أغسطس 10, 2024آخر تحديث: أغسطس 10, 2024

الدين والعشيرة والمال… مثلث اخلاق العراقيين !!!

مازن صاحب

من نافلة القول انما الأمم اخلاقها.. وكيفما تكون يولى عليها.. في تحليل ظواهر ومتغيرات الأخلاق عراقيا.. ثمة أكثر من نموذج تحليلي.. الأول الذي اعتز به صاحبته الدكتورة بلقيس محمد استاذة الاجتماع السياسي.. تعكس المنهج التاريخي بكون منطقة وادي الرافدين قد تعرضت لعدد من الغزوات بعد سقوط الدولة البابلية الثالثة حولي ٥٠٠ ق.

م ونتيجة تراكم هذا الكم من الغزوات التي تبدأ بالغزو الفارسي ثم العربي الإسلامي وصولا إلى الغزو المغولي ثم العثماني ثم الفارسي ثم العثماني في خمسة قرون مظلمة من تاريخ العراق.. كل ذلك جعل تجدد النموذج الحضاري في الأخلاق المجتمعية العراقية امام حافات هبوط التحدي وعدم بروز قيادات عراقية تناجز المحتل… فانتهت إلى ثقافة الامر الواقع.

النموذج الثاني في دراسات رائد علم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي.. الذي حصر كل متغيرات الأخلاق في الثقافة العراقية ما بين التمدن والتصحر.. وربما ثمة اتفاق ضمني ان ثقافة أخلاقيات مسلة حمورابي وغيرها من القوانين في الدولة العراقية البابلية او الاشورية او الأكدية لم تتفق مع ثقافة الصحراء التي حملها الفتح الإسلامي للعراق فوقع المجتمع في هذه الازدواجية.

النموذج الثالث ما يذهب اليه الدكتور منقذ داغر في تحليله لثقافة التصلب وانعكاسات متغيراتها الطرفية في الزمان والمكان من دون إنتاج متجدد لاخلاقيات معرفية مقابل الانغماس في جهل مجتمعي متعاقب الحقب.

وجهة نظري المتواضعة جدا.. ان النماذج الثلاثة انما تعاملت مع المظاهر وتداعياتها على ثقافة المجتمع وتراكماتها ما بين مظاهر مستحدثة او أعراف وتقاليد راسخة.

لذلك ما زال الفاعل المجتمعي يتمحور في مثلث اضلاعه رجال الدين وشيوخ العشائر وأصحاب المال سواء في الزراعة كنموذج عبد الهادي الحلبي والد السياسي العراقي المرحوم احمد الجلبي او في الصناعة مثل فتاح باشا على سبيل المثال لا الحصر

السؤال ما البعد المستقبلي في صناعة الثقافة المجتمعية العراقية؟؟

انما تعتمد الإجابة على هذا السؤال في سلطة الانتخابات التي تدور رحاها كل ٤ سنوات ما بعد الحكم الملكي وما بعد ٢٠٠٣.

البعد الحقيقي ان هذا المثلث لصناعة اخلاق ثقافة العراقيين تتجسد في البعد الديني المتفق مع الميول والاتجاهات.. فمثلا كتاب (دليل المجاهد) الذي يضم مجموعة من فتاوى دينية طبق بكل تفاصيله ما بعد الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي في ما عرف بعدها مصطلح (الحواسم ) ولم يطرق هذا الموضوع إعلاميا الا في احد برامج الدكتور حميد عبد الله.!!

ربما خشية من وسائل الاتصال الشعبي من المساس بمرجعية لتيار عريض من الإسلام السياسي.

وايضا ربما اتفاقا معه كون ظاهرة الحواسم قد انتقلت الى قيادات سياسية انتهت مثلا بما عرف بسرقة القرن!!

لذلك ثمة قبول وترويج لما يمكن أن يوظف في فتاوى المرجعيات الدينية.. والعكس صحيح مثلا محاربة الفساد السياسي من خلال منبر الجمعة حتى بح صوت المرجعية الدينية العليا في النصح والإرشاد.. في المقاربة.. سارعت ذات الأحزاب الى توظيف فتوى ذات المرجعية الدينية العليا في تشكيل الحشد الشعبي.. لست ضد التشكيل ولكن المقارنة بين حالتين فحسب… فيما صمتت المرجعية الدينية العليا عن إعادة خطبة الجمعة لممارسة حتى دور النصح والإرشاد واغلقت أبوابها بوجه كل القيادات السياسية!!

اما الضلع الثاني في هذا المثلث فهو الزعامات العشائرية.. وفيه مداخلات قديمة وحديثة فقد عمل الاحتلال العثماني على تولية اي زعامة محلية تمتلك القدرة على جباية الضرائب وحماية الطرق وتسمح لمن يواليها سفك دماء خصومه حتى من ضمن ذات القبيلة.. وهذا ما فعلته مس بيل ما بعد الاحتلال البريطاني.. وايضا ما فعله النظام الملكي بتحديثات قانونية وانتقل ذات التوجه بتطبيقات أخرى في العهود الجمهورية وصولا إلى ما عرف بشيوخ التسعينيات بعد إطلاق ما عرف حينه التشجير العشائري حتى دخل في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم.. الكثير جدا!!

وذات النموذج طبق فيما عرف بلجان الإسناد التي قادها حزب الدعوة.. وكذلك فعل التيار الصدري في تشكيل خاص للعشائر.

فيما لم يبرز اي تيار مؤثر عن الضلع الثالث من رجال المال في الزراعة والصناعة.. بل زاد نهب المال العام ولم بتجاوز بعض العناوين لرجال الأعمال نموذج اللجان الاقتصادية للاحزاب في نظام مفاسد المحاصصة.

عودة للسؤال المذكور أعلاه.. كيف يمكن إيجاد معادلة تجديد مدني حضاري في مثلث اخلاق العراقيين؟؟

هناك حالة من التشتيت في وحدة الهدف مقابل طوفان في الممارسات التافهة التي مع كل اسف دخلت حتى على بعض الشعائر الدينية!!

يضاف إلى ذلك استسهال القفز على الاعراف والتقاليد بما في ذلك الوظيفة العامة.. فترى من من لا يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات العلمية والعملية في المناصب العليا الخاصة فقط تطبيقا لنظام المحاصصة.

تراكم عقدين من الزمان يمكن أن يحول مظاهر التشتت في الاهداف وطوفان التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي بوجود عديمي الخبرة في السلطة إلى أعراف وتقاليد توصف ب(اعدادات العملية السياسية) فيما تسعى مرجعيات الإسلام السياسي لديمومة الاستحواذ على السلطة.. بالتصامن مع زعامات عشائرية مؤيدة.. وبروز رجال أعمال من معطف المال العام المهدور في مفاسد المحاصصة.

في المقابل تصمت المرجعية الدينية العليا عن النصح والإرشاد وتناى بذاتها عن كل هذه المتغيرات.. كذلك يصمت شيوخ العشائر ويفسخون المجال لغيرهم للاستفادة منهم في الحصول على امتيازات سلطة مفاسد المحاصصة.. والأهم والاخطر.. هجرة النخب والكفاءات من الوظيفة العامة اما إلى خارج العراق او إلى أبواب التقاعد.

هل يمكن حدوث نهضة حضارية حديثة في عراق الغد؟؟

نعم فقط اذا حصل متغير جوهري في مواقف ضلعي المرجعية الدينية العليا والعشائر الرافضة لنظام المحاصصة.. وبروز شخصيات قيادية مجتمعية مثل الدكتور علي الوردي او الدكتور علي شريعتي.. في عراق الغد القريب.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: ما بعد ما عرف

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا

ونحن أيضاً
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 4 / 11 / 2017

قبل أيام اجتاح وسم “أنا أيضاَ” مواقع التواصل الاجتماعي في تظاهرة عالمية لنبذ التحرّش الجنسي ،وحتى تتشجع كل سيدة في رواية قصّتها مع الجريمة الصامتة ولو بعد حين.
كم يدهشني استفاقة #الضمير_العالمي فجأة تجاه قضية نائمة فيجعلها بإرادة واعية قضية هامّة ثم ينشر فيروس “الحمى” لتصيب حساباتنا وأجهزتنا ونتفاعل معها كما يريدون وبالكيفية التي يتمنّون لها..فتنبت “أنا أيضاَ” فوق قمم الوسوم السياسية وتطفو فوق الخلافات العربية والمناكفات القُطرية وفوق مخاض الشعوب “الحبلى” بالثورة والكفاح والموت اليومي.

جميل أن يتّحدَ العالم ضدّ التحرش، لكن هل لهذا الضمير العالمي أن يستفيق تجاه أوطاننا “المغتصبة” ويجعلها بإرادة واعية قضية هامة ليصعد بها فوق الوسوم، منذ مائة عام والأمة العربية تتعرّض لتحرش وانتهاك واغتصاب وإجهاض لحلم الوعي والاستقلال، فهل تريدون أن تسمعوا قصّتنا مع التحرّش؟

و”نحن أيضا” تعرّضنا لما تعرّضت له ضحايا هذا الوسم، في مثل هذا الشهر قبل مائة عام أرسل آرثر بلفور رسالة إلى “لونيل روتشيلد” يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وقبل مائة عام كان تعداد اليهود لا يزيد عن 5% من سكّان فلسطين، لكنهم اغتصبوا الوطن كله، فحبلت الأراضي العربية بمخيّمات اللجوء وولدت الأوجاع في كل مكان.

مقالات ذات صلة موظف محكوم بجناية ومطلوب للتنفيذ القضائي منذ 2022 وما زال على رأس عمله 2024/12/26

كان الفلسطينيون عندما ينصبون خيامهم يبقون أبوابها مشرعة نحو فلسطين، ليروا الضوء القادم من التلال المحتلة، ليشتموا رائحة أراضيهم التي تموج بالزيتون الحزين، للزيت الذي يتساقط دمعاً كلما داسته جرافات الاحتلال، كان الفلسطينيون يغلون قهوتهم أمام خيامهم على فجر فلسطين، الدخان المتصاعد صباحاً يرسل إلى الوطن غيمة من شوق وتنهيدات، ظلّت المفاتيح الطويلة بأيدي الكبار على أمل العودة، وظلت الثياب المطرزة تحتضن الإبرة في الكمّ، هناك في غرف الطين لم تكمل الرسمة بعد ولم يكتمل قوام الثوب المطرّز، وظل الزيت يؤنس السراج المطفأ فوق فراش “العيلة” أن اصبر فالفلسطيني عائد، فماتت الأمهات ومفاتيح “العودة” تحت الوسائد.

وسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك
وسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك “وسم” اغتصاب الأوطان مثل الوشم يبقى في ذاكرة الشعوب لا يمحوه إلا دم الحرية أو حلّ القضية

ونحن أيضاَ تعرَضنا لما تعرَضت له ضحايا هذا الوسم، ففي مثل هذا الشهر قبل خمسة عشر عاماً كان مجلس الأمن يغتصب قناعات العالم وسلام العراق، كان يروّج لأسلحة الدمار الشامل وطرد المفتّشين، كان يتحرّش بعروبتنا وبعفّة عراقنا عندما ألجمت أمريكا المجتمع الدولي بأكاذيب مارست فيها كل الوقاحة السياسية والدناءة الأخلاقية فلون النفط لدى “مقامر” البيت الأبيض أكثر إغراء من الدم العربي كله.

نزعوا عباءتها بحجة التفتيش، أغمض العرب جميعاً عيونهم كي لا يروا عوراتهم أو تنكشف سوءاتهم، وفي لحظة الإغماض الطويلة اغتصبت بغداد فأصيبت الأمة بالعمى، وصارت بلد الرشيد بلد “رامسفيلد”، واستبدل المصفقون لاحتلال أرضهم عمامة “هارون” بقبّعة “برمير”، وأُحرقت جثّة عبير! لا أحد يذكر عبير بالتأكيد، لكنني أذكرها، وأذكرها جيدا في أول الاحتلال، عبير تلك الفتاة العراقية التي اقتحم جندي أمريكي ثمل منزلها، فاغتصبها أمام مرأى عائلتها ثم أطلق النار عليهم جميعاً وأحرق عبير، لكن لسوء الحظ لم يكن في ذاك الوقت “تويتر” ولا “فيس بوك” حتى تكتب عبير قصتها ككل نساء العالم تحت وسم “أنا أيضاَ”.

ونحن أيضا تعرّضنا ما تعرّضت له ضحايا هذا الوسم، بل تعرّضنا لما هو أبشع منه والعالم كله يقيس مستوى صوت الأنين، أو التفاوض مع الجاني أو تبادل الدور معه حتى، سوريا تتعرض لاغتصاب جماعي، روسي وإيراني وأمريكي وتركي وداعشي وعربي عند الضرورة، والنتيجة إجهاض للثورة واغتصاب للثروة، والبلاد الماجدة ذات الرسالة الخالدة أصبحت مما “ملكت أيمانهم”، وممنوع على سورياً أن تكتب ككل الحرائر اللاتي تعرّضت للتحرش أو الاغتصاب قصتها تحت “أنا أيضاَ” لأن حنجرتها محتلّة بين “شبّيح” و”تاجر ثورة”، وكلاهما يخنقان الوجع الحقيقي ويفضلان الموت بصمت، بين تاء التأنيث وتاء التحرير وجع مقتسم، فوسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك “وسم” اغتصاب الأوطان مثل الوشم يبقى في ذاكرة الشعوب لا يمحوه إلا دم الحرية أو حلّ القضية.

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#178يوما بقي #98يوما

#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي

#سجين_الوطن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • ابتعدوا عن هذا النوع.. تحذير صحي لشراب يعد الأكثر شعبية عند العراقيين
  • عاجل | مراسل الجزيرة: قائد الإدارة السورية اجتمع في دمشق مع وفد من المسؤولين العراقيين
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • موقف الحزب الشيوعي العراقي من المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب
  • يوسف ندا.. رجل السياسة والمال
  • هل تتمكن سوريا من تجنب سوريا المحاصصة العراقي؟   
  • حزب ناكر: سنحيي ذكرى الاستقلال وندعو القوى الوطنية إلى حل الانسداد السياسي
  • الأماكن الأكثر غموضا وجدلا على الأرض
  • إيران:نشكر أبن العصائب وزير التعليم العالي على دفع مزيداً من الطلاب العراقيين للدراسة في جامعاتنا
  • إيران …بدء محادثات لإعادة السفارة في سوريا