رحيل عراب “مجلة ماجد”.. ساحر حكايات الطفل العربي
تاريخ النشر: 10th, August 2024 GMT
كان العام 1979، وتحديداً في الثامن من فبراير، حين ولد “ماجد”، شخصية مجلة الطفل التي أصبحت الأشهر في العالم العربي، وكان ماجد الذي يقرأ الجمهور كلماته، هو أحمد عمر، أول رئيس تحرير للمجلة، والذي رحل عن عالمنا اليوم عن عمر يناهز خمسة وثمانين عاماً، إثر وعكة صحية.
وأحمد عمر كتب قصصاً مصورة ومقالات للأطفال، وكان يظهر في المجلة باسم الشخصية الرئيسية، ماجد الذي أحبه ملايين الأطفال من المحيط للخليج.
والكاتب الكبير خلد اسمه في عالم الصحافة، صاحب مخيلة رشيقة دافئة، استطاع بها أسر قلوب الكثيرين على مدى عقود. الابن.. حلم ليلة صيف
وكان أحمد عمر، بشهادة من عاصروه، وتحدث 24 لبعض منهم، يعتبر مجلة واجد ولده، حيث لم يكن له أبناء، وكان رجلاً بالغ المهنية والدقة والشغف، فيقضي ليله ونهاره في أروقة مجلة ماجد، يبدع ويخطط ويتابع الكتاب والمواد، ويحضر الأعداد مسبقاً، فعند طبع أي عدد من المجلة، تراه واضعاً أعداد أسابيع أخرى جاهزة قبلها، حتى لا يخاطر بأي تأخير عن الأطفال، وأثمرت جهوده، إذ استطاع الوصول لكل بيت عربي، ليدخل ماجد عليهم، كحلم ليلة صيف.
من تعاملوا مع أحمد عمر، وصفوه بفلتة زمانه، ورجل جيل ذهبي، وطالما، قال الراحل، إن أطفال العالم العربي كلهم أبناؤه، عبر مجلة ماجد.
الرفيق
وولد أحمد في 25 سبتمبر 1939، وتخرج في كلية الآداب قسم الصحافة، ثم التحق بالعمل في صحيفة الاتحاد الإماراتية، وكان عضواً في فريقها التأسيسي، وفي عام 1979 تولى رئاسة تحرير مجلة “ماجد”، وظل مشرفاً عليها لمدة 25 عاماً، محققاً نجاحات كبيرة، وفي عام 2004 حصد جائزة صحافة الطفل، تكريماً لإسهاماته.
وتأثر أحمد عمر بكتابات العديد من الأدباء والمفكرين، مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، وجمال الغيطاني، إضافة لكارل ماركس وسيغموند فرويد.
وآمن الراحل بسحر الكلمة على الورق، واعتبر الكتاب الورقي الرفيق الأمثل لعشاق القراءة، وله إرث طويل في الإبداع والصحافة، غير أن اسمه ارتبط بماجد، ومعاً حاكا قصصاً وأوقات لا تنسى في وجدان الفتيات والفتيان، وحتى الكبار ممن أغرموا جميعاً بعالم ماجد.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: أحمد عمر
إقرأ أيضاً:
فاطمة أحمد إبراهيم: “حج” فاطمة بت باشتيل الأدروبي إلى مسيدها التقدمي
عبد الله علي إبراهيم
(12 اغسطس 2017)
(قيل عن الفنار إنه لا يلاحق السفن يهديها سواء السبيل. فهو يشع فتهتدي به. وهذه حكاية عن فنار شيوعي).
انعقد المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للدراسات السودانية في 2004 بجامعة مدينة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا. وكان محوره مسألة المرأة في السودان. وكانت مساهمتي فيه هي عرض منزلة “مجلة صوت المرأة" في تنمية حركة المرأة كحركة اجتماعية تمثلت في الاتحاد النسائي السوداني. وقد أملي على هذه الخطة عاملان. أولهما أن العام القادم عام انعقاد المؤتمر (2005) يصادف الذكري الخمسين لصدور المجلة التي تأسست في 1955 وترأست تحريرها الأستاذة المربية فاطمة أحمد إبراهيم. أما العامل الثاني فهو أني بقدر ما قرأت أو استمعت إلى الباحثين في موضوع المرأة السودانية في أمريكا لم أجد منهم إشارة ولو عارضة إلى هذه المجلة. وقد أستثني الدكتورة فاطمة بابكر في كتابها "المرأة الأفريقية بين الإرث والحداثة" (2002). وهذا إهمال لا أدرى كيف ساغ لهؤلاء الباحثين والباحثات ممن يلقون بالأحكام حول الاتحاد النسائي بغير تقليب لمجلته الوحيدة الغراء. واستعنت في تقديم هذه المجلة كمصدر لا غني عنه للباحث على أرشيف ناقص دب فيه الفساد مودع بدار الوثائق القومية. وكنت دعوت في وقت سبق، وفي مناسبة عودة الأستاذة فاطمة للسودان، أن تسهر الناشطات في الاتحاد النسائي على استكمال أرشيف المجلة وإيداعها الإنترنت عوناً للباحثين حتى لا يخبطوا خبط عشواء.
بدا لي بعد دراسة مادة المجلة بعد صيتها وحسن ظن الناس فيها. فقد وقفت تبشر بالمعاني الذكية لجنس مهضوم لا حس له ولا وجود. وأسرت هذه المعاني جماعات من الناس وجعلوا المجلة قبلة ثقافية وسياسية لهم. وهذا ما يجازي به الناس مراكز الإشعاع وبؤر النهضة. وقد تذكرت بذلك كلمة علقت بها على تحقيق من كسلا قام به الشيخ درويش في سبعينات القرن الماضي. قال إنه سأل طفلاً عن ما يعرفه عن الخرطوم. فقال "دار الإذاعة". وعلقت أن على الإذاعة (وكان ذلك عيدها الأربعين) أن تفخر بأنها قد أصبحت عاصمة بمعني ما. وقد ركزت انتباهي خلال قراءتي لأعداد صوت المرأة على كيف أنها أصبحت عاصمة ما. عاصمة للتقدم يأوي إليها المسهدون به العاملون من أجله.
وأسرتني من بين كل رحلات هؤلاء المسهدين رحلة للمواطن باشتيل إبراهيم في نحو نوفمبر 1963 إلى دار صوت المرأة. وباشتيل من البجة وعامل بالسكة الحديد بمحطة هيا. وقد جاء إلى المجلة بصحبة طفلة في السابعة من عمرها حلوة هادئة، دقيقة التقاطيع. وقدمها للمحررة وقال إنها ابنته واسمها فاطمة. وقال إنها محور صراع دائر في أسرته. فقد أراد لها باشتيل أن تتعلم وألحقها بالمدرسة الأولية. ولم تقبل والدتها بذلك وقالت إن المدرسة مفسدة. ومال والده لصف زوجته. وتدخل الأهل لإثنائه عن خطته. وجادلهم بالحسنى وقال إن دخولها المدرسة من إكمال الدين حتى تعرف ربها معرفة وثقى. ولم يتراجع عن عزيمته قيد أنملة. وتعرض للأذى من أهله. فقد فتحوا فيه بلاغاً عند الشرطة بتهمة انتزاع البنت عنوة من أمها. ونجح في توضيح الأمر للشرطة وشطب البلاغ. وظل يقف يومياً بنفسه على تعليم فاطمة. فهو يسرح شعرها، ويعد لها ملابسها المدرسية، يحميها خلال رحلتها للمدرسة، ويذاكر معها درس اليوم في المساء.
وكانت خشية باشتيل الكبرى أن تنتكس بنته وتهجر الدارسة تحت تأثير بيئة البيت الكارهة للتعليم، ومعارضة الأم التي سكنت معها. ولهذا قرر أن ينتهز فرصة إجازته السنوية ليأتي بها إلى الخرطوم لتري بنفسها المتعلمات وجهاً لوجه حتى يرسخ حب التعليم في نفسها. وقد جاء بها برغم أنف أمها. وفي الخرطوم اصطحبها إلى الحدائق العامة، والمطار، والإذاعة، والمتحف، وبعض المدارس. وقال إنه كان يشرح لها على الطبيعة كيف شكل التعليم كل ما يدور حولها. وعندما زار صوت المرأة بدأ يحدثها عن المجلة والمحررات وصنعتهن التي هي بعض تعليمهن.
لم يحتطب باشتيل ليلاً حين غشي صوت المرأة. كان يعرف أنها الصوت الذي ما فتر يذكر الناس والدولة بضرورة تعليم المرأة. كانت افتتاحيات أساتذتنا فاطمة أحمد إبراهيم تتحدث عن وأدنا للبنات بحرمانهن من التعليم. وكانت إحصائيات نقص تعليمهن صافية لا لبس فيها. وكانت المجلة تستبشر بكل تصميم على التعليم. فحيت المجلة ناظرة مدرسة في بلدة مسمار لترغيبها الدمث لنساء البجة في التعليم. وحيت سيدة باسم عطامنو وأباها الشيخ الذي علمها في مدرسة القرية مع الأولاد، ثم جاء بها للخرطوم ليدخلها المدرسة الوسطى. فقبلتها الأحفاد مجاناً. رصدت صوت المرأة كل ذلك وبالصور التي كان زنكغرافها يكلف الشيء الفلاني. ولا بد أن باشتيل قرأ وشاهد كل ذلك. وألهمه ذلك توكلاً مضيئاً ليدفع مستحق التقدم. وقد صورته المجلة وابنته الحلوة الدقيقة التقاطيع شاهداً على حجه المبرور لمنارة من منارات التقدم، صوت المرأة.
"من كتابي "فاطمة أحمد إبراهيم: عالم جميل" من دار عزة، 2012
ibrahima@missouri.edu