تنتشر مواقد الغاز حول العالم وتوجد في نحو 50 مليون منزل بالولايات المتحدة وحدها نظرًا لسهولة الاستخدام وأسعار الاستهلاك الاقتصادية والمناسبة لعدد كبير من الأسر. وقد رصدت العديد من الدراسات السابقة انبعاث ملوثات هواء خطيرة من احتراق الغاز والبروبان في تلك المواقد، مثل ثاني أكسيد النيتروجين والبنزين وأول أكسيد الكربون والفورمالديهايد وجسيمات أخرى متناهية الصغر، لكن ظل تقدير أثر ذلك التعرض في المنازل لغزًا محيرًا.

كشفت دراسة حديثة نشرت في دورية ساينس أدفانسيز أن مواقد الغاز والبروبان المنزلية تزيد من مخاطر التعرض لثاني أكسيد النيتروجين. وحتى في غرف النوم البعيدة عن المطابخ، كثيرًا ما تتجاوز التركيزات الحدود الآمنة لساعات بعد إطفاء الشعلات والأفران. وقد ارتبط التعرض الطويل الأمد لثاني أكسيد النيتروجين بزيادة معدلات الإصابة بحالات الربو لدى الأطفال وتفاقمها، بالإضافة إلى الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة ومرض السكري.

ثاني أكسيد النيتروجين هو واحد من مجموعة الغازات الشديدة التفاعل المعروفة باسم أكاسيد النيتروجين، وتشمل حمض النيتروز وحمض النيتريك. ويستخدم ثاني أكسيد النيتروجين كمؤشر للمجموعة الكبرى من أكاسيد النيتروجين، ويدخل بشكل أساسي إلى الهواء من خلال حرق الوقود، ويتشكل من الانبعاثات الصادرة عن السيارات والشاحنات والحافلات ومحطات الطاقة ومعدات الطرق الوعرة.

ويتعرض 42% من سكان العالم لمستويات أعلى من القيمة الآمنة السنوية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية من غاز ثاني أكسيد النيتروجين. وبحسب منصة ستيت أوف غلوبال إير التي تعمل على تقديم تحليل شامل لمستويات واتجاهات جودة الهواء والصحة في كل دولة في العالم، فإن سبعة من البلدان العشرة التي لديها أعلى مستويات التعرض لثاني أكسيد النيتروجين تقع في الشرق الأوسط، ومنها البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، وتشهد دول مثل روسيا وتركيا أيضًا مستويات عالية من الغاز.

يتعرض 42% من سكان العالم لمستويات أعلى من القيمة الآمنة السنوية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية من غاز ثاني أكسيد النيتروجين (بيكساباي) منازل تختنق بالغازات

يقول ياناي كاشتان، الباحث الرئيسي والحاصل على الدكتوراه في علوم النظم الأرضية من كلية ستانفورد دوير للاستدامة بالولايات المتحدة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت "نشعر بالقلق بشكل خاص بشأن الأطفال لأنهم يتنفسون أكثر، وبالتالي يستنشقون كمية كبرى من الملوثات مقارنة بالبالغين، ولأن رئاتهم في طور النمو وتكون أكثر عرضة لهذا التلوث". انطلق كاشتان مدفوعا بذلك الشعور إلى دراسة منازل من يستخدمون مواقد الغاز في عدد من المدن بالولايات المتحدة الأميركية وقياس نسب التلوث بها.

استخدم الباحثون أجهزة استشعار لقياس تركيزات ثاني أكسيد النيتروجين في أكثر من 100 منزل بمختلف الأحجام والتخطيطات وطرق التهوية، قبل وأثناء وبعد استخدام الموقد. ودمجوا هذه القياسات والبيانات الأخرى في نموذج لمحاكاة تدفق الهواء، ونقل الملوثات، والتعرض لكل غرفة في المباني المختلفة. وقد أتاح لهم ذلك تقدير المتوسطات وحالات التعرض القصيرة المدى في ظل مجموعة من الظروف والسلوكيات الواقعية، والتحقق من مخرجات النموذج مقابل قياساتهم الواقعية.

وقد أظهرت النتائج أن الاستخدام النموذجي لمواقد الغاز أو البروبان يزيد من التعرض لثاني أكسيد النيتروجين بما يقدر بأربعة أجزاء في المليار، بمتوسط ​​أكثر من عام، مما يمثل ثلاثة أرباع مستوى التعرض الذي تعدّه منظمة الصحة العالمية غير آمن في الهواء الخارجي. ويجدر هنا الإشارة إلى أن ما تم قياسه لا يشمل إضافة المصادر الخارجية لغاز المواقد، مما يزيد من احتمال تجاوز الحد المسموح به.

يرى أستاذ الأمراض الصدرية بكلية الطب بجامعة عين شمس المصرية هيثم صلاح أن الدراسة تبدو منهجية وقوية، إذ تم قياس تلوث الهواء في عينة كبيرة نسبيًا، مما يعزز من موثوقية النتائج وشمولية الدراسة.

وتقول طالبة الدكتوراه في جامعة ستانفورد والمشاركة في البحث ميتا نيكلسون "تأثرت الفوارق العرقية والإثنية في التعرض لثاني أكسيد النيتروجين في دراستنا نظرًا للاختلافات في متوسط ​​حجم محل الإقامة بين المجموعات العرقية والإثنية في الولايات المتحدة".

ويعلق كاشتان "يتعرض الأشخاص الذين يعيشون في منازل أصغر بشكل عام لمزيد من التلوث من مواقدهم، إذ يميل ذوو الدخل المنخفض إلى العيش في منازل أصغر".

يرى الباحثون أن خطوتهم التالية الأكثر إلحاحًا هي مقارنة التعرض لثاني أكسيد النيتروجين من مواقد الغاز مع إجمالي التعرض لثاني أكسيد النيتروجين ومعرفة حجم مصدر مواقد الغاز للتعرض الإجمالي، بالإضافة إلى دراسة سيناريوهات الطبخ التجاري (بيكساباي) رئة الشرق الأوسط ضاقت بالسموم

سُجلت بعض أعلى مستويات التلوث بثاني أكسيد النيتروجين في العالم العربي، حيث جاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط على القمة بمتوسطات بلغت 26.8 ميكروغراما/م3، في حين بلغت متوسطات البلدان ذات الدخل المرتفع 26.6 ميكروغراما/م3، وفي أوروبا الوسطى والشرقية وآسيا الوسطى بلغت المتوسطات حوالي 26.1 ميكروغراما/م3.

ورغم صعوبة استقراء الدراسة في بلدان أخرى بحسب كاشتان، فإن صلاح يقول "قد تكون نتائج الدراسة ذات صلة بالمجتمعات العربية والمجتمع المصري، حيث إن مواقد الغاز والبروبان تستخدم بشكل واسع في مجتمعاتنا، ولكن هناك بعض الفروقات التي يجب مراعاتها في البنية التحتية، إذ يختلف مستوى التهوية في المنازل العربية والمصرية عن المنازل الأميركية، كما تختلف عادات الطهو واستخدام المواقد بين الثقافات، مما قد يؤثر على مستويات التعرض لثاني أكسيد النيتروجين".

يرى الباحثون أن خطوتهم التالية الأكثر إلحاحًا هي مقارنة التعرض لثاني أكسيد النيتروجين من مواقد الغاز مع إجمالي التعرض لثاني أكسيد النيتروجين، ومعرفة حجم مصدر مواقد الغاز للتعرض الإجمالي، بالإضافة إلى دراسة سيناريوهات الطبخ التجاري.

ما الحل إذن؟

يحتاج الأشخاص الذين يعانون من الربو أو المشاكل الصحية الأخرى التي يسببها التعرض المستمر لثاني أكسيد النيتروجين إلى المزيد من الرعاية الصحية وقد يتغيبون عن العمل أو المدرسة أو الالتزامات العائلية، مما يخلق عبئا على الأفراد المتضررين وكذلك على أسرهم وعلى المجتمع والاقتصاد على نطاق أوسع.

لذلك يرى صلاح أن النتائج بمثابة تحذير وتستدعي اهتمامًا خاصًا في المجتمعات العربية لمعالجة هذه المشكلة، إذ يعتبر تلوث الهواء مشكلة كبرى في العديد من المجتمعات العربية، خاصة في المدن الكبرى حيث مستويات التلوث عالية بسبب العوامل الصناعية والنقل. ويقول "إجراء دراسات محلية أمر ضروري لفهم الوضع بشكل أفضل وتحديد الحلول المناسبة لكل مجتمع".

وعن الحلول والنصائح، تقول نيكلسون "توفر المواقد الكهربائية والمواقد الحثية خيارا بديلاً لأولئك الذين يرغبون في تقليل تعرضهم لثاني أكسيد النيتروجين في الأماكن المغلقة، إذ لا تنتج ثاني أكسيد النيتروجين. وقد تكون الشعلات الكهربائية أو الحثية المحمولة أيضًا بديلاً أقل تكلفة".

ويعتقد كاشتان أن أفضل طريقة للتخفيف من التعرض لثاني أكسيد النيتروجين هي تقليل احتراق الغاز في المقام الأول، ويقول "إذا كنت لا تستطيع تحمل تكلفة استبدال موقد الغاز الخاص بك، أو إذا كنت مستأجرًا ولن يقوم مالك العقار باستبداله، فعليك بالتهوية الجيدة، سواء باستخدام مروحة العادم (شفاط المطبخ) أو عن طريق فتح النوافذ، شريطة أن يكون الهواء الخارجي نظيفًا، وحتى لو كان الهواء نظيفا فبمجرد انسياب التلوث إلى المنزل فمن الصعب التخلص منه بشكل كامل. لذلك فالإستراتيجية الأكثر فاعلية للحد من تلوث الهواء الداخلي الناتج عن مواقد الغاز هي استهلاك كميات أقل من الغاز".

يتفق صلاح مع كلا الباحثين، ويقترح استخدام أجهزة تنقية الهواء للمساعدة في تقليل مستويات الملوثات في الهواء الداخلي. ويرى ضرورة زيادة التوعية بين الأفراد حول خطورة تلوث الهواء الداخلي والتدابير الوقائية التي يمكن اتخاذها، وهو رأي يوافق عليه كاشتان مختتمًا "لست خبيرًا في السياسات، ولكن أود أن أقول إن الحكومات ومنظمات الصحة العامة بحاجة إلى التأكد من إعلام الجمهور بمخاطر الطهو بالغاز. كما أدعم السياسات التي تجعل من السهل على الناس أن يفعلوا ما هو مناسب لصحتهم، مثل تقديم حوافز لأصحاب العقارات لاستخدام الكهرباء في الطهو في عقاراتهم، أو تقديم تخفيضات لأصحاب المنازل لتشغيل أدوات الطهو الخاصة بهم بالكهرباء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تلوث الهواء مواقد الغاز

إقرأ أيضاً:

احذر.. الإضاءة الليلية الشديدة تزيد خطر الإصابة بالزهايمر

كشفت دراسة طبية حديثة  نشرت نتائجها في مجلة Frontiers in Neuroscience أن الأشخاص الذين يتعرضون للإضاءة الشديدة ليلا، قد يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر.

ووفق الدراسة التي، فإن التعرض الشديد للضوء أو ما يعرف بـ"التلوث الضوئي الليلي"، يرتبط بقوة بخطر الإصابة بألزهايمر لدى الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عاما أو أكبر، مقارنة بعوامل الخطر المعروفة الأخرى مثل تعاطي الكحول وأمراض الكلى والاكتئاب والسمنة.

ويشكل التعرض للضوء خطرا أكبر على أدمغة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 65 عاما.

وكانت شدة الضوء العالية أثناء الليل، عامل الخطر الرئيسي للإصابة بألزهايمر المبكر في هذه الفئة العمرية.

وقالت الباحثة الرئيسية في الدراسة روبن فويجت زوالا، وهي أستاذة مشاركة في المركز الطبي بجامعة راش في الولايات المتحدة: "لقد أظهرنا أنه في الولايات المتحدة هناك علاقة إيجابية بين انتشار مرض ألزهايمر والتعرض للضوء في الليل، وخاصة في أولئك الذين تقل أعمارهم عن 65 عاما".
وبالنسبة للدراسة، قام الباحثون بتحليل خرائط التلوث الضوئي للولايات الـ 48، ومقارنتها بالبيانات الوطنية حول الإصابة بمرض ألزهايمر وعوامل الخطر المعروفة للمرض.

وأظهرت النتائج أن التلوث الضوئي هو أحد عوامل خطر الإصابة بمرض ألزهايمر بالنسبة لكبار السن، لكن ليس له تأثيرا قويا مثل العوامل الأخرى كمرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية.

ووجد الباحثون أنه لا يوجد عامل خطر آخر يفوق التلوث الضوئي بالنسبة لمن تقل أعمارهم عن 65 عاما، حسبما نقلت وكالة "يو بي آي" للأنباء.

وقال الباحثون إن النتائج تشير إلى أن الشباب قد يكونون حساسين بشكل خاص لآثار التعرض للضوء في الليل، على الرغم من عدم وضوح السبب.

وشدد الباحثون على ضرورة الحد من التعرض للأضواء الساطعة في الليل، واستخدام ستائر معتمة وأقنعة للعينين، وتجنب التعرض للضوء الأزرق الصادر عن الأجهزة التقنية، وتركيب أجهزة خافتة للضوء في المنازل.

مرض الزهايمر

داء الزهايمر اضطراب في الدماغ يتفاقم بمرور الوقت ويتسم بحدوث تغيرات في الدماغ تؤدي إلى ترسبات لبعض البروتينات.

ويسبب داء الزهايمر تقلصًا في الدماغ وموت خلاياه في النهاية، وهو السبب الأكثر شيوعًا للإصابة بالخَرَف؛ وهو تدهور تدريجي في الذاكرة والقدرة على التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، ويمكن أن تؤثر هذه التغيرات في قدرة الشخص على أداء وظائفه.

مقالات مشابهة

  • أنْ تكون فلسطينيًّا منفيًّا في وطنك !
  • أضواء الشوارع قد تزيد الإصابة بمرض ألزهايمر.. تفاصيل
  • تحذير.. التعرض للضوء قد يزيد من احتمالية الإصابة بالزهايمر
  • 5 علامات تشير إلى تكون حصوات المرارة
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها
  • هل تكون المناظرة الرئاسية بين هاريس وترامب فارقة؟
  • القاضية عون: أنت الأقوى عندما تكون مع الحق
  • صنعاء.. تخفيض 30% من قيمة استهلاك المياه المنزلية
  • إصابة أول حالة بإنفلونزا الطيور دون التعرض لحيوانات مصابة في أمريكا
  • احذر.. الإضاءة الليلية الشديدة تزيد خطر الإصابة بالزهايمر