بقلم/ حسن عبدالوارث
في زمن مضى ، كُنا نجد متعة في المناكفات والملاسنات ، التي تنشأ بين المثقفين.
كان زمناً هانئاً.. وكان يمناً هادئاً..
وكنا نطرب لمثل هذه الصغائر - التي تبدو كالكبائر حين تبدر من المثقفين! - من منطلق كسر الرتابة وهدم السأم.
حتى حين كانت تلك الحرائق تبدأ في الانطفاء، نسعى جاهدين للنفخ في جمرها لتشتعل من جديد.
كانت تلك الحماقة محمودة إلى حدٍّ ما، في ظل انسجام الأوضاع على ملامح الاستقرار، باعتبار إن البذاءة مع الهناءة لا ضير فيها ولا ضرر، وكما قال المثل اللحجي: ما ( ... ) إلاَّ من سلى!
أما اليوم، في ظل هذا الركام الهائل من الدماء والأشلاء والخرائب والحرائق الممتد على طول الوطن وعرضه.. هل يستقيم عود صغائر المثقفين هذه؟
لا أعتقد.
كان في ضواحي عدن أيام زماااان، موقع يدعى "السيسبان" تقطنه بائعات الهوى. وكان المجتمع الصغير ذاك يتقاطع إجمالاً مع هوية الثقافة وبورتريه المثقفين..
أما ما يحدث اليوم في بعض أوساط المثقفين فليس سوى "سيسبان" جديد وحقيقي!
إن المثقف، الذي يبيع أهله ووطنه بخمسين من فضة، لا ينتمي إلى فئة المثقفين ولا واقع الثقافة البتة، بل ينتمي - نهجاً وعضوياً - إلى فئة بائعات الشرف - لا الهوى، وواقع الانحلال الرخيص، أو الانحطاط بمعنى المفردة!
رحل من ذاك الزمن - ومن كل زمن - أجمله وأنظفه، حتى السيئات والسيئين بدت اليوم كالصالحات والصالحين. ندري أنه لم يعد ثمة مكان للأنبياء والأولياء، لكن المصيبة أنه لم يعد ثمة مكان للمثقفين في هذا الزمن واليمن، زمن ويمن الحرب. إن السيسبان والديدبان صارا معنى واحداً لمفردتين سيئتي السمعة في كشكول البلاد ودفتر الأحوال اليمنية، والمثقف يتقرفص بين الاثنتين، وفي الواقع هي نصف قرفصة!
ومؤخراً، وفي الشهور القليلة الماضية، رحل عن هذه الدنيا عدد غير قليل من الأصدقاء والزملاء والرفاق لم أشهد في هذا الزمن أشرف منهم ولا أنظف، بعضهم إثر مرض عضال استحال احتواؤه بسبب ضيق ذات اليد، أو انسداد ممر الخروج إلى بلاد الله الحقيقية؛ جراء تبعات هذه الحرب الملعونة.. وبعضهم قضى بعد معاناة مريرة مع موبقات هذا الزمن الحقير الذي أحال الميسور معسورا والمجبور مكسورا بقدر إحالته الشلافيت والهلافيت تماسيح وخراتيت.. ورحل الآخرون فجأة وبدون سابق إنذار، أو حتى تلميح، بعد أن أيقنوا أن المقبرة خير عزاء عن وطن صار في خبر كان.
وكلما جاءني نبأ رحيل أحدهم لا أجد بعد الدعاء له بالرحمة والمغفرة سوى كلمة "ارتاح".. واليمن هو البلد الوحيد على وجه الأرض، الذي تسمع فيه هذه الكلمة، تعليقاً على وفاة أحدهم!
حقاً، كم أحسد من يموت في هذه الأيام، نافذاً بجلده من بؤرة الجحيم المقيم إلى دوحة النعيم الخالد. فالعاقل وحده يدرك تماماً أن مأساة اليمن ما تزال في مرحلة جهنم، وهي أولى الدرك الأسفل من الجحيم، أي أنه ما تزال ثمة درجات أخرى أشد عذاباً وأسوأ مقاماً وأفدح مصاباً، فثمة لظى وسقر والحطمة والسعير، وغيرها حتى تصل إلى الهاوية، وما أدراك ما الهاوية، وهي الدرجة الأخيرة من الدرك الأسفل، التي سنصلها قريباً باذن الله، وبفضل هؤلاء وأولئك الأوباش الأنجاس الذين ما عرفوا الله ولا اللات ولا طاولهم جن الأشتوت الأشتات.
لقد اختزل مثقفو هذي الحرب هذا البلد بمشهد لا يتكرر في التاريخ:
طلقة في الظهر.. وخطوة إلى الخلف.. وصُرَّة في الجيب.
يارب ، شُل أمانتك. قد تأخر الوقت كثيراً.
نقلاً عن موقع بلقيس
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
روسيا تسابق الزمن للحاق بركب الذكاء الاصطناعي وسط تحديات العقوبات الغربية
في ظل احتفاظ الولايات المتحدة بصدارة قطاع الذكاء الاصطناعي عالمياً، تعمل روسيا على تسريع خطواتها للحاق بالركب، مستهدفة تحقيق مساهمة تصل إلى 110 مليارات دولار في اقتصادها من هذا القطاع بحلول عام 2030.
وكشف تقرير صادر عن جامعة "ستانفورد" الأمريكية لعام 2024 أن الذكاء الاصطناعي تجاوز القدرات البشرية في بعض المجالات الأساسية، ما أدى إلى زيادة إنتاجية العمال وتحسين جودة الوظائف، فضلا عن تقليص فجوة المؤهلات بين المستويات التعليمية المختلفة.
وأشارت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا جورجيفا، خلال منتدى "دافوس" في 22 كانون الثاني /يناير الماضي، إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي ارتفع إلى 60 بالمئة في الاقتصادات المتقدمة، و40 بالمئة في الاقتصادات النامية.
ومن المتوقع أن يصل الحجم الاقتصادي لهذا القطاع إلى 400 مليار دولار هذا العام، في حين تواصل الولايات المتحدة ريادتها عبر شركات عملاقة مثل "غوغل" و"أوبن أيه آي" و"أمازون" و"إنفيديا" و"ميتا".
وفي المقابل، بدأت الصين تلفت الأنظار بتطويرها تطبيقات قوية مثل "ديب سيك"، الذي بات يشكل تحديا للهيمنة الأمريكية في المجال.
ورغم تركيز النقاش حول الذكاء الاصطناعي على الولايات المتحدة والصين، إلا أن روسيا تتقدم بخطوات واسعة من خلال شركات بارزة مثل "سبيربنك" و"ياندكس".
وتهدف موسكو إلى تعزيز قدراتها في الذكاء الاصطناعي عبر مشاريع متعددة، حيث أطلقت شركة "سبير" نظام "غيغاشات" للإدارة العامة، والذي يساهم في تحسين الكفاءة في الخدمات العامة.
كما كشفت "ياندكس" عن الجيل الرابع من "ياندكس GPT"، بينما تعمل شركات أخرى مثل "تي بانك" و"إم تي إس" و"في كي" على تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية.
وفي قطاع النقل، بدأت اختبارات القيادة للجرارات ذاتية القيادة على طريق موسكو-سانت بطرسبرغ، باستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لتصميم أجزاء المعدات.
وفي إطار استراتيجية رسمية وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تسعى روسيا إلى إتمام منصات رقمية متكاملة في مجالات الرعاية الصحية والصناعة والنقل والإدارة العامة بحلول 2030، بالإضافة إلى زيادة عدد خريجي الجامعات المتخصصين في الذكاء الاصطناعي من 3 آلاف إلى 16 ألفا سنويا.
ورغم طموحاتها الكبيرة، تواجه روسيا عقبات رئيسية، أبرزها العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حربها على أوكرانيا، والتي تؤثر بشكل مباشر على وارداتها الحيوية من الرقائق الإلكترونية والأجهزة اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وللتغلب على هذه التحديات، تحاول موسكو تأمين احتياجاتها عبر دول وسيطة مثل الصين، إضافة إلى تقديم حوافز داخلية مثل قروض الإسكان منخفضة الفائدة للعاملين في قطاع التكنولوجيا، وبرامج تدريب مجانية في مختلف المدن، خاصة في موسكو.
كما أطلقت روسيا "شبكة تحالف الذكاء الاصطناعي" داخل مجموعة "بريكس"، التي تضم دولا مثل الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
وأصدر بوتين تعليماته للحكومة و"سبير" لتعزيز التعاون مع الصين في هذا المجال.
ويرى الخبراء أن روسيا لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة والصين في سباق الذكاء الاصطناعي، حيث يحدّ نقص التعاون الدولي بسبب العقوبات، إلى جانب قلة الكوادر المتخصصة، من فرصها في المنافسة خلال السنوات المقبلة.
ومع التطور السريع لأنظمة الذكاء الاصطناعي، بات هذا القطاع أحد أبرز العوامل التي ستغير أنماط الحياة والاقتصاد العالمي، ما يدفع الدول الكبرى، بما فيها روسيا، إلى بذل جهود استثنائية لضمان موطئ قدم قوي في هذا المجال.