون بواسطة بطاقات التموين على السلع الأساسية مدعمة.. كان تلاميذ المدارس يحصلون على وجبة غداء صحية مجانا.. كانت تُصرف للفلاحين أحذية بلاستيكية وأقمشة مجانا، أو بأسعار زهيدة أحيانا، من خلال الجمعيات التعاونية.. كانت المياه العمومية التي تصل إلى البيوت صالحة للشرب.. وأخيرا وليس آخرا، كان المصريون ينادون بالحرب؛ لمحو عار هذه الهزيمة النكراء.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه المظاهر، وهذه الإجراءات، لم تكن لحنكة عبد الناصر، أو لحسن إدارة وتخطيط منه، ولكن لأن مركز مصر المالي القوي (الذي ورثه من العهد الملكي البائد) كان يسمح بذلك، وبما هو أكثر من ذلك..

أما في الهزيمة الثانية (2013) التي أعلن ياسر جلال عن حلولها بالشعب المصري، قبل أيام، والتي يعيش أجواءها اليوم، فإن الجنيه المصري يساوي سِنتين اثنين (الدولار يساوي 50 جنيها).. الطبقة المتوسطة في طريقها للانقراض، والطبقة المعدمة هي الأكثر عددا، وكثير من نساء الطبقة (التي كانت متوسطة) يعملن "خادمات" في بيوت "الإيجيبتيين" أصحاب المداخيل المليونية؛ لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أسرهن المعيشية.. راتب الموظف لم يعد يغطي نفقات أسرته لمدة أسبوع واحد.. تم حرمان ملايين الأسر من بطاقات التموين.. تم رفع الدعم عن كل السلع.. تم فرض ضريبة (إتاوة) على كل إجراء روتيني تقوم به المصالح الحكومية، لا غنى للمواطن عنه.. لم يعد هناك شيء مجاني، أو بأسعار زهيدة؛ فكل شيء يباع، حتى أرجل الدجاج وأحشاؤها.. لم تعد المياه العمومية صالحة للشرب، ولا حتى لغسل الأواني.. بات المصريون يعيشون أجواء الهزيمة، حقيقة لا مجازا، تلك الهزيمة التي يسوّقها إعلام السلطة على أنها إنجاز وطني عظيم قام به القائد المظفر ياسر جلال!

تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟
كيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجاز
بعد عدوان يونيو 67، كان المصريون (جيشا وشعبا) يتحرقون شوقا للثأر، ومحو العار الذي ألحقه عبد الناصر بمصر والمصريين، وكان على عبد الناصر أن يستجيب مرغما، لا راضيا ولا مقتنعا، فأعلن حرب الاستنزاف، ثم خلفه السادات الذي كان يريد تثبيت شرعيته التي لم يعترف بها حواريو عبد الناصر (مراكز القوى).. غير أن السادات كان يفكر تحت السقف الأمريكي.. "حرب تحريك، لا حرب تحرير"، وكان له ما أراد، وكان لأمريكا ما أرادت؛ عبَر الجيش المصري قناة السويس، وأحدث ثغرات في "جدار بارليف"، وأصبح له موطئ قدم على الجانب الشرقي للقناة، بعمق كيلومترات معدودة.. انسحبت "إسرائيل" من سيناء شكليا، وبقي نفوذها عليها عمليا، حتى اليوم.. أما السادات، فكان بوسعه أن يتكلم عن إحراز "نصر"، يعقبه "سلام"؛ ليكون "بطل الحرب والسلام"!

هكذا تعامل الشعب المصري، والجيش، والسلطة، مع هزيمة يونيو 1976، فكيف سيتعامل الشعب مع هزيمة يوليو 2013 التي ألحقتها به سلطة الانقلاب التي هي الجيش الذي يعتبر نفسه في حالة "سلام دافئ" مع "إسرائيل"، رغم كل ما ترتكبه من مجازر، وتمارسه من عربدة، في الإقليم؟!

تحرير، أم تحريك، أم استسلام؟

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

مقالات مشابهة

  • «ماكرون»: انتصار أوكرانيا على روسيا يصب في مصلحة أوروبا
  • هل ينجح ترامب في وقف الصراعات العالمية وتثبيت الاستقرار في بؤر التوتر؟.. خبراء يجيبون
  • أول تعليق من روسيا على فوز ترامب بالرئاسة.. ما علاقة أوكرانيا؟
  • أول تعليق من روسيا على فوز ترامب بالرئاسية.. ما علاقة أوكرانيا؟
  • مجموعة السبع ودول أخرى تدين تعاون كوريا الشمالية مع روسيا
  • "المجاهدين": إقالة غالانت لن تمحو العار والهزيمة التي تلاحقه
  • بريد إلكتروني أرسل تهديدات بوجود قنابل في مراكز الاقتراع الأمريكية.. ما علاقة روسيا؟
  • ما علاقة الفلسطينيين بعداء إسرائيل لهذه الدولة الأوروبية؟
  • مصر تعيش أجواء الهزيمة.. فما الحرب التي خاضتها؟
  • شكوك غربية بشأن وضع روسيا أجهزة حارقة في طائرات.. وموسكو ترد