سودانايل:
2024-09-10@09:25:36 GMT

بكائيات السياسة و النتيجة صفر

تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن معرفة المعادلة في السياسة مسألة مهمة، و التعرف عليها تبين أن التغييرات التي تحدث في أي مجتمع سوف تشير إلي أن هناك قوى جديدة بدأت في الظهور، و هذه القوى استطاعت أن تضعف دور و حركة القوى التقليدية الحاكمة، و أيضا بدأت تتعرف على الأدوات التي تستطيع بها عزلها الاجتماعي.. في هذه الحالة ليس أمام القوى التقليدية الحاكمة غير البحث عن مساومة، ليس بهدف أن تبقيها في الحكم، و لكن تستطيع أن تحدث بها أختراقا داخل المنظومة الجديدة لكي تعطل بها مشروعها.

و يصبح أمام القوى الجديدة خيار واحد هو كيف تحافظ على لحمتها لكي تمنع حدوث عملية الأختراق.. و في نفس الوقت مطالبة القوى الجديدة أن تطرح مشروعها بشكل مفصل للمجتمع.. و ليس الهدف من المشروع تبيان ما تريد أن تفعله في الحاضر و المستقبل، بل يجب أن يكون الهدف خلق وعي جديد في المجتمع يتجاوز مسببات الفاشل السابقة في العملية السياسية هذا من جانب، و من الجانب الأخر أن يدفع بقطاع عريض من المجتمع ليكون داعما للمشروع الجديد..
هذه التحولات لا تحتاج إلي شعارات معلقة في الهواء يصعب تنزيلها على الأرض، بل تحتاج إلي عناصر واعية تستطيع أن تضخ أفكار باستمرار لكي تملأ بها الفراغات التي يخلفها الصراع بين الجانبين.. و عامة الشعب تفاعله مع العملية السياسية و التغيير دائما تتأتى من خلال المقارنة الاقتصادية التي تتحكم في " قفة المعيشة" بين الفترتين، القديمة و الحديثة و أثر كل واحدة على حياته المعيشية، و الاستقرار الاجتماعي، هذه المعادلة هي التي تحدد موقف أغلبية الشعب من الجانبين.. أما مسألة التمسك بمصطلحات الثورة و الثورية، يحاول أصحابها خلق حالة من التجيش بهدف خلق عدم استقرار في المجتمع، و لكي تؤثر سلبا على القوى الحاكمة، و لكنها لا تخلق وعيا جديدا إيجابيا يهدف لعملية تغيير مرتبطة بالبناء، هي فقط عملية هدم ليس لها نتائج إيجابية.. الثورة مهمتها اسقاط النظام فقط، و ليس لها أي دور بعد الاسقاط.. و يتمسك بها البعض لعدم قدرتهم على طرح بدائل أخرى، و هي تؤكد ضعف القدرات الفكرية لأصحابها..
أن القدرات الفكرية المطلوبة ليس التفكير بديلا عن الآخرين، و لكن الهدف منها هو أحداث وعي جديد في المجتمع تدفعه أن يكون مشاركا في عملية البناء، و أيضا المشاركة في عملية أتخاذ القرار من خلال ممارسة النقد لأي قرار يعتقد أنه يشكل ضررا في حياته أو في معيشته.. لكن من خلال التجربة بعد ثورة ديسمبر اتضح أن هناك هوة كبيرة بين الشارع و صناع القرار، و بين الشارع و القيادات السياسية، و جاءت الحرب و وسعت الهوة أكثر. و رفع من وتيرة الاستقطاب في المجتمع.. الغريب في الأمر الاستقطاب هناك لم تفرضه مشاريع مقدمة من الأحزاب يفاضل بينها المرء، و لكنها عبارة عن شعارات غير مسنودة بأي رؤية، و تؤكد عجز العقل السياسي السوداني في تعاطيه مع المتغيرات في المجتمع التي لم يستطيع أن يلاحقها..
أن فشل النخبة السياسية يعود لعجزها عن ملأ الفراغات، كان لابد أن تأتي قوى أخرى لكي تملأ هذه الفراغات التي تخلفها.. فالذين يطالبون بعودة الجيش للثكنات مطالبين أن يظهروا قدراتهم على إدارة الصراع في الداخل، و ليس من خارج السودان، و يكون وسط القوى الشعبية، و إلا سيظل حديثهم ذو بعد واحد لا تسمعه إلا عضويتهم.. و الجيش في دول العالم الثالث يعتبر الاحتياطي الوحيد في مؤسسات الدولة الذي يستطيع أن يتدخل في الشأن السياسي لملأ الفراغات التي تخلفها القوى السياسية.. هناك البعض درج على قول أن الجيش ليس دوره السياسة، هذا صحيح و لكن؛ لا ينطبقالقول على دول العالم الثالث. في الدول الديمقراطية لا يتدخل في السياسية، لأن مؤسسات الدولة جميعها، و خاصة الخدمة المدنية تستطيع أن تمشي الدولة شهور حتى تتكون حكومة جديدة.. و شاهدنا في إيطالية في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي أن الحكومة لا تستطيع أن تستمر أكثر من سنة، و يحدث تغيرا و انتخابات جديدة، لأن مؤسسات الديمقراطية و الثقافة الديمقراطية تحول عن تدخل الجيش. لكن في دول العالم الثالث ما تزال في طور التأسيس، و بعضها فقط ما تزال شعارات، و تصبح هناك فراغات تسمح بتدخل الجيوش.. شاهدنا ماذا فعل و موقابي في زمبابوي رفضه الانتخابات و أصبح معيقا لحركة الدولة و السياسة أضطر الجيش التدخل و إقالة موقابي من موقعه في السلطة..
كثير من الإخوة و الأصدقاء يجادلوني في الخاص أن سبب الفشل هم الكيزان، و الكيزان قابضين على كل مفاصل الدولةن يريدون العودة مرة أخرى.. هذا حديث العاجز الذي يبحث له عن شماعات يعلق عليها هذا الفشل.. هل الشارع عندما ثار على الإنقاذ لم يكن يعلم أنها متحكمة في مفاصل الدولة و تحرسها جيوس من المؤسسات القمعية، و رغم ذلك ثار الشارع و أنتصر و خلق معادلة في ميزان القوى مع الكيزان و مؤسساتهم القمعية.. لماذا الأحزاب لم تترك هؤلاء يقودوناالعمل السياسي مادام هؤلاء على دراية بقوة الكيزان و عملوا على تحديهم و الانتصار عليهم.. لماذا جاءت الأحزاب بناشطين سياسيين ليس لديهم أي معرفة بالقوى التي سوف تشكل لهم تحديا، و تصارعهم على السلطة.. و الغريب في الأمر أن أول ما فعلوه هؤلاء الناشطين خسروا الشارع الذي كان يشكل لهم توازن القوى.. أن عمليات التغيير السياسي و المجتمعي لا تحتاج إلي شعارات، بل تحتاج إلي ضخ أفكار بشكل متواصل لخلق الوعي الجتمعي الدعم للتغيير، و هذه الخاصية مفقودة لذلك البعض يراهن على الخارج أن يحل لهم معضلتهم. و الخارج لا يخدم إلا تحقيقا لأجندته الخاصة. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المجتمع تستطیع أن تحتاج إلی

إقرأ أيضاً:

الأعلام الاوروبيون الثلاثة هم لويس الرابع عشر ومترنخ الذي يلقب بداهية السياسة الألمانية وكارل ماركس

ينسب الى لويس الرابع عشر كلماته المشهورة- l’état c’est moi ” أنا الدولة” ويحسب بعض المؤرخين أنها قد تكون من بين الأسباب غير المباشرة لتفجر الثورة الفرنسية لاحقاً ومهما يكن الأمر وجدتني أتأمل و أتذكر هذه المقولة وما تنطوي عليه من المعاني والمدلولات و أتساءل هل كان القائل يحاول أن يعرف ماهية الدولة وهل تحتاج الدولة الى تعريف؟ وهل من مهام رجل الدولة أن يعرف ماهية الدولة؟ أم أنها بالأحرى مهمة المفكرين. يقال أنه من أصعب الأشياء محاولة تفسير الأشياء الأولية أو في أطوارها الأولية – prototypes كذاك الذي فسر الماء بعد الجهد بالماء.
هل كان القائل يرمي الى تجسيد الدولة ، وهل تحتاج الدولة الى تجسيد، فجسدها في شخصه فقط هو و ليس في أشخاص آخرين مما جلب عليه نقمة الناقمين وصوروه بأنه يمثل السلطوية والأوتوقراطية في أوج تحكمها وسيطرتها.
وهل تحتاج الدولة الى تجسيد؟ هل كانت كلماته التي أطلقها ولا يزال صداها يتردد عبر القرون مجرد زلة لسان أم أن لويس حاول بمقولته أن ينقل مفهوم الدولة من عالم المُثُل الأفلاطوني، عالم الأفكار التجريدية المحضة الى عالم الحقائق الموضوعية المادية الماثلة للعيان و التي تدركها الحواس منذ الوهلة الأولى.
الدولة يمثلها رجال الدولة من مدنيين وعسكريين تمثلها البيروقراطية المدنية والعسكرية الدبلماسيون و المعلمون و العمال والزراع و التجار ورجال الأعمال والمال و مقدمي الخدمات و المنتجين وغيرهم كثيرين ممن يتعامل المواطن معهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تصريف أمور الحياة وشؤونها اذا كان لابد من تعريف الدولة فهي كيان يعبر عنه نشاط متشعب متمدد متعدد الجوانب والمجالات والأغراض ,متغير تعتريه المتغيرات متبدل لا يستقر على طور شامل متناسق متكامل متطور الخ كل هؤلاء الأشخاص الطبيعيين أو الإعتباريين لا يدعون انهم الدولة و يقولون أنهم رجال الدولة حيناً أو ممثليها أحياناً وهذا صحيح لأن الدولة تقبع في عالم المُثُل وتحتاج أن تتنزل الى عالم الواقع. من الملاحظ أنه لم يدعي أحد عبر عصور التاريخ الإنساني أنه الدولة بخلاف لويس الرابع عشر وهذا يجعل كلماته لا تخلو من الطرافة بالرغم من وضوح خطلها و مجافاتها لحقائق الحياة و التاريخ.
الدولة لها علاقة ما بالرمزية لان علاقتها برجالها تحكمها الرمزية فنحن نقول رجال الدولة، إذن الدولة شيء آخر غير رجالها وغير ممثليها وغير رمزها الأعلى ومن ثم يتضح خطأ لويس فهو في أحسن الأحوال ليس الا رمز الدولة و ليس الدولة نفسها كما إدعى كاذباً ذاك الأوتوقراطي المتغطرس
إذن الدولة ليست سوى مفهوم تجريدي يحتاج الى التنزيل الى عالم الحقائق الأرضية الموضوعية ويحتاج الى التجسيد في شكل اشخاص أو مؤسسات طبيعيين أو إعتباريين ولكن هذا يقودنا الى جانب آخر من جوانب الاهتمامات الحياتية أو الثقافية الانسانية موازٍ لما ذكرناه سابقاً وهو جانب يتعلق بالأشياء المادية التي ينزع البعض نحو جعلها مثالية أي تماماً عكس ما فعله لويس الرابع عشر حين حول المثالي الى المادي المتجسد والأمثلة كثيرة على ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر المثالية في عالم الحب حينما يعمد بعض العشاق الى تحويل المعشوق الى قيمة مثالية محضة منفصلة تماماعن عالم الماديات- idealization process وتوجد كذلك في عالم السياسة او ما يسمي بعبادة الشخصيات حينما يعمد أتباع الزعيم الى تحويل الزعيم من شخص عادي او رجل دولة عادي الى شخصية اسطورية ويضفون عليه من المناقب والصفات الخارقة مما يحول شخصيته شيئاً فشيئاً الى قيمة معنوية مثالية لا تنتمني الى عالم الحقائق المادية الموضوعية المتعارف عليها. وتوجد هذه النزعة أيضاً بقوة في الفكر الصوفي إذ غالباً ما يجنح المريدون الى إضفاء هالات القداسة على الشيخ وأنه قادر على فعل كذا وكذا من الخوارق وأنه يستطيع فعل أي شيئ قد يخطر ببال المريد أو لا يخطر وأنه يتمتع بقوة روحانية هائلة خارقة و ما اليه
مع الفارق بين هذا و ذاك فان الطوطمية و عبادة الاوثان لا تخرجان عن المفهوم المشار اليه لانها تنطوي على تحويل المادي سواء أكان الصنم او الطوطم أو مظاهر الطبيعة الى المثالي الذي تسبغ عليه صفات الألوهية
فهل هناك نزعة أو حاجة انسانية لتحويل المثالي الى مادي والعكس أي المادي الى مثالي هل هناك نهج انتهجه البشر من هذا القبيل منذ عصور التاريخ السحيقة ولايزال ماثلاً الى يومنا هذا وأننا متنازعون دوماً بين هذين القطبين
ينسب الى السياسي النمساوى مترنخ داهية السياسة الألمانية في القرن التاسع عشر قوله “إن الدولة كائن لا يتعبد” . ونستشف من هذا القول ,إذا صحت نسبته اليه، أنه كان يعتقد أن الدولة، بحكم طبيعتها ووظائفها، تتجسد في شخص غير طبيعي أو أشخاص غير طبيعيين-Artificial entity ولسبب آخر لا يفوت على فطنته وهو أن الشخص الطبيعي قد يتعبد و قد لا يتعبد
سرت كلمات مترنخ سريان النار في الهشيم أو سارت بذكرها الركبان كما كان يقول أسلافنا، تناقلها الرواة وتداولها العلمانيون من كل حدب و صوب وازدهرت في أوساطهم و في أدبياتهم وأصبحت شعاراً يرفعه دعاة الدولة المدنية في مواجهة دعاة الدولة الدينية.
أما كارل ماركس وهو أيضاً من كبار الفلاسفة والمفكرين والناشطين السياسيين في القرن التاسع عشر فكان يرى أن الدولة هي آلية القهر الطبقي التي سوف تنتفي حينما تفضي التطورات التاريخية اللاحقة، وفقاً لمنظوره للحتمية التاريخية ، الى إنتهاء المجتمع الطبقي ومن ثم إنتفاء وتلاشي الدولة تلقائياً اذ لن تعد هناك حاجة اليها. و,نفهم مما قاله ماركس أو دعى اليه أنه، أي مشروع إلغاء الدولة، هدف بعيد المنال لأن تحقيقه يتوقف على هدف أو مشروع آخر صعب المنال.

صلاح الدين التهامي المكي
sameki@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • نائب يحمل الكتل السياسية مسؤولية عدم حل أزمة الرئاسة البرلمانية
  • السياسة والإدارة في الإسلام بين النظرية والتطبيق.. قراءة في كتاب (1من2)
  • السياسة والإدارة في الإسلام بين النظرية والتطبيق.. قراءة في كتاب (1 من 2)
  • عضو بـ«الشيوخ»: استقرار السياسة النقدية يعزز الثقة في الاقتصاد المصري
  • السوداني يشيد بقدرات القوات الأمنية العراقية ويدعو القوى السياسية للتكاتف لتحقيق أمن واستقرار البلاد
  • برلماني: الحوار الوطني جمع كل القوى السياسية على طاولة واحدة من أجل الوطن
  • الحكومة العراقية تدعو القوى السياسية والسلطات الدستورية للتحلي بالمسئولية
  • رئيس حزب الجيل: الحوار الوطني بلا خطوط حمراء وساهم في تحريك الحياة السياسية
  • مفتي صور وجبل عامل: كل القوى السياسية تستطيع ان تلعب دوراً داعماً للمقاومة
  • الأعلام الاوروبيون الثلاثة هم لويس الرابع عشر ومترنخ الذي يلقب بداهية السياسة الألمانية وكارل ماركس