ماذا يعني اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس؟
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
كان إعلان حركة حماس تعيين قائدها في قطاع غزة يحيى السنوار رئيساً جديداً لمكتبها السياسي، خلفاً لإسماعيل هنية، الذي اغتيل في 31 يوليو الماضي في طهران، مفاجأة غير متوقعة للبعض.
فالسنوار الذي طالما تعهدت إسرائيل بملاحقته وتصفيته، هو أحد العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل.
فماذا يعني اختيار السنوار لرئاسة الحركة في ظل الوضع الراهن؟ وكيف سينعكس ذلك على مستقبل المفاوضات الهادفة إلى وقف إطلاق النار في قطاع عزة؟
“مباركات ووعود بتصفية سريعة”تلقت حركة حماس مباركات من الفصائل الفلسطينية باختيار يحيى السنوار رئيساً لها، بما فيها حركة فتح التي طالما كانت على خلاف معها، إذ قال أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، إن هذا القرار يعتبر “رداً منطقياً ومتوقعاً على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية”.
أما رد الفعل الإسرائيلي فجاء من المستويين السياسي والعسكري، حيث دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى “تصفية سريعة” للسنوار، وكتب كاتس على منصة إكس أن تعيين “السنوار على رأس حماس خلفاً لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعاً ومحو هذه المنظمة من الخارطة”.
في حين قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي إن “تغيير مسمى السنوار لا يمنعنا من الاستمرار في البحث عنه ومهاجمته”.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية شهادات لفلسطينيين أنهكتهم الحرب عن قلقهم وتشاؤمهم بعد تعيين السنوار. وقال محمد الشريف النازح من مدينة غزة إلى دير البلح “إنه مقاتل. كيف ستتم المفاوضات؟”.
كما تلقى إسرائيليون باستياء خبر تعيين السنوار، وقال مدير شركة خدمات لوجستية يدعى حنان، فضل عدم الكشف عن اسم عائلته للوكالة الفرنسية، إن “الخيار يتحدث عن نفسه. يعني أنهم اختاروا السنوار ولم يروا أنه من الأنسب البحث عن شخص أقل تطرّفاً، شخص يتبنى مقاربة أقل دموية”.
” ثلاث رسائل من حماس لإسرائيل”يقول القيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، لبي بي سي إن هناك ثلاث رسائل وراء اختيار السنوار، أولها أن حماس “أثبتت أنها لا تزال قادرة على أن تتخذ قرارات مناسبة في ظل هذه الظروف، إذ نجحت في اختيار الشخص المناسب بالإجماع الكامل، وهذا يعني أن الحركة تقف موحدة”.
والرسالة الثانية هي أن “الحركة ستمضي قدماً للأمام، وأن هناك قيادات قادرة على أن تكمل المسيرة”، وثالثاً “جميع الضغوط لا يمكن أن تُثني حماس عن مبادئها وثوابتها الراسخة”، وفق حمدان.
ويرى الكاتب والباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح، أن اختيار السنوار هو “رسالة تصعيدية”، مشيراً في حديثه لبي بي سي إلى أن “اختيار قيادي عسكري ميداني معروف بقربه من إيران وتشدده حيال إسرائيل سواء على المستوى السياسي أو العسكري، يعني أن حماس مصرة على النضال العسكري ولن تتراجع تحت وطأة الضغوط والضربات التي تلقتها”.
“القيادة من داخل غزة”ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها انتخاب رئيس لحماس يقيم داخل القطاع، فإسماعيل هنية انتخب رئيساً للحركة وقضى قرابة عامين من ولايته داخل القطاع قبل أن يغادره متوجهاً إلى قطر.
ويعلق أسامة حمدان بأن إدارة حركة حماس “لم تتعثر في أي وقت من الأوقات، سواء كان رئيسها يقيم داخل أو خارج قطاع غزة”.
لكن السنوار يختلف عن إسماعيل هنية، إذ هددت إسرائيل بـ”اصطياده”، محمّلة إياه المسؤولية عن هجوم السابع من أكتوبر، ورصد الجيش الإسرائيلي مبلغ 400 ألف دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، حسن أيوب، لبي بي سي إن “اختيار السنوار جاء لاعتبارات براغماتية، فمثلما استهدفت إسرائيل هنية يمكن أن تستهدف أي قائد مقيم خارج القطاع، وبكل الأحوال السنوار موجود في غزة وإسرائيل منذ زمن تسعى للقضاء عليه”.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي لم يظهر السنوار علناً.
“اختيار غير متوقع”بعد اغتيال إسماعيل هنية كان هناك ترقب لمعرفة من سيصبح خليفته، وذهب بعض المحللين للقول إن السنوار سيلعب دوراً كبيراً في اختيار القائد الجديد للحركة، إذ لم يكن اسمه من بين الأسماء المطروحة التي تناقلتها وسائل الإعلام.
لكنّ اختيار يحيى السنوار أثار تساؤلات عما إذا تسرعت حماس بقرارها، كما توقع البعض أن تكون فترة بقائه في الرئاسة “مؤقتة”، على أن يُعين قائد سياسي خلفاً له عقب انتهاء الحرب في غزة.
ويقول أسامة حمدان إن “الحركة بقياداتها ومجلس شورتها، منذ لحظة استشهاد هنية، دأبت على التشاور والحوار، وفي غضون أيام كافية استطاعت أن تصل إلى إجماع حول السنوار، وهذا يعني أن دراسة معمقة أفضت أن يبايعه الجميع”.
أما الكاتب والباحث السياسي بشير عبد الفتاح فيقول لبي بي سي إن حماس “أرادت أن تعطي إشارة بأنها قادرة على ملء الفراغ القيادي في أسرع وقت ممكن، وربما طبيعة المرحلة الحالية فرضت أن يكون السنوار، الذي يُدير المعركة من داخل غزة، على رأس الحركة، وهنا يمكن القول إن السنوار جاء نتيجة عملية اختيار وليس انتخاب”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، حسن أيوب، “إن تعيين السنوار له انعكاساته في الضفة الغربية المحتلة، فهو قادر على التواصل مع كل الفصائل الفلسطينية، وسعى لإصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح وحماس”.
ويعتبر منصب رئيس المكتب السياسي العام أعلى مرتبة تنظيمية في الحركة. وتجري الحركة انتخاباتها العامة كل أربع سنوات، تنتخب خلالها مجلس الشورى، الذي يضم أعضاء المكتب السياسي، والذين يَنتخبون بدورهم رئيس المكتب ونائبه.
“مواجهة مريرة” Getty Imagesتصف إسرائيل السنوار بـ “الأكثر صعوبة وراديكالية”، ويقول عنه الضابط السابق بجهاز الأمن الداخلي ميخا كوبي، الذي استجوب السنوار لأكثر من 150 ساعة عندما كان سجيناً، إنه “صارم” وخال من المشاعر ولكنه “ليس سيكوباتياً”، وفقاً للواشنطن بوست.
ومع اغتيال إسماعيل هنية “المعتدل”، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في “مواجهة ندية” مع السنوار الذي يفهم العقلية الإسرائيلية، وبالتالي على “الشارع الإسرائيلي أن يتحمل هذه المعادلة”، بحسب قول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
ويضيف إيهاب جبارين في حديثه لبي بي سي أن “الإعلام الإسرائيلي المعارض طالما روّج بأن السنوار ونتنياهو هما سبب هذه الحرب، والآن تحققت هذه النبوءة”.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن تعيين السنوار “مفاجئ ورسالة لإسرائيل بأنه حي وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة وستبقى”.
وينقل جبارين بعض الأحاديث الدائرة في الأوساط الإسرائيلية التي “تُحمل نتنياهو أولاً مسؤولية الإفراج عن السنوار عام 2011، مروراً بهجوم السابع من أكتوبر ومن ثم اغتيال هنية الذي أفضى إلى قيادة السنوار للحركة”.
وبالنسبة لأهالي الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة فإن تعيين السنوار هو “الضربة القاضية”، كما يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
واختطف مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،251 رهينة إسرائيلية، ما زال 111 منهم في غزة، بينهم 39 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.
وردت إسرائيل بحملة عسكرية عنيفة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 39 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.
ما مصير مفاوضات وقف إطلاق النار في عهد السنوار؟ Getty Imagesأدى رئيس المكتب السياسي لحماس السابق، إسماعيل هنية، دوراً رئيساً كمفاوض خلال أشهر من المحادثات غير المباشرة بوساطة قطرية وبدعم من مصر والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يتيح عملية تبادل سجناء فلسطينيين ورهائن إسرائيليين.
وبالنسبة ليحيى السنوار فإنه “لم يكن بعيداً عن هذه المفاوضات، بل كان حاضراً في تفاصيلها”، كما يقول القيادي في حركة حماس أسامة حمدان لبي بي سي.
ويضيف حمدان أن “عملية التفاوض ستستمر، فتعثر المفاوضات ومماطلتها هو من الجانب الإسرائيلي”.
ويؤكد حمدان على أن “السنوار سيتابع مسار التفاوض وفق الثوابت المعروفة وهي وقف العدوان بشكل نهائي، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، إلى جانب فتح المعابر وإدخال المساعدات وإعادة إعمار القطاع”.
ويرى الكاتب والباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح أن عنوان المرحلة القادمة هو “التعنت والتشدد”، إذ يفاوض نتنياهو بهدف إطالة أمد الحرب وتحقيق مصالحه الشخصية”، أما السنوار “سيصر على إطلاق سراح بعض أصحاب المحكوميات العالية والقيادات الفاعلين في المقاومة الفلسطينية”، ويشير عبد الفتاح إلى أن إصرار السنوار سيضمن لنتنياهو “إلقاء اللائمة” على السنوار، بعدما كان الجميع “يُحمّل نتنياهو مسؤولية تعثر التوصل إلى اتفاق”.
Getty Imagesأما الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين فيقول إن “الشارع الإسرائيلي لن يقبل أن تحل الذكرى الأولى لهجوم السابع من أكتوبر ومازال أكثر من 115 رهينة داخل القطاع، ما يعني أن نتنياهو سيعود إلى طاولة المفاوضات عاجلاً أم آجلاً ويواجه السنوار”، ويضيف جبارين أن “المراهنة الأكبر الآن هي أن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً دبلوماسياً على رئيس الوزراء الإسرائيلي”.
وتصر إسرائيل على أنها لن تتوقف عن القتال ما لم تتحقق أهدافها الحربية، بما في ذلك تدمير حماس عسكرياً وسياسياً، وإعادة الرهائن.
وقال البيت الأبيض إن إسرائيل وحركة حماس ما زالتا قريبتين من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، على الرغم من تزايد المخاوف من نشوب حرب إقليمية في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران. ووجهت الاتهامات لإسرائيل التي لم تعلن مسؤوليتها عن الاغتيال.
وخلال الشهور الماضية استطاعت جهود الوساطة أن تحقق اختراقاً لمرة واحدة في شهر نوفمبر 2023، حيث اتفق الطرفان على هدنة إنسانية مؤقتة لمدة أربعة أيام وتم تمديدها يومين إضافيين، مكنت من إطلاق سراح 50 امرأة وقاصراً تحت سن الـ 19 عاماً من الرهائن عند حماس، مقابل الإفراج عن 150 امرأة وقاصراً من الفلسطينيين المعتقلين في سجون إسرائيل.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر المکتب السیاسی اختیار السنوار تعیین السنوار إسماعیل هنیة یحیى السنوار إطلاق النار أسامة حمدان رئیس المکتب عبد الفتاح حرکة حماس قطاع غزة یعنی أن على أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
الاستعمار لاستيطاني الإسرائيلي ومفارقة الإرهاب
عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حركة حماس على فرقة غزة ومستوطنات غلاف غزة، زعمت إسرائيل وجميع الحكومات الغربية أن إسرائيل وقعت ضحية "هجوم إرهابي" من قبل حماس، ولذلك فإن الدولة الصهيونية تتمتع بالحق الكامل في الدفاع عن نفسها ضد عدوها، وبما أن الجماعات المسلحة الفلسطينية تسببت في هذا "الهجوم غير المبرر" حسب ادعائهم، فعلى الفلسطينيين مواجهة حرب إبادة والتعرض للموت والدمار والتنكيل والتجويع والتهجير الذي تشنه عليهم إسرائيل باعتبار ذلك عملا من أعمال الدفاع عن النفس.
وقد صنفت دولة الاستعمار الاستيطاني التي قامت على "الإرهاب" كافة أشكال مقاومة مشروعها العسكرية والمدنية بالإرهاب، حيث بات "الإرهاب" صناعة صهيونية تبنته الدول الغربية، وشكل العقيدة الأمريكية الإمبريالية مع نهاية الحرب الباردة وحلول عصر الأحادية القطبية، وأصبح مصطلح "الإرهاب" يكافئ "الإسلام" وهوية الإرهابي تقتصر على العرب والمسلمين والفلسطينيين.
فمنذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت مفردة "الإرهاب" الأكثر تداولا على ألسنة قادة كيان الاحتلال الصهيوني وداعميهم الغربيين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وسرعان ما ترددت كلمة "الإرهاب" على ألسنة رعاة المستعمرة الصهيونية من الإمبرياليين الغربيين وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأصبحت مقولة "حماس هي داعش" سلعة رائجة، لكن الحقيقة التي بدت واضحة لكافة الأحرار في العالم أن "حماس" حركة تحرر وطني تناهض كيان استعماري استيطاني صهيوني قام على الإبادة والتطهير العرقي والإرهاب، وهو لم يتوقف عن استخدام الإرهاب في قمع مقاومة الشعب الفلسطيني.
الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق
إن الإصرار الغربي والإسرائيلي على وصف هجوم حماس بالإرهابي يتجاهل حقيقة التاريخ وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي، وهو مغالطة تستند إلى الغطرسة والتفوقية العرقية، إذ يعتبر الهجوم إرهابيا يقابَل بحق الدفاع عن النفس من الناحية المنطقية في حالات الحياة الطبيعية بين دولتين مستقلتين حسب ميثاق الأمم المتحدة (1945) الذي صمم لاستبعاد العدوان العسكري، والذي يميل إلى التسبب في خرق السلم والأمن الدوليين، لكن الحالة الفلسطينية ووضعية غزة تشير إلى أمر مختلف تماما، ففد احتلت إسرائيل غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، خلال حرب حزيران/ يونيو عام 1967، وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، رفضت إسرائيل الانسحاب من هذه المناطق.
وفي حالة غزة على وجه التحديد، واصلت إسرائيل ممارسة السيطرة الفعلية على غزة، مع أنها أعلنت رسميا عن انسحاب قواتها وإخلاء أربع مستوطنات يهودية غير شرعية في عام 2005، ويرجع ذلك إلى أن "خطة فك الارتباط" نصت صراحة على أن إسرائيل ستواصل السيطرة على غزة جوا وبحرا وبرا، بينما ستحتفظ بسيطرتها على المعابر الحدودية وكذلك المرافق والخدمات العامة، مثل إمدادات المياه والكهرباء. ومن ثم استمرت غزة في المعاناة من العدوان الإسرائيلي في شكل احتلال بحكم الأمر الواقع كما اعترفت به الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الدولية أو الإنسانية، مثل منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين على التوالي في عامي 1970 و1974 بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
عندما صرح الأمين العام للأمم المتحدة أن هجوم السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، فإنه كان يشير بطريقة دبلوماسية إلى تفسير مختلف، فالهجوم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية يقيادة حماس ضد إسرائيل لا يشكل هجوما إرهابيا مسلحا أو عملا من أعمال العدوان العسكري كما هو محدد في القانون الدولي، وذلك لأن الدولة الخاضعة للاحتلال العسكري تتمتع بحق الدفاع عن النفس كما هو مذكور في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمنح "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس فرديا أو جماعيا إذا وقع هجوم مسلح" ضد دولة. وقد تم الاعتراف بعدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة حتى قبل الحرب العالمية الثانية، وفلسطين دولة رغم أنها تقع تحت الاحتلال العسكري، ومنذ إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، اعترفت بها حوالي 140 دولة، وهي "دولة مراقبة" في الأمم المتحدة منذ عام 2012.
إن حق المقاومة لأي شعب يقع تحت الاحتلال العسكري مشروع من الناحية القانونية وهو حق ثابت للشعب الفلسطيني، وقد تقرر أن حق الشعب في تحرير وطنه من خلال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي هو حق طبيعي كحق الإنسان في الحياة. وعلى النقيض من ذلك، لا تتمتع القوة المحتلة بحق الدفاع عن النفس ضد أولئك الذين هم تحت الاحتلال العسكري، ولذلك فإن ادعاء إسرائيل ممارسة حق الدفاع عن النفس ضد الهجوم العسكري للفصائل الفلسطينية المسلحة في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيةيُعدّ تحريفا صارخا لقواعد ومبادئ القانون الدولي المتعلقة باستخدام القوة، والاحتلال العسكري، وتقرير المصير، وإقامة الدولة، إذ يُعدّ الاحتلال العسكري وأعمال العدوان العامة من أبشع الجرائم في القانون الدولي. وفي حالة غزة فإن إسرائيل هي التي ترتكب عدوانا مسلحا على غزة وشعبها، بالإضافة إلى ارتكابها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجوهر المشكلة يكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
تتجاوز إسرائيل وداعموها الغربيون حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني كقوة محتلة تقوم على الإرهاب في غزة منذ عام 1967، وكان عليها الالنزام القانوني بالامتثال لاتفاقيات لاهاي (1907) واتفاقية جنيف الرابعة (1949) وكذلك للقانون الدولي الخاص بقوانين النزاع المسلح والاحتلال العسكري. فبموجب القواعد ذات الصلة من القانون الدولي، يُحظر على الدولة المحتلة تغيير الوضع الراهن داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي يجب عليها تجنب توسيع نطاق قوانينها وأنظمتها لتشمل المنطقة المحتلة، وهي ملزمة بعدم اتخاذ تدابير قانونية وإدارية تضر بسلامة ورفاهية السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، فالقرارات والممارسات التي تهدف إلى حرمان السكان من سبل عيشهم الأساسية محظورة تماما بموجب القواعد القانونية الدولية.
ورغم ذلك تستمر إسرائيل وبدعم غربي في انتهاكٍ التزاماتها القانونية الدولية، بحيث تحوّل هجوم إسرائيل على غزة إلى حالة قتلٍ وإبادة متعمدٍ للفلسطينيين في غزة. وثمة أدلة دامغة على أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحقّ الغزيين خلال هجومها الوحشي على غزة جوا وبحرا وبرا، سعيا منها إلى إبادة أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين. كما أن قطعَ أساسيات الحياة في غزة، وهي الماء والغذاء والدواء والكهرباء، كان مُدبَّرا للتسبب في أكبر عددٍ ممكنٍ من الوفيات. كما خدمت هاتان الاستراتيجيتان الإباديتان هدفَ إسرائيل المتمثل في التطهير العرقي من خلال الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين من غزة.
إحدى المفارقات الصارخة أن دولة استعمار استيطاني قامت على الإرهاب، تصف المقاومة لاحتلالها بالإرهاب، فالإرهاب الصهيوني موثق بصورة جلية دون لبس، فقد مارس الكيان الصهيوني الإرهاب على أساس يومي تقريبا منذ العام 1937، في الوقت نفسه الذي كان فيه البلطجية النازيون يرهبون اليهود الأوروبيين، حيث نفذت العصابات الصهيونية المشكّلة من الغرباء اليهود "حملات محسوبة من الإرهاب" ضد الفلسطينيين الأصليين، وفي هذه الحملة، قد تعرض الفلسطينيون للذبح والتشويه والترويع بلا رحمة جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى "المارة العرضيين"، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية. وأغارت العصابات اليهودية على القرى العربية، وزرعت الألغام الأرضية، وأعدمت بدم بارد على غرار النازية القرويين المحاصرين، وضاعفت عصابة الإرغون العسكرية القومية الإرهاب من خلال التهديد بـقطع الأيدي العربية التي ترتفع ضد القضية اليهودية.
لقد استُخدم مصطلح "الإرهاب اليهودي"، أو "الإرهاب الصهيوني"، قبل سنة 1948، للإشارة إلى الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها عصابات صهيونية مسلحة، واستهدفت السكان العرب الفلسطينيين، كما استهدفت سلطات الانتداب البريطاني. فمنذ الثورة الفلسطينية الكبرى في سنوات 1936-1939 وحتى تأسيس دولة إسرائيل، استُخدم الإرهاب الصهيوني بصفته استراتيجية عسكرية لتسريع إنشاء دولة يهودية مستقلة، وتم شن هجمات كثيرة على الفلسطينيين، بهدف ترويعهم ودفعهم إلى الانتقال والهجرة خارج البلاد، وعلى مراكز الجيش والشرطة البريطانيين، كما نُظمت عمليات اغتيال وتفجيرات لأسواق وسفن وفنادق. وقد وقف على رأس هذه العصابات الصهيونية زعماء أصبحوا، في السنوات اللاحقة، رؤساء لحكومات إسرائيل، مثل دافيد بن غوريون ومناحم بيغن وإسحاق شامير.
تكشف المسألة الفلسطينية وحالة حماس عن ذاتية مصطلح "الإرهاب" وغير موضوعيه، إذ يشكل مصطلح "الإرهاب" دالا مبنيا سياسيا، لا تجمعه بالضرورة علاقة تناسب طبيعية بالمدلول، ويرتبط بإرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، وهو خطاب أدائي للسلطة السيادية في علاقات القوة، يرتبط بالمصالح الجيوسياسية كتوظيف سياسي، إذ تستخدم الولايات المتحدة مصطلح "الدولة الراعية للإرهاب"، ضد الكيانات السياسية المعارضة للتوجهات الأمريكية، وهوية الإرهابي رهن التسمية وليس الفعل في سياق خطابي تحدده المصالح القومية، وفي الوقت الذي يصعب من الناحية النقدية وصف حماس بالإرهابية، يمكن بسهولة وصف إسرائيل دولة إرهابية. وكانت بوليفيا قد أدرجت فعلا الكيان الإسرائيلي على قائمتها للدول الإرهابية.
الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب
فـ"الإرهاب" تسمية مفروضة وغير مفترضة واستراتيجية القوى الغاشمة للهيمنة والسيطرة وترتبط بهوية الفاعل وليس الفعل، وتنفرد الحالة الفلسطينية بالإجماع والتوافق الأمريكي حول هوية "الإرهابيين". فلطالما اتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، وليسوا أبدا ضحاياها، فيما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب. وقد تحول "الإرهاب" الذي اخترعه الغرب الإمبريالي والاستعمار الصهيوني إلى "مصطلح متداول يطلقه كل فاعل على أعدائه، إلى اتهام متبادل"، استفاد من الخلط والفوضى اللذين واكبا نشأة وتطور استخدام المفهوم ومعلوم أن "من يطلق الأسماء على الأشياء فهو يمتلكها"
إن الإصرار الأمريكي والأوروبي والصهيوني على تصنيف حركة "حماس" منظمة إرهابية يهدف إلى نزع الصفة السياسية عن عملها، ونزع الحصانة الإنسانية عن أعضائها، فوصف مقاومي حماس بالإرهابيين يضع جنود حماس في قائمة "محاربون لا شرعيّون"، بل إن حشر الفلسطيني في هوية جوهرانية إرهابية هي الأصل. ففي الصّحافة الإسرائيليّة والغربية كلّما تعرّض الجيش الإسرائيليّ لمقاومة غير منتظرة من الفلسطينيّين، اعتبرتها الصّحافة دليلا على عملهم الإرهابيّ، فحسب الرؤية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية لا يحقّ للإرهابيّ أن يقاوم، وهذه المفارقة تقع صميم الفكرة الّتي ينهض عليها برنامج "الحرب ضدّ الإرهاب"، هذه الحرب الغريبة الّتي يضحي فيها العدوّ مجرما بسبب دفاعه عن نفسه أو مقاومته.
خلاصة القول أن إسرائيل ليست دولة إرهابية عدوانية وتوسعية فحسب، بل هي أيضا دولة استعمارية استيطانية، تقوم على محو الشعب لفلسطيني، وجعل فلسطين "موطنا" للمهاجرين اليهود من جميع أنحاء العالم، فلم تقتصر الاستراتيجيات التي تنتهجها الدولة الصهيونية على المضايقات اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة احتلال عسكري وحشي. فقد انخرطت الدولة الصهيونية بشكل روتيني في التطهير العرقي بدم بارد وارتكبت المجازر والقتل العشوائي للفلسطينيين، ومارست انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
ولا تقتصر إسرائيل على استهداف الفلسطينيين فحسب، بل إن استراتيجياتها في التوسع الإقليمي والهيمنة وممارسة أقصى درجات العنف تستهدف أيضا العالمين العربي والإسلامي. فإسرائيل دولة شاذة تمارس الاستعمار الاستيطاني وتعتمد استراتيجيات الهيمنة والإرهاب والترهيب تجاه أي جهةٍ تعتبرها "معادية"، وهي تمارس إرهاب الخطف، والتهديد، والعمليات السرية ضد أهدافٍ داخل حدودها وخارجها، كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المتبقية في العالم التي تمارس نظام الفصل العنصري.
ومن الغريب أن حدود إسرائيل الإقليمية مجهولة، وهي دولة توسعية لم تكفّ عن انتهاج سياساتٍ عدوانية تجاه جيرانها العرب، رغم أنهم لم يعودوا يُشكلون أي تهديدٍ أو إزعاج لأمنها، وهو ما يكشف عن حقيقة الكيان الاستعماري الصهيوني وطبيعة علاقته كمتراس متقدم للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
x.com/hasanabuhanya