دانت وزارة الخارجية الأردنية المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدرسة التابعين التي تؤوي نازحين بحي الدرج.

وقالت الوزارة إن "قصف إسرائيل مدرسة التابعين خرق فاضح لقواعد القانون الدولي واستهداف ممنهج للمدنيين".

من جانبها قالت وزارة الخارجية المصرية، إن القتل المتعمد للفلسطينيين العزل دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى إسرائيل لإنهاء الحرب على قطاع غزة.



وأضافت في بيان لها، أن "استهداف المدنيين العزل وتعمد إسقاط تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء تلك الحرب".



من جانبه، قال المستشار السياسي للمرشد الإيراني علي شمخاني، إن هدف الحكومة الإسرائيلية من قتل المصلين في مدرسة التابعين في قطاع غزة واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية هو مواصلة الحرب.

وأوضح إن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من خلال المجزرة لإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.

واستشهد أكثر من 100 شخص، فيما سقط عشرات الجرحى، فجر اليوم السبت، في مجزرة جديدة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حي الدرج الموجود شرقي مدينة غزة وسط القطاع، وذلك عقب استهدافه مدرسة "التابعين" التي تؤوي نازحين خلال صلاة الفجر.

وفيما اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدرسة، زاعما بأن "عناصر وقيادات من حركة حماس كانوا يوجدون فيها".

من جهته، أكّد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكب مذبحة داخل مدرسة التابعين بمدينة غزة، راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد وعشرات الإصابات.

إلى ذلك، طالب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية، بالضغط على الاحتلال لوقف جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المدنيين والنازحين في قطاع غزة، ووقف شلال الدم المتدفق في قطاع غزة.



من جهته، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان له؛ إنّ "مركز القيادة والسيطرة التابع لحماس داخل المدرسة كان بمنزلة مخبأ لقادة الحركة، حيث تم التخطيط لشن هجمات مختلفة من هناك ضد إسرائيل" بحسب تعبيره.

وفي السياق ذاته، كان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قد أوضح، الاثنين الماضي، عبر بيان، أن المجازر الأخيرة قد رفعت من عدد مراكز الإيواء المأهولة بالنازحين التي استهدفها جيش الاحتلال، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في غزة إلى 172 مدرسة ومركز إيواء، من بينها 152 مدرسة مأهولة بالنازحين، بعضها مدارس حكومية، وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وتجاوز عدد الشهداء في المجازر 1050 شهيدا. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية المصرية غزة الإيراني حي الدرج إيران مصر الاردن غزة حي الدرج المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جیش الاحتلال الإسرائیلی مدرسة التابعین قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

«الأسبوع» تخترق «جدار السرية» الإسرائيلي شمال غزة

استمرت محاولاتنا 45 يومًا لتوثيق هذه الشهادات، نجحتِ «الأسبوع» في اختراق «جدار السرية» الذي تفرضه القوات الإسرائيلية على شمال قطاع غزة المنكوب، لم يشغلنا تحقيق «السبق الصحفي» أو «بطولة مهنية» بقدر توثيق ما يتم على الأرض، والرصد الأمين لواقع الحياة اليومية، الظروف المعيشية، تدبير الاحتياجات الضرورية، وكيف تتعامل قوات الاحتلال مع أهالي شمال القطاع، على خط المواجهة المباشر، من محافظة غزة، والمدن الواقعة شمالها: بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا ومخيمها، والقرى الأخرى الواقعة في النطاق نفسه.

لم تكنِ المسألة سهلة، واجهتِ «الأسبوع» عراقيلَ عدة، أولًا، تعدُّد مرات نزوح الأسر والعائلات باستمرار من مكان إلى آخر، هربًا من القصف، والاستهداف المباشر للمدنيين. ثانيًا، الانقطاع المتكرر للإنترنت والاتصالات، وضعف الخدمات المتعلقة بها. ثالثًا، الحرص خلال التواصل مع المصادر التي تحدثت لنا على عدم تبني رواية معينة، محسوبة على حركة، أو فصيل، بل الوقوف على حجم المأساة الإنسانية، خاصة مع تعمُّد قوات الاحتلال عزل القطاع وقاطنيه عن محيطه الإقليمي، وعن العالم، عبر استهداف خطوط الاتصالات، كجزء من البنية التحتية، التي تعرضت للتدمير المباشر، خلال الحرب المتواصلة، منذ 11 شهرًا.

خلال التواصل مع شرائح عدة من الأسر في شمال غزة، أو ما تبقى من العائلات، كنا أمام: مضحِّين، يتمسكون بأراضيهم، بماضيهم وحاضرهم، بعدم الخوف من اليهود (وفق المسمى الدارج للقوات الإسرائيلية)، هؤلاء تحدثوا مباشرة. وشريحة ثانية، تشعر بالإحباط وهي تتحدث عن المأساة. وثالثة، رفضتِ الحديث لـ«الأسبوع» خشية أن تدفع الثمن من أمنها وسلامة ما تبقى من أفرادها. يقولون: «لو علم اليهود - جيش الاحتلال، وأجهزته الأمنية- بوجود إعلامي وسط الأهالي، أو حتى التواصل معه، لا يكتفون في هذه الحالة، باعتقاله، بل يقصفون المنزل مباشرة».

إنه الأسلوب الدموي المعتمد، حيث لا تفرِّق إسرائيل بين شارع «صلاح الدين» الذي يمتد من شمال قطاع غزة إلى رفح، جنوبًا، وأصبح عنوانًا لأكذوبة «الممر الآمن» أو أحياء شمال القطاع، التي يكثف جيش الاحتلال غاراته الجوية، وعملياته البرية والبحرية، فيها، منذ الثامن من أكتوبر الماضي.

مأساة أسرة «رنا الحصري»

رنا الحصري (45 عامًا) فقدت زوجها، ثم أولادها الأربعة. تجلس، الآن، على كرسي متحرك، بعد إصابتها خلال عدوان إسرائيل على غزة. تقول «أم إسلام» لـ«الأسبوع»: نزحت مع أسرتي حوالي 20 مرة. من بيت لبيت. ومن حي إلى حى آخر. المأساة الحقيقية بدأت يوم 18 فبراير الماضي. كنا في منزلنا، بمجمع «أنصار» غرب مدينة غزة. اليهود، هاجموا المنطقة. دخلوا بيت الجيران. هدموا الحائط بينا وبينهم. ابني «إسلام» كان مصابًا. ساعده زوجي «أشرف» (48 عامًا).

خرجنا، أنا وزوجي وأبنائي، وخالة زوجي، العزباء، التي كانت تعيش معنا. بِتنا ليلتنا في بيت صديق ابني. مع أذان الفجر تيمم زوجي. صلَّى الفجر، فالماء غير متوفر. أصرت خالة زوجي على العودة لمنزلها بـ«أنصار»، فشلنا في إقناعها بالبقاء، أوصلها زوجي لمنزلها، وخلال عودته استهدفته قذيقه دبابة.

الشهيد أشرف الحصري وأبناؤه الأربعة الشهداء

انتظرنا زوجي، حتى ننزح إلى بيت عمي. لم يعُد.سبقناه إلى هناك. سألت عنه معارفه، فأخبروني (تخفيفًا من خبر وفاته) أنه سيتم ترحيله للجنوب. بعد 5 أيام، رحل اليهود من منطقتنا. اتصلت بي صديقة، وأخبرتني أنهم وجدوا جثثًا عدة في شارعنا. ذهب ابني «محمد» إلى هناك، فتعرَّف على جثة والده، حملها إلى مستشفى «الشفا». كفَّنه، وعاد به إلينا، صلَّينا عليه، ودفنَّاه، خلال وجودنا في بيت عمي، وبعد منتصف الليل، سمعنا صوت صاروخ، أطلقته مقاتلة إسرائيلية «f 16» يهز المكان.

خرجنا سريعًا. كنا حوالي 50 شخصًا في البيت. نزحنا إلى بيت خالة زوجي، ثم لبيت آخر، بسبب العمليات العسكرية لليهود.كنت مع أختي «ريم» التي أخذ اليهود زوجها وأولادها، وطلبوا منها وداعهم لأنها لن تراهم، مجددًا. بالفعل، منذ شهور، لا تعلم عنهم شيئًا، مما أصابها بحالة نفسية سيئة. يوم استشهاد أولادي، ذهبت مع أختي للمخبز الوحيد بالمنطقة. انتظرنا دورنا 3 ساعات. اشترينا الخبز، ثم عُدنا للمنزل. صلينا المغرب، وجهَّزت لهم ما تيسَّر من الطعام.

ذهبنا للنوم الساعة 12. بعد الساعة 2 استيقظت على شيء ساخن وأكوام من الباطون (محارة السقف، ودهانته). شعرت باختناق. سمعت صوت أختي تقول: «انطقي الشهادة. احنا بنموت». خوفي على الأولاد، ضاعف قوتي. بدأت أرفع الركام. نصف التخت (السرير) كان على حافة الغرفة ناحية الشارع، والنصف الآخر داخلها.

كنا في الطابق الرابع. سمعت صوت الجيران، يطلبون منِّي ألَّا أحاول تحريك التخت، حتى لا يسقط بي. أنقذوني. سألوني عمَّن كان معي بالغرفة، فقلت لهم: ابنتي شيماء، وأختى ريم. ظلوا يُلقِّنوني الشهادة، بسبب منظر الدم الذي كان يسيل من رأسي، ووجهي، ورجلي. ظل النزيف مستمرًّا حتى الصباح لعدم وجود أطباء. سألتهم عن أولادي. قالوا: «سبقوكي إلى المستشفى». للأسف، عرفت أنهم استُشهدوا كلهم. فقدت الأربعة (إسلام، محمد، شيماء، أحمد) مرة واحدة.

شيماء بنتي وجدوا جثمانها وسط الركام. أصبحت أنا الناجية الوحيدة من عائلة «أشرف الحصري». لم يبقَ لى غير أمي وإخواتي، الذين نزحوا للجنوب، في دير البلح، أما أبي فقد مات بالجنوب قهرًا. نتعرض لحرب إبادة جماعية. العالم يتفرج علينا. نحن بأرضنا، غزة، مرابطون، رغم الوضع المأساوي في الشمال.

خواطر رنا الحصري تبيرا عن آلامها لفقدانها أسرتها نهى حسام: للموت وجوه كثيرة.

تتحدث، نهى حسام (30 سنة)، بألم وحزن شديدين لـ«الأسبوع»: تعبنا من النزوح. أول الحرب كنت في بيتي مع زوجي (أسامة عاشور) وأطفالي. عمارة سكنية، تعيش فيها عائلة زوجي. كل أسرة في طابق. عندما اشتدتِ الحرب، وخوفًا من القصف، كنا ننزل للطابق الأرضي. بعد أسبوع بدأ الجيران في النزوح، نتيجة أوامر الإخلاء التي أصدرها اليهود.كانت تطالب الجميع بالاتجاه لجنوب غزة. تمسكنا ببيتنا، كونهم لن يتركوا الجنوب في حاله، مستقبلًا. بقينا مع مجموعة صغيرة من الجيران.

الاحتلال هدد منطقة تعيش فيها والدتي، فطلبنا منها الإقامة معنا. جاء أهلي: أمي، أبي، إخوتي، جلسنا نتحدث في أمور عدة نلهِّي بها أنفسنا عن العدوان. بعد العشاء، استهدفوا منطقتنا، بأحزمة نارية (انفجارات متتالية وقصف شرس بالصواريخ لأحياء كاملة، في توقيت واحد) وبراميل متفجرة. زجاج البيت تحطَّم، والرعب تملَّك الأطفال.

فجأة، قصف اليهود بيتنا، فخرجنا بصعوبة من تحت الأنقاض بعد منتصف الليل. من هول الموقف لم نكن نعرف إلى أين سنذهب، إلى أن قررنا الذهاب لبيت عمي، الذي يعيش بالقرب منَّا. أدخلنا بدروم البيت، كمكان آمن، وجاء مَن تبقى من الجيران للبدروم نفسه.

كان بعضهم جريحًا، فحاول شقيق زوجي، وزوج ابنة عمي، الطبيبان، إسعاف الجرحى، اتصلنا على الهلال الأحمر والإسعاف، فقالوا: «أنتم في منطقة حمراء، ولا نستطيع الوصول إليكم»، فأمضينا ليلة مرعبة على ضوء الهاتف الجوال.

صباحًا، توجهنا للمشفى. ناس كثيرة تجلس في الممرات. حاول زوجي توفير مكان أفضل لنا. بدأت أسرتي، خاصة زوجات إخوتى، تناقش فكرة النزوح لجنوب غزة، خاصة أن شقيقة زوجي تقيم هناك. وافقت حماتي، الخائفة على الأطفال، على الذهاب، لكن زوجي، وشقيقه الأصغر، رفضا النزوح. وجدا مكانًا أفضل بالمستشفى، عبارة عن غرفة خاصة بحمام، وسرير واحد.بقينا فيها، أنا وهو وأطفالنا، وأهلي، لمدة شهر.

كانتِ الإقامة صعبة. يوميًّا، نخشى فقدان أحدنا نتيجة القصف، وتهديد اليهود للمشفى. لا مكان آخر نذهب إليه. بدأوا يُطلقون النار على المشفى بواسطة الـ«كوادكوبتر»Quadcopter (مروحيات، يتم التحكم فيها عن بُعد) ثم استهدفوا الموقع بالقذائف، فسقط العديد من الضحايا.

غادرنا المشفى إلى بيت أهلي. قبلها، عرفنا من الجيران أن «الوضع أحسن». حاولنا استخدام سيارة بابا، لكن جميع الشوارع مدمَّرة، فاتفقنا على الذهاب سيرًا على الأقدام، حتى وصلنا إلى بيت أهلي. نظَّفناه، بعد يومين، عرفنا أن خالتي وأسرتها يتعرضون للحصار في منزلهم، وأن ابنها الوحيد كان مصابًا، وينزف بقوة، مما دفع زوجته إلى خياطة الجُرح، رغم أنه لا علاقة لها بالطب.

جاءوا إلى بيت أهلي، ولاحقًا، أختي وزوجها وأطفالها. أصبحنا 30 شخصًا في البيت، لكِن انعدام الإمكانات الطبية، تسبب في استشهاد ابن خالتي الجريح. تواصُل القصف، وتهشُّم الزجاج، وتساقُط الحجارة. صراخ الناس لا يتوقف.

زوجي، وأخوه، قررا الإقامة مع بعض الشباب، لتخفيف التكدس في البيت، فوجئنا باليهود يحاصرون منطقتنا بالدبابات، ثم أطلقوا القذائف، والطخ العشوائي.

حرقوا البيت المواجه لنا، وقصفوا السيارات، الخوف من الاستهداف دفعنا للاختباء على دَرَج (سلالم) البيت لعدم وجود شبابيك فيه، وبالتالي، هو أكثر أمانًا.

عشنا أيامًا على الميَّه، فقط، بواقي الخبز كانت للأطفال. أي طفل أو كبير يخرج من بيته، يُستشهد، بينما الاتصالات مقطوعة. عند عودة زوجي للاطمئنان علينا اليهود طخوه. الرصاصة، دخلت من بطنه وخرجت من ضهره. تم نقله لمستشفى «الشفا» قبل استهدافه.

المصابون كانوا بالعشرات على الأرض. لم يكن بمقدور الأطباء التعامل مع حالته في اليوم نفسه، فاستُشهد في اليوم التالي، وبادر أخوه بدفنه، مؤقتًا، في محيط المستشفى.

الشهيد أسامة عاشور

تواصل عمي معنا، قال لنا إن المنطقة عندهم أفضل حالًا. لم أكن أعلم بما حدث لزوجي. سألت عنه، فقالوا «مع أصحابه»، ومع تكرار سؤالي، خبَّرنى عمي بوفاته. (تقول، بحزن عميق) انصدمت. تسلَّحت بالصبر. بعد مغادرة اليهود لمستشفى «الشفا» ذهب بابا وإخوتي وابن عمي لمكان دفن زوجي. عرفت منهم أنه رغم مرور 3 شهور، لايزال جسده كما هو، لم يتحلل.

دفنوه في مقبرة قريبة من بيت أهلي، لكن نزحت من بيت عمي، لبيت خالتي، وفي كل مرة يستهدف اليهود المنطقة نغادرها. كل بيت وحظه، ممكن يطخُّوا كل الناس، أو يقتلوا الرجال، ويأسروا بعضهم، ويطلبوا من النساء المغادرة للجنوب.

اليهود يقصفون عمارات كاملة تصل لـ12 طابقًا. الدفاع المدني لا يستطيع التدخل. نمرُّ على العمارات المهدمة. مكتوب عليها: «مجزرة عائلة فلان» مع ذكر عدد الشهداء، المتوسط من 20 إلى 50 شهيدًا.

الدفاع المدني، أحيانًا، يضطر لقطع الجثث، اللي نصها جُوَّه ونصها بَرَّه. يلجأ لذلك عندما يفشل في استخراج الجثة كاملة لدفنها. يدفن الظاهر منها، فقط. أزمة غياب الأدوية والمعدات الطبية كارثية.

المعاناة بسبب الخوف والجوع والأسعار. ما في مصدر للدخل. في السوق، الخضار كمياته قليلة. ما بيشتري إلا اللي معه مصاري. ارتفاع الأسعار في الأسواق، للأسف، عبر بعض التجار الفلسطينيين، بحجة شراء السلع الجملة بأسعار مرتفعة. أطفالنا نِفسهم في بطاطس مقلية، لكن ما نقدر نشتري. حبة البطاطس الواحدة بـ50 شيكل (حوالي 13 جنيهًا) عندى 3 أطفال يعنى 3 حبات بـ150 شيكل. كتير جدًّا. أسوأ مرحلة عشناها في الحرب كانت في رمضان بغض النظر عن الرعب والخوف انتي قاعدة وأطفالكِ حواليكى ميتين من الجوع.

أكلنا أكل الحيوانات. 30 شخصًا قاعدين في البيت، بياكلوا وجبة واحدة. كلنا وقت المغرب كنا بنتجمع على كيلو أرز واحد، لأنه غالي وغير متوفر. الطحين غير موجود، وإذا وجدناه كان الكيلو بـ200 شيكل. أول كيس طحين دخل بتنا زفِّناه بعُرس، ولفترة أكلنا الأعشاب (أوراق الشجر) أي شيء أخضر نسلقه وناكله.

نشفنا من الجوع. نحصل على الطعام عن طريق المساعدات، بدونها نموت من الجوع. نحصل عليها شهريًّا، وممكن كل 40 يومًا، نستلم كرتونة من الوكالة (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/أونروا) أو من مؤسسات أخرى. التوزيع حسب الحظ، وحسب الغذاء المتوفر. ممكن أسرة من 9 أفراد تحصل على فرخة، رغم أنها لا تكفي، لكن أحسن من بلاش. خلال الحرب لم نأكل لحوم. هناك وجبات التكايا (مجموعة من الناس يُعدون الطعام بكمية مناسبة، من خلال تبرع أشخاص أو مؤسسات من خارج غزة) بنحاول ندبَّر نفسنا.

الطرود الغذائية، عبوات، تختلف من دولة لأخرى: مصرية، إماراتية، قَطرية، وأردنية، ومن مؤسسة لأخرى، بها معلبات فول، حمص، بازلاء، فاصوليا، عدس، برغل وفريك، ولانشون. فيها علب حلاوة طحينية، سكر، ملح، صلصة طماطم. لكن التوزيع غير عادل، بنقول في غزة «حظك بختك» بسبب تباين الاستفادة من المساعدات. مثلًا عبوات منظمة «أوكسفام» الدولية، تذهب للي عنده «واسطة». نعاني من تردي الأوضاع. يد ابني جُرحت، منذ شهر، ونتيجة لسوء التغذية لم يلتئمِ الجرح، حتى الآن. المناعة تأثرت. تتفاقم الأوضاع بسبب أزمة النظافة. أدوات التنظيف غالية جدًّا. الشوارع مليئة بالمخلفات. قمامة ومعلبات. حرق النفايات يضر أكثر بالبيئة. آلاف الشهداء تحت الأنقاض.

طول عمرنا عايشين بعزة وكرامة، ما بنشحتِ اللقمة من حد، لكنها إرادة الله. هذه بلادنا، ما نتركها، حتى نحررها. والله لو أعطوني مال الدنيا مستحيل بطلع من غزة، إلا على جثتي. أملنا في الله كبير. حتى وإن كنتي حاملة كفنك على إيدك، يوميًّا، متعلقون بالأمل. لدينا يقين أكيد بأن الحرب ستنتهي. سننتصر. رغم أكثر من 40 ألف شهيد في غزة، وتدمير القطاع، نعتبر حالنا منتصرين. يكفي أننا وجعنا اليهود.

يسري الغول: عُدنا لـ«العصر البدائي»

يسري الغول (44 عامًا) قاص، وروائي فلسطيني، يقول لـ«الأسبوع»: لا أمان في شمال قطاع غزة. حوالي 90% من البيوت تعرَّضت للقصف والتدمير. الأُسر تحاول إصلاح غرف مهدمة للإقامة فيها. المعيشة بدائية. لا كهربا، وبالتالي لا أجهزة، ولا ملابس فقدناها في البيوت المدمَّرة.

كل شخص لديه قطعتين، يبدل بينهم. لو غسل إحداهما، لا يستطيع نشر الأخرى، فالشوارع كلها غبار وأتربة. واقعنا مرير جدًّا. الطعام محدود.مررنا بمراحل صعبة، اضطرتنا لأكل طعام الحيوانات، ولم نكن نجده. شبان ماتوا بسبب الطحين (الدقيق)، البعض فُقئت أعينهم، أو فقدوا أقدامهم بسبب كيس واحد، التجويع في شمال غزة مأساة حقيقية.

الأسعار مرتفعة جدًّا، أغلى من أسعار جزر المالديف، ومن نظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية. بحكم سفرياتي السابقة للخارج، الأسعار، حاليًّا، تتجاوز الـ20 ضعفًا. ثمن الخضراوات باهظ. سعر كيلو البصل يتجاوز الـ300 دولار. أتحدث مع زوجتي. أقول لها: نفسي آكل صحن سلطة قبل ما أموت. أسعار المواد الغذائية مخيفة. علبة الفول، قد تصل لـ100 جنيه مصري. لم يعُد لدينا أراضٍ زراعية، فالمساحة التي كانت دمرتها إسرائيل، وأعادت احتلالها. المساعدات، عبارة عن معلبات، كانت تأتينا عبر برنامج الغذاء العالمي أو «المطبخ العالمي»، لكنها لا تفي باحتياجات قاطني الشمال. ما يصل نسبته 1% من احتياجاتنا. «الأونروا» ومؤسسات وجمعيات دولية يتحكمون في توزيعها.

تداعيات الكارثة الإنسانية يمكن الوقوف عليها من خلال الأجساد الهزيلة، واتساع رقعة الأمراض، مياه الشرب لا تصلح للاستخدام الآدمي، حيث أضرت قذائف جيش الاحتلال بالبيئة والمياه، التي أصبحت مليئة بالنترات، المسببة للسرطان. أصحاب الأمراض المزمنة أكثر من 30 ألفًا، هم في تعداد الموتى، بسبب عدم توافر المعدات والأدوية والرعاية الطبية. النفايات سبب آخر للموت البطيء. أكثر من 15 ألف جثة تحت الأنقاض، لا نستطيع استخراجها. في مخيم الشاطئ، شمال غزة، حيث أقطن، أصبحتِ السيارات شبه منعدمة.

يسري الغول

الفلسطينيون في غزة كانوا يعوِّلون أكثر على الاصطفاف العربي- الإسلامي، حول القضية الفلسطينية، كونها القضية المركزية. مواطنو المنطقة، للأسف، مشغولون بهمومهم اليومية. بأزماتهم المعيشية. يحدث هذا رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لا يرغب فقط في السيطرة على فلسطين، بل يسعى لتحقيق خريطة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، لكن الله، لن يتخلى عنَّا. نحن ذاهبون للتحرير بأيدينا أو بأيدي أبنائنا، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. نحن على يقين بأن إسرائيل ستزول. إسرائيل تحاول تدمير كل المكوِّن الفلسطيني.

تشوِّه الوعي، حتى لا نقاوم، يحاولون كسر إرادتنا، يتعمدون قتل العجائز وكبار السن والنساء، لأنهم يعززون المقاومة في الشباب. في مخيم الشاطئ، قابل جنود الاحتلال سيدة عجوزًا كانت تسير مع ابنها الشاب، فأطلقوا عليها النار، وطلبوا من الشاب أن يمضي ويترك جثتها.

دعاء عاشور: «أملنا في الله كبير»

تقول دعاء عاشور (29 عامًا) لـ«الأسبوع»: أنا أم فرَّق اليهود بينها وبين أولادها. أجبروهم على النزوح مع والدهم إلى جنوب القطاع، وأنا أقيم في الشمال. تعرَّضنا للنزوح 7 مرات. قصفوا البيت المجاور لنا. لجأت لبيت أختي بـ«تل الهوى». عندما استهدف اليهود المنزل المجاور لبيتنا، وقع علينا الهدم، قبل إنقاذنا في اليوم التالي، ذهبنا إلى بيت عمي.

دعاء عاشور

عشنا في البدروم، خشية القصف، وبعدها انتقلنا لمستشفى «القدس» التابع للهلال الأحمر. أقمنا به لمدة شهر، كمكان آمن. قذائف اليهود استهدفتِ المستشفى. حدثت إصابات، وحالات وفاة. رجعنا بيتنا. أقمنا فيه أسبوعين.

صور خاصة لبيت عائلة عاشور بعد ان قصفه الاحتلال

جاءت خالتي للإقامة معنا. استُشهد ابنها بقذيفة. صار الوضع صعبًا. بعد فك الحصار، ذهبنا لبيت خالتي، في منطقة «الرمال». اليهود حاصرونا بالدبابات. كنا نزحف على بطوننا لنصل للحمام. لا نأكل ولا نشرب. كنا نجبر الأطفال الصغار على عدم الحركة أو الكلام، فالدبابات لو لمحت أي شخص تقتله فورًا. استُشهد زوج أختي. ذهبنا بعدها لبيت تابع لنسايب عمي في «دوَّار حيدر».

كان الوضع يزداد سوءًا. رجعنا إلى بيت خالتي بـ«الرمال». قعدنا عندها مدة طويلة. ساءتِ الأمور، فذهبنا إلى بيتنا. نظَّفناه من الردم، وسكنَّا به. فقدتُ أولاد خالتى الـ2، وابن عمي، وزوج أختي. لايزال هناك شهداء تحت الأنقاض. نواجه، يوميًّا، هجمات اليهود.في «الرمال» كنا شهودًا على إعدامهم لجميع أفراد عائلة «عدنان». العائلة مدنية، لكن اليهود، لا يميزون. يعتقلون الشباب من سن 17 عامًا، وحتى الشيوخ في عمر 60 عامًا. يهينوهم، يعذِّبوهم، وأحيانًا يقتلوهم.

صور خاصة لبيت عائلة عاشور بعد ان قصفه الاحتلال

الوضع الأمني والمعيشي (الغذاء، المياه، الدواء) صعب جدًّا. لا يمكننا ممارسة حياتنا بشكل طبيعي. اليهود، يتبعون معنا سياسة التجويع، لإجبارنا على الهجرة للجنوب، حتى يُستخدم الشمال كورقة ضغط على المقاومة. يحاولون إجبارها على الاستسلام.

ما تقدمه «التكايا» قليل، ويغطي أماكن محدودة. لا تسد الجوع، لكن تُبقي المستفيدين من خدماتها على قيد الحياة. الزحام عليها شديد.الناس طوابير، يقاتلون، من أجل القليل من الطعام. الطرود الغذائية، انتي وحظك. أثَّرت على صحتنا. إجهاد والتهابات. الأسعار عالية جدًّا. تخيلي، كيلو السكر يتجاوز الـ80 شيكل (حوالي 15 دولار). ثمن حبة البندورة 20 شيكل. ما نقدر نشتريه. الموجود في الأسواق بضائع من المساعدات الخارجية. قد يستغني البعض عن سلع من أجل سلع أخرى أكثر حيوية. الكلام يعجز عن وصف حجم المعاناة. كيس الطحين وصل لـ1000 دولار.

صور خاصة لبيت عائلة عاشور بعد ان قصفه الاحتلال

نخشى أن تستمر الحرب في فصل الشتاء. هناك عجز كبير في الأغطية والملابس. الأمراض المستجدة تنتشر بقوة بسبب الأوضاع البيئية المتردية (تراكم النفايات، وانتشار الحشرات) مع تأثر قطاعات أخرى. اليهود يدمرون مستقبل أجيال. بصراحة، فقدنا الأمل. هي كلمة بسيطة. فقدنا الشغف. ما عاد عندنا رؤية لما بعد الحرب. تطاردنا حالات الفقد للأهل، البيوت. ما عندنا أمل في المجتمع العربي والدولي. أملنا في الله كبير.

هبة حسين: محطات النزوح «مؤلمة»

هبة حسين (36 عامًا) معلِّقة صوتية وصانعة محتوى: نسكن في حي الشيخ رضوان، شمال غرب غزة. نزحنا من منزلنا بعد اندلاع الحرب، حتى يناير الماضي. لما يكون فيه عملية لليهود بأي منطقة، يصدر أمر إخلاء. نخرج فورًا، قبل وصول الجيش. إذا دخل اليهود من منطقة الشرق، نذهب إلى الغرب. إذا دخل على الغرب، ننزح للشرق. الله يعين الناس اللي دخل عليهم الجيش، فجأة، ممكن يبهدلوهم، أو يضربوهم، وأحيانًا يقتلوهم. تكررت عمليات نزوحنا 8 مرات خلال عدة أشهر، من شمال غرب القطاع إلى الجنوب الغربي. ومن الشرق للغرب. محطات النزوح المؤلمة أصبحت راسخة في ذاكرة الصغار قبل الكبار.

هبة حسين

مرحلة المجاعة الشديدة بدأت في شهر نوفمبر واستمرت حتى شهر فبراير، أكلنا ورق الشجر تعاملنا معه على أنه خضار كنا نستخدم أي شيء يخرج من الأرض. لم تكن هناك خيارات أخرى. مرة أكلنا عشبة، لم نكن نعرف أنها غير صالحة للأكل.

صار هلوسة للأطفال وكبار السن لمدة يومين ما بيناموا، فيه حالات مرضية كانت تحتاج لتغذية خاصة، ماتوا من الجوع، أسمِّى السوق «البورصة» لأنه كمية المساعدات ونوعيتها تحدد الأسعار.

اليهود إذا اجتاحوا منطقة ترتفع فيها الأسعار، الملوخية وصلت لـ40 شيكل، في بعض الأحيان. ما بنقدر نشتريها، المنتجات الموجودة بالسوق هي نفس المنتجات الموجودة بالكوبونات، الخضار شحيح. حبة الخيار بـ5 شيكل. الناس اللي عايزه فلوس تبيع السلع، وتشتري بها حاجات أخرى أكثر إلحاحًا.

لا نعرف ماذا نفعل لشهدائنا تحت الأنقاض. صديقتي منهم. عمارات كثيرة أسقطوها على ساكنيها. النفايات كارثة أخرى في غزة، والصرف الصحي أيضًا. البنية التحتية تعرَّضت للتدمير، مَن يعيشون بمراكز الإيواء، المدارس، والخيام يعانون من الأمراض المرتبطة بقلة النظافة، خاصة مع كثرة الأعداد.

ومع ذلك، فالحرب عززت عندنا التكافل، خاصة مع الأسر النازحة. نعرف من واقع التجارب المريرة أنهم خرجوا بطولهم. عندنا شنطة جاهزة على طول اسمها: شنطة الطوارئ، نضع فيها طقم أو اتنين. لازم نكون مستعدين لحملها والخروج بها فورًا. لكن البعض مبيلحقش يخرج من غيرها بنساعدهم على طول. اللي عنده ملابس بيعطي اللي معندهوش.

دنيا حسونة: «الأشلاء» أسلوب حياة

دنيا حسونة (طالبة جامعية) تقول لـ«الأسبوع»: أقيم في منطقة «الرمال الشمالية». تحولت منطقتنا بشارع الجلاء إلى منطقة عسكرية. انتشرت دبابات اليهود فيها. طائراتهم تحوم فوقها. استولوا عليها، وأقاموا فيها. في أول الحرب قصفوا دار عمي. استُشهد كل ولاد عمي وزوجاتهم، باستثناء 3 أشخاص فقط.

دنيا حسونة

كانتِ الأشلاء متناثرة. أصبحت أسلوب حياة. لا نعرف يد هذا ولا قدم ذاك. اجتهدنا في معرفة ذلك لزوم الدفن. فشلنا، فدفنَّاهم أشلاء. قصفت طائرة «f 16» بيتنا. اليهود طلبوا من كل سكان الحارة النزوح للجنوب، استسلمتِ الأغلبية للأوامر.

ما ظل غيرنا مع عائلتين، فقط. مع استمرار القصف نزحنا لمنطقة أخرى في الشمال. ذهبنا لبيت جدتي لأمي. تعرَّض المنزل للاستهداف بحزام ناري.

تهديدات اليهود، تدفعنا دائمًا لتحضير شنطة الأوراق الثبوتية (شهادات الميلاد، الهويات، العقود، جوازات سفر.. .إلخ) نحملها معنا في كل نزوح. هالمرة ما قدرنا نوصل للشنطة. أسرعنا للدَرَج (السلالم). مش قادرة أوصف لِك.

كنت بصرخ على عائلتي اسم، اسم. أتذكر (غالبتها الدموع أثناء الحديث) وأنا أنادي: ماما، بابا، أختى انتوا بخير؟ كان الدخان يتصاعد، كان عندي إحساس إننا هنموت، خرجنا للشارع ظلينا نجري الناس أمم كله بيجري اللي إيده، واللي رجله انقطعت.

الجثث على الأرض، وعمارات سكنية تنهار، والحي يتعرض للتدمير. ذهبنا لبيت خالتي، ظلينا عندها 4 شهور، واضطرينا للنزوح إلى بيت خالتي الثانية، بمنطقة حي الدرج، في قلب المدينة القديمة. سبقتنا جدتي وخالتى الأولى.

بدأ الاجتياح البري. اليهود دخلوا المنطقة، ووصلوا لدار خالتي. كان أمام بيتها مدرستين، بيهم نازحين. اليهود أخذوا الرجال، طلبوا منهم خلع كل ملابسهم، عدا الداخلي، لزوم التحقيقات العسكرية. قهر الرجال كان بعيونهم. أجبروهم على ترك نسائهم في الشمال. انقسمتِ العائلات.

كنا 40 شخصًا محشورين في مكان ضيق ببيت خالتي. التحرك زحفًا، حتى لا تستهدفنا رصاصات القناصة. أسبوع كامل ونحن على هذه الحالة. فقط على المياه، ووجبة واحدة، يوميًّا، عبارة عن نصف رغيف، حتى نبقى على قيد الحياة.

اليهود يستخدمون، الفسفور الأبيض. تأثرت جلودنا، أصواتنا، أجهزتنا التنفسية. الشوارع، أسوأ حالًا. الردم (الأنقاض) يتراكم، وتحته آلاف الجثث. أعداد الشهداء تحت الأنقاض أضعاف ما يتم إحصاؤه. تنتشر الحشرات الناقلة للأمراض.

الصرف الصحي يلوث الشوارع، على عكس الأوضاع قبل الحرب، حيث كانت بلدية غزة تنظف الشوارع، وتتعامل مع النفايات في منطقة، جحر الديك. الآن، تفاقمت أعداد المرضى، مع غياب الأدوية. ابن خالتي أخذ طلقة في الرأس، وأُجريت له عملية بأعجوبة، لكنه يحتاج لاستكمالها في الخارج.

الجيل الجديد من الأطفال سيواجه أزمة تعليم. نعم، يميز أنواع الأسلحة والطائرات الحديثة، لكنه لا يعرف الأبجدية العربية. كان يفترض أن أتخرج من الجامعة في يناير 2024، لكن بسبب حرب الإبادة، لم أكمل تعليمي. العديد من أساتذة الجامعة في غزة، استُشهدوا. حتى فرص التعليم الإلكتروني تصطدم بعدم توافر خدمة الإنترنت. اليهود، قصفوا أبراج الاتصالات.

الأسعار، تفاقِم أزمتنا. السوق، كل يوم سعره متغير. ما في شغل. ما في فلوس. ما حد يقدر يشتري. حتى الطبقة العالية، أصبحت بسبب الحرب طبقة متوسطة. الاقتصاد تعرَّض للتدمير. تتوفر في السوق بعض الخضراوات: بندورة، بذنجان، فلفل، وليمون. البدنجان أرخصهم. ثمن الكيلو يصل لـ35 شيكل.

ثمن البيضة الواحدة في السوق 12 شيكل. المنظفات أسعارها غالية. علبة الشامبو العادية ثمنها 90 شيكل، وهكذا الصابون وغيرها. عدم وجود منظفات الأرضيات يدفعنا لقراءة القرآن على المياه، قبل استعمالها لتطهير البيوت. وصلنا لمرحلة سيئة. خلال أزمة الطحين، أكلنا من علف الحيوانات. أنا مش خجلانة من هذا الشيء الأوضاع الصعبة أجبرتنا على أكله، حتى لا نموت جوعًا.

أنا طالبة جامعية. كنت أتحرك وأمشي لمسافات طويلة، يوميًّا، لا أستطيع، الآن، المشي، أتعب من مجرد الحركة داخل البيت. أشعر بنهجان من الكلام.. وزني قبل الحرب كان 58 كيلو وصلت لـ39 كيلو. أمي، أصابها النقرس بسبب البقوليات، الأطباء وصفوا لها العلاج، لكنه غير متوفر، لا توجد مياه -حلوة أو حتى مالحة- والبلدية قامت بتجهيز بئرين للمياه. يتم تخزين المياه في براميل كبيرة في الشارع.

كل واحد يحمل سطل كبير (جردل) للتعبئة منها، لتلبية الاحتياجات النسبية - الشرب، الأكل، الاستحمام، غسل الأواني- الموضوع مرهق جدًّا. صار عند البعض فتاق، ومشكلات في فقرات الضهر نتيجة حمل المياه. أملنا في الله كبير.. متعلقون برحمته. فقدنا الأمل في البشر لا عرب ولا غير عرب. الكل خذلنا، وسمح للدم الفلسطيني أن يسيل. تركونا لحالنا. لنا الله، وفقط.

عزمي: «24 ساعة موت وقهر وعجز»

المحاسب، عزمي الحلاق (42 عامًا) كان حادًّا، وهو يعبِّر عن رأيه في كارثة شمال غزة. قال لـ«الأسبوع»: «يا أخت آلاء، أنا بكلمك من شمال غزة. من قلب المجاعة. سامحيني يا بنت الأصول. مفيش حِيل وحياة أبوكي إني أتكلم عن هالكابوس. سيبونا نموت بدون ما تعملي هالتقرير. ربنا يتولانا برحمته.

معدش باقي كلام نحكيه. 24 ساعة موت وقهر وعجز وخذلان. حياتنا وموتنا لينا لوحدنا. أنا آسف. بعتذر منك. محدش مصدق إنه إحنا عايشين. الكل يتمنى أن يكون كابوس ونصحى منه. بجد لو قادر أتكلم كنت اتكلمت. صخور من القهر على صدورنا. مش مخليانا حتى نتكلم. سلام».

بلدية غزة: محاولات مستميتة.. ولكن

حرص المتحدث باسم بلدية غزة، المهندس عاصم النبيه، خلال حديثه لـ«الأسبوع» على الكلام في حدود صلاحياته فقط: تُعَد جهود فتح الشوارع من أكثر العقبات التي تقابلنا. قوات الاحتلال دمرت 127 آلية ثقيلة ومتوسطة كانت تابعة لبلدية غزة. لا نستطيع فتح الشوارع، حاليًّا، لأن القطاع الخاص يرفض العمل معنا، خوفًا من الاستهداف، وبسبب شُح الوقود، الذي تحتاجه الآليات.

عاصم النبيه

الوقود الذي يدخل للبلدية تقوم بتنسيقه سلطة المياه الفلسطينية. نحن لا نعرف مع مَن يتم. لكن هي الجهة الرسمية التي تتولى ذلك. هناك أكثر من 150 ألف طن من النفايات المتراكمة في مدينة غزة وحدها. هذه النفايات تشكل كارثة صحية وبيئية على المواطنين. تسبِّب الأوبئة والأمراض. ليس لدينا القدرة على نقل وتجميع كل هذه الكميات. حرق البعض للنفايات في شمال غزة، طريقة غير صحية. الأدخنة والغبار يضرَّان بالبيئة، ويؤذيان الجهاز التنفسي، خاصة لدى الأطفال وكبار السن. الطريقة اللازمة هي الجمع والترحيل إلى المكبات المهيأة، وهذا غير متاح، الآن، نتيجة العدوان.

التسريب الكبير للصرف الصحي في الشوارع والمناطق المختلفة، بسبب الأضرار الكبيرة في المضخات والمحطات، وشح الوقود اللازم لمعالجة إشارات الصرف الصحي. هناك مشكلة أخرى تتعلق بالصرف الصحي، نتيجة امتلاء بركة الشيخ رضوان، المجهزة لتجميع مياه الأمطار، بمياه الصرف. هي بحاجة إلى تفريغ المياه من أجل موسم الأمطار، وإلا فهناك خطر فيضان هذه البركة على المنازل. المياه لا تصل إلا لحوالي 40% فقط من مدينة غزة. نحاول صيانة الآبار وزيادة كمية المياه، لكن هناك صعوبة كبيرة جدًّا. الأضرار لحقت بأكثر من 90 ألف متر طولي من شبكات المياه. هناك دمار في أكثر من 75% من آبار المياه في المدينة. هذه التطورات تعقِّد جهودنا.

نحن بحاجة لقائمة طويلة من المعدات والاحتياجات لنتمكن من زيادة المياه، بصفة عامة. المياه الصالحة للشرب ملف أكثر تعقيدًا، كونه مرتبطًا بالقطاع الخاص، الذي كان يقوم بتقديم هذه الخدمة. محطة التحلية التابعة للبلدية الكبيرة في شمال غرب المدينة تعرَّضت للتدمير، تمامًا. لم تعُد صالحة للعمل. الاعتماد، حاليًّا، على القطاع الخاص والشركات المحلية، وهم أيضًا يتضررون بشكل كبير، من العدوان، وتداعياته.

انتهتِ الشهادات ولم تنتهِ المأساة

أجواء قطاع غزة، خلال العدوان الإسرائيلي، الذي قارب دخول شهره الحادي عشر، غير مسبوقة. في العمليات العسكرية السابقة، لم تكنِ الحرب تتجاوز الـ20 يومًا. القاسم المشترك هو «القوة الغاشمة» والحِدة في استخدام القوات العسكرية الأمنية الإسرائيلية: الجوية، البحرية، والبرية، وتشمل: المدفعية، والمشاة، والمظلات، مدعومة بقوات الدفاع الجوي، وكل ما يمكن استخدامه من أدوات القوة، في التعامل مع الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً8 شهداء إثر استهداف طائرات الاحتلال جنوب مدينة غزة

5 شهداء وإصابة 12 آخرين جراء استهداف الاحتلال شقة سكنية بغزة

مقالات مشابهة

  • «الأسبوع» تخترق «جدار السرية» الإسرائيلي شمال غزة
  • هذه الحصيلة الأولية لمجزرة الخيام في خانيونس.. انتشال متواصل (شاهد)
  • مصطفى عمار: إسرائيل لم تحقق أي مكاسب من عدوانها على غزة
  • إسرائيل تزعزع أمن المنطقة
  • الأورومتوسطي: إسرائيل استهدفت 16 مدرسة إيواء بغزة خلال شهر واحد
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • ‏الجيش الإسرائيلي: مسلح جاء من الأردن بشاحنة وفتح النار على القوات الإسرائيلية التي تعمل في معبر اللنبي
  • الأورومتوسطي: استهداف 16 مدرسة إيواء في غزة خلال شهر واحد إمعانٌ بالإبادة الجماعية
  • إعلام أمريكي: الجيش الإسرائيلي يريد إنهاء الحرب في قطاع غزة
  • المعشر .. إسرائيل لا تريد إنهاء الاحتلال ولا إقامة دولة فلسطينية