التغريبة السورية.. نتائج الحرب المدمرة
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
يتكون كتاب "التغريبة السورية: الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011 ـ 2020" لسامر بكور والصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" من جزأين: الأول بعنوان المناطق الجنوبية والوسطى والساحلية من سورية، والثاني بعنوان المنطقة الشمالية الشرقية والمنطقة الشمالية الغربية من سورية.
خُصصت مقدمة الكتاب للحديث عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة لاندلاع الثورة السورية، مع الاستعانة بقراءات مجموعة من الباحثين المخضرمين.
بعد ذلك، بدأ المؤلف بتعريف جغرافي لكل محافظة، ثم خصوصيتها ومعاناتها، قبل أن ينتقل إلى سرد تطور الأحداث فيها، مع تقديم تحليل للتمفصلات الهامة.
انقسمت دراسة كل منطقة إلى ست مراحل: الإرهاصات الأولية للثورة، التحول من العمل السلمي إلى العمل العسكري، استراتيجيات النظام التهجيرية، الهروب من الميليشيات الطائفية والجهادية، التدخل الروسي والهجرة إلى أوروبا، إخلاء المدن المحاصرة.
التهجير وأنواعه
حتى نهاية عام 2018، جرى اقتلاع ما يقارب ثمانية وستين مليون مواطن بسبب الصراع والعنف، أما النزوح فهو ظاهرة راسخة في الحروب الأهلية.
كانت المذابح التي تجسد فيها العنف الانتقائي على أساس طائفي، أو إثني، أو غيرها، وكان لها أثر سلبي كبير على الأفراد والجماعات، وذلك لسلب الهوية، فقد كانت بعض عمليات النزوح التي دبرتها ميليشيات تابعة للنظام متسقة بالفعل مع التطهير.استخدم بكور مصطلح النزوح القسري للإشارة إلى العنف بأشكاله المختلفة، من دون التغافل عن حالات التهجير التي نفذتها بعض الميليشيات الطائفية والإثنية.
يمكن تقسيم النزوح القسري إلى ثلاثة أقسام:
الأول، نزوح التأمين أو الضمان، وهو نزوح غير متعمد، نجم عن المعارك العسكرية أو الأشخاص الذين يختارون مسبقا الفرار من المناطق المتأثرة بالنشاط العسكري.
الثاني، النزوح النفعي، وهو يصف الإزاحة النفعية بأنها الإزاحة المتعمدة، لكنها غير منتظمة، وعادة ما تكون نتيجة تلقائية لتفاعلات المجموعة أو التفضيلات الفردية، مثل النهب أو سرقة الممتلكات.
الثالث، النزوح الاستراتيجي حركة متعمدة ومنهجية قسرية تثيره مجموعات مسلحة.
استخدمت قوات النظام السوري الأقسام الثلاثة من النزوح، مع التركيز على النزوح الاستراتيجي أكثر، لأنه يفصل المعارضة المسلحة عن السكان المحليين، كمقدمة للتخلص من المعارضة المسلحة.
العقاب الجماعي
أولى الاستراتيجيات التي مارسها النظام كانت القصف، وهو أقسى أساليب العنف العشوائي بحق السكان، والتي كان من جرائها انعدام الوجود المادي داخل مناطق القصف.
وثان الاستراتيجيات كانت الحصار الجزئي أو الكلي، وضمن البعد المكاني نفسه للحصار، فهو أسلوب عنف منتظم تنتج منه قيود من المستحيل الوصول إليها داخل منطقة الحصار.
قدرت المنظمات الدولية عدد الذين عاشوا تحت الحصار أو في أوضاع شبيه بالحصار بين عامي 2012 ـ 2018 بنحو مليونين ونصف المليون سوري، فيما رصدت 25 حالة حصار منفصلة بين عامي 2015 ـ 2018، حالتان منهما طبقها "تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش".
الاستراتيجية الثالثة كانت التجويع، وهو أسلوب انتقام جماعي نفذ في مناطق عديدة من سوريا، وخصوصا في الزبداني ومضايا بريف دمشق، وقد أثر الجوع وتدمير منابع المياه على السكان ودفعهم إلى النزوح بعيدا.
يتعرض النازحون داخليا للمخاطر المتعلقة بالأعمال العدائية المستمرة، والنزوح المتعدد نتيجة لعدم الاستقرار، وقد شكلت نسبة 60 % من اسر النازحين داخليا ممن نزحوا أكثر من مرة و 17 % من الذين نزحوا من مرة واحدة إلى خمس مرات.الاستراتيجية الرابعة كانت المذابح التي تجسد فيها العنف الانتقائي على أساس طائفي، أو إثني، أو غيرها، وكان لها أثر سلبي كبير على الأفراد والجماعات، وذلك لسلب الهوية، فقد كانت بعض عمليات النزوح التي دبرتها ميليشيات تابعة للنظام متسقة بالفعل مع التطهير.
تركزت عمليات الطرد على المناطق التي شنت المعارضة المسلحة منها هجمات، وبدا أنها تستهدف على نحو انتقائي أو جماعي الأشخاص على أساس انتماءاتهم السياسية والطائفية.
الاستراتيجية الخامسة تتمثل في حرمان النازحين من العودة إلى أراضيهم ومساكنهم، من خلال تدمير ممتلكاتهم، وهي إحدى الظواهر التي عكست تأثيرها في السوريين لارتباطها إنسانيا وسوسيولوجيا بالوطن، ونظرا لما لها من آثار مستقبلية خطيرة في الهوية الديمغرافية السورية، قدمت الحرب فيما يتعلق بالعامل المكاني نماذج كثيرة عن هذا الأسلوب الذي قاد إلى تهجير نسبة كبيرة من الأهالي من مناطقهم، كما جرى في محافظتي حمص وريف دمشق.
التغيرات السكانية
وفق تقديرات الأمم المتحدة، فر نصف سكان سوريا من مناطقهم، وثلثه أصبحوا نازحين بسبب أعمال العنف الشديدة التي نفذها النظام.
في عام 2017 نزح نحو مليون ومئتي ألف شخص من حلب والرقة وديرالزور وإدلب وحماة وحمص والحسكة واللاذقية، ولذلك صنفت الأمم المتحدة سورية عام 2022 بوصفها البلد الذي ضم أكبر عدد من النازحين داخليا في العالم، والذي ضم اشد حالات الطوارئ أيضا، إذ بلغ عدد النازحين نحو سبعة ملايين شخص.
يتعرض النازحون داخليا للمخاطر المتعلقة بالأعمال العدائية المستمرة، والنزوح المتعدد نتيجة لعدم الاستقرار، وقد شكلت نسبة 60 % من اسر النازحين داخليا ممن نزحوا أكثر من مرة و 17 % من الذين نزحوا من مرة واحدة إلى خمس مرات.
كان الأطفال والشباب الذين تبلغ أعمارهم 14 عاما أو أقل، مثلوا أكثر من مثلث السكان، وأن الأشخاص في سن العمل مثلوا 61 %، لكن معدلات الأطفال تقلصت، ما يشير إلى زيادة معدلات وفيات الرضع.
أما بشأن عودة النازحين، فقد تضافرت مجموعة من الأسباب وراء العودة، رغم قلة العائدين، ومن أسباب العودة توافر عوامل الجذب المتعلقة بمكان المولد وتحسن الوضع الأمني في المنطقة الأصل، إذ مثل هذا الدافع العامل الرئيس لعودة 66 % من الأسر عام 2018، فضلا عن العامل الاقتصادي مع تحسن الوضع المعيشي بفعل إعادة العمل أو استعادة الأصول / الممتلكات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه كتاب سوريا سوريا كتاب اضطرابات سياسة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من مرة
إقرأ أيضاً:
ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
سألني كثيرون عن عدم ذكر شرائح مجتمعية مهمة كان لها إسهام كبير في هزيمة مشروع حميدتي الانقلابي.
لكن القائمة التي أوردتها لم تكن حصرية لمصادر القوة الخفية الناعمة في الدولة السودانية، بل كانت مجرد نماذج، دون أن يعني ذلك امتيازها على الآخرين.
بدأت أشعر بالقلق من أن معارك جديدة ستنشب بعد الحرب الحالية، محورها: من صنع النصر؟ ومن كانت له اليد العليا فيه؟!
لا شك أن هناك من لعبوا أدوارًا مركزية في هزيمة مشروع الميليشيا بعيدًا عن الأضواء، وسيأتي ذكرهم في يوم ما.
بعض الأصدقاء والقراء لاموني على عدم ذكر مشاركة السلفيين وجماعة أنصار السنة، وآخرون تساءلوا عن عدم الإشارة إلى دور الشعراء وكبار المغنيين، مثل الرمز والقامة عاطف السماني.
أما اللوم الأكبر فجاء من عدد كبير من القراء، بسبب عدم التطرق لدور الإعلاميين، لا سيما في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
نعم، لم تكن الحرب التي اندلعت في السودان يوم 15 أبريل 2023 مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بين جيش نظامي ومجموعة متمردة، بل كانت حربًا شاملة استهدفت الدولة والمجتمع معًا.
فبينما كانت الرصاصات والقذائف تحصد الأرواح، كانت هناك معركة أخرى، لا تقل ضراوة، تدور في ميدان الوعي والمعلومات، حيث لعب الإعلام الوطني الحر دورًا محوريًا في التصدي لهذا المشروع الغاشم.
في بدايات الحرب، أصيبت مؤسسات الدولة بالشلل، وغابت الأجهزة التنفيذية والإعلام الرسمي.
أما القوات المسلحة، فكانت محاصرة بين الهجمات الغادرة ومحاولات التمرد فرض واقع جديد بقوة السلاح.
وفي تلك اللحظة الحرجة، برز الإعلام كسلاح أمضى وأشد فتكًا من المدافع، يخوض معركة الوعي ضد التزييف والخداع، ويقاتل بالحجة والمنطق لكشف الحقائق ودحض الأكاذيب.
راهن المتمردون ومناصروهم على التلاعب بالسردية الإعلامية، فملأوا الفضاء الرقمي بالدعاية والتضليل، محاولين قلب الحقائق وتقديم أنفسهم كقوة منتصرة تحمل رسالة الحرية والديمقراطية.
لكن الإعلام الوطني الحر كان لهم بالمرصاد، فكشف فظائعهم، وفضح انتهاكاتهم، وعرّى أكاذيبهم.
لم تعد جرائمهم مجرد روايات ظنية مبعثرة، بل حقائق موثقة بالصوت والصورة، شاهدة على مشروعهم القائم على النهب والدمار وإشاعة الفوضى.
لم يكتفِ الإعلام بتعرية التمرد، بل حمل لواء المقاومة الشعبية، فكان منبرًا لتحفيز السودانيين على الصمود، وحشد الطاقات، وبث روح الأمل.
اجتهد الإعلام الوطني في رفع معنويات الجيش، مؤكدًا أن هذه ليست نهاية السودان، وأن القوات المسلحة ستنهض مهما تكالبت عليها المحن، وأن الشعب ليس متفرجًا، بل شريك أصيل في الدفاع عن وطنه.
لم يكن هذا مجرد تفاعل إعلامي عابر، بل كان إعادة تشكيل للوعي الجمعي، وصناعة رأي عام مقاوم يحمي السودان من السقوط في مستنقع الفوضى.
ومع مرور الوقت، استعاد الجيش أنفاسه، وعاد أكثر تنظيمًا وقوة، والتحم بالمقاومة الشعبية التي بشّر بها الإعلام.
وهكذا، تحولت الحرب من مواجهة بين جيش ومتمردين إلى معركة وطنية كبرى ضد مشروع تدميري عابر للحدود.
لقد أثبت الإعلام الوطني أن الكلمة الصادقة، حين تكون في معركة عادلة، تملك من القوة ما يعادل ألف طلقة، وأن الوعي، حين يُدار بذكاء وصدق، يصبح درعًا لا يخترقه التضليل، وسيفًا يقطع أوهام الباطل من جذورها.
هكذا انتصر السودان في معركة الوعي، وهكذا هُزم التمرد قبل أن يُهزم في ميادين القتال.
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب