يستحقّ لبنان لقبَ "الوطن الفريد". بلد ذو تاريخ طويل وثقافة غنيّة، يواجه تحدّيات كبيرة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية. يشهد لبنان هذا الصيف زحمة حفلات فنية على رغم الحرب الدائرة، والتساؤل المحير كيف يستمتعون الناس في حين ترتفع مؤشرات حرب قد تشنها إسرائيل ولن تنجو منها أية منطقة لبنانية؟
لبنان بتاريخه المثقل بالصراعات والحروب، يجد نفسه مجدداً أمام تحديات خطيرة تهدد بالانزلاق نحو حرب شاملة.

منذ الحرب الأهلية، وحتى الصراعات الاقليمية والحروب مع إسرائيل، عانت البلاد من استقرار سياسي وأمني متقلب. والآن، بينما تواجه تحديات اقتصادية هائلة وأزمات سياسية معقدة، تبقى الشكوك حول احتمال انهيار البلاد بالكامل. 
في كل المناطق والقرى، تجري نشاطات وحفلات تهدف إلى جذب المغتربين اللبنانيين والسياح. كما يعمل "المؤثرون" اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تسويق لنوعية الحياة في لبنان.  ولا سيما أن سوشيال ميديا ظهّرت الوجه الجميل للطبيعة اللبنانية وللحياة الليلة في أماكن السهر وكشفت عن نوعية حياة في "بلاد الأرز" .
في صيف هذا العام، تتجاوز الحياة اليومية للسياحة والمهرجانات الغنائية، إذ تعيش البلاد على وقع توترات أمنية متصاعدة ومخاوف من حرب يكثر الحديث عنها في الأيام الأخيرة . يُضاف إلى المشهد المُتردي عجز مقلق على صعيد الفرص السياسية، ما يفاقم من حدة الأزمات ويعوق أي إمكان للخروج من النفق المظلم.
ورغم الحرب فإن عدد المطاعم في لبنان الى ارتفاع ففي البترون وحدها ازداد عددها نحو ستين مطعماً، وهذا إن دلّ على شيء فعلى تعلًّق اللبناني بالحياة وانتشار السياحة في بقاع مختلفة من لبنان. فهناك تعايش بين حرارة الحرب وأحزانها من جهة، وصيف الأفراح والسهر والسياحة من جهة ثانية.
شاطئ صور ليس بعيداً عن الحدود حيث المواجهات، وأصداء القصف والغارات تصل بوضوح إلى مسامع المدينة. مع ذلك، فمحبو بحرها وأجواءها الرحبة لم يترددوا في الذهاب إليها. وعلى الرغم من هذه التحديات، يعبّر اللبنانيون عن رغبتهم الجادة في الحفاظ على حياتهم اليومية والاستمتاع بموسم الصيف.حيث تمثل الشواطئ، والمقاهي، والمطاعم، والمهرجانات جزءاً أساسياً من نمط حياتهم.
والخاصيّةُ التي يختبرها الوطن الصغير منذ أكثر من 10 أشهر هو التعايش بين الحرب وأحزانها وبين الفرح والسهر في يوميات تضجّ بأخبار عن "اشتعال الحرب" في عدة مناطق والألعاب النارية في غير مكان من لبنان.
هذا الصيف، الساحة اللبنانية تشبه العيش في بلدين. ففي الوقت الذي تشهد فيه غالبية مناطق جنوب لبنان معارك، استعدت بيروت لاستقبال باقة من المغنّين العرب. اللافت أن غالبية الفنانين يحيون أولى سهراتهم في العاصمة، وهذا الأمر بمنزلة مغامرة كبيرة.
فشهدت واجهة بيروت البحرية احتفالاً رسمياً للإطلاق الرسمي للحملة الوطنية للسياحة تحت عنوان "مشوار رايحين مشوار" للموسم الصيفي 2024، وذلك برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبدعوة من وزير السياحة وليد نصار.
وألقى الرئيس ميقاتي كلمة خلال الاحتفال أكد فيها على الإرادة الصلبة لدى اللبنانيين للعيش وتحدي الظروف الصعبة.
وقال ميقاتي "إرادة اللبناني أقوى من أي مشكلة، ونحن شعب يريد العيش بكل ما للكلمة من معنى رغم التحديات".
وأضاف "رغم الدعوات من بعض الدول لرعاياها بعدم المجيء إلى لبنان، فإنني متأكد من أن هؤلاء يرغبون في القدوم. المواطنون العرب والأجانب يحبون لبنان ونحن نحبهم، وأنا مطمئن بإذن الله أننا سنصل إلى حل في الأيام المقبلة".
ومع بداية تموز اتضحت صورة المهرجانات في مختلف المناطق لهذا الموسم، فقد أعلنت أغلبية المهرجانات عن برامجها، مثل مهرجان أعياد بيروت، ومهرجانات بيبلوس الدولية، ومهرجان إهدنيات الدولي، كما تم التخطيط للعديد من الحفلات الضخمة والتي ستجمع العديد من النجوم اللبنانيين والعرب من الصف الأول.
لا شك ليست المرة الأولى الذي يعيش فيها اللبنانيون هذه الأخطار، سواء الخوف من إنفجار داخلي أو خطر "الجبهة الجنوبية". ولطالما اللبنانيون تعايشوا مع هذه المخاطر وتأقلموا معها لا سيما اهل الاغتراب. فهناك البعض منهم يقول إن هذه المخاطر والتهديدات لطالما سمعناها فلا شيء جديداً ولن تكون رادعاً لمنعنا من المجيء، ولا شك أن البعض الآخر يبقى عامل الخوف مسيطراً عليه وهذا أمر طبيعي.
معظم اللبنانيين، يمتلكون رسالة مقاومة عنوانها الفرح، محتوى الرسالة أنّ المقاومة المتمسّكة بثقافة الحياة لم تمُت بعد. وعلى أي حال، سيبقى هذا الصيف مشتعلاً بتناقضاته بين ضجيج الحرب وصخب الاحتفالات والأعياد.
الثابت أن المواجهات المتصاعدة الحدودية لم تقف عائقا أمام موسم السياحة في لبنان، فعلى الرغم من بيانات بعض السفارات العربية والأوروبية وتوصياتها لرعاياها بالمغادرة ونصائحها لمواطنيها بعدم السفر إلى لبنان فإن هذه الظروف لم تؤثر على نشاط الموسم السياحي أو على عودة المغتربين اللبنانيين إلى بلدهم. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني

في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تطفو على السطح مفارقة مأساوية لا يمكن تجاهلها: أولئك الذين يتشدقون بالوطنية ويلوكون كلمة "العمالة" بأفواههم هم أنفسهم من أشعلوا نيران الفتنة، وسكبوا دماء الأبرياء، وحوّلوا البلاد إلى ساحة مفتوحة للقتل والدمار. إنها سخرية الأقدار أن يتحول القتلة إلى دعاة للوطنية، وأن يرفعوا أصواتهم بالحديث عن الخيانة بينما هم من جلبوا الخراب إلى أرض السودان.

في ظل هذه الحرب الضروس، تحولت منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي من أدوات لنشر الوعي إلى منابر للتحريض على العنف. ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لإظهار الحقائق وتحقيق العدالة، أصبح أداة لتأجيج الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي. يتنافس المتحدثون على هذه المنصات في إطلاق الاتهامات والتخوين، بل إن بعضهم لا يتورع عن الدعوة الصريحة للعنف، وكأن الدم السوداني قد أصبح رخيصًا في عيونهم.

الأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من هؤلاء المحرضين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي. هم مجرد أدوات تُستخدم لخدمة أجندات خارجية أو مصالح شخصية ضيقة. لا فرق بين من يدعمون المليشيات أو الجيش النظامي؛ فكلاهما يساهم في إطالة أمد الحرب من خلال خطاب الكراهية والتحريض. هم وقود الصراع، وليسوا حلًا له.

القتلة يرفعون شعار الوطنية!

المفارقة الأكثر إثارة للاشمئزاز هي أن أولئك الذين سفكوا دماء السودانيين باتوا اليوم يتحدثون عن "الوطنية" و"الشرف". كيف لمن قتل الأبرياء ودمر المدن أن يدعي الدفاع عن الوطن؟ كيف لمن يتلقى الدعم من جهات خارجية أن يتحدث عن السيادة الوطنية؟ إن خطاب "العمالة" الذي يروجون له ليس سوى محاولة يائسة لتبرئة أنفسهم من الجرائم التي ارتكبوها، ولإقناع الشعب السوداني بأنهم الضحايا وليسوا الجلادين.

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هؤلاء المحرضين هم جزء لا يتجزأ من المشكلة. هم من ساهموا في تحويل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تُستخدم البلاد كمسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. لا يمكن لمن يقف وراءه دعم خارجي، ويمارس القتل والنهب، أن يدعي أنه يحمي سيادة الوطن.

ما الحل في زمن الحرب؟

في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الحل الوحيد هو فضح زيف هذه الخطابات وكشف تناقضات أصحابها. يجب على الشعب السوداني أن يرفض الانجرار وراء خطابات الكراهية والاستقطاب، وأن يعمل على إيقاف نزيف الدم الذي يستنزف البلاد. السودان بحاجة إلى أصوات العقل والحكمة، لا إلى أمراء الحرب ودعاة الفتنة.

لن يتحقق السلام إلا بمحاسبة كل من تورط في سفك الدماء، ورفض كل الأصوات التي تحرض على العنف. يجب أن يُحاكم كل من استخدم السلاح ضد شعبه، وأن تُحاسب كل جهة ساهمت في تأجيج الصراع. فقط عندها يمكن أن يعود السودان وطنًا آمنًا لكل أبنائه، بعيدًا عن لغة التخوين والتحريض التي أوصلته إلى حافة الهاوية.

السودان يستحق أن يعيش بسلام، وأن يبنى من جديد على أسس العدل والمساواة. أما دعاة الحرب والقتلة، فليعلموا أن التاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بما يستحقون.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • نقل الحرب إلى جنوب كردفان و النيل الأزرق !!
  • وفد من تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين زار وزير العمل محمّد حيدر
  • الجميّل في ذكرى 14 آذار: اللبنانيون مصمّمون على استعادة بلدهم سيداً حراً مستقلاً
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)
  • سلسلة غارات للعدو الصهيوني استهدفت مناطق في لبنان
  • لبنان يؤكد الالتزام ببدء المباحثات مع صندوق النقد الدولي بحلول الصيف
  • الحرارة هتوصل 40.. عودة الصيف في رمضان لمدة أسبوع
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • متى تنتهي معاناة شعبنا بسبب الحرب العبثية؟