80 عاماً على العلاقات الدبلوماسية الروسية-اللبنانية.. روداكوف لـلبنان24: التعاون مستمر ثنائياً وفي المحافل الدولية
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
صادفت يوم الاثنين في 5 آب الذكرى السنوية الـ80 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وروسيا الاتحادية. يعود تاريخ هذه العلاقات إلى زمن بعيد، فمنذ عهد القيصر إيفان الرابع تقرر تقديم مساعدات سخية لبطريركية أنطاكية الأرثوذكسية وتخصيص مبالغ من الخزينة لتغطية احتياجات مسيحيي الشرق.
في عام 1773عند نهاية الحرب الروسية التركية تم إنزال قوات بحرية ومعها مدفعية في ميناء القديس جيورجيوس وذلك لمساندة انتفاضة الأهالي ضد الباشا.
في العام 1839افتتحت في بيروت أول قنصلية روسية ترأسها قسطنطين بازيلي وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نشطت بعثات الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية. في عام 1910 افتتح على الأراضي اللبنانية والفلسطينية والسورية أكثر من 100 مدرسة ومعهدان للتربية ومدرسة مهنية، إضافة إلى الملاجئ والمستشفيات والفنادق وورشات تصليح وتم تبليط الطرقات وإصدار الكتب.
كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال لبنان وفي 5 آب عام 1944 أقام علاقات دبلوماسية مع الجمهورية اللبنانية. فلعب الاتحاد السوفيتي دور الضامن لاستقلال لبنان فبذل الجهود من أجل انسحاب القوات الإنكليزية - الفرنسية من لبنان. واستخدم الاتحاد السوفياتي في عام 1946 لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة حق النقض دفاعاً عن استقلال لبنان واستقلال سوريا.
افتتحت السفارة السوفيتية عام 1956 في المبنى القديم الذي كانت تشغله البعثات الدينية الروسية في السابق، علماً أن تاريخ العلاقات الودية والاحترام المتبادل بين ممثلي الشعبين الروسي واللبناني، سبق تبادل المذكرات الدبلوماسية حول إقامة العلاقات الروسية اللبنانية بين الدولتين.
وبمناسبة الذكرى 80 للعلاقات اللبنانية الروسية يقول السفير الروسي الكسندر روداكوف لـ"لبنان 24": 80 عاماً هي فترة طويلة جداً من الزمن. طوال هذه الرحلة كانت علاقاتنا مع اللبنانيين مبنية على الاحترام المتبادل والاستعداد لمراعاة مصالح بعضنا البعض. وطوال تاريخها الطويل، اتسمت العلاقات الروسية اللبنانية، بالتطور التدريجي السلس. وفي عام 1944، كان الاتحاد السوفياتي، على الرغم من المعارك الضارية مع الغزاة النازيين خلال الحرب الوطنية العظمى، من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية اللبنانية وأقامت علاقات دبلوماسية معها. وهكذا ساهمت بلادنا مساهمة كبيرة في الاعتراف الدولي باستقلال لبنان بعد تحرره من عبء الاستعمار الفرنسي. وبالطبع، ومن باب الإنصاف، لا بد من الإشارة إلى بعض الظروف الموضوعية عبر التاريخ، التي كان لها تأثير سلبي على ديناميكيات التعاون بين روسيا ولبنان. نحن نتحدث في المقام الأول عن سنوات الحرب الأهلية في لبنان، وكذلك الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، نحن مقتنعون بأن إمكانات التعاون الثنائي الروسي اللبناني ما زالت بعيدة عن أن تتحقق بالكامل وأن هناك آفاق نمو جيدة. أي أنه لا يزال أمامنا كل شيء - دون أدنى شك.
في المرحلة الحالية من الشراكة الثنائية، يتواصل الحوار السياسي المكثف، يقول روداكوف، فنحن ندعمه بالتواصل دون استثناء مع قادة الفئات كافة في المجتمع اللبناني المتنوع. كما أننا نتعاون مع لبنان سواء على المستوى الثنائي أو في إطار المحافل الدولية المتعددة الأطراف.وفي تموز الماضي، وعلى هامش حَدَثٍ في الأمم المتحدة ،نظمه الجانب الروسي، حول قضايا الشرق الأوسط، جرت مفاوضات مفيدة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره اللبناني عبد الله بو حبيب. كما زار وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية روسيا في زيارة رسمية، منذ وقت ليس ببعيد. وفي العام الماضي قام وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى، بزيارتين رسميتين لموسكو. ونتيجة لذلك، تم التوقيع على برنامج غني للتعاون في مجال الثقافة بين بلدينا ويجري تنفيذه. كما أن الاتصالات بين ممثلي المجتمعات العلمية في روسيا ولبنان لا تتباطأ. وهذا يحدث حضورياً أو عبر وسائل الاتصال الحديثة.
من المؤسف الاحتفال بالذكرى الثمانين لإقامة العلاقات الدبلوماسية الروسية اللبنانية في ظل ظروف إقليمية صعبة، يقول روداكوف، والوضع في لبنان لا يزال صعباً على مستوى السياسي ولا تزال أصداء الأزمة المالية والاقتصادية التي اندلعت قبل عدة سنوات مستمرة. ونحن نأمل صادقين أن يتمكن اللبنانيون من التغلب على التحديات التي يواجهونها في المستقبل القريب جدا. وهذا يتوافق تمامًا مع نيتنا المتبادلة لمواصلة تطوير وتعميق التعاون الثنائي المتعدد الأوجه.
وفقًا للتقديرات الروسية، من المهم جداً، وفق السفير الروسي، تكثيف التعاون التجاري بين فعالياتنا الاقتصادية، في اللجنة الحكومية الروسية اللبنانية للتعاون التجاري والاقتصادي، برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام. كما أن أبواب السفارة الروسية مفتوحة دائمًا لشركاء الأعمال المحتملين من لبنان. ونحن على استعداد لدراسة أي مقترحات متبادلة المنفعة بعناية - سواء كان ذلك في مجال الاستثمار أو التجارة أو أي مجال آخر من مجالات التعاون.
ومع ذلك، يمكن القول وفق روداكوف، أن لبنان يلعب أحد أهم الأدوار في شؤون الشرق الأوسط برمته. ففي هذا البلد تنعكس بشكل عميق كل العمليات السياسية التي تجري في المنطقة، والتي يشارك فيها تقليدياً، عدد من اللاعبين من خارج المنطقة - الغربيين في المقام الأول، مع تشديده على أن روسيا، التي تلتزم بشكل صارم بمبادئ سياستها الخارجية، لا تتدخل في شؤون الدول ذات السيادة، بما في ذلك، بالطبع، الجمهورية اللبنانية. وفي الوقت نفسه، نبقى قريبين بثبات من أصدقائنا اللبنانيين. كما أننا دائما على استعداد لتقديم يد العون لهم. أما بالنسبة للتعاون في المجال الأمني، فإن هذا النوع من النشاط الدولي، وفقا للتشريع الروسي، يقع ضمن اختصاص مؤسسات الدولة في الاتحاد الروسي. وبناء على ذلك، فإن الهيئات الحكومية في الدول الأجنبية، يمكنها وحدها فقط، أن تعمل كشركاء متخصصين.
ومما لاشك فيه أن التوازنات الإقليمية الجديدة ربطاً بدور المتصاعد لحزب الله في المنطقة منذ مشاركته إلى جانب الجيش السوري في الحرب ضد المجموعات الارهابية، كانت محل اهتمام روسي، وتظهر ذلك خلال استقبال موسكو لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في العام 2011 وفي العام 2021، فضلا عن استقبالها مرات عدة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض في سياق تعزيز العلاقات وتبادل وجهات النظر السياسية والتي تلعب الدبلوماسية الروسية في لبنان دوراً أساسياً في تكريسها . وفي السياق يقول روداكوف: نحن نعتبر حزب الله حركة وطنية لبنانية، وهو حزب سياسي يتمتع تقليديا بتمثيل واسع في مؤسسات الدولة، بما في ذلك البرلمان والحكومة. ونحن نؤيد عدم جواز تهميش حزب الله بأي شكل من الأشكال. انطلاقاً من هذا المبدأ، فإننا نتعامل مع ممثليه على قدم المساواة، كما مع جميع القوى السياسية اللبنانية الأخرى دون استثناء.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الروسیة اللبنانیة فی العام فی عام کما أن
إقرأ أيضاً:
العلاقات الروسية السورية.. أبعاد تاريخية واستراتيجية لسورية الموحدة
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
رامي الشاعر
أفضت المحادثات الروسية السورية -الثلاثاء الماضي- والتي تمخضت عن زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق برئاسة الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى مباحثات إيجابية وبناءة، تركزت على أبعاد العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين البلدين وخصوصاً فيما يتعلق باستقلال، وسيادة، ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية.
بالإشارة إلى اللقاء الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات تخلله غداء عمل ضم الوفد الروسي وممثلين عن الحكومة السورية، وممثلين عن مختلف المؤسسات الحكومية الروسية، فقد عكست الزيارة محددات أبعد مما يقال بأن السياسة رمال متحركة، أو مصالح متبادلة، أو خلافات بين حكومتين، بقدر ما جاء اللقاء نابعاً من تاريخية العلاقة بين البلدين وطابعها متعدد الجوانب، والمرتبط ارتباطاً بنيوياً بالثقافة التاريخية والمترسخة في ضمير السوريين، وتطلعاتهم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.
الزيارة ذاتها، جاءت لتضع النقاط على الحروف، مصححةً الكثير من الخطابات الشعبوية والإعلامية المسيسة التي استهدفت الدور الروسي في سورية، فوضعته في خانة الدفاع عن شخص أو نظام فاسد مستبد، كفرضية لا يمكن لدولة عظمى مثل روسيا أن تضعها في اعتباراتها ومصالحها كحسابات قاصرة وضيقة، بقدر ما جاءت في سياق اتفاقيات وقرارات دولية في مقدمتها القرار 2254 الذي توافقت علية جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وبرعاية دولية وإقليمية، حيث جلس ممثلو الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا والجامعة العربية، الذين أخذوا على عاتقهم ضرورة البدء بتنفيذ القرار كمرجعية أممية، بدءاً من الإجراءات التنفيذية لوقف إطلاق النار، التي تمخض عنها فيما بعد عمليات خفض التصعيد. كما ألزم القرار الأممي جميع الدول في محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً استناداً للقرار ذاته، وعلى هذا الأساس القانوني كان التدخل الروسي في سورية في العام 2015، وبعد أن أوشكت دمشق على الدخول في حرب أهلية كان المستفيد الوحيد منها هو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يشكل حينذاك القوة الأقوى عسكرياً على الأرض.
لقد طالب النظام البائد مراراً من روسيا الحسم العسكري في إدلب، وفي كل مرة كانت القيادة الروسية ترى في ذلك تجاهلاً لمصير أكثر من أربعة مليون سوري بينهم نازحين من كل المحافظات. الحال ذاته، عندما طلبت القيادة الروسية من رئيس النظام السوري البائد الجلوس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للبدء بإجراءات التسوية والانتقال السلمي للسلطة، إلا أنه وفي كل مرة كان يماطل ويطالب بالتسليم غير المشروط لإدلب، وهو ما رأت فيه القيادة الروسية ضرباً من المستحيل، وتجاهلاً للكثير من الهواجس والتحديات الاجتماعية والأمنية لسكان المنطقة الذين يشكلون في غالبيتهم العظمى أشخاصا مطلوبين للنظام.
لم يكن القرار الروسي برحيل الأسد، والطلب من وزارة الدفاع السورية بعدم المقاومة مجرد قرار روسي تم اتخاذه في الساعات الأخيرة وحسب، بقدر ما جاء في سياق متصل، يعود لمراحل ما قبل عملية “ردع العدوان” التي كان مخططاً لها أن تكون حصاراً لحلب لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
وفي سياق جاء بين أخذٍ ورد، وصبرٍ وتمهل، سببه التخوف من انفراط عقد الدولة السورية ومؤسساتها، ودخولها في حرب أهلية بين فصائل المعارضة المسلحة والجيش السوري، أدركت روسيا بأن السوريون جاهزون لأي تغيير ما بعد الأسد، وأن الأخير مازال متعنتاً ورافضاً لأية عملية سياسية تفضي لانتقال سلمي للسلطة. وأمام هكذا مواقف اتخذت القيادة الروسية قرارها، فكان ما كان في الثامن من ديسمبر/ كانون الثاني 2024.
في مراحل ما قبل سقوط الأسد، لم تسلم روسيا من اتهامها بفرضية قاصرة سياسياً مؤداها الدفاع عن شخص الأسد. الحال ذاته كان ما بعد سقوط النظام البائد، إذ لم تسلم روسيا أيضاً من اتهامات بعض السوريين، بأن روسيا “سلمت سورية للإرهابيين” حسب زعمهم، و أنّ من جاؤوا إلى السلطة ليسوا على مستوى الكفاءة، متناسين -على أقل تقدير- أن هؤلاء مثلهم مثل أي سوري يناضل لإسقاط الأسد، وأنهم علاوة على ذلك، أفضل بكثير من أداء النظام وأداء باقي مكونات المعارضة في مناطقهم، الذي يوجهون اليوم سهام النقد على السلطة الجديدة، تبريراً لفشلهم، ولمجرد أنهم لم يكن لهم دور في سقوط النظام، بل عدم حصولهم على مناصب في الإدارة الجديدة هذا من جهة، كما انكشافهم وفشلهم في إدارة مناطقهم التي لم تختلف عن مناطق النظام من حيث الفساد والمحسوبيات والصراع على المال والسلطة، وتهميش الكوادر الوطنية، وتجهيل المواطنين وابتزازهم، ولهذا يحجمون عن الاعتراف بأن من دخلوا دمشق هم مناضلون كافحوا من أجل الخلاص من الاستبداد، وتمكنوا من ذلك، فقط لأنهم نجحوا في حوكمة المناطق التي يسيطرون عليها، بالرغم من العقوبات والعزلة المفروضة عليهم، في الوقت الذي فشلت فيه باقي مناطق النفوذ سواء تلك المدعومة من قوى دولية وإقليمية، أو تلك الهيئات السياسية المعارضة التي اعترفت بها غالبية دول العالم.
لنعترف؛ لقد شهدت إدلب خلال حكومة الإنقاذ ما يؤهلها لأن تكون وريثةً، وجسراً لعبور سورية التي خرج من أجلها السوريون مطالبين بالحرية والكرامة، حيث نجحت تجربة حكومة الإنقاذ بتقديم الخدمات للمواطنين، وأسست لنظام صحي وخدمي وتعليمي، وانتشرت الجامعات والمدارس، كما شهدت نوعاً من الحريات العامة وحرية التعبير، وقد شاهد السوريون المظاهرات السلمية في إدلب دون أن تجابه بالرصاص أو التنكيل، وهي الحالة التي لم نشهدها في مرحلة النظام، كما لم نشهدها في مناطق نفوذ المعارضات الأخرى، التي كانت تجابه المحتجين بالرصاص أو التخوين.
لقد قدمت حكومة الإنقاذ في إدلب نموذجاً مصغراً لدولة بخدماتها للمواطنين، وبتوزيعها للمؤسسات الحكومية بين مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، في الوقت الذي كانت تعاني فيه باقي مناطق النفوذ من حالة سلطوية عسكرية وأمنية، ترافق ذلك مع فقدان للخدمات وغياب للمدارس والتعليم، فتفشت الأمية والفقر والأتاوات والسرقات، وغابت عمليات التنمية في مناطق تشكل خزاناً اقتصادياً في سورية.
هذه المقارنات وحدها كفيلة بأن تفرض حكومة الإنقاذ نفسها كبديل ونواة لحكومة انتقالية شاملة تبدأ بحوار سوري-سوري فعلي، يؤسس لجمعية تأسيسية تعمل على دستور جديد للبلاد. ولهذا يخطأ من يظن بأن الروس كانوا يجهلون هذه التجربة، أو أن الروس يدعمون إرهابيين على حد زعمهم، بقدر ما هو خيار روسي أخذ على عاتقة فكرة الدولة السورية ومؤسساتها، لا أشخاصها، أو مجموعاتها أو تياراتها، وهي الفكرة التي دافع عنها الروس من أجل سورية كشريك استراتيجي، سواء قبل النظام وبعده.
من هذه النقطة بالذات، جاء لقاء الوفد الروسي بالحكومة السورية الجديدة في دمشق، من أجل إعادة سورية كدولة طبيعية تعمل مع دولة عظمى كروسيا لإعادة تموضع سورية في مكانتها الإقليمية والدولية، كدولة موحدة ذات سيادة، ولهذا جاء تقييم الزيارة بأنها إيجابية.
لقد أخذ الطرفان على عاتقهم إنقاذ سورية من مشروع تقسيمها الذي يتربص بها، ولهذا ترى القيادة الروسية بأن من يتولون زمام المبادرة لإنقاذ سورية هم أشخاص لديهم الكفاءة والمسؤولية والوطنية والحرص على سورية وشعبها، وهي عوامل كفيلة لأن تكون نواة لنقل سورية إلى دولة يشارك في بنائها جميع أبنائها على أساس المواطنة المتساوية، بعد أن كانت رهينة بيد ضباط، ووزراء، وأعضاء مجلس شعب، همهم الوحيد الاغتناء على حساب تجويع الشعب السوري، وما على السوريين -دون غيرهم- إلا أن يتكاتفوا ويشاركوا مع سلطتهم الجديدة لعبور سورية إلى بر الأمان، فسورية بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى العامل الذاتي الذي يجمع السوريين، ويوحدهم، وذلك بالنأي بأنفسهم عن النزوع إلى السلطة، كثقافة رسخها النظام السابق.
لقد عكست الزيارة الارتباط الوثيق بعقيدة السوري المؤمن بوحدة كل شبر من ترابه، من المالكية في أقصى الشمال الشرقي في سورية إلى القنيطرة والجولان في أقصى الجنوب الغربي. كما تشير الزيارة مواقف روسيا النابعة من ارتباط السوري بقضيته المركزية فلسطين، كقضية عربية وإسلامية مقدسة، تعد من أولويات السياسية الخارجية الروسية، ولا ينسى السوريون المواقف المبدية والثابتة للاتحاد السوفياتي، التي ورثتها روسيا كمدافعة عن هذه القضايا.
ختاماً؛ وبعيداً عن الإعلام الشعبوي وذبابه الالكتروني الذي مازال يضخ في عقول السوريين إشكاليات تشوش على العلاقات السورية الروسية؛ لا بد من القول، إن علاقة البلدين هي علاقات مبدئية استراتيجية، وهوية سياسية ثابتة لا تتبدل بتبدل الحكومات أو الرؤساء، بل ومرتبطة ارتباطاً تاريخياً بوثاق استراتيجي عصي على المخططات الغربية التي تضع على طاولتها اليوم موضوع تقسيم سورية، من بوابات وهمية كحماية الأقليات وحقوق المرأة وغيرها، في بلد -كسورية- قدم للإنسانية منذ آلاف السنين نماذج حضارية في العدالة الاجتماعية والمساواة والتسامح. فالسوريون قادرون على إعادة وجه سورية الحقيقي، كدولة قوية، سيدة، موحدة، وندّية في علاقاتها مع جميع دول العالم، ومن حسن حظ سورية اليوم، أنها طوت صفحة الاستبداد تزامناً مع تبلور نظام عالمي متعدد الأقطاب، وما عليها إلا أن تُحسن تموضعها في إطار ذلك .